الرئيسية/برامج تلفزيونية/عقود المعاوضات المالية- جامعة الإمام/(19) عقود المعاوضات المالية- تتمة شروط السلم وتداول السندات
|categories

(19) عقود المعاوضات المالية- تتمة شروط السلم وتداول السندات

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه هي المحاضرة التاسعة عشرة، والتي أستكمل فيها ما تبقى من مسائل وأحكام السلَم إن شاء الله تعالى، ثم ننتقل بعد ذلك للكلام عن تداول السندات، كنا قد تكلمنا في المحاضرة السابقة عن جملة من أحكام السلَم، وعرَّفنا السلَم بأنه: عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد.

تتمة شروط السلم

ثم ذكرنا أنه يُعتبر نوعًا من البيع، وأنه يسمى بيع المحاويج، وأن فيه جهالة وغرر، لكن الجهالة والغرر احتمل للحاجة، وأيضًا يعني أن الغرر فيه يسير في الجملة، ثم تكلمنا عن شروط صحة السلَم، وذكرنا أنه يشترط لصحته ما يشترط لصحة البيع، ويضاف لذلك شروط أخرى، تكلمنا عنها وكان آخر شرط تكلمنا عنه الشرط السادس، وهو أن يقبض رأس المال في مجلس العقد.

قلنا: إن هذا الشرط هو من أهم الشروط أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد، وعرفنا العلة في هذا، وهو أنه إذا لم يقبض الثمن في مجلس العقد، فإن ذلك يؤول إلى أن تصير المسألة من قبيل بيع الدين بالدين؛ وهو لا يجوز، وقلنا: إن هذا الشرط متفق عليه بين العلماء إلا أن المالكية يجيزون تأخير تسليم رأس المال بثلاثة أيام فقط، وقد أخذ بهذا مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من المؤتمر الإسلامي، ما زاد على ثلاثة أيام العلماء متفقون على تحريم تأخيره، وأنه لا يجوز؛ لأنه يؤول إلى أن تكون المسألة من قبيل بيع الدين بالدين.

الشرط السابع: أن يُسلّم في الذمة

من شروط صحة السلَم أن يُسلّم في الذمة، فيكون المُسلَّم فيه غير معين، أي أنه موصوف في الذمة، وبناء على ذلك لا يصح السلَم في شجرة معينة أو في بستان معين؛ وذلك لأنه لا يؤمن تلفه وانقطاعه، قال ابن منذر رحمه الله: “إبطال السلَم إذا أسلَم في ثمرة بستان بعينه كالإجماع من أهل العلم”، وقد أخرج ابن ماجه في سننه عن عبدالله بن سلام أنّ النبي أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى، فقال اليهودي: من تمر حائط بني فلان، فقال النبي : أما من حائط بني فلان فلا، ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى [1].

هذا الحديث وإن كان في إسناده مقال، فهو ضعيف من جهة الإسناد، إلا أن معناه صحيح، وإن كان لا يثبت ولا يصح من جهة الإسناد، وقد أخرجه كما ذكرنا ابن ماجه في سننه، وفي سنده مقال إلا أن معناه صحيح، بل معناه الذي دل عليه هو كالإجماع بين أهل العلم.

ولهذا نقول: عندما يراد عقد السلَم لا بد من أن يكون على موصوف بالذمة، ونحن مثّلنا للسلَم في المحاضرة السابقة بمثال، لو أن رجلًا أتى بعشرة آلاف ريال، وأعطاها فلانًا من الناس، قلنا: مثلًا أعطاه عشرة آلاف ريال في شهر رمضان، أو في شهر شوال، على أن يُسلّم له مثلًا مائة كيلو تمر من نوع كذا، في شهر كذا، يعني وقت نضج التمور، فهذا سلَم، لكن لو أنه قال: هذه عشرة آلاف ريال سلَم في التمر الذي من بستانك، في مائة كيلو تمر من بستانك هذا لا يجوز؛ لماذا؟ لأنه قد لا تحمل نخيل بستان هذا الرجل، قد لا تحمل في ذلك العام، قد يصيبها آفة، قد يصيبها ما يمنع ظهورها، فيكون في ذلك غرر، وفي ذلك جهالة، وإلا أي فرق بين هذا وبين بيع المعدوم، وبيع ما لا يقدر على تسليمه.

