|categories

(1) عقود المعاوضات المالية – عقد البيع

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله تعالى في المحاضرة الأولى لهذه المادة، مادة: عقود المعاوضات المالية.

هذه المادة التي تدرس لطلاب كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، هذه المادة تقع في ثلاث وحدات، ثلاث ساعات، وأهدافها تتلخص في:

  • تمكين الطلاب من التفقه في العلم الشرعي المتعلق بعقود المعاملات المالية.
  • إلمام الطلاب بالمعاملات المباحة والمحرمة.
  • تعريف الطلاب بكمال الإسلام وشموليته.

هذه المادة هي جزء من عدة مواد، يدرس فيها الطالب في الكلية أحكام المعاملات المالية، هناك مادة عقود الاستيثاق والاتفاق، وهناك العقد المالي، وحق الملكية، وهذه المادة هي مكملة لتلك المواد، هذه المادة تنحصر في المعاوضات المالية، أي: العقود التي يراد منها المعاوضة، كالبيع والإجارة والسَّلَم، وكذلك أيضًا مسائل الربا، وما يتبع هذه من عقود.

أهمية التفقه في أبواب المعاملات

قبل أن أبدأ في المنهج أحب أن أقدم بمقدمة في بيان أهمية هذه المادة، وأهمية التفقه في أبواب المعاملات عمومًا.

فأقول: إن عقود المعاوضات تدخل في أبواب المعاملات، وأبواب المعاملات هي في الحقيقة من أهم أقسام الفقه الإسلامي؛ ولذلك لا تخلو منها جميع كتب الفقه، وجميع كتب الحديث تجد أن فيها هذا القسم: أبواب المعاملات المالية؛ وذلك لعموم الحاجة إليها من جميع الناس، فكل إنسان يحتاج إلى تبادل المنافع مع غيره، إما ببيع أو بشراء أو بإجارة، أو غير ذلك من أنواع التعاملات، وتبرز الحاجة إلى التفقه في هذه الأبواب في الوقت الحاضر؛ بسبب ما استجد من معاملات لم تكن معروفة من قبل، فيحتاج الأمر إلى ضبط قواعد وأصول هذه الأبواب، مما يكون سببًا لمعرفة حكم الشرع في تلك المعاملات المستجدة.

وأوصي الطالب الذي يدرس هذه المادة بالعناية بها، والحرص على ضبط القواعد والأصول فيها، وسنحرص -إن شاء الله تعالى- عندما نشرح هذه المادة أن نربط الطالب في كل باب نشرحه بالأصول والقواعد والضوابط في ذلك الباب، وأيضًا مع التركيز على ما ورد في ذلك من الأدلة، والطالب عندما يتخرج من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، لا بد أن يكون لديه حصيلة على الأقل عن المعاملات الشرعية؛ لأنه متخرج من كلية الاقتصاد، ومن جامعة إسلامية، فينظر له نظرة خاصة، وهو أنه طالب يفترض أن يكون لديه حصيلة جيدة، خاصة في أبواب المعاملات، ولا يحسن بالطالب أن يتخرج من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، من جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية، وهو لا يعرف أحكام البيع، ولا يعرف مسائل الربا، ويكون كأشباه العوام في هذه المسائل، هذا لا يليق، ولا يحسن بالطالب الذي تخرج من هذه الكلية، وهذا يبرز لنا أهمية العناية بهذه المادة، والتفقه في هذه الأبواب التي سوف نشرحها.

سيكون الشرح -إن شاء الله تعالى- في ثلاثين حلقة، وسنتناول فيها كل ما يتعلق بالمعاوضات المالية، وسنبدأ أولًا بالتركيز على ما ورد في كل باب من النصوص الشرعية، ثم كذلك ننتقل للحديث عما ذكره العلماء من القواعد والضوابط، ثم بعد ذلك نُبيّن أبرز الأحكام الشرعية في ذلك الباب، ونربط ذلك بأبرز المعاملات المعاصرة.

