|categories

(4) مسائل في الحج

مشاهدة من الموقع

المقدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا وسهلًا بكم مشاهدينا الكرام، مشاهدي شبكة قنوات المجد الفضائية، أهلًا بكم في برنامجكم “مسائل في الحج”، مع معالي الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

صاحب الفضيلة أهلًا وسهلًا بك.

الشيخ: أهلًا، حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.

المقدم: الله يبارك فيكم، ونشكرك دائمًا على ما تنثر بين أيدينا من دُرر وفوائد.

الشيخ: بارك الله فيك.

المقدم: شيخنا الكريم الآن تعرفنا عن أنواع الأنساك، المواقيت، الإحرام، الآن بدأ الحاج في طوافه، كثير من الناس يهمل كثيرًا مما يقال في الطواف، أو كيف يبدأ الطواف، وقضية هل يشير؟ وهل يقبل يده؟ وغير ذلك من المسائل.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالطواف عبادة عظيمة، والمسلم يطوف بهذا البيت العتيق بأمر الله ​​​​​​​، ويطوف سبعة أشواط، والطواف يبتدئ من الحجر الأسود، يجعل الكعبة عن يساره، ولو لم يتكلم في الطواف لكان طوافه صحيحًا.

لكن السنة أن يدعو، والدعاء هنا بما يحضره من خيري الدنيا والآخرة، لم يحفظ عن النبي في الطواف دعاء معين، إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

المقدم: والباقي.

الشيخ: ما عدا ذلك، فلم يحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام دعاء معين؛ ولهذا ما يوجد في بعض الكتيبات؛ دعاء الشوط الأول، ودعاء الشوط الثاني، ودعاء الشوط الثالث، هذا كله لا أصل له، نقول: اترك هذه الكتيبات، ادع الله تعالى بما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة.

بعض الناس يقول: ما أعرف، وهذا قد قاله أحد الناس للنبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به، فإني لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ، قال: ماذا تقول؟ قال: أسأل الله الجنة، وأستعيذ بالله من النار، قال النبي عليه الصلاة والسلام: حولها ندندن [1].

يعني: يكفي أن تسأل الله الجنة، وتستعيذ بالله من النار، تسأل الله المغفرة والرحمة، ونحو ذلك، نعم، مما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة.

السنة لمن تيسر له استلام الحجر الأسود وتقبيله، هذا هو الأفضل والأكمل، لكن معظم الحجاج الآن لا يتيسر لهم هذا، كما يعني نرى الآن يعني أعداد الحجيج كثيرة جدًّا، فلا يتيسر لمعظم الحجاج، ربما تسعة وتسعين في المائة أو أكثر لا يتيسر لهم تقبيل الحجر الأسود.

فإذا لم يتيسر، فيشير الطائف بيده اليمنى هكذا، عندما يمر على الحجر الأسود، يقول: الله أكبر، إشارة فقط.

المقدم: بدون أن يقبل يده؟

الشيخ: بدون أن يقبل يده، لكن لو أنه كان بيده عصا أو محجن أو نحوه، واستلم الحجر الأسود بعصاه، له أن يقبل هذه العصا.

المقدم: أما إذا لم يلمس؟

الشيخ: نعم، لما جاء في صحيح مسلم حديث أبي الطفيل: أن النبي لما طاف على بعيره، جعل يستلم الحجر الأسود بعصاه، ويقبل العصا [2]؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما حج حجة الوداع، حج مع قرابة مائة ألف، أعداد كبيرة، وتصور مائة ألف كل يريد أن يتأسى ويقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأن يكون قريبًا منه.

فلما بدأ النبي عليه الصلاة والسلام بالطواف غشاه الناس، ما استطاع أن يكمل، دعا ببعيره فركبه، وأكمل بقية الطواف على بعيره، كان عليه الصلاة والسلام إذا مر بالحجر الأسود أشار بعصاه، ثم قبَّل العصا.

فيكون إذن هناك ثلاث سنن عند الحجر الأسود:

  • السنة الأولى: استلام الحجر الأسود وتقبيله.
  • السنة الثانية: أن يشير إليه بعصا ونحوه ويقبلها، وهذه في الوقت الحاضر غير متيسرة.
  • السنة الثالثة: وهي ربما المتيسرة للأكثر، أنه يشير للحجر الأسود بيده، قائلًا: الله أكبر.