ونحن ذكرنا في محاضرات سابقة أن هذا لا يجوز، وإنه إذا اشتمل البيع على غرر وعلي جهالة أو عدم قدرة على التسليم، فإن هذا لا يجوز، لكن هنا في السلَم اكتملت الجهالة والغرر؛ لأن العقد على موصوف في الذمة، ليس على معين، على موصوف في الذمة، هو يقول مائة كيلو تمر من نوع كذا، تأتي بها من أي مكان من مزرعتك، من مزرعة جارك، من السوق، من أي مكان، لكن إذا حدد المكان هنا يكون فيها جهالة وغرر؛ ولذلك لا يجوز أن يكون السلَم إذا في شجر، ولا في بستان معين، ولا في مكان معين، يعني مكان ضيق كالبستان مثلًا، أو كالمزرعة هنا يعني يكون هذا محرمًا، إذا لا بد من شروط صحة السلَم أن يكون السلَم موصوفًا في الذمة، أما مكان الوفاء، فإنه لا يشترط ذكر مكان الوفاء، إلا أن يكون موضع العقد مما لا يمكن الوفاء فيه، كما لو عقد في طائرة أو سفينة، ونحو ذلك، فلا بد من ذكر مكان الوفاء حينئذٍ، في الوقت الحاضر يمكن أن يستفاد من السلَم على نطاق واسع في عقود التوريد، في عقود التوريد هذه إن شاء الله سنتكلم عنها، وسنبين وجه الاستفادة من السلَم في عقود التوريد، نبيّن بإذن الله تعالى في حينه.

ثمة مسائل متعلقة بالسلَم لا زالت متبقية في المنهج: انتقال الملك في العوضين، هو كما ذكرنا أن السلَم في الحقيقة نوع من البيع، وقلنا: إنه بيع محاويج، وأنه لا بد من التقابض قبل التفرق، فإذا قبض هذا الرجل الثمن، قبض وثبت في ذمته ما اتفقا عليه، فحينئذٍ ينتقل يعني يكون له في ذمة صاحبه ما اتفقا عليه، وهذا الشخص الذي قد قبض الثمن يكون الثمن ملكًا له، فهو يملك الثمن، ويثبت في ذمته المُسلَّم فيه.

حكم التصرف في دين السلَم قبل قبضه

هل يجوز التصرف في دين السلَم قبل قبضه؟

  • جمهور الفقهاء يمنعون من هذا، يقولون: إنه لا يصح التصرف في دين السلَم قبل قبضه، ولا يصح بيع المُسلَّم فيه قبل قبضه مطلقًا، واستدلوا بحديث أبي سعيد  أن النبي قال: من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره [2]، وهذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي؛ لكنه ضعيف، هذا حديث ضعيف، ضعّفه المحدثون، ضعّفه أبو حاتم والبيهقي وابن القطان وغيرهم، وهو لا يثبت.
    واستدل الجمهور كذلك بأحاديث النهي عن بيع المبيع قبل قبضه، هذه قد تقدمت وسبقت معنا، في قوله عليه الصلاة والسلام: من ابتاع شيئًا فلا يبعه حتى يقبضه [3]، قالوا: ولأن المُسلَّم فيه ثابت في ذمة المُسلَّم إليه، وداخل في ضمانه، ولا يدخل في ضمان المُسلَّم إلا بعد استيفائه، فلا يجوز له بيعه قبل الاستيفاء لنهي النبي عن ربح ما لم يضمن [4] فإذًا جمهور العلماء يمنعون من التصرف المُسلَّم فيه قبل قبضه مطلقًا.
  • القول الثاني في المسألة: وهو رواية عن الإمام أحمد، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه يجوز بيع المُسلَّم فيه قبل قبضه لمن هو في ذمته، بثمن المثل أو دونه لا أكثر منه حالًا.

