الرئيسية/خطب/أحكام الأضحية
|categories

أحكام الأضحية

مشاهدة من الموقع

الحمد لله الذي شرع لعباده التقرب إليه بذبح القربان، ورتب على ذلك جزيل الأجر والغفران، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

الأضحية سنة أبينا إبراهيم عليه السلام

عباد الله: يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم التنزيل: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج:34]، يخبر ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية: أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعًا في جميع الملل، فقال: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا أي: ذبحًا يريقون دمه، لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وإن من ذلك: المنسك، وذلك النسك الذي يُتقرب به إلى الله ، ما هو قريب، وسيأتي بعد أيام قلائل، وهو موسم الأضاحي، والأضاحي هي سنة أبينا إبراهيم ونبينا محمد عليهما الصلاة والسلام، فقد أُمِر إبراهيم الخليل، أُمِر بذبح ابنه الذي بُشِّر به على كِبَر، فإن ابراهيم الخليل قد عاش عمرًا طويلًا لم يُرزق بذرية، ثم إن الله تعالى أرسل الملائكة فبشرته بولدٍ أتاه على الكِبَر: قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ۝قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ [الحجر:55-54].

ما ظنك بإنسان عقيم لا يولد له، وتقدمت به السِّن، ثم رُزق بولد، فكيف ستكون فرحته بهذا الولد، ثم لما كبر هذا الابن، وترعرع، وبلغ أحسن سن يتعلق فيه الوالد بولده، وكان هذا الابن ليس ابنًا عاديًّا؛ بل ابنًا بارًا بوالده وهو في صغره، عظيم الأدب، وكريم الخلق، فتعلق أبوه به تعلقًا شديدًا، فابتلاه الله تعالى بذبحه، قال: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ۝فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أي: كبر وترعرع، وصار يذهب مع أبيه، ويمشي معه، ويُقال: إن هذه أفضل سن يتعلق بها الوالد بولده: قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ، ورؤيا الأنبياء حق، رؤيا الأنبياء وحي، وإنما قال إبراهيم عليه السلام ذلك، ليكون أهون عليه، وتلطفًا معه في ذلك الأمر، وإلا ليس ترددًا من إبراهيم الخليل عليه السلام، وانظروا إلى إجابة هذا الابن الصالح: قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]، وصدق عليه السلام، فصبر ولم يتزعزع: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي: لما استسلما، وانقادا لأمر الله: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي: صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه، ليكون أهون عليه، ويُقال: إن إسماعيل عليه السلام قال: يا أبتِ كُبني على وجهي، واذبحني من قفاي، فإنك إذا رأيت وجهي قد ترحمني، فتلَّه للجبين، وأكبَّهُ على وجهه، فلا ندري من أيهما نعجب من هذا الأب الذي امتثل أمر ربه، والذي أتاه الولد على كبر، وقد كان لا يولد له، أو من هذا الابن الذي استسلم كذلك لأمر الله ، وقال: يا أبتِ افعل ما تؤمر  عليهما الصلاة والسلام.

وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ ۝قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا فالتفت إبراهيم عليه السلام، فإذا بكبش عظيم أبيض، من كبش الجنة، فذبحه إبراهيم عليه السلام فداءً عن ابنه اسماعيل عليه السلام، فكانت سُنَّةٌ من بعده، ثم قال الله: إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ [الصافات:105-106]، وأي بلاء أعظم من أن يؤمر الإنسان بذبح ابنه الذي أتاه على الكبر، بعد ما كبر وترعرع، ونجح إبراهيم الخليل عليه السلام في هذا الابتلاء.

الأضحية من أفضل العبادات المالية

فانظروا كيف أن إبراهيم الخليل عليه السلام أُمر بذبح ابنه، فامتثل أمر ربه، ولم يتردد، فالعجب ممن يُؤمر بذبح شاة ليضحي بها أو ليهدي بها، ويبخل، وأعجب من ذلك: أن هذا الذي يبخل، تجد أنه ينفق أموالًا كثيرة في كماليات، وفي أمور اللهو، ليس عنده مانع أن يذهب بأولاده للنزهة، أن يسافر بهم للنزهة، أو يذهب بهم لأي مكان، وينفق في ذلك أموالًا طائلة، أما عندما تأتي الأضحية فيبخل بها، ويستخسر ما يبذله في شرائها، وإن التقرب إلى الله بذبح الهدي والأضحية من أفضل الأعمال.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “أفضل العبادات البدنية: الصلاة، وأفضل العبادات المالية: التقرب إلى الله بالنحر، وقد جمع الله بينهما، فقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وقال: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]”، وإن بذل الدراهم في الأضاحي أفضل من الصدقة بها، فاحرصوا رحمكم الله على أن تضحوا عن أنفسكم، وعن أهليكم، من الزوجات، والوالدين والأولاد، ليحصل لكم الأجر العظيم، وتقتدوا بسنة نبيكم محمد ، حيث ضحى عن نفسه وعن أهل بيته.