مطلوب من كل مسلم أن يتفقه في دينه، ويتأكد في حق المسلم المشتغل بالتجارة وبالبيع والشراء، أن يتفقه في مسائل المعاملات، وعلى وجه الخصوص في أبواب المعاوضات المالية، وقد روي عن عمر بن الخطاب  أنه كان يبعث إلى من يبيع في أسواق المسلمين، فيُسأل البائع عن مسائل الحلال والحرام، فإن أجاب وإلا قيل له: قم، لا تقعد في أسواق المسلمين، تأكل الربا، وتؤكله المسلمين.

الأصل في المعاملات الحل والإباحة

والأصل في أبواب المعاملات الحل والإباحة، هذا هو الأصل، وهذه قاعده عظيمة في أبواب المعاملات، وقاعدة مهمة في عقود المعاوضات، وهي أنه لو اختلف اثنان في معاملة من المعاملات هل هي حلال أم حرام؟ فأيهما الذي يطالب بالدليل؟ الذي يطالب بالدليل هو الذي يقول: إن هذه المعاملة حرام، أما الذي يقول: إنها حلال، فلا يطالب بالدليل؛ لماذا؟ لأن معه الأصل، فإن الأصل في المعاملات الحل والإباحة.

وهذا على العكس تمامًا من أبواب العبادات، فالأصل في العبادات الحظر والمنع، إلا ما ورد الدليل بمشروعيته؛ ولهذا لو اختلف اثنان في عبادة؛ أحدهما يقول: إنها مشروعة، والآخر يقول: إنها غير مشروعة، فأيهما الذي يطالب بالدليل؟ الذي يطالب بالدليل هو الذي يقول: إنها مشروعة؛ لأن الأصل المنع والحظر.

إذًا المعاملات الأصل فيها الحل والإباحة، فما أباحه الله تعالى أكثر بكثير مما حرمه، وفيما أباحه الله تعالى غنية عما حرمه، ومن يتفقه في مسائل المعاملات، وفي مسائل عقود المعاوضات يستطيع في الحقيقة أن يصل إلى غرضه من غير وقوع في المحظور.

وأذكر لهذا قصة وقعت في عهد النبي ، فقد جاء في الصحيحين عن أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي استعمل رجلًا على خيبر، فجاء بتمر جنيب، والتمر الجنيب هو نوع من التمر الجيد، فقال رسول الله : أَكُلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، يا رسول الله، إنا نبيع الصاع من هذا بالصاعين -إنا نبيع الصاع من هذا يعني: من التمر الجيد- بالصاعين من الجمع -والجمع هو التمر الرديء- ونبيع الصاعين بالثلاثة، فقال النبي : أوّه، لا تفعل، هذا عين الربا، بع الجمع بالدراهم، واشتر بالدراهم جنيبًا [1].

ففي هذه القصة بيّن النبي أن بيع التمر الرديء بالتمر الجيد مع التفاضل أنه ربا، بل سماه عين الربا، وأرشد عليه الصلاة والسلام إلى المخرج وإلى البديل، وهو مخرج سهل وميسور، يستطيع المسلم أن يتجنب الوقوع في الربا إذا سلك هذا المسلك، وهو أن يبيع التمر الرديء بدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمرًا جيدًا؛ وبذلك يستطيع هذا الرجل الوصول إلى غرضه، وهو الحصول على التمر الجيد في مقابل التمر الرديء، مع تجنب الوقوع في الربا، وهذا من ثمرة الفقه في هذا الباب، فلو أنّ رجلين أحدهما باع صاعين بثلاثة، أو باع صاعًا بصاعين، هذا وقع في عين الربا، الآخر أخذ التمر الرديء وباعه بدراهم، ثم أخذ هذه الدراهم واشترى بها ما يريد من تمر جيد، هذا تجنب الوقوع في المحظور، وهذا يُبيّن لنا أهمية التفقه في الدين عمومًا، والتفقه في أبواب المعاملات وأبواب المعاوضات على وجه الخصوص.