إذًا القول الثاني مرة أخرى أنه يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه لمن هو في ذمته بثمن المثل أو دونه، لا أكثر منه حالًا، وهذا القول، يقال: إنه رواية عن الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، قال ابن منذر: “ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا أسلفت في شيء إلى أجل فإن أخذت ما أسلفت فيه وإلا خذ عوضًا أنقص منه، ولا تربح مرتين”.

وحجتهم على جواز بيعه من المدين، أو الاعتياض عنه إذا كان ذلك بسعر المثل أو دونه عدم الدليل المانع من ذلك، قالوا: أما حديث: من أسلَم في شيء، فلا يصرفه إلى غيره، هو حديث ضعيف، لا تقوم به حجة، ولو صح فمعناه: لا يصرفه إلى سلَم آخر، أو لا يبيعه بمعين مؤجل؛ وذلك خارج عن محل النزاع؛ ولهذا قال ابن القيم: “فثبت أنه لا نص في التحريم ولا إجماع ولا قياس، وأن النص والقياس يقتضيان الإباحة”.

لكن أصحاب هذا القول اشترطوا بأن يكون البيع بثمن المثل، أو أقل لا بأكثر، وحجتهم قالوا: لأن دين السلَم مضمون على البائع، ولم ينتقل إلى ضمان المشتري، ولو باعه المشتري من المُسلَّم إليه بزيادة فقد ربح السلَم فيما لم يضمن، وقد صح عن النبي أنه نهى عن ربح ما لم يضمن، وهذا القول هو القول الراجح، والله اعلم.

إذًا القول الراجح: أنه يجوز بيع المُسلَّم فيه قبل قبضه لمن هو في ذمته، بثمن المثل أو دونه لا أكثر منه حالًا لا أكثر منه، حالًا هذا فيما يتعلق بمسألة التصرف في دين السلَم قبل قبضه.

تعذر المسلم فيه عند حلول الأجل

ننتقل بعد ذلك إلى مسألة أخرى، وهي تعذر المسلم فيه عند حلول الأجل، ففي مثالنا السابق لو أنه لما أسلَم في مثل مائة كيلو تمر من نوع كذا تعذر تسليمه، لم يستطع هذا الرجل أن يأتي له بهذا المسلَّم فيه، فما الحكم في هذا؟

عند جمهور العلماء: أن السلَم صحيح، وإنه لا ينفسخ العقد بالتعذر، لكن لرب السلَم الصبر، إلى أن يوجد فيطالب به، أو فسخ العقد، نقول: أنت مخير، أنت أي رب السلم مخير بين أن تصبر إلى أن يتيسر المسلّم فيه، أو أنك تفسخ العقد، ويعني تسترد الثمن، ففي مثالنا السابق لما أعطاه عشرة آلاف ريال، على أجل أن يُسلِّم له مائة كيلو تمر من نوع كذا، لما حل موعد السلَم بحث هذا الرجل عن هذا المسلَّم فيه لم يجده، بحث لم يجد، أو لم يتمكن، أو أنه لم يستطع، فنقول لرب السلَم: أنت الآن مخير، لك الخيار بين أن تصبر إلى أن يوجد فتطالب به، وبين أن تفسخ العقد، فإذا فسخت العقد فإنك تستعيد رأس المال الذي كنت قد بذلته، إذًا هذا ما يتعلق بمسألة تعذر المسلَّم فيه عند حلول الأجل.

الإقالة في السلَم

من المسائل المتعلقة بالسلَم الإقالة في السلَم، سبق أن قلنا عندما تكلمنا عن مسائل وأحكام البيع أن الإقالة في البيع مستحبة، وليست واجبة، وعللّنا لذلك بأن البيع من العقود اللازمة، فالبيع يلزم مجرد التفرق من مكان التبايع بالأبدان، لكن الإقالة مستحبة؛ لقول النبي : من أقال مسلمًا بيعته، أقال الله عثرته يوم القيامة [5].