المقدم: بيد واحدة؟

الشيخ: بيد واحدة باليد اليمنى، قائلًا: الله أكبر، من غير زيادة: بسم الله؛ لأن بسم الله لم تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

المقدم: لا في البداية، ولا في غيرها، فقط الله أكبر.

الشيخ: نعم، الله أكبر فقط.

المقدم: هل يكبر في الشوط السابع؟

الشيخ: هذه المسألة محل خلاف بين العلماء، ومنشأ الخلاف: هل التكبير لأجل أنه بداية شوط، أو لأجل محاذاة الحجر؟ إن قلنا: لأجل أنه بداية شوط، معنى ذلك أنه لا يكبر في نهاية الشوط السابع، فتكون سبع تكبيرات، إذا قلنا: إن التكبير لأجل محاذاة الحجر، فمعنى ذلك أنه يكبر في نهاية الشوط السابع، فتكون ثمان تكبيرات، والأقرب أنه لأجل محاذاة الحجر، كلما حاذى الحجر كبر، فتكون ثمان تكبيرات.

فبقي الركن اليماني، الركن اليماني ورد فيه سنة واحدة فقط، وهي استلامه من غير تقبيل، فإن تيسر للطائف أن يستلمه استلمه، وإن لم يتيسر مشى، ولم يُشر ولم يُكبر.

أما بقية الأركان فلم يرد فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام.

المقدم: ماذا عما يلاحظ عن بعض الناس من التعلق بأستار الكعبة؟

الشيخ: التعلق بأستار الكعبة هذا غير مشروع، إلا في الملتزم، والملتزم: هو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، فهذا قد ورد عن بعض الصحابة أنه يضع الإنسان صدره ويديه ووجهه على الملتزم، ويدعو الله تعالى فيه، ويقال: إن الدعاء فيه مستجاب، وذكر بعض مشايخنا أنه قد دعا الله تعالى بدعوة، فتبينت له إجابتها، قال: إن الدعاء في هذا الموضع مستجاب.

روي فيه حديث عن النبي ، لكن في سنده ضعف، لكنه ثابت عن عدد من الصحابة أنهم كانوا يضعون صدورهم على الملتزم.

المقدم: أما عموم الكعبة فلا؟

الشيخ: هذا هو الملتزم فقط الذي يضع الإنسان يديه وصدره ووجهه إن تيسر، ويدعو الله ​​​​​​​، أما بقية الكعبة، فهذا لم يرد، والمسلم يعبد الله تعالى بما أراد الله، وبما أمر الله، وليس بما يهوى هو، أو بما يستحسنه بعقله هو.

الحقيقة إذا تأملنا البدع نجد أن البدع قائمة على الاستحسان العقلي، يستحسن الإنسان شيئًا بعقله، برأيه، بفكره، ثم يقوم ويأتي بهذه العبادة، ويقلده أناس، فيقعون في البدع؛ ولهذا ذمهم الله تعالى، فقال: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].

فالمسلم يعبد الله تعالى بما أراد الله، وليس بما يريده هو، إنما بما أراد الله ، هذا معنى العبودية، فالعبودية تجمع بين الذل والمحبة، لا بد أن يجتمع فيها كمال الذل، وكمال المحبة لله ؛ ولهذا يقال: طريق مُعبد، يعني: مُذلل.

فحتى تكون عبدًا لله تعالى، وتأتي بهذه العبادة، تأتي بها كما أمر ربنا ، كما أراد الله .

إذا فرغ الطائف من الطواف، فالسنة أن يصلي ركعتي الطواف، والأفضل أن تكون خلف المقام إن تيسر.

المقدم: إن لم تكن خلفه تكون بمحاذاته، ولو بعيدًا؟

الشيخ: نعم، إن لم تكن خلف المقام مباشرة، تكون بمحاذاتها ولو بعيدًا، إن لم يتيسر، ففي أي مكان من المسجد الحرام.

المقدم: حتى لو في المسعى؟

الشيخ: حتى لو في المسعى؛ لماذا؟ لأن الآن مع كثرة الحجيج قد لا يتيسر للإنسان أن يأتي بالركعتين خلف المقام، وهما مستحبتان؛ واستحبابهما مرتبط بالطواف، فالمهم أن يأتي بهما بعد الطواف، والأفضل أن يقرأ فيهما سورتي الإخلاص: قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُون و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، يعني يخففهما، لا يطيل فيهما، هكذا ورد عن النبي .

المقدم: الآن المسعى يعتبر من المسجد.