إذًا الأصل في أبواب المعاملات الحل والإباحة.

ومن ثمرة التفقه في أبواب المعاملات أن المسلم يحصل على غرضه بطريق مباح، من غير وقوع في المحظور.

بعد هذه المقدمة، وهذه النبذة اليسيرة، ننتقل بعد ذلك إلى أول مفردات المنهج.

عقد البيع

نبدأ بعقد البيع، وسأتحدث معكم عن تعريفه، وكذلك الصيغة: صيغة البيع، وبما ينعقد، ونوع عقد البيع، ثم بعد ذلك شروطه، وكذلك قبل هذا أيضًا نشير إلى أركانه.

تعريف البيع

البيع: معناه في اللغة مطلق المبادلة، مشتق من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد يده للأخذ والإعطاء.

وتعريفه اصطلاحًا: مبادلة المال بالمال، تملكًا وتمليكًا، مبادلة المال بالمال تملكًا وتمليكًا، وهذا هو تعريف “المُوفّق” رحمه الله؛ وهناك تعريفات أخرى، لكن نقتصر على هذا التعريف؛ لأن البيع في الحقيقة من العقود المشتهرة، التي هي أشهر من أن تعرّف.

مشروعية البيع

والأصل في جوازه: الكتاب، والسنة، والإجماع.

  • فأما من الكتاب: فقول الله سبحانه: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، وقول الله تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282].
  • ومن السنة: قول النبي : البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا [2]، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة، بل الكثيرة جدًّا.
  • وقد أجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة.

والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه، ولا يبذله صاحبه بغير عوض، ففي تجويز البيع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه، ودفع حاجته.

أركان البيع

وأما أركانه: فالبائع، والمشتري، والسلعة، والصيغة التي ينعقد بها البيع؛ بائع ومشترٍ، والمبيع الذي هو السلعة، وكذلك الصيغة.

والصيغة: إما أن تكون قولية، أو فعلية؛ فينعقد البيع إذا بالصيغة القولية أو الفعلية.

والصيغة القولية تتكون من: الإيجاب والقبول.

الإيجاب: هو اللفظ الصادر من البائع، والقبول: اللفظ الصادر من المشتري.

الإيجاب اللفظ الصادر من البائع، كأن يقول: بعتك هذا الشيء أو نصيبك، أو نحو ذلك من العبارات الدالة على البيع.

القبول هو اللفظ الصادر من المشتري، كأن يقول: اشتريت أو قبلت، أو نحو ذلك من العبارات الدالة على الشراء.

وأما الصيغة الفعلية: فهي المعاطاة، التي تتكون من الأخذ والإعطاء، كأن يدفع إليه السلعة، فيدفع له ثمنها المعتاد، وأكثر أهل العلم على أن العقود تنعقد بكل ما دل عليها من قول أو فعل، وهناك من العلماء من يرى أن البيع لا ينعقد إلا بالصيغة القولية، لكن هذا القول قول ضعيف، والذي عليه عمل المسلمين من قديم الزمان إلى يومنا هذا، أن البيع كما أنه ينعقد بالصيغة القولية، فهو ينعقد كذلك بالصيغة الفعلية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “تصح العقود بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل”، وهذا هو الذي تدل له أصول الشريعة، ومعلوم أن البيع والإجارة والهبة ونحوها لم يحد الشارع لها حدًّا، لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ، ولا نقل عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه عين للعقود صفة معينة من الألفاظ أو غيرها، وليس لذلك حد في لغة العرب، بحيث يقال: إن أهل اللغة يسمون هذا بيعًا، ولا يسمون هذا بيعًا، فإذا لم يكن له حد في الشرع، ولا في اللغة، كان المرجع فيه إلى عُرف الناس وعاداتهم، فما سموه بيعًا فهو بيع.

نوع عقد البيع

ننتقل بعد ذلك إلى مسألة نوع عقد البيع، ومقصودنا بنوع عقد البيع يعني: من جهة اللزوم أو عدم اللزوم؛ وذلك أن العقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

  • عقود لازمة.
  • عقود جائزة.
  • عقود لازمة من وجه جائزة من وجه آخر.

