الرئيسية/خطب/أمانة الوظيفة والمحافظة على المال العام
|categories

أمانة الوظيفة والمحافظة على المال العام

مشاهدة من الموقع

الحمد لله الذي حَثَّ على الأكل من الطيبات، وأمر بحمده وشكره وهو المتفضل على كل حالٍ، قَسَم بين عباده الأخلاق والأرزاق والآجال، نحمده تعالى ونشكره وهو الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].

أهمية العمل في الإسلام

عباد الله

إن العمل في الإسلام له مكانةٌ عاليةٌ، ومنزلةٌ رفيعةٌ؛ لما له من أهميةٍ في بناء الأمم والحضارات، وفي رُقِيِّ الأفراد والجماعات، وها هم الأنبياء صَفْوَة البشر عليهم الصلاة والسلام قد عملوا في مجالاتٍ شتَّى، فما من نبيٍّ إلا له عملٌ أو مهنةٌ يكسِب بها عيشه، ويأكل رزقه منها؛ يقول النبي : مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَملِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِه[1]. ومن الأنبياء من عَمِل نجَّارًا كنوحٍ وزكريا عليهما الصلاة والسلام، ومنهم من عمل حدادًا، وجميعهم رعَوُا الغنم؛ كما قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ما بَعَثَ اللهُ نبيًّا إلا رَعَى الغَنَمَ[2]. ولم يكن هذا ليعيبهم، وهم صفوة البشر عليهم الصَّلاة والسَّلام.

إن العمل مهنةٌ شريفةٌ للإنسان، وهو خيرٌ له من أن يبقى عالةً على غيره من الناس، يعيش على ذل السؤال، يتكفف الناس سؤالهم وأموالهم؛ عن الزبير بن العوام أن النبي قال: لَأنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُم حَبْلَه فَيَأتِيَ بِحُزْمَةِ الحطبِ على ظَهْرِه فَيَبِيعَها فَيَكُفَّ اللهُ بها وجهَه؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوه أَوْ مَنَعُوه[3].

الوظيفة أمانة وتكليف

 عباد الله

وإن الوظيفة أمانةٌ وتكليفٌ، فعلى الموظف أن يحرص على أداء عمله بكل إخلاصٍ وانضباطٍ وإتقانٍ؛ فإن الموظف يتقاضى أجرًا على وظيفته، فإذا أخل بجزءٍ من عمله فمعنى ذلك أنه قد تقاضى أجرًا بغير حقٍّ، وكما أن الموظف لا يرضى بأن يُخصَم عليه في آخر الشهر شيءٌ من مرتبه، فكذلك ينبغي ألا يُقصِّر في أداء عمله، ولكن بعض الموظفين لسان حالهم يصدق عليهم قول الله ​​​​​​​: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ۝الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ۝وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ۝أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ۝لِيَوْمٍ عَظِيمٍ[المطففين: 1-5]، فهم يريدون أن يأخذوا مرتباتهم كاملةً من غير نقصٍ، ولكنهم لا يؤدون العمل المطلوب منهم على الوجه الأكمل.

والموظف أجيرٌ خاصٌّ، نفْعُه مقدرٌ بالزمن، فعليه أن يلتزم بالحضور في أول الدوام، وألا ينصرف إلا في آخره، وإن بعض الموظفين قد اعتاد على التأخر في الحضور، واعتاد على الانصراف قبل آخر الدوام، وهذا لا يحل له؛ لأنه يترتب على هذا أنه سيتقاضى أجرًا بغير حقٍّ، وأسوأ من هذا أن يأتي الموظف متأخرًا ويوقِّعَ على أنه حضر مبكرًا، فيجمع بين سيئتين: بين مجيئه متأخرًا وكذبه.

وبعض الناس يُخِلُّ بعمله بحجة أن مديره في العمل قد أذن له، وهذه ليست بحجةٍ؛ لأن المدير قد يكون متساهلًا، وقد يكون أسوأ من الموظف نفسه، والمدير له صلاحيةٌ محدودةٌ، ولا يملك ما هو فوق حدوده وصلاحيته، والعبرة بنظام المُنْشَأة؛ فإذا كان نظام المنشأة يُلزِم الموظف بالحضور من أول الدوام ولا يسمح له بالانصراف إلا في آخره، لم يملك ذلك المدير الإخلال بهذا النظام إلا في حدود صلاحيته، وفي حدودٍ ضيقةٍ مما يكون للموظف فيها أعذارٌ معتبرةٌ.

