الرئيسية/خطب/الإرهاب معول هدم في الأمة
|categories

الإرهاب معول هدم في الأمة

مشاهدة من الموقع

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا [الكهف:1]، أحمده تعالى وأشكره حمدًا وشكرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

بين إرهاب اليوم وخوارج الأمس

عباد الله: سمعتم بالعمل الإجرامي الذي قامت به الفئة الضالة يوم الأحد الماضي، وترتب عليه مقتل أحد رجال الأمن، وعامل مسلم، ومقتل اثنين من هؤلاء المعتدين، هؤلاء المقتلون جميعًا في هذا الحادث ليسوا يهودًا، وليسوا نصارى، وليسوا بوذيين، ليسوا كفارًا، إنهم جميعًا مسلمون، لكن هذه الفئة الضالة انحرفت في فهم الإسلام، فنزلوا النصوص الواردة في الكفار على إخوانهم المسلمين، وما أشبه الليلة بالبارحة، فالذين قتلوا عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما كانوا يعتبرون قتلهم جهادًا، ويتقربون به إلى الله تعالى، بل إن الذي قتل علي بن أبي طالب كان رجلًا من العبَّاد، ويُرى في جبهته أثر السجود، ولما قتله قال: هذا أرجى عمل أتقرب به إلى الله.

فانظروا إلى الانحراف الشديد في فهم الجهاد، وفي فهم الإسلام.

والسؤال المهم: من المستفيد من هذه الأعمال الإجرامية؟ من المستفيد من أن يأتي طائفة من أبناء المسلمين ويقتلون مسلمين من جنود الوطن، يمارسون عملهم للحفاظ على أمن البلاد؟ وما الفائدة التي يجنيها أولئك من هذا العمل الإجرامي؟ وهل هو إلا ضرب من ضروب الإفساد في الأرض؟

نعم، إن المستفيد الأكبر من هذا العمل الإجرامي هم أعداء المسلمين.

إن هذه الفئة الضالة المنحرفة في فهم الإسلام ينبغي أن يقف ضدها المجتمع بجميع أطيافه، وأن يتعاون ويتكاتف أبناء المجتمع مع ولاة أمر هذه البلاد للقضاء على هذه الفئة، وعلى هذا الفكر الخبيث المنحرف.

وإن هذه الفئة أشبه ما تكون بالخوارج الذين يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، جماعة مبتدعة منحرفة في فهم الإسلام، على مر التاريخ أضروا بالإسلام والمسلمين ضررًا عظيمًا، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد  قال: سمعت رسول الله يقول: يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية [1]، وفي صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب  أن رسول الله قال: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية [2] يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان أي: صغار في السن، سفهاء الأحلام أي: قليل العقول، يقولون من خير قول البرية أي: يأتون بنصوص من القرآن والسنة، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وفي صحيح مسلم أن النبي قال في وصفهم: يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان [3]، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر  أن رسول الله قال في الخوارج: هم شر الخلق والخليقة [4].

وإنما كانت هذه الطائفة هم شر الخلق والخليقة؛ لعظيم ضررهم، فهم يحرفون النصوص، وينزلون النصوص التي نزلت في الكفار، ويجعلونها في المسلمين.

ثم إن هذه الفئة الضالة من السهل اختراقها من قبل أعداء المسلمين، وإلا لماذا لم نسمع عن هذه الفئة أنها أطلقت يومًا رصاصة واحدة على الصهاينة المعتدين المحتلين لفلسطين، مسرى رسول الله ؟

وهذا سؤال كبير ومهم: لماذا لم يطلق هؤلاء رصاصة واحدة على أعداء المسلمين؟

إنما ضحاياهم هم من المسلمين، ومن أبناء المسلمين.

الحذر من الفرق المنحرفة

عباد الله: فقد أخبر النبي بافتراق هذه الأمة إلى فرق كثيرة، يقول عليه الصلاة والسلام: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كانت على ما أنا عليه وأصحابي [5]، وفي رواية قال: هي الجماعة [6].

