الرئيسية/خطب/ويحرم عليهم الخبائث
|categories

ويحرم عليهم الخبائث

مشاهدة من الموقع

الحمد لله الذي أباح لعباده الطيبات، وحرم عليهم الخبائث والمضرات، لا يأمر بشيء إلا لحكمة، ولا ينهى عن شيءٍ إلا لحكمة، وهو أعلم بما تصلح به أحوال البريات، أحمده تعالى وأشكره حمدًا وشكرًا كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

المخدرات سم زُعاف وداء مهلك

عباد الله: إن الله تعالى أباح لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وقال عن نبيه محمد : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157].

ومن هذه الخبائث سم زُعاف، وداء مهلك، يهدد شرائح من شباب هذا الوطن: المخدرات التي يعلن من حين لآخر عن القبض على مئات من الأطنان منها، وهذا يؤكد أن بلادنا مستهدفة من قبل الأعداء الذين وجدوا أن أقصر وأسرع طريق لإفساد شباب المسلمين إنما هو بإيقاعهم في هذا السم الزعاف؛ لأن الشاب إذا وقع في المخدرات فكأنما قضي عليه تمامًا، وقضي على معالم إنسانيته وضميره، إلا أن يمنّ الله تعالى عليه برحمته، فينتشل من هذا المستنقع القذر.

عباد الله: وهذه الكميات الكبيرة من المخدرات التي تكتشف ويقبض على تهريبها من حين لآخر تدل على أن لها سوقًا في الداخل، ولولا أن لها طلابًا لما جلبت بهذا القدر الكبير، وهذا يستدعي من المجتمع بجميع أطيافه التعاون، والوقوف مع أجهزة الدولة أيدها الله ضد هذا الوباء، وهذا البلاء، وهذا السم الزعاف.

خطر المخدرات وأضرارها

إن الوقوع في المخدرات يؤدي إلى الانحطاط بكل ما تعنيه هذه الكلمة، انحطاط في العقل، وانحطاط في الفكر، وانحطاط في الشعور، وانحطاط في مشاعر ذلك الإنسان، وانحطاط في السلوك، وانحطاط في المعاني الإنسانية، وانحطاط في الضمير.

والواقع خير شاهد لهذا، فانظروا إلى حال من وقع في أوحال المخدرات، وانظروا إلى أحوالهم وإلى واقعهم، وعندما نسمع بالجرائم البشعة الخطيرة من التعدي على الوالدين، وعلى الزوجة، وعلى الأولاد، ونحوهم، ينصرف الذهن مباشرة إلى أن المتعدي من أرباب المخدرات، فحق على المجتمع بجميع شرائحه وطبقاته وأطيافه أن يهب للقضاء على هذا السم ومحاصرته، ونحن الآن في هذا العصر أمام مؤامرات خطيرة، وشبكات وعصابات إجرامية، وهجمات شرسة، ومخططات عدوانية حاقدة، يشنها أعداء الإسلام على أبناء المسلمين وبلادهم، ويستهدفون على وجه الخصوص أبناء المسلمين في هذه البلاد، يشنون حربًا عليها بشتى الأساليب، ويستخدمون طرقًا خبيثة ماكرة وفتاكة، وقد وجدوا أن الطريق الأقصر والأسرع في تدمير شباب المسلمين أنه طريق المخدرات؛ لأنه يقضي على الأمة في أعز ما تملك، يقضي على العقول، ويلوث الأفكار، ويغزو المبادئ، ويهدم المعنويات، فهو معول لهدم أخلاق الأمة، وقلبها النابض، وشريانها المتدفق، في شبابها وسواعد أبنائها.

عباد الله: المخدرات مدمرة لصحة الإنسان تقضي عليه تمامًا، ومدمرة لأخلاقه، ومدمرة لعقله، وقد أثبتت الدراسات أنه كلما زاد استعمال واستخدام المخدرات في مجتمع من المجتمعات ارتفع معها معدلات أخطر الجرائم الأمنية والأخلاقية، بل وترتفع معها حوادث السيارات التي يذهب بسببها الأبرياء، وتخلف العديد من المآسي.

وإن خطر المخدرات لأمر مجمع عليه بين العقلاء، ولهذا فإن جميع دول العالم تجرمها وتمنعها رسميًا؛ لما يترتب عليها من الأضرار العظيمة المدمرة على الأفراد وعلى المجتمعات.

