الرئيسية/برامج تلفزيونية/عقود المعاوضات المالية- جامعة الإمام/(2) عقود المعاوضات المالية – شروط صحة البيع
|categories

(2) عقود المعاوضات المالية – شروط صحة البيع

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أيها الأخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تتمة شروط صحة البيع

هذه هي الحلقة أو المحاضرة الثانية من هذه المادة، مادة: عقود المعاوضات المالية، وسبق أن تكلمنا في المحاضرة السابقة عن تعريف البيع وأركانه، وكذلك أيضًا ابتدأنا الحديث عن شروطه، وذكرنا أن للبيع سبعة شروط، وتكلمنا عن الشرط الأول وهو شرط التراضي من المتعاقدين، وذكرنا دليله، وأن المقصود به ألا يكون البائع والمشتري مكرهًا بغير حق، أما إذا كان مكرهًا بحق، فإن هذا لا بأس به، وذكرنا الأدلة لهذا كله.

الشرط الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف

ننتقل بعد ذلك للحديث عن الشرط الثاني، الشرط الثاني من شروط صحة البيع، هو أن يكون العاقد: وهو البائع أو المشتري، أن يكون جائز التصرف، أن يكون العاقد جائز التصرف، ومعنى جائز يعني: حرًّا مكلفًا رشيدًا، وبناء على ذلك: لا يصح البيع من الرقيق، يعني من غير الحر؛ لأنه لا يصح تصرفه إلا بإذن سيده، وكذلك أيضًا لا يصح البيع من غير العاقل، كالمجنون وكالطفل ونحوهما؛ لأنه قول يعتبر له الرضا، فلم يصح من غير عاقل، وأما الصبي المميز والسفيه فيصح تصرفهما بإذن وليهما، ويدل لهذا قول الله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، ومعنى قوله: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى يعني: اختبروهم؛ لتعلموا رشدهم، وإنما يتحقق هذا الاختبار بتفويض البيع والشراء إليهم؛ ليعلم من خلاله رشدهم، فدل هذا على صحة تصرف الصبي بإذن وليه، ومثل الصبي السفيه المحجور عليه، يصح تصرفه بإذن وليه، ويستثنى من ذلك الشيء اليسير، يصح تصرفهما فيه بغير إذن وليهما، يدل لذلك ما روي أن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفورًا، فأرسله، فالشيء اليسير يتسامح فيه في هذا.

الشرط الثالث: أن تكون العين المعقودة عليها مباحة النفع من غير حاجة

الشرط الثالث من شروط صحة البيع: أن تكون العين المعقودة عليها مباحة النفع من غير حاجة، أن تكون مباحة النفع من غير حاجة، وخرج بقولنا: مباحة النفع ما كان محرم النفع، كالخمر والخنزير وآلات اللهو، ونحو ذلك؛ لقول النبي : إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام [1]، متفق عليه.

حكم بيع الكلب والسنور

ولا يصح بيع، ما لا نفع فيه، كالحشرات ونحوها، وخرج بقولنا: من غير حاجة ما إذا كانت العين مباحة النفع لحاجة، كالكلب مثلًا، فإنه يباح الانتفاع به لحاجة الصيد أو الحرث أو الماشية، لكنه لا يصح بيعه؛ لنهي النبي عن بيعه، كما جاء في الصحيحين، عن أبي مسعود : “أن النبي نهى عن ثمن الكلب” [2].

وفي صحيح مسلم عن رافع بن خديج  أن رسول الله قال: شر الكسب مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجّام [3].

وهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على تحريم بيع الكلب.

قال ابن القيم رحمه الله: “وذلك يتناول كل كلب صغيرًا كان أو كبيرًا، للصيد أو للماشية أو الحرث، وهذا مذهب فقهاء أهل الحديث قاطبة”.

وقال ابن القيم: “ولا يصح عن النبي استثناء كلب الصيد بوجه”.

وبهذه يتبين تحريم بيع الكلب مطلقًا، حتى وإن كان كلب صيد أو حرث أو ماشية؛ البيع يحرم مطلقًا، حتى وإن كان كلب صيد أو حرث أو ماشية، لكن يباح اقتناء الكلب لهذه الأمور خاصة، ويقاس عليها ما كان مثلها في النفع أو أولى، كاستخدام ما يسمى بالكلاب البوليسية في الكشف عن المخدرات ونحوها، فهذا لا بأس به، استخدام هذا النوع من الكلاب، الكلاب البوليسية للكشف عن المخدرات، أو المواد المهربة، أو نحو ذلك، استخدامها من قِبَل رجال الجمارك، أو حرس الحدود، أو نحوهم، هذا كله لا بأس به؛ لأنها في معنى كلب الصيد أو الحرث أو الماشية، ويدل لجواز اقتناء كلب الصيد والحرث والماشية حديث ابن عمر قال: سمعتُ النبي يقول: من اقتنى كلبًا، ليس بكلب صيد، ولا ماشية، ولا حرث، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان [4]، وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم.