الإقالة في السلَم إذا نظرنا للسلَم هو السلَم في الحقيقة كما ذكرنا نوع من البيوع؛ ولذلك تصح الإقالة في السلَم، وقد نص الفقهاء على أن الإقالة في السلَم تصح، قال ابن منذر: “أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة”.

وأيضًا يدل لذلك الحديث الذي ذكرته قبل قليل: من أقال مسلم بيعته أقال الله عثرته وفي لفظ: من أقال نادمًا بيعته، أقال الله عثرته يوم القيامة ولأن الإقالة شُرعت دفعًا لحاجة الندم، والندم في السلم أكثر؛ لأنه بيع بأوكس الأثمان؛ ولهذا نقول: تصح الإقالة في السلَم لربما نقول: إنها تستحب عند وجود الندم من أحد الطرفين، فتستحب الإقالة في السلَم.

حكم توثيق الدين المسلَّم فيه

توثيق الدين المسلَّم فيه مشروع، توثيق عمومًا الديون في الجملة مشروع؛ لقول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]؛ فأرشد الله ​​​​​​​ إلى كتابة الديون؛ وذلك لأن الإنسان من طبيعته النسيان، وأيضًا ربما تسول نفس أحد المتعاقدين؛ لأن يجحد شيئًا، والكتابة في الحقيقة تكون مانعًا له من ذلك الجحد؛ لأنها في الحقيقة وثيقة لهذا العقد، ووثيقة لهذا البيع.

ثم أيضًا الغالب أن العقد إذا مضت عليه مدة طويلة أنه يحصل النسيان، إما من الطرفين، أو من أحدهما، أو على الأقل يحصل التشكك، وكثيرًا ما سمعنا قصصًا في هذا، أن الإنسان يتعامل مع غيره بناء على الثقة، ويكون تعامله معه من غير توثيق، ثم يختلفان فيما بعد؛ ولهذا فينبغي للمتعاملين أن يحرصا على الكتابة وعلى التوثيق، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]؛ فأرشد الله إلى كتابة الدين، والسلَم يعتبر نوعًا من الديون، المسلَّم فيه نوع من الدين؛ لأنه يقدم رأس المال ويكون المسلَّم فيه دينًا في الذمة، فهو في الحقيقة نوع من الديون، فيدخل إذا في عموم الآية إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ، ولهذا يشرع كتابة وتوثيق دين السلَم، ويُشرع كذلك الإشهاد عليه، يعني يوثق ويؤتى بشاهدين يشهدان عليه.

تقسيط المسلَّم فيه

أيضًا من المسائل، ولعلنا نختم بها مسائل السلَم، الاتفاق على تقسيط المسلَّم فيه على نجوم، ما حكم الاتفاق على تقسيط المسلَّم فيه على نجوم؟

نحن ذكرنا أنه بالنسبة لرأس المال، لا يجوز تقسيطه، بالنسبة لرأس المال لا بد من تسليمه في مجلس العقد كاملًا، فلا يجوز تقسيط رأس المال الذي هو الثمن، وعرفنا العلة في هذا يعني لما ذكرنا شروط صح السلَم ذكرنا من ضمن الشروط أن يقبض رأس المال، أو يقبض الثمن تامًا في مجلس العقد، وذكرنا أن هذا الشرط متفق عليه، إلا أن المالكية فقط يجيزون التأخير لمدة ثلاثة أيام، هذا بالنسبة للثمن، أو الذي هو رأس المال، وأما بالنسبة للمسلم فيه لو اتفق على تقسيطه على نجوم، فلا بأس بذلك، قد نص على هذا جمع من الفقهاء؛ لأنه أصلًا هو مقسط، وهو يعني مؤجل فلو اتفق على أن يكون على أقساط فلا حرج في ذلك، وإنما الممنوع هو تأجيل الثمن الذي هو رأس المال.

