|categories

(3) فضل الدعاء وآدابه

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة: هذه الليلة هي ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، وأتحدث معكم في هذه الليلة عن الدعاء فضله وآدابه.

فضل الدعاء

الدعاء أيها الإخوة هو العبادة كما أخبر بذلك النبي ، وقد أمر الله تعالى عباده به، فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

ما السر في وقوع آية الدعاء بين آيات الصيام؟

وتأملوا أيها الإخوة كيف أن هذه الآية العظيمة: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، قد وقعت بين آيات الصيام، فالآية التي قبلها: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، والآية التي بعدها: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187].

هذه الآية وقعت بين آيات الصيام في ترتيب آيات المصحف، وهذا له سر، وله مغزى، قال أهل العلم: ولعل السر في ذلك -والله أعلم- أن فيه إشارة إلى أن الدعاء في هذا الشهر المبارك حري بالإجابة، وبخاصة في هذه العشر المباركة، وبخاصة في ليالي العشر الأواخر من رمضان، فإن الدعاء فيها حري بالإجابة.

فينبغي لنا أيها الإخوة أن نجتهد بالدعاء في هذه العشر المباركة، رب دعوة واحدة تستجاب لك يكتب الله تعالى لك بسببها خيرًا عظيمًا، ولهذا صح عن النبي أنه قال: ليس شيء أكرم على الله من الدعاء [1].

الدعاء سبب لحصول المطلوب، وسبب لدفع المكروه، فينبغي أن نجتهد في الدعاء، وأن نحرص على الدعاء.

والله تعالى يحب من عباده أن يدعوه، وأخبر جل وعلا بأنه قريب من الداعي إذا دعاه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، هذه الآية نزلت لما أتى أناس، وسألوا النبي ، فقالوا له: “يا رسول الله أربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟”، فأنزل الله هذه الآية: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]” [2].

وتأملوا قول الله تعالى: فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، ولم يقل: فقل لهم: إني قريب، مع أن عامة الآيات التي فيها السؤال يأتي الجواب بـ قُلْ، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220].

الآيات التي فيها السؤال يأتي الجواب بـ قُلْ إلا هذه الآية، هي الآية الوحيدة في القرآن الكريم التي لم يأت في الجواب: قُلْ، وإنما قال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، إشارة إلى قرب الرب  من الداعي.

فالله تعالى قريب من عبده إذا دعاه: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، فالله تعالى يجيب من العبد دعاءه إذا دعاه، وتحققت الشروط، وانتفت الموانع، فإن الله رحيم لطيف بعباده، مجيب الدعاء جل وعلا، سميع الدعاء.

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] يعني إذ دعوتهم فيدعوني، وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البقرة:186]، قال بعض المفسرين: المعنى وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البقرة:186] أني قادر على إجابة دعوتهم.

وهذا المعنى مهم بالنسبة للداعي، أي أنه إذا دعا الله يؤمن بأن الله سبحانه قادر على إجابة دعوته، وأن الله سيستجيب دعاءه، يدعو الله تعالى وهو يطمع في الإجابة؛ لأن بعض الناس عندما يدعو، يدعو بقلب غافل لاه، وأيضًا يكون في نفسه أن هذا الدعاء لن يستجاب، ويقول: دعوت، دعوت ولم يستجب لي، هذا من موانع الدعاء.

ينبغي لك أن تكثر من الدعاء، ولا تشترط على ربك وقتًا للإجابة، إنما ادع الله ، والله تعالى سميع قريب مجيب الدعاء، وكن على يقين.. ادع الله تعالى وأنت موقن بالإجابة: وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

أيها الإخوة: هذه الليالي المباركة الدعاء فيها حري بالإجابة، فينبغي أن نجتهد في الدعاء، وبخاصة في السجود، إذا اجتمع السجود في هذه الليالي المباركة، واجتمع أيضًا أنك في الحرم، اجتمع الزمان الفاضل، والمكان الفاضل.