بهذا يتبين أيها الأخوة خطأ الذين يقتنون الكلاب؛ تقليدًا لغيرهم من الكفار، فإذا كان ينقص من أجرهم كل يوم قيراطان، فكم سينقص من أجرهم في الشهر؟ وكم سينقص من أجرهم في السنة؟!

والخلاصة: أن الكلب لا يجوز بيعه مطلقًا، لكن يجوز اقتناؤه لهذه الأمور الثلاثة، وما كان في معناها.

ويذكر الفقهاء هنا تحت هذا الشرط مسألة بيع الهر، ويسمى بالسنور، جاء في صحيح مسلم عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسنور، فقال: “زجر النبي عن ذلك” [5].

قال ابن القيم رحمه الله: “دل هذا الحديث الصحيح الصريح على تحريم بيع السنور -أي: الهر- وقد أفتى جابر بن عبدالله بموجبه، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، وكذلك أفتى أبو هريرة بموجبه، وهو مذهب طاووس، ومجاهد، وجابر بن زيد، وجميع أهل الظاهر، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.. قال ابن القيم: وهو الصواب؛ لصحة الحديث بذلك، وعدم ما يعارضه، فوجب القول به”.

هذا بالنسبة لبيع القطط، قلنا: الصحيح أنه لا يجوز، وأما اقتناء القطط فلا بأس به، كون الإنسان يجعل في بيته قطة مثلًا على سبيل الاقتناء، ليس يعني بيعًا ولا شراء، وإنما على سبيل الاقتناء، هذا لا بأس به، ويدل لذلك حديث أبي قتادة وفيه: … فجاءت هرة، فأصغى لها الإناء حتى شربت، ثم قال: إن رسول الله قال: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات [6]، أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح”.

الشرط الرابع: أن يكون المبيع مملوكًا للبائع، أو مأذونًا له فيه وقت العقد

ننتقل بعد ذلك للشرط الرابع من شروط صحة البيع، الشرط الرابع: أن يكون المبيع مملوكًا للبائع، أو مأذونًا له فيه وقت العقد، كالوكيل والولي ونحوه، الحقيقة أن هذا الشرط شرط مهم، ويقع الإخلال به من بعض الناس، خاصة في الوقت الحاضر، والدليل لهذا الشرط من القرآن هو قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، والأصل أنه لا يوجد أحد يرضى أن يتصرف غيره في ماله بغير إذنه.

ويدل لهذا الشرط من السنة حديث حكيم بن حزام أن النبي قال: لا تبع ما ليس عندك [7]، هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وهو حديث صحيح.

ويدل لهذا الشرط من النظر: أنه لو جاز للإنسان أن يبيع ما لا يملك لكان في ذلك من العدوان والفوضى ما لا تستقيم معه حياة البشر، ويقوم الوكيل، وهو من أذن له بالتصرف في حال الحياة، وكذا الوصي، وهو من أمر بالتصرف بعد الوفاة، وكذا ناظر الوقف وولي اليتيم، وهؤلاء كلهم يقومون مقام المالك؛ لأنهم لا يتصرفون إلا بالأحظ للمالك؛ لأن المتصرف لغيره يجب عليه أن يتصرف بالأحظ لذلك الغير.

بناء على هذا الشرط من باع ملك غيره بدون إذنه، فإنه لا يصح، من باع ملك غيره بدون إذنه فإن هذا البيع لا يصح، وكذا من اشترى مال غيره بغير إذنه، لم يصح شراؤه، وهذه المسألة تسمى عند الفقهاء بمسألة بيع الفضولي وشرائه، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فمن أهل العلم من قال: إنه لا يصح بيع الفضولي وشراؤه مطلقًا، ولكن القول الصحيح الذي عليه أكثر المحققين من أهل العلم: أنه يصح بيع الفضولي وشراؤه إذا أجازه المالك، ويدل لذلك ما جاء في صحيح البخاري عن عروة بن الجعد البارقي أن النبي أعطاه دينارًا ليشتري له به شاة، فاشترى له بهذا الدينار شاتين، ثم باع إحدى الشاتين بدينار، وأتى النبي بشاة ودينار، فدعا له النبي بالبركة، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه [8].