وهذا خبر من الصادق المصدوق من لا ينطق عن الهوى عن افتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كل فرقة منها تدعي أنها على الحق، وبين النبي أن هذه الفرق كلها في النار ما عدا فرقة واحدة هي الفرقة الناجية، ووصفها عليه الصلاة والسلام بأنها ما كانت على ما عليه رسول الله وأصحابه، أي: أن هديها موافق لهدي النبي ولهدي صحابته .

وهذا الخبر عن افتراق الأمة يستدعي من المسلم أن يكون حذرًا أشد الحذر من أن تزل به القدم، فيكون مع هذه الفرق المنحرفة التي أخبر النبي بأنها كلها في النار، وأن يحرص المسلم على التأسي بالنبي وصحابته ، وأن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم حتى يكون مع الفرقة الناجية.

وفي حديث حذيفة لما أخبر النبي عن شرور وفتن ستقع في هذه الأمة، قال حذيفة: فما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم [7]، وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

سبل الوقاية من الانحرافات الفكرية

عباد الله: نعيش الآن في زمن قد انفتح فيه العالم بعضه على بعض، وأصبحت وسائل التقنية الحديثة تنقل للإنسان ما في هذا العالم بخيره وشره، واستغل أعداء الإسلام هذه الوسائل في التغرير بشباب الأمة، واستهدفوهم لإيقاعهم في فتن الشبهات، وفي فتن الشهوات، ليصرفوهم عن التمسك بدينهم، وكان من جراء ذلك وقوع فئة من الشباب في الغلو، وما يتبعه من التكفير والتفجير والإرهاب بشتى ألوانه وصوره، ووقوع فئة أخرى من الشباب في التحلل حتى وصل ببعضهم الوقوع في الإلحاد، والتخلي عن الدين والمبادئ والقيم.

ومطلوب من المجتمع وبخاصة من أرباب التأثير والتوجيه والإرشاد من العلماء والخطباء والمعلمين والإعلاميين والمربين ومن الآباء والأمهات: أن يعززوا في نفوس هؤلاء الشباب التمسك بدينهم من غير غلو ولا تفريط، وأن يحذروهم من أن يسلكوا مسالك الفرق الضالة المنحرفة التي تعج بها الساحة في هذا العالم.

هذه الفرق تبدأ أول ما تبدأ مع الشاب في تشكيكه في المسلَّمات، وفي تشكيكه فيما هو عليه، وفي إسقاط الرموز، وفي شيطنة الرموز حتى لا تكون هذه الرموز محل ثقة عنده، وحينئذ إذا أسقطت الرموز، وشكك في المسلَّمات يكون هذا الشاب مهيأ لتقبل سموم تلك الفرق، وتبدأ تلك الفرق في بث سمومها الزعاف لدى ذلك الشاب حتى يعتنق تلك الأفكار ثم يكون عدوًا لمجتمعه ولأمته.

وإن المسؤولية لتقع أولًا على الوالدين فعلى الآباء والأمهات مسؤولية عظيمة في هذا الشأن، على الآباء والأمهات: أن يحرصوا على تربية أولادهم التربية الصالحة، أن يعززوا فيهم التمسك بدينهم، وأن يعززوا فيهم الاعتزاز بدينهم، وأن يحذروهم من مسالك هذه الفرق المنحرفة.

على الآباء والأمهات: أن يبذلوا أسباب هداية الدلالة والإرشاد، وأن يسألوا الله لأولادهم هداية الإلهام والتوفيق.

نعمة صفاء العقيدة والمنهج

ثم إننا في هذه البلاد نعيش في نعم كثيرة، ومن أعظم هذه النعم: نعمة يغفل عنها كثير من الناس وهي نعمة صفاء العقيدة والمنهج، فنحن ولله الحمد في هذه البلاد نعيش في صفاء العقيدة، ليس عندنا شركيات، وليس عندنا بدع ظاهرة، نعيش على التوحيد، وعلى الدين الصحيح ولله تعالى الحمد والمنة.