ما ينبغي أن يتحلى به الموظف

عباد الله

وينبغي للموظف أن يحرص على الرفق واللين مع المراجعين، وعلى تقديم يد العون والمساعدة لهم ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ فإنه إن فعل ذلك، ووُجِدَ لديه هذا النَّفَس، نَفَس اللين والرفق والمساعدة لمن يأتيه؛ فإن النبي قد دعا له بأن الله تعالى يَرفُق به، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ؛ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا؛ فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ[4].

وأما إن شق الموظف على الناس، وعقَّد عليهم الإجراءات، وأثقل عليهم في طلباتٍ كان بإمكانه ألا يطلبها منهم، فقد دعا عليه النبي بأن يشق الله عليه؛ يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ؛ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ.

وإن هناك أمورًا أساسيةً في الأنظمة لا بد أن يلتزم بها الجميع؛ لأنها وُضِعَت للمصلحة العامة، وليس للموظف أن يخالف هذه الأنظمة بحجة التيسير على الناس، ولكن هناك أمورٌ تخضع لاجتهاد الموظف، أو ما يسمى بروح النظام، أو أنَّ الموظف يمكنه أن يقوم بها بدلًا من أن يطلب ذلك من المُراجع، ونحو ذلك.

فينبغي أن يكون لدى الموظف نفس التيسير والرفق، والحرص على منفعة الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.

إن بعض الموظفين مُوَفَّقٌ؛ لا يكاد يخرج من عنده أحدٌ إلا وهو راضٍ؛ إما أن يقضي حاجته، وإما أن يُرشده إلى كيفية قضاء حاجته، وإما أن يرده بلطفٍ ورفقٍ، ويَمْحَضَ له النصيحة بأدبٍ جَمٍّ، وخُلُقٍ رفيعٍ، فالكل يدعو له؛ فهنيئًا له الأجر من الله تعالى أولًا، ثم التيسير والتوفيق في حياته، والسمعة الحسنة والذكر الطيب له عند الناس.

ومن الموظفين من هو على العكس من ذلك؛ معقَّدٌ صعبٌ، لا يكاد أحد يخرج من عنده وهو راضٍ، حتى لو كان لا يملك المساعدة لا يتبرع بالإرشاد والتوجيه لمن يساعده، لا تكاد تسمع منه كلمةً طيبةً، كلمةً فيها لطفٌ، فهذا حريٌّ بأن يَشُقَّ الله عليه، وألا ييسر عليه أموره الخاصة به.

عباد الله

وإنه ينبغي غرس ثقافة الانضباط لدى الموظفين، بحيث يكون انضباطهم في الدوام والإنتاجية عادةً وسجيةً للموظف، فعلى المسؤولين من المُدَرَاء وغيرهم أن يغرسوا في نفوس الموظفين جانب الرقابة والخوف من الله ​​​​​​​، وأنَّ هذا الموظف إذا أخلَّ بوظيفته؛ فإن هذا الإخلال يؤثر على طِيب المكسب، وأنه يكون قد تقاضى جزءًا من مرتبه بغير حقٍّ.

التخلص من المال الحرام والرشوة

عباد الله

ومن حصل له إخلالٌ بوظيفته، أو صُرِف له مبلغ من المال بغير حقٍّ، فلا تصح توبته إلا بأن يعيد هذه المبالغ التي أخذها بغير حقٍّ إلى الجهة التي أخذها منها؛ فإن كان موظفًا حكوميًّا فيعيدها إلى حساب إبراء الذمة، وقد وضعت الدولة حسابًا بنكيًّا يسمى: حساب إبراء الذمة، يضع فيه الموظف ما أخذه من الدولة من أموالٍ بغير حقٍّ، أو فيها شبهةٌ من غير مسألةٍ؛ تيسيرًا على الناس، فإذا كان أخَذَ أموالًا بغير حقٍّ فما عليه إلا أن يعيد تلك الأموال لهذا الحساب، مع الندم والتوبة إلى الله .

وإن كان أخَذَ رشاوَى من الناس فلا تصح توبته إلا بأن يتصدق بمثلها، مع الندم والعزم على ألا يعود إلى ذلك، والتوبةِ إلى الله ​​​​​​​.