أما بالنسبة للمسلَّم فيه فهو أصلًا بطبيعته مؤجل، بل إن من شروط السلم يعني ألا يكون حالًا أن يكون مؤجلًا، وهذا التأجيل إما أن يكون مؤجلًا كله، أو بعضه، إما أن يكون مؤجلًا كله أو بعضه يعني ذكرنا نحن من ضمن الشروط: الشرط الرابع، ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن، وقلنا: بناء على ذلك لا يصح السلَم حالًا، لا يصح السلَم حالًا، معنى ذلك أنه لا بد من أجل؛ هذا الأجل إما أن يكون مؤجلًا كله، أو مؤجلًا على شكل أقساط، فلو كان مؤجلًا على شكل أقساط، فلا مانع من هذا، إذًا الممنوع هو تأجيل الثمن الذي هو رأس المال، وأما بالنسبة للمسلَّم فيه فلا مانع من تقسيطه، لا مانع من تقسيطه على نجوم، بهذا نكون قد انتهينا من مسائل وأحكام السلَم.

وأما تطبيقاته على مستوى عقود التوريد فهذه إن شاء الله تعالى سوف أتكلم عنها إن شاء الله تعالى في المحاضرة القادمة عندما أتكلم عن عقود التوريد، وسوف أبيّن أن السلَم يكون فيه إن شاء الله تعالى تطبيقات معاصرة يمكن أن تستفيد منه البنوك والمصارف الإسلامية.

تداول السندات

بقي معنا مسألة هي من مفردات المنهج “تداول السندات”.

ما معنى السندات؟ وما المقصود بالسند إذا أطلق؟ وما معنى تداول السندات؟

السندات جمع سند، والسند صك يتضمن تعهدًا من المصرف أو الشركة أو نحوهما لحامله بسداد مبلغ مقرر في تاريخ معين نظير فائدة بسبب قرض عقدته شركة أو هيئة، قد تحتاج إلى مال لتوسعة أعمالها، هذا هو تعريف السند.

إذًا تعريفه مرة أخرى: صك يتضمن تعهدًا من المصرف أو الشركة ونحوهما لحامله لسداد مبلغ مقرر في تاريخ معين نظير فائدة بسبب قرض عقدته شركة أو هيئة، قد تحتاج إلى مال لتوسعة أعمالها.

مثال ذلك: أن هذه شركة من الشركات تحتاج إلى مبالغ مالية، فتطرح سندات متضمنة فوائد ربوية، فيقولون: أعطنا الآن عشرة آلاف ريال، نعطيك سندًا بأحد عشر ألف ريال، يحل بعد سنة، وتستفيد هذه الشركة والمؤسسة مما تحصله من الجمهور من سيولة نقدية، وهذا الذي أعطى السند يأخذ فائدة ربوية، ويلاحظ هنا أن السندات لا تنفك عن الفائدة الربوية؛ ولذلك لو وجدت هي دون فائدة ربوية لصارت قرضًا حسنًا، وظاهر من هذا أن السندات محرمة؛ لأنها لا تنفك عن فائدة ربوية، وعندما تذكر السندات تذكر بعد الأسهم، والأسهم تدرس إن شاء الله تعالى في مادة أخرى تدرس في مادة الشركات؛ ولذلك لا نريد أن ندخل في مسائل وأحكام الأسهم، لكن باختصار الفرق بين الأسهم والسندات:

  • السهم يمثل جزءًا من رأس مال الشركة وصاحبه يعتبر مالكًا لجزء من الشركة، بينما السند يمثل جزءًا من دين على الشركة، فالشركة مدينة لحامله.
  • وفرق آخر السند له وقت محدد لسداده، بينما السهم لا يسدد إلا عند تصفية الشركة.
  • فرق ثالث صاحب السهم شريك في الشركة، يتعرض للربح والخسارة، تبعًا لنجاح الشركة وفشلها، وقد يربح كثيرًا، وقد يخسر خسارة كبيرة، فهو يقاسم الشركة بنجاحها أو فشلها بينما صاحب السند له فائدة ثابتة مضمونة، لا تزيد ولا تنقص، وليس معرضًا للخسارة.
  • الفرق الرابع والأخير صاحب السند عند تصفية الشركة تكون الأولوية له؛ لأنه يمثل جزءًا من ديون الشركة، بينما صاحب السهم ليس له إلا ما فضل بعد أداء ما عليها من الديون.