عقود لازمة، ومعنى كونها لازمة، أي: أنها إذا انعقدت ولزمت فلا يملك أحد من الطرفين الفسخ، إلا برضا الطرف الآخر.

عقود جائزة، ومعنى الجواز هنا أنه يملك كل من الطرفين الفسخ، ولو بغير رضا الطرف الآخر.

عقود جائزة من وجه، لازمة من وجه آخر، يعني: أنها تكون من بعض الوجوه لازمة، ومن بعض الوجوه جائزة.

  • البيع هو من العقود اللازمة، فإذا انعقد، وحصل التفرق من مكان التبايع بالأبدان، لزم البيع، فلا يملك أي من المتبايعين فسخه إلا برضا الطرف الآخر، لو أن رجلًا قال لآخر: بعتك هذه السيارة، قال: قبلت، أو أتى بأي عبارة تدل على هذا، ثم تفرقا من مكان التبايع، فليس لأحدهما أن يفسخ هذا العقد إلا برضا الطرف الآخر؛ لأن عقد البيع من العقود اللازمة، ومثله كذلك عقد الإجارة، وهو من العقود اللازمة، لو أنك ذهبت إلى مكتب عقاري واستأجرت بيتًا، وكتبت العقد، ثم خرجت من هذا المكتب، ثم بدا لك في اليوم الثاني أن تفسخ العقد، فليس لك ذلك إلا برضا المؤجر، فإذًا البيع والإجارة هي من العقود اللازمة.
  • أما القسم الثاني: وهو العقود الجائزة، فقلنا في معناها: أنه يملك كل من الطرفين الفسخ، ولو بغير رضا الطرف الآخر، مثالها: الوكالة، فإنه في الوكالة يملك كل من الموكل والوكيل الفسخ، ولو بغير رضا الطرف الآخر.
  • القسم الثالث: عقود لازمة من وجه، وجائزة من وجه آخر، كالرهن، فهو لازم في حق الراهن، يعني: من عليه الحق، جائز في حق المرتهن، وهو من له الحق، فمن له الحق، يجوز له أن يفسخ الرهن، لكن من عليه الحق ليس له أن يفسخ الرهن، إلا برضا صاحبه.

إذًا البيع هو من العقود اللازمة، وبناء على ذلك ليس للبائع ولا المشتري أن يفسخ عقد البيع بعد لزومه بالتفرق بالأبدان من مكان التبايع إلا برضا الطرف الآخر، وهذا الفسخ الذي يكون برضا الطرف الآخر يسميه الفقهاء بالإقالة.

لو أن شخصًا مثلًا اشترى منك سلعة أو سيارة أو بيتًا، ثم إنه ندم، فأتى إليك وقلت له: البيع عقد لازم، وانتهى البيع، ولزم بالتفرق بالأبدان، فقال: أقلني، ويعني رجاك في هذا؛ فيستحب لك ولا يجب، يستحب لك ولا يجب أن تقيله، فتفسخ هذا العقد، وهذا على سبيل الاستحباب، وفي ذلك الحديث: من أقال مسلمًا بيعته، أقال الله عثرته يوم القيامة [3].

لكن الإقالة ليست واجبة، وإنما هي مستحبة.

شروط صحة البيع

بعد ذلك ننتقل للحديث عن شروط صحة البيع، والحديث عنها في الحقيقة يطول، ولكن نأخذ ما تيسر منها، بحسب ما يتسع له الوقت، ونكمل الحديث عن بقية الشروط في المحاضرة القادمة إن شاء الله.

هذه شروط لصحة البيع، وهي تختلف عن الشروط في البيع، الشروط في البيع هي قسم آخر سيأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى في محاضرة قادمة.