وإن كان الإنسان لم يأخذ مالًا بغير حقٍّ بسبب وظيفته، لكنه يخشى من التقصير في القيام بالوظيفة على الوجه المطلوب، فعليه أن يُكثِر من الصدقة، فإن الصدقة تجبر ما قد يكون لديه من التقصير، وقد أوصى النبي التجار بالصدقة؛ لأن التجارة يشوبها ما يشوبها من الأموال المشتَبِهة، فكان في هذه الصدقة جبرٌ لذلك الخلل ولذلك النقص الذي قد يقع من الإنسان بسبب تلك التجارة؛ يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ هَذَا البَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ والحلِفُ؛ فَشُوبُوه بِالصَّدَقَةِ[5]. فأرشد عليه الصَّلاة والسَّلام التجار إلى أن يتصدقوا بجزءٍ من أموالهم؛ جبرًا لما قد يحصل في تجارتهم من الخلل والتقصير، وكذا يقال بالنسبة للموظف الذي يخشى من التقصير في القيام بوظيفته، ينبغي أن يَجبُر ذلك بكثرة الصدقة.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 2-4]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمدٍ ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٌ.

حكم أخذ الموظف هدايا من المراجعين

عباد الله

ومما قد يقع فيه بعض الموظفين، أنهم يأخذون هدايا من المراجعين، وهذه الهدايا لا تحل لهم، وهي نوعٌ من الغلول؛ يقول النبي ، وقد استعمل عاملًا على الصدقة فجاء العامل حين فرغ من عمله، فقال: “يا رسول الله، هذا لكم وهذا أهدي لي. فقال له: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك، فنظرت أيهدى لك أم لا؟!. ثم قام رسول الله عشية بعد الصلاة، فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: “أما بعد: فما بالُ العاملِ نستعملُه فيأتينا فيقول: هذا من عملِكم، وهذا أُهدِيَ لي؟! أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنَظَر هل يُهدى له أم لا! فوالذي نَفْسُ محمدٍ بيدِه، لا يَغُلُّ أحدُكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامةِ يحملُه على عُنُقِه؛ إن كان بعيرًا جاء به له رُغَاءٌ، وإن كانت بقرةً جاء بها لها خُوَارٌ، وإن كانت شاةً جاء بها تَيْعَرُ [6]، فقد بلغت [7].

فانظروا كيف عظَّم النبي شأن هذه المسألة، فما يأخذه الإنسان بسبب منصبه الوظيفي؛ كل ذلك معدودٌ من الغلول، ومحرمٌ عليه، وسيأتي به يوم القيامة يحمله على ظهره، وهو -على حسب الأنظمة والتعليمات- مجرمٌ، ومعدودٌ ذلك من الفساد؛ فعلى الموظف أن يتقي الله ​​​​​​​، وألا يأخذ هدايا من الناس ومن المراجعين بسبب الوظيفة، إلا إن كان من عادته أنه يتهادى مع إنسانٍ قبل وظيفته، وأنه لو قعد في بيت أبيه وأمه لأهدَى إليه ذلك المراجع هذه الهدية؛ فلا بأس بذلك.

فالضابط في هذه المسألة: هو قول النبي : أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّه، فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ [8].

فإذا أشكل على الإنسان هديةٌ أُهْدِيَت إليه؛ فليطرح على نفسه هذا السؤال: هل لو جلس في بيت أبيه وأمه سيُهدِي له ذلك المهدِي هذه الهدية؟

فإن كان الجواب: نعم، فلا بأس بها، وإن كان الجواب: لا، وأن هذه الهدية إنما أُهْدِيَت له بسبب منصبه الوظيفي؛ فهذا نوع من الغُلُول فلا يحل له، ويدخل في الوعيد المذكور في هذا الحديث.

