الرئيسية/برامج تلفزيونية/عقود المعاوضات المالية- جامعة الإمام/(9) عقود المعاوضات المالية- تتمة أقسام الخيار وبيع الأصول والثمار
|categories

(9) عقود المعاوضات المالية- تتمة أقسام الخيار وبيع الأصول والثمار

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه هي المحاضرة التاسعة في هذه المادة مادة عقود المعاوضات المالية، كنا قد تكلمنا في المحاضرة السابقة والتي قبلها، عن أقسام الخيار، ووقفنا عند القسم السابع من أقسام الخيار.

وسوف أستكمل إن شاء الله تعالى في هذه المحاضرة الحديث عن أقسام الخيار، ثم أتحدث بعد ذلك عن الإقالة، وما يتعلق بها من أحكام، ثم أحكام بيع الأصول والثمار، هذه هي مفردات المادة لهذه الحلقة.

تتمة أقسام الخيار

  • القسم السابع من أقسام الخيار: خيار يثبت لاختلاف المتبايعين في الجملة، فإذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن، بأن قال البائع: بعته عليك بعشرة، وقال المشتري: بل اشتريته منك بتسعة، فإن وجد بينة فالقول: قول صاحب البينة، طبعًا المقصود البينة يعني مر معنا هذا المصطلح، في هذه المادة أكثر من مرة، المقصود بالبينة يعني شهادة الشهود، أو القرائن المجتمعة، هذه أيضًا يصح أن تكون بينة، فإذا وجد بينة، فالقول: قول صاحب البينة، سواء كان البائع أو المشتري، وأما إذا لم تُوجد بينة، فيرى بعض الفقهاء أنهما يتحالفان، يعني يحلف كل واحد منهما، ويتفاسخان العقد، فيحلف البائع بأنه ما باع للمشتري بكذا، وإنما باعه بكذا، ثم يحلف المشتري أنه ما اشترى بكذا، وإنما اشترى بكذا، فإذا حلف أحدهما، ونكل الآخر، فالقول قول الحالف، نكل يعني امتنع عن الحلف، إذا حلف أحدهما وامتنع الآخر عن الحلف، فالقول قول الحالف.
    وذهب بعض أهل العلم إلى أن القول في هذه الحال، يعني إذا لم توجد بينة أن القول: قول البائع بيمينه، لحديث ابن مسعود رضي الله عنهما السابق الذي ذكرته في المحاضرة السابقة، وهو قول النبي : إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول: ما قال البائع أو يترادان [1]، أخرجه ابن داود والترمذي والنسائي وأبن ماجه وأحمد، وهو حديث صحيح.
    ولعل هذا القول هو الأقرب والله أعلم؛ وذلك لأن هذا القول تدل له ظاهر السنة، وهو حديث ابن مسعود ، وهو حديث صحيح وصريح، بعض أهل العلم يرى أن القول الأول هو قول بالتحالف، ثم فسخ العقد، ويرجع للقول الثاني، وهو أن القول للبائع؛ لأنه إذا تحالفا وتفاسخا، فإنّ المبيع سوف يرجع للبائع، فيقال للمشتري: إما أن تأخذ السلعة بالثمن الذي عينه البائع، وإما أن تترك البيع، هذا يعني أشار له الموفق ابن قدامة، فقال: ويحتمل أن يكون معنى القولين واحدًا، وأن القول: قول البائع مع يمينه، فإذا حلف فرضي المشتري بذلك، أخذ به، وإن أبى حلف أيضًا وفسخ البيع.
    والحاصل: أنه إذا حصل مثل هذا الخلاف، فإن المبيع يبقى عند صاحبه عند البائع، ويرد الثمن على المشتري، إذا اختلف المتبايعان في أجل، كأن يقول المشتري: اشتريت هذه السلعة بثمن مؤجل، وأنكر ذلك البائع، وقال: بل اشتريتها مني بثمن حال، فإذا كان هناك بينة، فالقول قول صاحب البينة، لكن إذا لم يكن هناك بينة، فالقول في هذه الحال قول من ينفي الأجل، القول قول من ينفي الأجل؛ وذلك لأن الأصل عدم الأجل، الأصل أن البيع يكون حالًا، والأصل عدم الأجل، فمن ادعى الأجل طولب بالبينة، فإن