الرئيسية/خطب/الحث على لزوم جماعة المسلمين والسمع والطاعة لولاة الأمر
|categories

الحث على لزوم جماعة المسلمين والسمع والطاعة لولاة الأمر

مشاهدة من الموقع

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، أحمده تعالى وأشكره حمدًا وشكرًا كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمانة، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فإنها أعظم وصية، وإنها وصية الله للأولين والأخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70-71].

وجوب لزوم الجماعة وطاعة إمام المسلمين

عباد الله: قد أخبر النبي بأن من أشراط الساعة أن تكثر الفتن، وفي حديث حذيفة رضي الله عنه لما ذكر النبي فتنًا عظيمة، وذكر ما يكون في آخر الزمان من الفتن، قال له حذيفة رضي الله عنه: أرأيت يا رسول الله إن أدركت ذلك فما تأمرني؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. [1].

عباد الله: إن لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، واجتماع الكلمة، ووحدة الصف، مقصد شرعي عظيم؛ لما يترتب عليه من المصالح العظيمة في أمور الدين والدنيا، وإنك لتعجب حين تقرأ قول النبي : من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو أن يفرق جماعتكم فاقتلوه [2]، رواه مسلم، وفي رواية أخرى عند مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان [3]، فمع عظم شأن القتل في الإسلام إلا أن النبي أمر بقتل من يسعى لتفريق كلمة الأمة وشق عصاها؛ وما ذاك إلا للعناية العظيمة من الشريعة الإسلامية باجتماع الكلمة، ونبذها للفرقة والاختلاف.

ولتحقيق هذا المقصد العظيم عنيت الشريعة الإسلامية بتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وما ذاك إلا لأهميتها من جهة، ولحساسيتها من جهة أخرى، فإن بعض النفوس قد لا تصبر، وخاصة عندما ترى أثرة واستئثارًا بحظوظ الدنيا، وقد لا تصبر كذلك عندما ترى بعض المنكرات، فحسم النبي هذه المسألة العظيمة، ولم يجعلها راجعة إلى اجتهاد المكلف فأمر بالسمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف، يقول الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه: “مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي أهل الجاهلية” يقول: “المسألة الثالثة من مسائل الجاهلية: أنهم، أي: أهل الجاهلية، يرون أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، ويجعله بعضهم دينا، فخالفهم النبي في ذلك، وأمرهم بالصبر على جور الولاة، والسمع والطاعة، والنصيحة لهم، وغلظ في ذلك، وأبدأ وأعاد”.

وفي الصحيح عن عبادة بن الصامت قال: “بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله” [4].

قال النووي رحمه الله معلقا على هذا الحديث: “الأثرة: هي الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا، أي: اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم”.

وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال؛ لأجل اجتماع كلمة المسلمين، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم.

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: من كره من أميره شيئًا فليصبر عليه؛ فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية [5]، وقوله: خرج من السلطان شبرًا فيه إشارة لأدنى خروج.

التواصي على اجتماع الكلمة وتأليف القلوب

عباد الله: إن شحن نفوس العامة ضد ولاة الأمر بتصيد الأخطاء، والنفخ فيها، قد يتسبب في فتح أبواب من الفتن، ولهذا جاء في صحيح البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قيل له: “لو أتيت فلان -أي: أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه- فكلمته”، فقال أسامة رضي الله عنه: “إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أن أسمعكم، إني أكلمه في السر، دون أن أفتح بابًا لا أكون أول من فتحه»، فخشي أسامة رضي الله عنه من أنه لو ناصح عثمان رضي الله عنه علنًا أن يفتح على المسلمين باب فتنة وشر.

وفي حديث عياض بن غنم رضي الله عنه أن النبي قال: من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه [6].

عباد الله: ينبغي التواصي على اجتماع الكلمة، ونبذ الفرقة، وتأليف القلوب، قال النووي رحمه الله: “من النصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتنبيههم، وتذكيرهم برفق ولطف، وتأليف قلوب الناس لهم”.

وإن التاريخ ليعلمنا: أن شحن قلوب الناس تجاه ولاة الأمر يجر أبوابًا عظيمة من الشرور والفتن؛ ولهذا كانت شرارة الفتن التي وقعت زمن أمير المؤمنين عثمان كانت الشرارة في ذلك هي: شحن قلوب العامة تجاه عثمان رضي الله عنه، وتولى كبرها عبدالله بن سبأ اليهودي الذي أظهر للناس إسلامه، وأظهر موالاته لآل البيت، وأظهر صلاحه، وأنه يحمل لواء الإصلاح، لكنه كان خبيثًا، أصبح يؤلب الناس على عثمان ، ويحرضهم على ذلك، حتى حصل ما حصل من الفتن العظيمة، مع أن كثيرًا من علماء الصحابة كانوا موجودين في مدينة النبي ، ولكن لما شحنت النفوس تجاه الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه أصبح أولئك العامة الخارجون عليه لا يقبلون من علماء الصحابة، بل ويتهمونهم بمداهنة الخليفة.

