الرئيسية/مقاطع/من أعجب الأدلة التي تدل على الله سبحانه وتعالى
|categories

من أعجب الأدلة التي تدل على الله سبحانه وتعالى

مشاهدة من الموقع

من أعجب الأدلة التي ذكرها ابن الجوزي رحمه الله في “صيد الخاطر”، قال: “نظرت في الأدلة على الحق سبحانه؛ فوجدتـها أكثر من الرمل، ورأيت من أعجبها: أن الإنسان قد يُخفي ما لا يرضاه الله ​​​​​​​، فيظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حينٍ، ويُنطق الألسنة به، وإن لـم يشاهده الناس، وربـما أوقع صاحبه في آفةٍ يفضحه بـها بين الخلق، فيكون جوابًا لكل ما أَخفَى من الذنوب؛ وذلك ليَعلم الناس أن هناك من يجازي على الزَّلَل، ولا ينفع مِن قدره وقدرته حجابٌ ولا استتارٌ، وكذلك يُخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه، ويتحدث الناس بـها وبأكثر منها، حتى إنـهم لا يعرفون له ذنبًا، ولا يذكرونه إلا بالمـحاسن؛ ليُعلم أن هنالك ربًّا لا يضيع عمل عاملٍ”[1].

هذه القضية التي ذكرها ابن الجوزي، ذكرها أيضًا من ذكرها من الحكماء قبله، ومن أشهر من ذكرها: زهير بن أبي سُلمى في قصيدته المشهورة، والتي قال فيها: 

ومهما يكن عند امرئٍ من خليقةٍ وإنْ خالها تخفى على الناس تُعلَمِ[2]

فالإنسان قد يُخفي ما لا يرضي الله ، ولكن مع مرور الزمن لا بد أن يظهر ذلك، وأيضًا في المقابل قد يُخفي الإنسان الطاعة، فتظهر عليه آثارها؛ ولهذا قال البخاري في “صحيحه”: “قالت عائشة: إذا أعجبك حُسن عمل امرئٍ فقل: اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، ولا يستخِفنَّك أحدٌ” [3]، وهذا قالته عائشة رضي الله عنها بعد مقتل عثمان ، وأرادت عائشة رضي الله عنها: أن أحدًا لا يستحسن عمل غيره، فإذا أعجبه عمل إنسانٍ فليقل له: اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ؛ ولذلك قالت: “ولا يَستخِفنَّك أحدٌ”، أي: لا تغتر بعمل أحدٍ فتظنَّ به الخير، إلا إذا رأيته واقفًا عند حدود الشريعة؛ وذلك أن بعض الناس قد يتَصنَّع الخير والطاعة والصلاح، ولكن واقعه بخلاف ذلك.

فلا بد من أن ترى سيرة ذلك الإنسان، ومدى وقوفه عند حدود الله ؛ ولذلك نقول: إن الله يلقي في قلوب عباده محبة أناسٍ، ويلقي في قلوب عباده بغض آخرين، يلقي في قلوب عباده محبة أناسٍ؛ لإيـمانـهم وصلاحهم وتقواهم؛ كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم:96]، بينما يلقي في قلوب العباد بغض أناسٍ آخرين، وهذا قد ذكره النبي : إن الله إذا أحب عبدًا؛ نادى جبريل: إني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، وينادي في الملائكة: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فتحبه الملائكة، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبدًا؛ نادى جبريل: يا جبريل، إني أبغض فلانًا فأبغضه، فيبغضه جبريل وينادي جبريل في السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض [4].

وهذا أمرٌ نجده في الواقع: نجد أن أناسًا -سبحان الله!- ألقى الله لهم القبول في الأرض، لا يراهم أو يسمع بـهم أحدٌ إلا أحبهم، بينما هناك أناسٌ ألقى الله البغضاء في قلوب عباده عليهم، لا يراهم أو يسمع بـهم أحدٌ إلا أبغضهم، وهذا طبعًا في الجملة وإلا قد يوجد أفرادٌ على العكس، يعني مثلًا: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم صفوة البشر، ومع ذلك هناك من عاداهم من البشر، وحصل ما حصل من بعض أقوامهم ما ذكره الله لنا في كتابه.

لكن الكلام في الأعم الأغلب، أن هذا في الأعم الأغلب: أن الله يلقي الـمحبة والمودة في قلوب عباده لمن اتقاه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم:96]، ويلقي في قلوب عباده البغضاء والكراهية لمن تجرأ على معاصيه وحرماته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 صيد الخاطر لابن الجوزي: (ص 67-68)، ط دار القلم.
^2 شرح المعلقات السبع للزوزني: (151)، ط دار احياء التراث العربي.
^3 رواه البخاري: 9/ 154.
^4 رواه البخاري: 6040، ومسلم: 2637.
مواد ذات صلة