هل تشرع الأضحية عن الميت؟

وإن بعض الناس ليحرم نفسه، ويتحجر فضل ربه، فتجده يضحي عن غيره، وينسى نفسه، وبعضهم يضحي عن أقاربه الأموات ويدع نفسه وأهله وذريته، وهذا جهلٌ كبير، فإن الأصل في الأضحية أنها تكون للحي وليست للميت، واختلف العلماء: هل تشرع الأضحية عن الميت أصلًا؟

قالوا: فإن النبي لم يُنقل عنه أنه ضحى عن أقاربه الأموات، فقد مات الثلاث من بناته في حياته، ولم ينقل أنه ضحى عنهم، وماتت زوجته خديجة، ومات عمه حمزة، ولم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام ضحى استقلالًا عن أحد من أقاربه الأموات، ولكن الأقرب والله أعلم أنه لا بأس بالأضحية عن الميت؛ لأنها من جنس الصدقة، والصدقة مشروعة عن الأموات، وإنما أشرت للخلاف في هذه المسألة لأبين أن الأصل في الأضحية أنها للحي وليست للميت، وأنها عن الميت محل خلاف بين أهل العلم.

والأكمل والأحسن أن الإنسان إذا أراد أن يضحي عن الميت أن يضحي عن نفسه، ويُشرك معه من شاء من أقاربه الأموات، إلا أن تكون وصية، فيجب تنفيذ الوصية، كما أوصى بها الموصي.

شروط الأضحية

عباد الله: والأضحية لا تكون إلا في بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، والأفضل من كل جنس أسمنه وأكثره لحمًا وأكمله خلقه، بل قال بعض أهل العلم: وما كان أحسن منظرًا فهو أفضل، جاء في صحيح البخاري عن أنس : “أن النبي كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين” [1]، والأملح: ما خالط بياضه سواد، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “أفضل الأضاحي ما كان أكثر ثمنًا”؛ وذلك لأن العادة في عرف الناس أن ما كان أكثر ثمنًا، فهو الأطيب لحمًا والأجود.

ولا تجزئ الأضحية إلا بشرطين:

  • الشرط الأول: أن تبلغ السن المعتبرة شرعًا، وهي في الإبل خمس سنين، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن نصف سنة.
  • والشرط الثاني: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء، وقد بينها النبي في حديث البراء، وقد سُئل ماذا يُتقى من الأضاحي؟ فقال: أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي [2]، أخرجه أبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه بسند صحيح.

فالعرجاء عرجًا بيِّنًا لا تستطيع أن تمشي مع الصحيحات لا تجزئ. وإذا كانت العرجاء لا تجزئ، فمقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين أو كليهما التي لا تستطيع المشي لا تجزئ من باب أولى.

والعوراء البين عورها أي: التي تبرز معها العين أو تنخسف فلا تجزئ، وإذا كانت العوراء لا تجزئ، فالعمياء لا تجزئ من باب أولى.

والمريضة البين مرضها أي: يظهر أثر المرض على البهيمة، إما في أكلها أو مشيها، ونحو ذلك من أحوالها، فهذه لا تجزئ، ومن الأمراض البينة: الجرب، سواء كان قليلًا أو كثيرًا، أما المرض اليسير الذي لا يظهر أثره على البهيمة، فلا يمنع من الإجزاء.

والعجفاء: أي الهزيلة التي لا مخ فيها لا تجزئ، هذه هي العيوب المانعة من الإجزاء.

وهناك عيوب لا تمنع الإجزاء، ولكنها توجب الكراهة؛ مثل:

قطع الأذن وشقها، وكسر القرن، ونحو ذلك، ما لم يجاوز المقطوع من الأذن أو القرن النصف فأكثر، ففي إجزائه خلاف بين أهل العلم، وكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها فهي أفضل، والخصي مجزئٌ، وقد ضحى به النبي ، وذلك لأن الخصاء يطيب معه اللحم، فهو يعتبر في البهيمة كمال، فالخروف إذا خُصي طاب لحمه وسمن، وهذا معروف عند أرباب المواشي، ولذلك فإن الخصي من بهيمة الأنعام مجزئ في الأضحية، وأما مقطوع الألية فإنه لا يجزئ، لا يجزئ مقطوع الألية؛ وذلك لأنه قد قُطع عضوٌ مقصود من هذه البهيمة.