الشيخ: المسعى لا يعتبر من المسجد، المسعى مشعر.

المقدم: ولو صلى فيهما الركعتين؟ يعتبر صلى داخل؟

الشيخ: هذا نوقش في مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، هل المسعى الآن في الوقت الحاضر يعتبر جزءًا من المسجد الحرام، أم لا؟

وقرّر المجمع الفقهي بالأغلبية أنه مشعر مستقل، ولا يعتبر جزءًا من المسجد الحرام.

المقدم: لكن إذا اتصلت الصفوف؟

الشيخ: لكن ركعتي الطواف كما ذكرت هي مرتبطة بالطواف، ليست مرتبطة بالحرم، مرتبطة بالطواف، متى ما طاف يصلي ركعتين.

المقدم: لكن تجد لفظ الفقهاء يصلي في أي مكان في المسجد.

الشيخ: نعم، يعني الأمر في هذا واسع، والحمد لله.

المقدم: بعد صلاة الركعتين يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص: الكافرون والإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، التضلع من ماء زمزم.

الشيخ: التضلع من ماء زمزم سنة، وبخاصة بعد طواف الإفاضة؛ لأن النبي لما طاف طواف الإفاضة ذهب لزمزم وشرب منه قائمًا؛ لأن المكان كان مزدحمًا، وقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا إني أخشى أن الناس ينزعونكم يعني: السقاية لنزعت معكم، أو لسقيت الناس معكم [3]، فشجعهم عليه الصلاة والسلام بهذه الكلمات.

وماء زمزم ماء مبارك، سبحان الله! هذه العين نبعت من أكثر من خمسة آلاف سنة، ويستقي منها الناس جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، وتسحب منها هذه الكميات الهائلة من المياه، ومع ذلك لم تنضب، وبقيت يراها الناس، ويشربون منها، جعل الله تعالى في هذا الماء خاصية عجيبة، طعام طعم، وشفاء سقم، ماء مبارك، وماء زمزم لما شرب له [4].

المقدم: يثبت هذا؟

الشيخ: هذا روي فيه حديث عن النبي ، وقد صنف فيه الحافظ ابن حجر رسالة، وذكر أن هذا الحديث بمجموع طرقه يصلح للاحتجاج به، وذكر قصصًا عجيبة عن عدد من العلماء أنهم شربوا ماء زمزم لأمور حصلت لهم، ذكر عن الإمام الشافعي أنه شرب ماء زمزم لإصابة الرمي، فكان لا يكاد يخطئ الرمي.

وعن أبي عبدالله الحاكم أنه شرب ماء زمزم لحسن التصنيف، فكان أحسن أهل زمانه تصنيفًا، وذكر أيضًا عن نفسه هو الحافظ ابن حجر، قال: وأنا شربت ماء زمزم قبل عشرين عامًا لأجل أن أصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ، وأرى الآن أنني قريب من منزلته، وأسأل الله المزيد.

المقدم: من توسع في ذلك يشربه لعطش يوم القيامة؟

الشيخ: ماء زمزم لما شرب له.

المقدم: لكن النية لا بأس بها؟

الشيخ: الأمر في هذا واسع، يشرب ماء زمزم لما شُرب له، الأصل من عطش يوم القيامة، الذي يقي من عطش يوم القيامة هي الأعمال الصالحة، يعني: لو كان ليس عنده أعمال صالحة، وشرب ماء زمزم، ماذا ينفعه ماء زمزم؟ لا ينفعه، فيعني هذا أرى أنه غير مناسب؛ لأن عطش ماء زمزم مرتبط بعمل الإنسان الصالح، إن كان عنده أعمال صالحة، فإنه يشرب من حوض النبي شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، وإن كان ليس عنده أعمال صالحة، حتى لو شرب من ماء زمزم لا ينفعه ذلك، ولا يطفئ عنه عطش يوم القيامة، لكن ماء زمزم لما شُرب له مما أراده الإنسان في الدنيا، وقد شربه أناس لأمراض مستعصية، فشفاهم الله ​​​​​​​.

لكن أنبه هنا أن ماء زمزم لما شُرب له، لمن شربه بيقين؛ لأن بعض الناس يشربه مجربًا، يقول: أريد أن أجرب، من شربه مجربًا لا يفيده في الغالب، لكن من شربه بيقين هذا هو الذي ينتفع به، وهذا هو الذي يستفيد منه.