هذه القصة كما قلتُ يا أيها الأخوة في صحيح البخاري، جاء في رواية في غير الصحيح: “فلقد رأيتني أقف بالكوفة، فأربح أربعين ألفًا قبل أن أصل إلى أهلي” [9].

وهذا كله ببركة دعاء النبي ، هذا الرجل عروة  كان عنده حذق في التجارة، حذق في البيع والشراء، فلما أعطاه النبي دينارًا ليشتري له به شاة، ذهب واشترى بهذا الدينار شاتين، وباع إحدى الشاتين بدينار يعني حذق في الشراء، وحذق في البيع أيضًا، وقد أقره النبي على هذا، بل دعا له بالبركة.

وجه الدلالة من هذه القصة: أن النبي وكَّل عروة بن الجعد أن يشتري له شاة بدينار، فاشترى له به شاتين، ثم باع إحدى الشاتين بدينار، وقد أقره النبي على هذا التصرف، وعندما اشترى له بهذا الدينار شاتين يعني هذا تصرف فضولي، كذلك عندما باع إحدى الشاتين بدينار كذلك، هو من نوع هذا التصرف، ولكن هذا التصرف لما كان في مصلحة النبي أقره النبي على هذا، وأحيانًا قد يكون تصرف الفضولي فيه مصلحة كبيرة للبائع أو للمشتري لصاحب المال، فإذًا الفضول ليس كله مذمومًا، قد يكون منه ما هو محمود، قد يقصد الإنسان من الفضول الحرص على مصلحة هذا الشخص.

هذه القصة استدل بها كثير من المحققين من أهل العلم على صحة تصرف الفضولي إذا أجازه المالك، وهذا هو القول الراجح في حكم تصرف الفضولي، أو في حكم بيع الفضولي وشرائه، أنه يصح إذا أجازه المالك.

من الصور المعاصرة التي تذكر تحت هذا الشرط، ويقع معها في الحقيقة إخلال بهذا الشرط، ما يُرى من قيام بعض من يبيع بالتقسيط من أفراد أو شركات أو بنوك أو غيرها، نعم، أو غيرها، يقومون ببيع ما لا يملكون، فعندما يأتي من يريد شراء سيارة بالتقسيط، يريد يأتي إلى مؤسسة أو شركة أو بنك أو حتى فرد، ويبدي رغبته لهم، فتقوم تلك المؤسسة بإبرام عقد بيع معه، وهي لم تملك بعد تلك السلعة، فإن هذا محرم، ولا يجوز؛ لأن هذه المؤسسة أو الشركة أو البنك أو الفرد، قد باع ما لا يملك، وقد قال النبي : لا تبع ما ليس عندك [10].

طيب إذا أرادنا أن نصحح هذه العملية، نقول: ينبغي لهذه المؤسسة أو الشركة أو البنك أو الفرد أن يملك السلعة التي يراد بيعها بالتقسيط، يتملكها، ثم بعد ذلك يبيعها، أما أنه يبيع ما لا يملك فإن هذا لا يجوز، وعلى ذلك تأتي مسألة ما يسمى عند المعاصرين بالمرابحة للآمر بالشراء.

مسألة المرابحة للآمر بالشراء

وصورتها: أن يأتي إنسان يريد سيارة مثلًا، ويذهب إلى صاحب له أو إلى شركة أو بنك أو مؤسسة، ويقول: أريد أن تشتروا لي هذه السيارة، أو أريد أن تشتروا لي سيارة بهذه المواصفات، يعطيهم مواصفاتها، موديلها كذا، لونها، ويعطيهم بقية مواصفاتها، فإن اشتريتم هذه السيارة فسوف أشتريها منكم بالتقسيط، هذه تسمى بالمرابحة للآمر بالشراء، فيقوم الموعود بالشراء منه، بشراء تلك السيارة، ثم يبيعها على هذا الشخص الذي وعدهم بالشراء، هذه بحثها مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي وأجازها، لكن بشرطين:

  • الشرط الأول: أن يكون الاتفاق المبدئي بين هذا الشخص وبين تلك المؤسسة أو الشركة أو البنك على سبيل الوعد غير الملزم، فهو فقط يبدي رغبته بأنهم إن اشتروا هذه السيارة وتملكوها، فسوف يشتريها منهم، ويكون ذلك على سبيل الوعد غير الملزم، وإنما قلنا: غير الملزم؛ لأن الوعد الملزم هو بمعنى العقد، وإذا كان هناك عقد فتكون تلك الشركة أو المؤسسة أو البنك أو الفرد باع ما لا يملك، لكن على سبيل الوعد غير الملزم، والوعد غير الملزم هو في الحقيقة يمثل مجرد إبداء الرغبة في الشراء، وقد يتم رغبته، وقد لا يتمها، يعني لا يلزم بإتمام ما أبداه من تلك الرغبة، إذًا الشرط الأول: أن يكون الاتفاق المبدئي بينهم على سبيل الوعد غير الملزم.
  • الشرط الثاني: أن يقوم الموعود بالشراء منه بتملك تلك السلعة، وقبضها قبضًا تامًا، إذًا الشرط الثاني مرة أخرى أن يقوم الموعود بالشراء منه بتملك تلك السلعة، وقبضها قبضًا تامًا، فمثلًا هذه السيارة، يذهب هذا الفرد أو الشركة أو المؤسسة أو البنك بشراء تلك السيارة وقبضها، ثم يبيعها بعد ذلك على هذا الشخص الذي وعده بالشراء منه، فإذا تحقق هذان الشرطان فلا بأس بهذا البيع، وهذا هو الذي قد أقره مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وهذا ما يسمى ببيع المرابحة للآمر بالشراء.

الشرط الخامس: أن يكون المعقود عليه مقدورًا على تسليمه

ننتقل بعد ذلك إلى الشرط الخامس من شروط صحة البيع، وهو أن يكون المعقود عليه مقدورًا على تسليمه، أي: أن يكون كل من البائع والمشتري قادرًا على تسلم أو تسليم ما انتقل من ملكه أو إلى ملكه، ويدل لهذا الشرط ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة  أن النبي نهى عن بيع الغرر [11]، والغرر في غير المقدور على تسليمه ظاهر.

قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله: “اتفقوا على أنه لا يجوز بيع الغرر، كالضالة والعبد الآبق، والطير في الهواء، والسمك في الماء، ونحو ذلك”، فهذه كلها لا شك أن الغرر فيها ظاهر، لو قال إنسان لآخر: أنا عندي بعير شارد، وأريد أن أبيعه عليك، قيمته خمسة آلاف ريال، لكن أبيعه عليك بألف ريال، أنت وحظك، فإن هذا البيع لا يجوز؛ لأنه مشتمل على جهالة، وعلى غرر، كذلك أيضًا لو كان لإنسان طير في الهواء، وقال قيمة هذا الطير مثلًا، ولنفترض أنه صقر، لو افترضنا أن قيمته عشرة آلاف ريال، وهو في الهواء، لا يستطيع صاحبه الإمساك به، وليس من عادته أيضًا أنه يعود إلى وكْره، فأراد أن يبيعه على أحد الناس مثلًا بألف ريال أو بألفين، ويقول: أنت وحظك، هذا لا يجوز، حتى لو حصل التراضي بينهما؛ لأن في هذا جهالة وغررًا، كذلك أيضًا لا يجوز بيع المغصوب إلا على غاصبه، أو على قادر على أخذه من غاصبه، لا يجوز بيع المغصوب إلا على غاصبه، أو على قادر على أخذه من غاصبه، إذًا لو يعني طرحنا سؤالًا متى يجوز بيع المغصوب؟

الجواب: يجوز بيع المغصوب على غاصبه، أو على قادر على أخذه من غاصبه؛ لأن بيعه على غير القادر على أخذه من غاصبه فيه جهالة وغرر، وقد نهى النبي عن بيع الغرر، نجد أيها الأخوة أن الشريعة قد نهت عن البيوع التي فيها جهالة وغرر، التي يكون الغرر فيها فاحشًا، والغرر فيها كثيرًا؛ لماذا؟ لأن هذا الغرر في الحقيقة يُفضي إلى التنازع وإلى الخصومات بين الناس غالبًا، فغالبًا أن مثل هذا الغرر يُفضي إلى إيقاع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع، ويُفضي إلى الخصومة وإلى التنازع، وربما يحصل بينهما تراضٍ في أول الأمر، لكن مآل مثل هذه البيوع غالبًا يُفضي إلى الغرر، فلو افترضنا مثلًا في مثالنا السابق أن رجلًا باع جملًا شاردًا قيمة هذا الجمل عشرة آلاف، ثم إن المشتري ببذل أدنى جهد وجد هذا الجمل، ربما أن البائع لا يقبل بهذا البيع، ويفضي ذلك إلى المنازعة أو الخصومة أو على الأقل يفضي إلى إحداث شيء من الضغينة في صدره على أخيه المسلم، وقد سدت الشريعة كل الأبواب الموصلة إلى إحداث القطيعة والبغضاء والتشاحن بين أفراد المجتمع المسلم.