أتى ببينة، وإلا فالقول قول من ينفيه، يعني من ينفي الأجل، ومثل هذا أيضًا مثل هذا الاختلاف، كما لو اختلفا في شرط؛ وذلك بأن يدعي أحدهما أنه شرط على الآخر شرطًا، فينفيه الآخر، فإن القول: قول من ينفي الشرط؛ وذلك لأن الأصل عدم الشرط، إذًا ننطلق في هذا من قاعدة، وهي أن الأصل عدم الشرط وعدم الأجل، فإذا اختلف المتبايعان في شرط أو في أجل، فإن كان هناك بينة، فالقول قول صاحب البينة، وإن لم يكن هناك بينة فالقول: قول من ينفي الشرط أو الأجل.
  • القسم الثامن: أضافه بعض الفقهاء، منهم فقهاء الحنابلة، أضافوا قسمًا ثامنًا لأقسام الخيار، قالوا: وهو الخيار الذي يثبت فيما إذا أخبره بثمن، فتبين أن الثمن أقل، وهو ما يسميه بعضهم بخيار تخبير الثمن، كأن يقول: أبيعك هذه السلعة برأس مالي، ورأس المال علي عشرة آلاف، ثم يتبيّن أن هذا البائع كاذب، وأن هذه السلعة اشتراها بتسعة آلاف، رأس ماله تسعة آلاف، لكنه كذب على المشتري في هذا، أو يقول: أشركتك معي في هذه السلعة برأس مالي، ورأس مالي مائة ألف، ثم يتبيّن أنه كاذب، وأن رأس ماله ليس مائة ألف، وإنما تسعون ألفًا، أو يقول: بعتك هذه السلعة بربح كذا، على رأس مالي فيها، ثم يتبيّن أنه كاذب، وأن رأس ماله أقل مما أخبر به، أو يقول: بعتك هذه السلعة بنقص كذا وكذا، عما اشتريتها به، ثم يتبيّن أنه كاذب، فهذه الصور يسميها بعضهم بالتولية والشركة والمرابحة والوضيعة، هذه الصور الأربع إذا تبيّن أن رأس المال خلاف ما أخبره به فله الخيار بين الإمساك والرد؛ وذلك لأن البائع قد كذب على المشتري وغره، وأتى بخبر كاذب، بنى عليه المشتري قراره في شراء هذه السلعة، فيكون قد غره بهذا، فيثبت للمشتري الخيار.
    وذهب بعض العلماء إلى أنه لا خيار للمشتري في هذه الحال، وإنما يجرى الحكم على الثمن الحقيقي، لكن يحط عنه القدر الزائد فقط، يجرى الحكم على الثمن الحقيقي، ويحط عن المشتري القدر الزائد، فمثلًا إذا قال البائع: أبيعك هذه السلعة برأس المال، وهو علي عشرة آلاف، ثم تبيّن للمشتري أنه كاذب، وأن رأس المال تسعة آلاف، فبناء على هذا القول، لا خيار للمشتري، وإنما له الحق في مطالبة البائع بالقدر الزائد، وهو في هذا المثال كم؟ ألف ريال، فيقال للبائع: أعط المشتري ألف ريال، ولعل هذا القول هو القول الراجح، والله أعلم؛ وذلك لأن الأصل لزوم البيع، وعدم ثبوت الخيار للمشتري بعد التفرق بالأبدان، ولا نخرج عن هذا الأصل إلا بأمر واضح، وحصول الضرر للمشتري بسبب كذب البائع عليه، يمكن زواله بأن يجعل له الحق في مطالبة البائع بالقدر الزائد، أشبه ما لو كان ذلك بطريق الخطأ، لو حصل ذلك خطأ، فإن المشتري يطالب البائع بالقدر الزائد مثلًا، كذلك إذا حصل عن عمد أيضًا، فإن المشتري يطالب البائع بالقدر الزائد أيضًا، يعني مع التوبة من البائع عن هذا الذنب، وهذه المعصية بسبب الكذب.
    إذًا القول الراجح، هو عدم ثبوت هذا النوع من الخيارات، هذا هو القول الصحيح، هذا حاصل كلام الفقهاء في الخيار، وفي أقسامه، وذكرنا ثمانية أقسام، ورجحنا في القسم الأخير عدم ثبوته، فتكون أقسام الخيار بناء على القول الراجح سبعة، وبناء على ما ذكره فقهاء الحنابلة ثمانية أقسام، إذا ثبت الخيار لأحد المتعاقدين، فإن البيع لا يكون لازمًا في حقه، وإنما له الخيار في إمضاء ذلك العقد أو فسخه، وإذا لم يثبت فالأصل لزوم البيع.