المقدم: وهو للشرب، أم يصلح كذلك للغسل، يعني من تكون فيهم جراحات، أو بعض الحبوب، قد يكون يعني أصب عليه؟

الشيخ: لا بأس، هو ماء مبارك، وابن القيم رحمه الله يقول: إنني قد أصبت بأدواء وأمراض مستعصية، يقول: لم أجد لها علاجًا، وذهبت لمكة، وأخذت ماء زمزم، وكنت أنفث فيه بسورة الفاتحة فقط، أقرؤها مرارًا، فأشرب هذا الماء، وقد شفاني الله تعالى من جميع الأمراض، وكنت أذكر هذه الوصفة لغيري من الناس، فيفعلونها فيجدون الشفاء التام، فإذا اجتمع ماء زمزم والرقية بسورة الفاتحة، هذه من أعظم ما تكون من النفع.

المقدم: والصب على الجسم؟

الشيخ: لا بأس.

المقدم: الآن السعي.

الشيخ: نعم، إذا انتهى من الطواف، فرغ من الطواف، فالأفضل أن يكون السعي بعد الطواف مباشرة، وإن فصل بينهما بفاصل فلا حرج، ونجد أن الفقهاء السابقين يقولون: يذهب للمسعى من بابه؛ لأنه كان في الزمن السابق كان المسعى مفصولًا عن الحرم، عن المسجد الحرام، أما الآن فقد اتصل به.

والسنة إذا دنا من الصفا أن يقرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158].

المقدم: ما المقصود بالدنو؟ الارتفاع.

الشيخ: المقصود بالدنو: القرب قبل أن يصل إلى الصفا، دنا يعني: اقترب، قبل أن يصل إلى الصفا، يقرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] لكن هل يقرأ الآية كاملة، أو يقف عند: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، نقول: إنه يقف؛ لأنه لم يرد إلا قراءة فقط أول الآية: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، أبدأ بما بدأ الله به.

المقدم: يقولها؟

الشيخ: يقول كذا: أبدأ بما بدأ الله به؛ اقتداء بالنبي .

المقدم:… أعلى الصفا؟

الشيخ: نعم، ثم يصعد أعلى الصفا، هذا مستحب وليس واجبًا، لكنه الأفضل والأكمل.

المقدم: وممكن الدعاء؟

الشيخ: نعم، ويرفع يديه، يحمد الله ويكبره ثلاثًا، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو، ثم يأتي بهذا الذكر، ثم يدعو، ثم يأتي بهذا الذكر.

فمعنى ذلك أنه أتى بهذا الذكر ثلاث مرات، ودعا مرتين؛ لأنه قال: دعا بينهما، ويرفع يديه متجهًا إلى الكعبة، يعني: إن أمكنه يرى الكعبة، أو متجهًا إلى جهة الكعبة.

المقدم: يفعل كذلك هذا في المروة؟

الشيخ: نعم، ثم بعد ذلك إذا هبط من الصفا يمشي مشيًا إلى أن يصل إلى الوادي، وهو الآن ما بين العلمين الأخضرين، ما بين اللون الأخضر، الآن وضع لون أخضر على امتداد هذا الوادي، فإذا وصل إلى العلمين الأخضرين، فإنه يسرع في مشيه؛ لأن هذا المكان كان واديًا، كان النبي يسرع فيه بالمشي بأقصى ما يستطيع.

المقدم: جري؟

الشيخ: نعم، بالجري، وبالقدر الذي لا يضر نفسه أيضًا، ولا يضر الآخرين، بعض الناس أيضًا يجري جريًا شديدًا.

المقدم: وهذا خاص بالرجال؟

الشيخ: نعم، وهذا خاص بالرجال، وأما النساء فلا يسرعن، وإنما يمشين مشيتهن المعتادة، إلى أن يصل إلى المروة، وهنا يعني في أثناء السعي يدعو، يشتغل بالدعاء كما فعل في الطواف، يدعو الله تعالى بما يحضره من خيري الدنيا والآخرة، وأما ما يُوجد في بعض الكتيبات؛ دعاء الشوط الأول من السعي، دعاء الشوط الثاني، دعاء الشوط الثالث، هذا لا أصل له، وإنما يدعو الإنسان بما يحضره من خيري الدنيا والآخرة.

فإذا وصل إلى المروة فعل كما فعل عند الصفا، يفعل ذلك سبع مرات، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط.

المقدم: لكن شيخنا أحيانًا في المروة يكون الدعاء متعذرًا للزحام، ماذا يفعل؟ الوقوف هناك قد يأتي من رجال الأمن من يمنع ذلك؟

الشيخ: لا، هو متيسر، يعني.