صور للغلول يقع فيها بعض الموظفين

  • ومن الغُلُول: الاختلاس من الأموال العامة؛ يقول النبي : مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يوْمَ الْقِيامَةِ [9].
  • ومن الصور: بذل الرِّشوة للحصول على مشاريعَ حكوميةٍ بمبالغَ باهظةٍ؛ فإن الزيادة على التكلفة الفعلية وعلى الأرباح المعتادة يعتبر نوعًا من الغُلُول.
    والرِّشوة من كبائر الذنوب، وقد لعن النبي الراشيَ والمرتشيَ [10].
  • ومن الصور أيضًا: التلبيس والتزوير على الجهات الحكومية بدفع فواتيرَ غيرِ صحيحةٍ ونحوها؛ فما يأخذه بسبب ذلك فهو داخلٌ في الغُلُول.
  • ومن ذلك أيضًا: أن يأخذ مالًا (مقابلَ انتدابٍ)، وهو في واقع الأمر لم يُنتدَب، أو أن يأخذ مالًا مقابلَ (خارجَ الدوام)، وهو في الواقع لم يعمل خارج الدوام؛ فهذا لا يحل له، ويدخل في الغُلُول.
  • ومن ذلك: أن يكتب أنه حضر الدوام في وقت كذا، والواقع أنه حضر بعد ذلك.

فعلى المسلم: أن يتقي الله ​​​​​​​، وأن يحرص على طِيب المكسب، وألا يستهين بهذه المسائل؛ فإن بعض الناس يستهين بها باعتباراتٍ كثيرةٍ؛ منها: أن كثيرًا من الناس يفعل ذلك. وهذا ليس بحجة، فإذا استهان كثيرٌ من الناس بمعصية من المعاصي؛ فإن هذا لا يبرر ارتكابها.

وليستحضر المسلم ما ورد في ذلك من الوعيد، وقد ذُكِر للنبي رجلٌ وأُثنِيَ عليه، فقال: كَلَّا، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُه فِي النَّارِ فِي غَلَّةٍ قَدْ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ [11]. وهي شيءٌ من المال الزهيد؛ مجرد عباءةٍ أخذها من المال العام، فيقول عليه الصَّلاة والسَّلام: رَأَيْتُه فِي النَّارِ. وجاء في روايةٍ: إِنِّي رَأَيتُهُ فِي النَّارِ فِي شَمْلِةٍ أَوْ عَبَاءَةٍ أَخَذَهَا [12]. والعباءة أو الشملة شيءٌ ليس كبيرًا، ومع ذلك أخبر النبي بالوعيد الشديد في حق هذا الرجل، وهذا يدل على الوعيد الشديد في حق من يختلس من الأموال العامة؛ لأنها مِلكٌ مشترَكٌ لجميع المسلمين.

فعلى المسلم أن يتقي الله ​​​​​​​، وأن يحرص على طِيبِ مكسبه، وأن يجعل ذلك مبدأً له في الحياة؛ فإنَّ خُبْثَ المكسب من أسباب عدم إجابة الدعاء، وعدم طيب المكسب من أسباب موانع الإجابة؛ فعلى المسلم أن يحرص أن يكون مكسبه طيبًا، وأن يكون ذلك مبدأً له في حياته.

والدولة -أيدها الله- لها جهاتٌ رقابيةٌ لمحاربة هذا الأمر؛ أعني الفساد المالي والاختلاس من الأموال العامة، فينبغي التعاون مع هذه الجهات في كشف هؤلاء المفسدين الذين يأخذون من الأموال العامة بغير حقٍّ، والتعاون مع الجهات التي أناط ولي الأمر المسؤولية بها في محاربة الفساد.

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، اللهم ارضَ عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكانٍ، واخذل من خذل دين الإسلام في كل مكانٍ، وهيء لأمة الإسلام أمرًا رشَدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وترفع فيه السنة، وتُقمع فيه البدعة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، ووفق إمامنا وولي أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، ولما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكِّره إذا نسي، ووفقه لما فيه صلاح البلاد والعباد يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه ومالم نعلم.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الصافات: 180-182].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2072.
^2 رواه البخاري: 2262.
^3 رواه البخاري: 1471.
^4 رواه مسلم: 1828.
^5 رواه أبو داود: 3326، والترمذي: 1208، والنسائي: 3807، وابن ماجه: 2145.
^6 الرُّغَاء والخُوَار واليُعَار: أصوات تلك البهائم. ينظر: فتح الباري لابن حجر: 13/ 166.
^7 رواه البخاري: 6636، ومسلم: 1832.
^8 سبق تخريجه.
^9 رواه مسلم: 1833.
^10 رواه أبو داود: 3580، وأحمد: 6532.
^11, ^12 رواه مسلم: 114.
مواد ذات صلة