الإقالة

سبق أن ذكرنا أن نوع عقد البيع أنه من العقود اللازمة، ومعنى كونه من العقود اللازمة، أي: أنه ليس لأحد من الطرفين فسخه إلا برضا الطرف الآخر، فالبيع إذًا من عقود اللازمة، إذا حصل التفرق بالأبدان فقد لزم البيع، لكن لو أن أحد المتبايعين -البائع أو المشتري- طلب من الآخر فسخ العقد، فنقول: لا يجب على الطرف الآخر أن يجيبه، ما دام أنه قد حصل التفرق من مكان التبايع بالأبدان، وقال: البيع قد نجز، وانتهى، لكن يستحب له أن يجيبه إلى طلبه في هذا، يستحب له، لاحظ أنه يستحب ولا يجب، يستحب له أن يجيبه، وهذا ما يسميه الفقهاء بالإقالة.

تعريف الإقالة وحكمها

ويُعرِّفون الإقالة بأنها: فسخ أحد المتعاقدين العقد عند ندم الآخر، وحكمها مستحبة وليست واجبة؛ لماذا قلنا: مستحبة، وليست واجبة؟ لأن البيع من العقود اللازمة، ما دام أن البيع قد حصل التفرق من مكان التبايع بالأبدان لزم البيع، ولا يلزم لأحد المتعاقدين فسخ العقد لأجل الطرف الآخر، وإنما ذلك يستحب له، فهو على وجه الاستحباب، والأصل فيها قول النبي : من أقال مسلمًا بيعته، أقال الله عثرته [2]، أخرجه أبو داود وابن ماجه.

وفي رواية: من أقال نادمًا عثرته، أقال الله عثرته يوم القيامة [3].

وهذا الحديث يدل على أنه يستحب للمسلم أن يقيل أخاه المسلم عند ندمه على بيع أو شراء، وأنه إذا فعل ذلك فإن هذا عمل صالح، يُؤجر ويثاب عليه، وهو موعود بأن يقيل الله تعالى عثرته في الدنيا والآخرة، والجزاء من جنس العمل، وربما تكون تلك الإقالة سببًا لحلول البركة في تلك السلعة؛ ولهذا يُحَثّ الناس على مثل هذا العمل النبيل، يعني لو أنك بعت شخصًا سلعة، ثم ندم المشتري يستحب لك أن تقيله، وترجع له الثمن، ويرجع لك المبيع، أو العكس، لو اشتريت سلعة، ثم ندمت يستحب أيضًا لصاحبك أن يقيلك، أو أن البائع هو الذي ندم مثلًا، على بيعه لهذه السلعة، فيستحب لك أنت أيها المشتري أن تقيله، كل هذا على سبيل الاستحباب، ويعتبر هذا من الأعمال الصالحة التي يُؤجر ويثاب عليها الإنسان.

هل الإقالة فسخ أم بيع؟

من المسائل التي يذكرها الفقهاء في هذا، مسألة هل الإقالة فسخ أم بيع؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين، فمنهم من قال: إنها بيع، وأجروا عليها أحكام البيع، والقول الثاني: وهو القول الراجح أن الإقالة فسخ، وليست بيعًا، وهذا هو المشهور في مذهب الشافعية والحنابلة.