المقدم: يأخذ ناحيته؟

الشيخ: نعم، يعني مكان المروة متسع، يعني لا أذكر أنه مرة من المرات أني لم أستطع أن أدعو، المكان متسع، وأيضًا ربما أنه عندما يكون هناك زحام لا يطيل مراعاة لحال الناس، فإذا أكمل سبعة أشواط يكون بهذا قد فرغ من السعي.

المقدم: السعي في المسعى الجديد؟

الشيخ: المسعى الجديد هو في الحقيقة جزء من المسعى، هو يعني السعي فيه، كالسعي في المسعى القديم لا فرق؛ لأن السعي أمر الله تعالى بأن يكون بين الصفا والمروة: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158] وجبل الصفا متسع، ليس فقط هو ما يحاذي المسعى القديم، هو متسع، وهو جبل كبير، وله سفح؛ ولهذا جاء في الصحيحين: “أن النبي نادى قريشًا، فاجتمعت قريش كلها، ثم قال: لو قلت لكم: إن خيلًا ستغير عليكم، وإنها بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقام عمه أبو لهب، وقال: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ… [المسد:1] إلى آخر السورة” [5].

الشاهد قوله: خيلًا بسفح هذا الجبل فكونه خيل جيش كبير بسفح جبل الصفا؛ لأن الجبل مع جبل الصفا، هذا يدل على اتساع هذا الجبل، وقد شهد بذلك كبار السن، شهدوا بهذا باتساع هذا الجبل، وهكذا إلى المروة، فالمسعى الجديد لا إشكال فيه، ولا يجد المسلم في نفسه حرجًا من أن يسعى في المسعى الجديد، فهو يعني السعي فيه سعي في المسعى نفسه.

المقدم: نعم، أخيرًا الوضوء للطواف وللسعي.

الشيخ: أما السعي فالسعي لا يجب له الطهارة، ولا الوضوء؛ لأن المسعى خارج الحرم، هو مشعر مستقل، فلو أنه سعى على غير طهارة فلا حرج، والمرأة لو أنها سعت، وقد طافت قبل ذلك طوافًا مشروعًا، فسعيها صحيح.

وأما بالنسبة للطهارة للطواف، فهذه محل خلاف بين الفقهاء، فجمهور الفقهاء على إيجاب الطهارة في الطواف، وأنه لو طاف من غير طهارة، فطوافه غير صحيح، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا تشترط الطهارة لصحة الطواف، والذي ننصح به ألا يطوف الإنسان إلا متطهرًا خروجًا من الخلاف، خاصة أن القول بوجوب الطهارة هو قول الأكثر، وقول الجمهور، لكن مع ذلك لو أن أحدًا طاف من غير طهارة، فإنه يصعب الجزم بإبطال طوافه؛ لأنه ليس هناك دليل ظاهر يدل على إيجاب الطهارة للطواف.

والنبي حج معه مائة ألف من الصحابة، وطافوا بالبيت، ومائة ألف عدد كبير، وفيهم العامي، وفيهم الفلاح، وفيهم الأعرابي، وفيهم..، يعني لا بد أن يحصل من بعضهم أنه طاف من غير طهارة، فلو كان يشترط لصحة الطواف الطهارة لبيّن هذا النبي للأمة بيانًا واضحًا، ولاشتهر هذا كما اشتهر منع الحائض مثلًا من الطواف بالبيت، ويعني كما اشتهرت شروط الحج، وأركان الحج الأخرى، لكن هذا لم يرد.

المقدم: نعم، وخروجًا من الخلاف.

الشيخ: نعم، فمن حصل منه هذا، فطوافه صحيح، لكن الذي ننصح به ابتداء ألا يطوف المسلم إلا متطهرًا.

المقدم: نعم، رفع الله مقامك، وأشكرك شيخنا في ختام هذا اللقاء.

الشيخ: بارك الله فيكم، وشكرًا لكم وللإخوة المشاهدين.

المقدم: الشكر كذلك موصول لكم أنتم مشاهدينا الكرام، كان معنا صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

أطيب المنى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 793، وابن ماجه: 910، وأحمد: 15898.
^2 رواه مسلم: 1275، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه، ويُقبِّل المحجن.
^3 رواه مسلم: 1218.
^4 رواه ابن ماجه: 3062.
^5 رواه البخاري: 4971، ومسلم: 208.