إذًا عرفنا المقصود بالسندات هو أنها لا تنفك من الفائدة الربوية، وأنها محرمة، صدر في السندات قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، في دورة مؤتمره السادس، وجاء في هذا القرار أن السندات التي تمثل التزامًا بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه، أو نفع مشروط، أنها محرمة شرعًا، كما ذكرنا من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول؛ لأنها قروض ربوية، سواء كانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكًا استثمارية أو ادخارية، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحًا أو ريعًا أو عمولة أو عائدًا.

إذًا السندات المرتبطة بالفائدة الربوية هذه لا إشكال في تحريمها، لكن ما دمنا ذكرنا أن السندات محرمة يحسن أن نذكر البدائل، فنقول: من البدائل للسندات المحرمة إصدار أو شراء أو تداول السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة، أو نفع مقطوع، وإنما تكون له نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك، ولا ينالون من هذا الربح إلا إذا تحقق فعلًا.

إذًا يمكن في الحقيقة في الوقت الحاضر تصكيك السندات بطريقة جائزة شرعًا؛ وذلك عن طريق تحويل هذه السندات التي تكون مرتبطة بالفائدة الربوية تحويلها إلى صكوك مضاربة وسندات مضاربة، بحيث تكون قابلة للربح والخسارة، فيقال لهؤلاء الناس: أنتم تدخلون معنا في هذه السندات، لكن هذه السندات سندات مضاربة، وليست ديونًا ثابتة، وعليها فوائد ربوية، وإنما هي مضاربة تدخلون معنا في مضاربة قابلة للربح، وقابلة للخسارة، ويكون لكم نسبة من الربح قدرها كذا، هكذا حولنا السندات لهذه الصيغة تكون جائزة شرعًا.

فكما قلت في أول محاضرة: يعني يمكن أن يصل المسلم إلى غرضه بطريق مباح، فهذه السندات التي يعني أتت إلينا بهذه الطريقة، ممكنًا أن نعيد صياغتها بحيث تكون بطريقة صحيحة وبطريقة لا حرمة فيها، وبطريقة مشروعة، وهي أن نحول هذه السندات لأجل أن تكون سندات مضاربة وصكوك مضاربة قابلة للربح والخسارة.

إذًا السندات التي تمثل ديونًا وعليها نسبة ثابتة هذه لا إشكال في تحريمها، لكن لو استطعنا أن نحولها إلى سندات مضاربة قابلة للربح والخسارة، فإنها تكون جائزة؛ لأنها تدخل حينئذٍ في شركة المضاربة، وشركة المضاربة جائزة.

الفرق بين السندات المحرمة والسندات الجائزة

إذًا ما هو الفرق بين السندات المحرمة والسندات الجائزة؟

السندات المحرمة هي تمثل مبلغًا معينًا مقطوعًا، وعليه نسبة محددة مقطوعة ثابتة، هذه لا إشكال في تحريمها.

الجائزة: سندات مضاربة، قابلة للربح والخسارة، ونسبة الربح ليست مقطوعة، وإنما نسبة الربح محددة بالنسبة، مثلًا عشرة في المائة عشرين في المائة، أو أقل أو أكثر، هذا النوع من السندات يكون جائزًا، وهذا ما قد بدأت بعض المصارف الإسلامية في تطبيقه، أصبحت يعني تستخدم هذا النوع من السندات الجائزة، لكن الصورة الشائعة والمشتهرة للسندات التي تمثل دينًا ثابتًا وبنسبة ربوية، وبمبلغ مقطوع ثابت الذي هو الفائدة الربوية، هذه لا إشكال في تحريمها وبتحريم تداولها.

ونلتقي بكم على خير في المحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه ابن ماجه: 2281، بنحوه.
^2 رواه أبو داود: 3468، وابن ماجه: 2283، والبيهقي في السنن الكبرى: 11153.
^3 رواه البخاري: 2133، ومسلم: 1526.
^4 رواه أبو داود: 3504، وابن ماجه: 2188.
^5 رواه أبو داود: 3460، وابن ماجه: 2199، وابن حبان: 5029.
مواد ذات صلة