ووجه هذا أن الإقالة هي عبارة عن الرفع والإزالة، يقال: أقال الله عثرتك، أي: أزالها، فكانت فسخًا للبيع لا بيعًا.

ويترتب على القول بأن الإقالة فسخ لا بيع، جملة من الأحكام، منها:

  • أن الإقالة لا تأخذ أحكام البيع، فتجوز بعد نداء الجمعة الثاني، باعتبار أنها فسخ، ولو قلنا: أنها بيع لما جازت بعد نداء الجمعة الثاني.
  • وأيضًا الإقالة تجوز في المسجد؛ لأنها فسخ، ولو قلنا: إنها بيع لما جازت في المسجد.
  • وأيضًا لا خيار فيها، ولا شفعة، ولو قلنا: إنها بيع؛ لكان ثبت فيها الخيار والشفعة.
  • وأيضًا لا يحنث بها من حلف ألا يبيع؛ لأنها ليست بيعًا، وإنما هي فسخ، لكن على القول: بأنها بيع يحنث بها من حلف ألا يبيع.

فهذه جملة من الأحكام المترتبة على القول بأن الإقالة فسخ، وليست بيعًا.

حكم الإقالة بأكثر من الثمن الذي وقع عليه العقد

ثمة مسألة متعلقة بالإقالة، وهي من المسائل المهمة، والتي يكثر السؤال عنها، وكثيرة الوقوع، وهي حكم الإقالة بأكثر من الثمن الذي وقع عليه العقد.

نصور المسألة بمثال: رجل باع بيته بمليون ريال مثلًا، ثم إنه بعد ذلك ندم على هذا البيع، كان يظن مثلًا أنه سيجد سكنًا مناسبًا، ثم بعد ذلك تبيّن له أن الواقع بخلاف ما كان يظن، فندم ندمًا شديدًا على بيعه لمنزله، فذهب للمشتري وطلب منه أن يقيله بيعته، وأن يفسخ العقد، فرفض المشتري إلا أن يقيله بعوض، فيقول: المشتري أنا أقيلك بيع هذا البيت، لكن بشرط أن تعطيني مثلًا عشرة آلاف ريال، أو عشرين ألفًا، أو أقل أو أكثر، فإذًا المشتري اشترط على البائع أن يقيله بعوض، فما حكم الإقالة بعوض، هل تجوز أو لا تجوز؟

هذه مسألة محل خلاف بين العلماء، فمن العلماء من منع ذلك، وقال: إنها لا تجوز، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، وعللوا لذلك بأن العقد إذا ارتفع بفسخه، رجع كل من المتبايعين بما كان له، فلم تجز الزيادة على الثمن.

والقول الثاني في المسألة: جواز الإقالة بعوض، فتجوز الزيادة على الثمن الذي وقع عليه العقد، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، رواها عنه الأثرم، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب في قواعده.

ووجه هذا القول: إن الإقالة لما كانت فسخًا للعقد، فإن الزيادة بمثابة الصلح بينهما، هي الإقالة الآن ليست بيعًا، وإنما هي فسخ، فلما كانت فسخًا، هي في الحقيقة يعني هذا العوض الذي يبذل هو بمثابة الصلح بينهما، فهنا لا وجه للقول: بعدم الجواز، مجرد أن هذا العقد أبرم، ثم يعني اصطلحا على فسخه مقابل عوض، فيكون هذا العوض بمثابة الصلح، وقد قال النبي : الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا، أو حرم حلالًا [4]، وقياسًا على بيع العربون، هذا الدليل الثاني؛ نقول:

  • الدليل الأول: أن الزيادة بمثابة الصلح.
  • الدليل الثاني: قياسًا على بيع العربون، فإن البائع يأخذ العربون من المشتري، لو لم يستمر في العقد، فكذلك هنا يأخذ أحد المتعاقدين عوضًا من الآخر نظير عدم استمراره في العقد.

وهذا القول هو القول الراجح -والله أعلم- في هذه المسألة، لا سيما أن فيه مصلحة للطرفين، فيه مصلحة لهذا الشخص النادم، ومصلحة للطرف الآخر، كونه يحصل على عوض، وليس في هذا ربًا ولا جهالة ولا غرر ولا ميسر، والأصل في أبواب المعاملات الحل والإباحة.