الشرط السادس: أن يكون المبيع معلومًا عند المتعاقدين برؤية أو صفة

ننتقل بعد ذلك إلى الشرط السادس من شروط صحة البيع، وهو أن يكون المبيع معلومًا عند المتعاقدين برؤية أو صفة، وبناء على هذا الشرط إذا اشترى مجهولًا لم يره، ولم يوصف له، فإن هذا البيع غير صحيح، ويكفي في الرؤية رؤية بعض المبيع الدال عليه، يعني لو أعطاه عينة مثلًا فيكفي مثل هذا، وإذا كان طبعًا متطابقًا، إذا كان متطابقًا وليس فيه اختلاف، البيع بالصفة من غير رؤية هذا يجوز أيضًا، يعني لا يلزم لصحة البيع رؤية المبيع، ولو أن شخصًا قال: عندي سيارة مواصفاتها كذا وكذا وكذا، وذكرها بـأوصاف تنضبط بها، فإن هذا البيع صحيح.

إذًا هل يشترط لصحة البيع رؤية المبيع؟

نقول: لا يشترط، وإنما يصح البيع بالصفة إذا كانت هذه الصفة منضبطة، وكان المبيع مما يمكن انضباطه بالصفة، فيصح البيع، لو وجد المشتري تلك السلعة على غير الصفة المطلوبة فإن له الخيار.

وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى عن هذه المسألة، فإن له الخيار، لو أنه اشترى سيارة بمواصفات معينة، ثم بعد ذلك لما أحضر البائع السيارة تخلفت بعض الصفات المؤثرة في الثمن، فإن للمشتري الخيار، بناء على هذا الشرط لا يجوز بيع الحمل في البطن، ولا اللبن في الضرع، وذلك للجهالة والغرر.

وسبق أن قلنا: إن الشريعة تحرم كل ما اشتمل على الجهالة والغرر؛ لأن ما كان مشتملًا على الجهالة والغرر يُفضي إلى إيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين.

الشرط السابع: أن يكون الثمن معلومًا عند المتعاقدين

الشرط السابع والأخير من شروط صحة البيع: أن يكون الثمن معلومًا عند المتعاقدين، كما أنهم اشترطوا أن يكون المبيع معلومًا، فالثمن أحد العوضين، فاشترط فيه العلم كالعوض الآخر، والبيع مع جهالة الثمن فيه غرر، وقد نهى النبي عن بيع الغرر، أما إذا باعه بما ينقطع به السعر، كأن يقول: أبيعك بما يقف عليه السوم، فقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من منع هذا، ومنهم من أجازه، والقول الصحيح هو: جواز ذلك، وقد اختار هذا القول: شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى؛ وذلك لكون الجهالة بالثمن في هذه الحال جهالة تؤول إلى العلم؛ ولهذا قال ابن القيم: وهذا القول هو الصواب المقطوع به، وليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ولا إجماع الأمة ولا قول صاحب ولا قياس صحيح ما يحرمه.

هذه أيها الأخوة هي شروط صحة البيع، وبهذا فقد انتهينا من الحديث عن شروط صحة البيع، ونلتقي بكم على خير في المحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2236، ومسلم: 1581.
^2 رواه البخاري: 2237، ومسلم: 1567.
^3 رواه مسلم: 1568.
^4 رواه البخاري: 5481 ومسلم: 1574.
^5 رواه مسلم: 1569.
^6 رواه أبو داود: 75، والترمذي: 92، وابن ماجه: 367، والنسائي في السنن الكبرى: 63، وأحمد: 22580.
^7 رواه أبو داود: 3503، والترمذي: 1232، وابن ماجه: 2187، والنسائي في السنن الكبرى: 6162، وأحمد: 15311.
^8 رواه البخاري: 3642.
^9 رواه أحمد: 19362.
^10 سبق تخريجه.
^11 رواه مسلم: 1513.
مواد ذات صلة