لكننا نتحدث الآن عن شروط صحة البيع، هذه الشروط ذكرها العلماء، وجمعوها هنا، وعرفوها بالاستقراء يعني باستقراء النصوص، جمعوا هذه الشروط في هذا الموضع.

تعريف الشرط

الشرط معناه في اللغة: العلامة.

واصطلاحًا ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، هكذا يعرفه الأصوليون، ومعنى ذلك أن عقد البيع لو اختل شرط من هذه الشروط، فإنه لا يصح.

هذه الشروط التي سنذكرها الآن، وهي سبعه شروط، لو اختل واحد منها، فإن البيع يكون غير صحيح.

الشرط الأول: التراضي من المتعاقدين

والدليل لهذا الشرط، هو قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، أي: إلا أن تكون تجارة صادرة عن تراض منكم، ويدل لهذا الشرط من السنة: حديث أبي سعيد الخدري  أن النبي قال: إنما البيع عن تراض [4]، وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه، وإسناده صحيح.

وبناء على هذا الشرط، لا يصح البيع مع الإكراه؛ وذلك لأن البيع مع الإكراه قد افتقد شرط من شروط صحة البيع، وهو التراضي، أن يكون البيع عن تراضٍ من المتعاقدين، ولكن هل هناك حالات يصح فيها البيع مع الإكراه؟

هذا سؤال نطرحه على الطلاب الذين يتابعون هذه المحاضرة، أطرح هذا التساؤل، هل هناك حالات يصح فيها البيع مع الإكراه؟

الجواب: نعم، هناك حالات يصح فيها البيع مع الإكراه، وهي ما إذا كان الإكراه بحق، يعني: يجمع هذه الحالات ما إذا كان الإكراه بحق، فيصح البيع؛ وذلك كأن يكره القاضي المفلس على بيع ماله لوفاء دينه، والمفلس هو مَن دينه أكثر من ماله، فعندما يطلب الغرماء الحجر على المفلس، فإن القاضي يأمر هذا المفلس ببيع ماله، فإن أبى فإن القاضي يجبره على ذلك، فهنا المفلس باع ماله مكرهًا، لكن هذا الإكراه بحق، فيصح البيع في هذه الحال.

مثال آخر: رجل رهن سيارته في دَين عليه، ثم إن هذا الدَّين قد حل، فطالب الدائن بدينه، ولكن المدين الذي هو الراهن أبى أن يسدد الدين، ففي هذه الحال يجبر هذا المدين الذي هو الراهن، يجبر على بيع سيارته؛ لأجل أن يستوفي الدائن حقه.

إذًا إذا كان الإكراه بغير حق هذا هو الإكراه الممنوع شرعًا، وهذا هو الإكراه الذي لا يصح معه عقد البيع، وأما إذا كان الإكراه بحق، فإن هذا لا بأس به، ويصح البيع مع الإكراه بحق، من غير كراهة، بعض أهل العلم كره أن يُشترى من مفلس؛ لكونه قد باع بغير رضًا منه، وبغير طيبة نفس، ولكن الصحيح أنه لا يكره؛ لأنه لو قلنا: إنه يكره، لامتنع الناس من الشراء من هذا المفلس، وإنما أكره على هذا البيع؛ لأجل المصلحة العامة، ومعلوم أن المصلحة العامة مقدمة على مصلحة الفرد.

نخلص من هذا أيها الأخوة إلى أن الشرط الأول هو التراضي من المتعاقدين، وعرفنا الدليل لهذا من الكتاب والسنة، وأن البيع المكره لا يصح، إذا كان الإكراه بغير حق، وأما إذا كان الإكراه بحق، فإنه يكون البيع صحيحًا، وسوف نستكمل إن شاء الله تعالى بقية الشروط في المحاضرة القادمة.

فإلى ذلك الحين، أستودعكم الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 بنحوه رواه البخاري: 2201، ومسلم: 1593.
^2 رواه البخاري: 2079، ومسلم: 1532.
^3 بنحوه رواه ابن ماجه: 2199.
^4 رواه ابن ماجه: 2185.
مواد ذات صلة