أوقات تجاب فيها الدعوات

وأيضًا في السجود، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأسباب الإجابة اجتمعت كلها، فأنتم أيها الإخوة في أطهر بقعة على وجه الأرض، في المسجد الحرام، وأنتم أيضًا في أفضل ليالي السنة في هذه العشر المباركة.

وإذا كان الدعاء في الثلث الأخير من الليل أيضًا هو وقت نزول الرب ؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ [3].

سبحان الله! الرب العظيم، الخالق لهذا الكون، الغني عن عباده، الذي لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، ومع ذلك جل وعلا ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، نزولًا يليق بجلاله وعظمته، ليس كنزول المخلوقين، فإن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

وينادي عباده بهذا النداء: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟

سبحانك ربنا ما أعظمك، وما أرحمك بعبادك، وما أعظم لطفك، وما أعظم إحسانك بعبادك، سبحانك ربنا، ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، ينادي عباده هذا النداء: هل من داع؟ هل من سائل؟ هل من مستغفر؟

فينبغي لنا أيها الإخوة أن نجتهد في هذه الليالي المباركة، أن نجتهد فيها بالدعاء، فإن تيسر أن تدعو الله في السجود هذا هو الأكمل، وإن لم يتيسر ذلك فيمكن أن تستقبل القبلة، تستقبل الكعبة، وترفع يديك هكذا، وتدعو الله ، فإن من آداب الدعاء رفع اليدين، إذا لم تكن في الصلاة، تستقبل الكعبة، وترفع يديك، وتدعو الله .

وعندما تدعو الله سبحانه تلح على الله بالدعاء، تجتهد بالدعاء، لا تشترط على ربك وقتًا معينًا، وإنما اجتهد في الدعاء، ادع الله بما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة، رب دعوة تستجاب لك، يكتب الله تعالى لك بسببها خيرًا عظيمًا، رب دعوة تستجاب لك يدفع الله تعالى عنك بسببها شرًا عظيمًا.

فاحرص يا أخي الكريم على أن تكثر من الدعاء في هذا الموسم الذي نعيشه الآن، أن تكثر من الدعاء، وأن تلح على الله ​​​​​​​ بالدعاء في هذه الليالي المباركة.

أيها الإخوة: من ألهم الدعاء فقد وفقك للإجابة؛ كما قال عمر : “إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء”، فإذا ألهمت الدعاء كانت الإجابة.

آداب الدعاء:

  • التضرع

ولهذا ينبغي لك كل يوم أن تدعو الله ، فإن الله تعالى يحب من عباده أن يدعوه، وأن يسألوه، وأن يلحوا عليه في الدعاء، وأن يتضرعوا إليه، وهذا التضرع هو من أبرز آداب الدعاء: أن تدعو الله بتضرع وبخشوع وبحرارة، فإن الله يحب من العبد أن يظهر الانطراح بين يديه، والتمسكن والخشوع والتضرع؛ كما قال سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55].

  • خفض الصوت

فذكر الله أدبًا عظيمًا من آداب الدعاء وهو التضرع، وذكر أدبًا آخر وهو الخُفية، إخفاء الدعاء من آداب الدعاء، ورفع الصوت بالدعاء هذا من الاعتداء في الدعاء.

فاحرص يا أخي الكريم على أن تخفي دعاءك ما أمكن، لا ترفع صوتك بالدعاء، الله تعالى يسمع دعاءك، السر والعلانية عنده سواء: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ [الملك:13].

أيها الإخوة: سنستكمل غدًا إن شاء الله الحديث عن بقية آداب الدعاء.

فأسأل الله تعالى أن يستعملنا جميعًا في طاعته، وأن يوفقنا لليلة القدر، وأن يجعلنا ممن يفوز بجزيل الثواب وعظيم الأجر، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه الترمذي: 3370.
^2 العظمة لأبي الشيخ: 2/ 535.
^3 رواه البخاري: 1145، ومسلم: 758.
مواد ذات صلة