حرمة المسكرات والخمور وضررها

عباد الله: وإن مما لا يقل خطورة عن المخدرات: المسكرات والخمور فإن الله ​​​​​​​ حرمها، وحذر منها، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90-91].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله يقول: أتاني جبريل، فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر، وشاربها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقيها [1].

وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو مدمنها، وفي رواية: ثم لم يتب منها لم يشربها في الآخرة [2]، أي: في الجنة.

وفي صحيح مسلم عن جابر  أن رجلًا سأل النبي عن شراب يشربونه في أرضهم أمسكر هو؟ قال: نعم ثم قال: كل مسكر حرام، إن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أو عرق أهل النار [3].

وهذه النصوص وما جاء في معناها تدل على أن شرب الخمر من كبائر الذنوب، وأنه سبب للعنة الله ولسخطه وعقابه، وما ذاك إلا لأنها أم الخبائث، وجماع الإثم، وتجر معها شرورًا عظيمة، وأثرها مدمر على صحة الإنسان، وعلى عقله وعلى سلوكه وفكره، فالله تعالى هو أحكم الحاكمين، لا يحرم على الإنسان شيئًا إلا لكونه مضرًّا، ولا يمنع شيئًا ويحرمه إلا لمصلحة، ولا يأمر بشيء إلا لمصلحة وحكمة، فهو أحكم الحاكمين جل وعلا.

كان بعض حكماء الناس في الجاهلية قبل الإسلام قد حرموا على أنفسهم شرب الخمر، قيل لأحد سادات العرب في الجاهلية: لِمَ لا تشرب الخمر؟ قال: كيف أصبح سيد قومي وأُمسي سفيههم؟! آليت على نفسي ألا يدخل جوفي ما يحول بيني وبين عقلي!

عباد الله: شرب الخمر من كبائر الذنوب، وسبب لحلول لعنة الله تعالى على الشارب، واللعن معناه الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الجنة في الدار الآخرة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

خُبث الدخان وضرره

عباد الله: وإن مما يشارك المخدرات والخمر في الخبث: الدخان (التبغ)، وقد أفتى عامة علماء العصر بتحريمه، وما ذاك إلا لضرره الكبير على الصحة، وشريعة الإسلام تحرم كل ما أضر بصحة الإنسان.

إن شرب الدخان فيه ضرر على الدين وضرر على الصحة، وضرر على المال وهو من الخبائث، وقد قال الله تعالى عن نبيه : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157].

ومن العجب: أن يشتري الإنسان بماله ما يعلم علمًا يقينًا أنه يدمر صحته فكيف يهدم صحته بماله؟

وقد أجمع الأطباء في جميع دول العالم على أن التدخين مضر بالصحة ضررًا بالغًا.

عباد الله: وعندما نتأمل في الباعث للمدخن على التدخين نجد أن الباعث هو البحث عن المتعة فهل في التدخين متعة؟

ثم لو افترض أن فيه متعة فهل يليق بالعاقل أن يتناول ما يدمر صحته؛ لأجل تحقيق متعة موهومة؟!

إن من يفعل ذلك هو كمن يتناول السم الزعاف بحجة أن فيه متعة.

التخلص من التدخين

عباد الله: وإن من ابتلي بشرب التدخين فقد ابتلي مع ذلك بإدمان، والإدمان يحتاج إلى معالجة، فإذا أراد أن يقلع عن التدخين فلا بد من معالجة هذا الإدمان أولًا، ولهذا فإن مما يساعد على الإقلاع عن التدخين التواصل مع عيادات مكافحة التدخين، فلهم طرق جيدة في مساعدة المدخن على الإقلاع عن التدخين.

فعلى من ابتلي بذلك أن يهب وأن يسعى للإقلاع عن هذا البلاء، وإلا فإنه سيدمر صحته، ويندر أن يوجد إنسان معمر وهو مدخن؛ لأن هذا التدخين كل يوم يهدم في صحة هذا المدخن.

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين.

اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، واخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان، وأبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، وترفع فيه السنة، وتقمع فيه البدعة، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمة لرعاياهم، ووفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، ولما فيه عز الإسلام والمسلمين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أحمد: 2897.
^2 رواه مسلم: 2003.
^3 رواه مسلم: 2002.
مواد ذات صلة