ثم أيضًا نحن قلنا: إن الإقالة التكييف الفقهي لها أنها فسخ وليست بيعًا؛ ولهذا فالقول الراجح هو القول بجواز الإقالة بعوض، بهذا نكون قد انتهينا من مسائل وأحكام هذا الباب، باب الخيار، انتهينا من مسائله وأحكامه.

بيع الأصول والثمار

ننتقل بعد ذلك إلى باب جديد، وهو بيع الأصول والثمار، بيع الأصول والثمار، وما يتعلق بها من أحكام.

تعريف الأصول

نبدأ أولًا بتعريف الأصول، فالأصول جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، ويطلق على ما يتفرع عنه غيره، والمراد بالأصول عند الفقهاء في هذا الباب: الدور والأراضي والأشجار، فإذا بيعت هذه الأصول ما الذي يتبعها في البيع فيكون للمشتري؟ وما الذي لا يتبعها فيبقى على ملك البائع؟

نقول إذا كان بين المتبايعين شرط وجب العمل بذلك الشرط؛ لعموم قول النبي : المسلمون على شروطهم [5].

وفي معنى الشرط العرف، فإنّ المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، أما إذا لم يُوجد شرط ولا عرف، فإن البيع يشمل الأشياء المتصلة بتلك الأصول، ولا يشمل الأشياء المنفصلة عنها في الجملة، إذن البيع يشمل الأشياء المتصلة دون المنفصلة، طيب إذًا بيع الدار يشمل بناءه وسقفه، وما هو متصل به، مما هو من مصلحته كالأبواب والنوافذ والقناديل المعلقة للإضاءة والستائر والسخانات والمكيفات المثبتة في أماكنها، يعني التي تسمى المكيفات المركزية، أما المكيفات غير المثبتة والمنفصلة، المكيفات الصغيرة هذه المعتادة، هذه لا يشملها البيع، ويشمل البيع كذلك ما يكون في محيط الدار من نخل وأشجار، ويشمل البيع كذلك ما أقيم في الدار من مظلات، ونحو ذلك، فليس للبائع أن يزيل ذلك بعد البيع إلا بشرط، لو كان هناك مظلة فإنها تدخل في البيع، وليس للبائع أن يزيلها إلا إذا كان قد شرط على المشتري.

إذًا يشمل بيع الأشياء المتصلة، ولا يشمل البيع الأشياء المنفصلة عن الدار، كأواني المطبخ مثلًا والفرش والأسرّة، ونحو ذلك، هذه لا يشملها البيع، إلا ما كان متعلقًا بمصلحة الدار، كالمفاتيح فيشملها البيع، حتى ولو كانت منفصلة، يعني المفاتيح هي منفصلة، ومع ذلك يشملها البيع؛ لأنها من مصلحة الدار، وكذلك أيضًا لو باع أرضًا شمل البيع كل ما هو متصل بها، مما يستمر بقاؤه فيها، كالغراس والبناء، ولو كانت تلك الأرض فيها زرع لا يحصد إلا مرة، كالبر والشعير فهو للبائع، ولا يشمله العقد، أما إن كان فيها زرع يجز مرارًا كالبرسيم مثلًا أو يلقط مرارًا كالباذنجان، فإن الجزة واللقطة الظاهرتين عند البيع تكونان للبائع، بينما أصوله تكون للمشتري.

طيب أيضًا من المسائل المتعلقة بهذا الباب: من باع نخلًا وبه طلع، فإن كان طلعه قد أُبّر يعني قد لقح، فثمره للبائع، أما إذا كان لم يلقح، فهو للمشتري، إذا كان لم يُؤبّر فهو للمشتري؛ لقول النبي : من ابتاع نخلًا بعد أن تُؤبّر، فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترطها المبتاع [6]، متفق عليه، والحكم منوط هنا بالتأبير، وهو التلقيح لا بتشقق الطلع.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى تعليق الحكم بتشقق الطلع، كما هو المشهور من مذهب الحنابلة، ولكن القول الراجح الذي يدل له ظاهر السنة: أن الحكم منوط بالتأبير؛ لأن النبي في هذا الحديث إنما علّق الحكم بالتأبير، قال: من ابتاع نخلًا بعد أن تُؤبّر، فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترطه المبتاع.