ومن كان يحسن الذبح، فالأفضل أن يباشر الذبح بنفسه؛ لأن هذا هو هدي النبي ، ولأنه يحصل بذلك تمام المقصود من الأضحية، فإن الله يقول: لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ [الحج:37]، ويجب أن يسمِّي وجوبًا، وأن يكبر استحبابًا، فيقول: “بسم الله، والله أكبر، اللهم إن هذه منك ولك”، ويستحب أن يأكل من الأضحية، وأن يتصدق منها؛ لقول الله : فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، وقوله: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36]، وهذا وإن كان في الهدي، إلا أنه بعمومه يشمل الأضحية، فالسنة الأكل منها، والتصدق.

الاشتراك في الأضحية

والاشتراك في الأضحية ينقسم إلى قسمين:

  • القسم الأول: الاشتراك في الملك، وهذا يكون في الإبل والبقر إلى سبعة أشخاص، فلا بأس أن يشترك سبعة أشخاص في أن يضحوا بواحدة من الإبل أو البقر، وأما الغنم فلا يصح الاشتراك فيها، لا بد أن يكون المشتري أو المالك للواحدة من الغنم شخص واحد، فلو أراد رجل وزوجته أن يشتريا واحدة من الأضحية (واحدة من الغنم) ليضحيا بها عن أنفسهما لم يصح، أو أراد أخوان أن يشتركا في شراء واحدة من الغنم ليضحيا بها عن أنفسهما لم يصح، بل لا يكون ذلك إلا في الإبل والبقر إلى سبعة أشخاص.
  • والقسم الثاني: الاشتراك في الثواب، ومعنى الاشتراك في الثواب: أن الإنسان (المالك للأضحية) عندما يريد أن يضحي، يشرك معه في ثوابها من أراد، وهذا لا بأس به، ولا حد له، فله أن يشرك معه في الثواب من شاء من الأحياء والأموات، وفضل الله واسع، فإذا أراد الإنسان أن يضحي، أشرك معه مثلاً والديه، وأولاده، وزوجته، ومن شاء من أصحابه، وأقاربه، الأحياء والأموات، فهذا لا حد له، وفضل الله واسع.

من آداب التضحية وسُننها

وينبغي للإنسان أن يجعل الأضحية في بلده، وأن تظهر هذه الشعيرة في بلده، وفي بيته، وأن لا تُنقل الأضاحي إلى بلاد أخرى، حتى لا تتعطل الشعيرة في بيت هذا الإنسان، فإنه من الخطأ أن بعض الناس إذا أتى عيد الأضحى وكَّلَ من يذبح أضحيته في الخارج، وبقي هو وأهل بيته بدون أضحية، فعطَّلوا هذه الشعيرة في بيتهم، وهذا خطأ وجهل، ينبغي أن تُحيا هذه الشعيرة في البيت، وأن يحرص الإنسان على أن يذبح الأضحية بنفسه إن أمكن، أو يحضر الذبح إن لم يُمكن، فإن لم يمكن هذا ولا ذاك، فلا أقل من أن تُذبح في البلد نفسه، وأن يُؤتى بلحمها، وأن يأكل منها، وأن يتصدق، وأن تظهر هذه الشعيرة في البيت، وأن يراها جميع أفراد الأسرة، فتكون هذه الشعيرة ظاهرة بارزة، إلا إذا كانت الأضاحي كثيرة، وضحَّى ببعضها، وأراد أن ينقل الزائد، فالأمر في هذا واسع إن شاء الله.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه، وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

وجوب الهدي على المتمتع والقارن

عباد الله: والحاج يلزمه الهدي إذا كان متمتعًا أو قارنًا؛ كما قال ربنا : فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، فالمتمتِّع وكذلك القارن يلزمهما الهدي، أما المفرد فلا هدي عليه، والحاج لا يمنع من الأضحية، فله مع الهدي أن يذبح الأضحية، أو أن يوكِّل في بلده من يذبح الأضحية عنه، وهذا هو الأكمل والأفضل، أنه يهدي في الحج، ويوكل في ذبح الأضحية من يذبحها عنه، فإن التقرب إلى الله تعالى بالهدي والأضاحي من أفضل الأعمال الصالحة.

حتى يكون حجّك مبرورًا

عباد الله: وينبغي لمن عزم على الحج: أن يُخلص النية لله ، وأن يحرص على تحقيق الإخلاص والتقرب إلى الله تعالى بهذه العبادة العظيمة، وينبغي أن يحرص على أن يكون حجه مبرورًا؛ فإن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة كما أخبر بذلك النبي .