وإن الرسل الذين أرسلهم الله تعالى للأمم السابقة التي انحرفت عن دين الله ​​​​​​​ لم تكن تنكر أن الله هو الخالق الرازق المدبر، ولكن كان عندها انحراف في جانب العقيدة، فأرسل الله الرسل لأجل تصحيح العقيدة، وتخليص الدين لله وتحقيق التوحيد، ولذلك فإن صفاء العقيدة، وتحقيق التوحيد هو أهم المهمات، فنحن نعيش في هذه البلاد، في هذه النعمة، ولله تعالى الحمد والمنة.

ينبغي أن نستشعر هذه النعمة، وأن نبين عظيم قدر هذه النعمة لأولادنا من البنين والبنات، وأن نبين لهم نعمة تمسك هذه البلاد وأهلها بالعقيدة الصافية، وأن نحذرهم من الفرق المنحرفة التي تخالف هذه العقيدة الصحيحة.

عباد الله: ينبغي أن نبين أن العقيدة الصحيحة، وهذا المنهج الصحيح الذي عليه هذه البلاد وأهلها أننا إنما نقول ذلك ليس تقليدًا، وليس تعصبًا، وإنما نقول ذلك بالأدلة والبراهين الكثيرة، وقد قام علماء الإسلام في قرون ماضية بجهود كبيرة في سبيل تحقيق ذلك، تحقيق صفاء العقيدة في هذه البلاد، ولله تعالى الحمد والمنة، فلا بد من أن نبين لهذا الجيل لأبنائنا وبناتنا هذه النعمة حتى يعرفوا عظيم قدر ما هم عليه، وحتى يتمسكوا بهذه العقيدة الصحيحة، وبهذا المنهج الصحيح، وحتى يحذروا من أن يسلكوا مسالك الفرق المنحرفة.

ثم إن الآباء والأمهات عليهما: أن يدعوا الله في أن يحفظ أولادهم من الانحراف بشتى أنواعه وصوره، من الانحراف إلى الغلو، أو من الانحراف إلى التحلل، وأن يجعل أولادهم قرة أعين لهم، وهذا الأمر يغفل عنه بعض الآباء والأمهات، يركزون على بذل أسباب هداية الدلالة والإرشاد، لكنهم يغفلون عن هداية الإلهام والتوفيق والتي لا يملكها إلا الله وحده، يغفلون عن أن يدعوا لأولادهم بهذه الهداية.

وإن الأب والأم مهما بذلا من أسباب هداية الدلالة والإرشاد إذا لم يرد الله هداية هذا الولد من ابن أو بنت فإنه لن يهتدي، ولهذا لم يستطع نوح عليه السلام أن يهدي ابنه مع أنه نبي مرسل من عند الله .

ومن هنا فينبغي أن يسأل الوالدان الله لأولادهما هداية الإلهام والتوفيق، وأن لا يقصرا في بذل أسباب هداية الدلالة والإرشاد.

اللهم من أرادنا أو أراد بشبابنا فتنة ومكيدة اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك.

اللهم احفظنا واحفظ بلادنا وأمننا وإيماننا وعقيدتنا.

اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين.

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.

اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، واخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يُعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد ، واجعلهم رحمة لرعاياهم.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تذكره إذا نسي، وتعينه إذا ذكر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5058، ومسلم: 1066.
^2 رواه مسلم: 1066.
^3 رواه البخاري: 3344، ومسلم: 1064.
^4 رواه مسلم: 1067.
^5 رواه الطبراني في الأوسط: 7840.
^6 رواه أبو داود: 4597، وأحمد: 16937.
^7 رواه البخاري: 3606، ومسلم: 1847.
مواد ذات صلة