التحذير من المظاهرات ومنازعة الأمر أهله

عباد الله: وإن هناك دعوات من خارج هذه البلاد لأبناء هذه البلاد للقيام بمظاهرة، وما يسمونه بحِراك، وما دام ولي الأمر قد منع من ذلك، فإن الخروج لهذه المظاهرات نوع من المنازعة له، فهو لا يجوز شرعًا، وعلينا أن نستحضر أنه ليس كل من ادعى ولبِس لباس الإصلاح يكون صادقًا، فعلينا ألا ننخدع، وألا نسير خلف كل ناعق، بل لا بد من أن نرد الأمر إلى أولي العلم، وأهل الحل والعقد؛ كما قال الله تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:83].

شكر نعمة الأمن والمحافظة عليها

عباد الله: ينبغي أن نستحضر عظيم نعم الله تعالى علينا في هذه البلاد، وأن نشكره على ذلك، فإن من أول مراحل الشكر: أن يعرف الإنسان قدر النعمة التي هو فيها، فنحن نعيش في أمن وأمان، وفي رخاء ورغد من العيش، فينبغي أن نستحضر قدر هذه النعم، وأن نحمد الله ونشكره على ذلك، وإلا فإن الإنسان إذا بطر النعمة، ولم يعرف قدرها، واستخف بها، وتململ منها؛ فإنها يوشك أن تذهب وأن تزول، وكما يقول ابن القيم رحمه الله: “إن بعض الناس يكون في نعمة، ويبدأ يتململ منها، ويتململ حتى تسلب منه تلك النعمة فيندم ندمًا عظيمًا”.

بنو اسرائيل أنعم الله عليه بالمن والسلوى، لكنهم تململوا من هذه النعمة، وطلبوا من موسى عليه السلام قالوا: فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ [البقرة:61]، فبعض الناس حالهم كحال بني اسرائيل لا يعرفون قدر النعمة التي هم فيها، حتى إذا فقدوا تلك النعم، وسلبوها؛ ندموا حين لا ينفع الندم.

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلًا سأله: “هل يحل له أن يأخذ من العطاء؟ وقال: ألست من الفقراء؟ قال: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: وإن لي خادمًا، قال: فأنت من الملوك” أي: تعيش عيشة الملوك.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كان الرجل من بني اسرائيل إذا كان له الزوجة، والخادم، والدار، سمي: ملكًا”، وقرأ قول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا [المائدة:20]، أي: تعيشون عيشة ملوك، فلنحمد الله ​​​​​​ ولنشكره على ما من به علينا من النعم العظيمة، والآلاء الجسيمة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

عباد الله: إذا عُلم شأن وحدة الكلمة في الشريعة، والنهي عن الفُرقة، فليس من كياسة العقل والحكمة أن يُساق المرء إلى من يريد تصديع هذه الوحدة؛ لما يراه من حق لم يؤد إليه؛ لأنه إن فقد بعض حقه حال الوحدة فسيفقده كله إذا وقعت الفُرقة، ولن يأمن على نفسه، ولا على عرضه، ولا على ماله.

عباد الله: لا يعرف فضائل الأمن والوحدة إلا من اكتوى بنار الخوف، والرعب، والفوضى، والتشريد، والغربة، ولنعتبر بما تنقله وسائل الإعلام من صور لبلدان ليست ببعيدة عنا تجتاحها فتن وحروب ومجاعات وقلاقل، في فوضى عارمة، ودماء تراق، ورقاب إلى الموت تساق، في أعمال نكراء، وفتن عمياء، فلنعتبر بما يجري حولنا في تلك البلدان، ولنحافظ على هذه النعم التي نحن فيها من الأمن والأمان، واجتماع الكلمة، ووحدة الصف، ورخاء العيش، فلنحمد الله ، ولنشكره على هذه النعم.

اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة.

اللهم أدم علينا الأمن والأمان، والاستقرار والرخاء، واجتماع الكلمة، ووحدة الصف، واجعلها عونًا لنا على طاعتك ومرضاتك.

اللهم أعنا على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى طاعتك، وعلى حسن عبادتك.

اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين شرًا، اللهم فأشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه، يا قوي يا عزيز.

اللهم وأعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.

اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، واخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد ، واجعلهم رحمة لرعاياهم.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

نسألك اللهم من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 3606، ومسلم: 1847.
^2, ^3 رواه مسلم: 1852.
^4 رواه مسلم: 1709.
^5 رواه البخاري: 7053، ومسلم: 1849.
^6 رواه أحمد: 15333.
مواد ذات صلة