والحج المبرور هو الذي أتى به صاحبه على الوجه الأكمل، ولم يقع منه فيه إثم ولا معصية، وحتى يقع حجه على الوجه الأكمل ينبغي أن يتفقه في أحكام النسك، وأن يكون لديه الاهتمام بذلك، فيبدأ أولًا في القراءة بالكتيبات النافعة التي تشرح تفاصيل النسك وتبين أحكامه، ويستمع كذلك للأشرطة والفتاوى النافعة في هذا الباب، ويسأل أهل العلم عمَّا يُشكِل عليه من مسائل الحج وأحكامه، وإن بعض الحجاج هداهم الله يقعون في كثير من الأخطاء عن جهل، ثم بعد ذلك لا يسألون إلا بعد أن ينتهي الحج، وربما بعضهم لا يسأل إلا بعد مُضي فترة طويلة، وقد يكون الخطأ الذي وقع فيه ذلك الحاج كبيرًا، وقد يكون الخطأ يترتب عليه عدم صحة النكاح، ونحو ذلك، وهذا كله بسبب قلة الاهتمام، وإلا لو كان الحاج مهتمَّا فإنه سيحرص على أن يأتي بالحج كما ورد في السنة، وألا يقع منه أخطاء فيه.

وينبغي للحاج أن يحرص على التوبة النصوح، وأن يجعل هذا الحج بداية صفحة جديدة في حياته، وتدارك ما تبقى من العمر، فإن الحاج إذا حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ وهذه فرصة لأن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، وتوبة نصوحًا، وأن يتدارك ما تبقى من عمره، فإنه ربما يكون الأجل قريبًا وهو لا يشعر.

وينبغي أن يحرص الحاج على الإكثار من الذكر، ومن الدعاء، فإن الله تعالى يقول: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200]، فأرشد الله تعالى إلى ذكره، فالذكر يكون في أثناء الحج، وبعد الحج، وبعد قضاء المناسك، ينبغي أن يكثر الحاج من الذكر، وأن يكثر قبل رمي جمرة العقبة من التلبية، وبعد رمي الجمرة من التكبير، وكذلك يكثر من الدعاء، ولهذا قال الله تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ [البقرة:200]، وهؤلاء أُناس كانوا في عهد النبي من الأعراب وغيرهم لا يسألون الله إلا في أمور الدنيا، فأنكر الله عليهم: فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۝وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:200-101]، وهذه الدعوة هي من أعظم الأدعية، بل كانت هي أكثر دعاء يدعو به النبي ، أكثر دعاء يدعو به أن يقول: (ربِّ آتني في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقني عذاب النار)؛ لأن هذا الدعاء يجمع لك سعادة الدنيا والآخرة، ثم قال الله تعالى: أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا [البقرة:202] أي: أنه تستجاب بعض الأدعية التي يدعو بها الحاج، ولهذا قال أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ أي: حظٌ، مِّمَّا كَسَبُوا أي: مما دعوا به، فتستجاب بعض أدعيتهم، وبخاصة الدعاء الذي يكون عشية عرفة، فإنه أحرى ما يكون للإجابة، قال أحد الصالحين: “ما دعوت الله تعالى يوم عرفة بدعاء إلا تبينت إجابته قبل أن يحول عليه الحول”، وذلك الوقت وقتٌ ثمين من العمر بالنسبة لك أيها الحاج، فإن الرب يدنو من الحجيج، ويباهي بهم ملائكته، ويقول: ما أراد هؤلاء؟ وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من ذلك اليوم.

فضل صيام يوم عرفة

ومن لم يتيسر له الحج فينبغي أن يصوم يوم عرفة، فإن صيام يوم عرفة يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده، كما أخبر بذلك النبي ، وما تبقى من هذه الأيام هي أيام فاضلة، العمل الصالح فيها مضاعف، فإنها من عشر ذي الحجة، التي قال النبي فيها: ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله، من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء [3].

فاغتنموا رحمكم الله ما تبقى من هذه الأيام الفاضلة، فإنها موسم عظيم فاضل، وغنيمة رابحةٌ لمن وفقه الله ، وإن الإنسان لا يدري، فلربما لا يدرك مثل هذه المواسم من أعوام قابلة.

اللهم سلِّم الحجاج والمعتمرين، اللهم وفقهم لأداء هذا النسك بيسر وسهولة، اللهم وفقهم لذلك وتقبله منهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم من أراد بحجاج بيتك الحرام سوءًا، اللهم فاجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم أشغله في نفسه، وافضحه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه، يا قوي يا عزيز، يا حي يا قيوم، ياذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمة لرعاياهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وقرب منه البطانة الصالحة الناصحة، التي تدله على الحق وتعينه عليه، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.

نسألك اللهم من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5553.
^2 رواه أبو داود: 2802.
^3 رواه أبو داود: 2438، وأحمد: 1968.
مواد ذات صلة