فالقول الراجح إذًا أن الحكم منوط بالتأبير، وهو بالتلقيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إنما علق الحكم بالتأبير، ولم يعلّقه بتشقق الطلع.

وبناء على هذا القول لو تشقق الطلع ولم يُؤبّر فإنه لا يكون للبائع، وإنما يكون للمشتري، وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبهذا أيها الإخوة نفهم كمال وسمو هذه الشريعة، حيث راعت نفسيات المتبايعين، هذا البائع للنخل الذي قد أبره يعني لقحه، وتعلقت نفسه به، وتعب فيه، مقتضى الحكمة أن يجعل ذلك الثمر له، إلا أن يشترطه المشتري، أما قبل التأبير فنفس البائع لم تتعلّق به غالبًا، نفس البائع لا تتعلّق به غالبًا، ومثل النخل في الحكم، سائر الأشجار كالبرتقال والتفاح والرمان والعنب، ونحو ذلك إذا بيعت بعد ظهور ثمرها، فإن الثمر يكون للبائع، إلا أن يشترطه المشتري، قياسًا على النخل في هذا، أما إذا بيعت الثمار دون أصولها، فلا بد أن يكون ذلك بعد بدو صلاحها، فلا يصح بيع الثمار قبل بدو صلاحها، في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “نهى رسول الله عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع” [7].

وأيضًا جاء في حديث أنس : “نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعلى النخل حتى يزهو، قيل: وما يزهو؟ قال: يحمر أو يصفر” [8].

وأيضًا عنه : أن النبي نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد [9]، أخرجه أبو داود وغيره.

ففي هذا إذًا نهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه للبائع والمشتري، أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بغير حق، وأما المشتري فلئلا يضيع ماله.

وعلامة بدو الصلاح في النخل هو أن يحمر أو يصفر، كما جاء ذلك في بعض الروايات، أما علامة بدو الصلاح في غير النخل فإنها تختلف باختلاف الشجر، بدو الصلاح في العنب مثلًا بنموه حلوًا، وبدو الصلاح لبقية الثمار كالبرتقال والتفاح والبطيخ والرمان والخوخ والمشمش ونحو ذلك أن يبدو فيها النضج، ويطيب أكلها، وعلامة بدو الصلاح في الحب أن يشتد ويبيض.

والحكمة من النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وعن بيع الحب قبل اشتداده، هو أنه في تلك الفترة معرض للآفات غالبًا، ومعرض للتلف، كما يدل لذلك حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “نهى رسول الله عن بيع النخل حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة” [10].

في هذا إشارة إلى الحكمة، والغالب أن الثمار قبل بدو صلاحها تكون معرضة للآفات غالبًا، لكن بعد بدو الصلاح يقل هذا الاحتمال، والحكم مُعلّق بالغالب، وفي النهي عن بيع الثمر قبل بدو الصلاح في ذلك رحمة بالناس، وحفظ لأموالهم، وقطع للنزاع الذي قد يقع ويُفضي إلى العداوة والبغضاء.

ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، وهذه المحاضرة، وألتقي بكم على خير في المحاضرة القادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 3511، والترمذي: 1270، وابن ماجه: 2186، والنسائي: 4648، وأحمد: 4446.
^2 رواه أبو داود: 3460، وابن ماجه: 2199.
^3 رواه ابن حبان: 5029.
^4 رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352، وابن ماجه: 2353، وأحمد: 8784، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
^5 رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
^6 رواه البخاري: 2204، ومسلم: 1543.
^7 رواه البخاري: 2194، ومسلم: 1534.
^8 رواه مسلم: 1536.
^9 رواه أبو داود: 3371، والترمذي: 1228، وابن ماجه: 2217، وأحمد: 13314، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
^10 رواه مسلم: 1535.
مواد ذات صلة