|categories

(12) تتمة مفسدات الصوم

مشاهدة من الموقع

تتمة مفسدات الصوم

يتبرع بدمه في هذه الحال؛ لإنقاذ هذا المريض، ولكنه يقضي، أما إذا كان لغير حاجة فلا يجوز؛ لأنه تعمَّد الفطر في نهار رمضان.

حكم تحليل الدم للصائم

هل يقاس تحليل الدم على الحِجامة؟ من يجيب؟

لا يقاس؛ لماذا؟

الحقيقة هذا السائل يقول: التحليل قليل؛ لكن اتصل بي بعض الناس يذكرون دمًا كثيرًا، بعض الناس يقول: يأخذون مني أربع (براويز) [1] كل واحد طول الأصبع أو أطول من الأصبع، وبعضهم أكثر من هذا.

يبدو أن المعروف من سنوات: أنه لا يأخذ في تحليل الدم إلا الشيء القليل، لكن الآن أصبح يؤخذ دم كثير، ولهذا؛ لا نستطيع أن نجيب بحكم عام، فلا بد من التفصيل، فنقول: عند تحليل الدم؛ إن كان الدم قليلًا فإنه لا يفطر الصائم، لا يفسد الصوم، أما إذا كان الدم كثيرًا مثل صاحبنا الذي قال: إنهم أخذوا منه أربعة (براويز)، وكل واحد منها أطول من الأصبع، فهذا دم كثير، هذا أكثر من دم الحجامة، هذا يفسد الصوم، فيكون إذَنْ بناءً على هذا التفصيل.

صحيح كان في السابق لا يؤخذ في التحليل إلا دم قليل، لكن في السنوات الأخيرة أصبح يؤخذ من بعض الناس دم كثير، فلهذا؛ لا بد من التفصيل في المسألة.

  • السابع: خروج دم الحيض والنفاس من المرأة بالإجماع.

أي: بإجماع العلماء، والمرأة إذا حاضت أو نُفِسَت يحرم عليها الصوم حال الحيض أو النفاس بإجماع العلماء؛ بل إنها تأثم لو صامت، ويجب عليها قضاؤه؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة على عهد رسول الله [2]، متفق عليه.

فالمرأة إذا حاضت لا يصح صومها، بل يحرم، وتقضيه بعد ذلك.

وهذا مما يؤكد أن ما وُجِد من الحجامة يفسد الصوم؛ لأن خروج الدم من الإنسان عمومًا يَحصُل به الضعف للإنسان، فيحتاج إلى شيء من التعويض، ولهذا؛ منعت الحائض، وكذا النُّفَسَاء من الصيام، ما دام الدم موجودًا، وهكذا أيضًا دم الحجامة.

فالقول: إن دم الحجامة يفسد الصوم. يتفق مع الأصول والقواعد.

حكم صيام من أكل أو شرب شاكًّا بطلوع الفجر

من مسائل الصيام: أن من أكل أو شرب شاكًّا بطلوع الفجر، ولم يَتبيَّن له طلوعه، صح صومه ولا قضاء عليه، وذلك؛ لأن الأصل بقاء الليل، وهذا بخلاف من أكل أو شرب شاكًّا بغروب الشمس، لو أكل أو شرب شاكًّا بغروب الشمس، فإن عليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء النهار.

لاحِظِ الفرق: من أكل أو شرب شاكًّا بطلوع الفجر صح صومه؛ لأن الأصل بقاء الليل؛ بينما من أكل أو شرب شاكًّا بغروب الشمس لم يصح صومه؛ لأن الأصل بقاء النهار، لاحِظِ التمسك بالأصل هنا.

فإذَنْ: من أكل أو شرب مع الأذان مثلًا، أو حصل عنده شك بأنه طلع الفجر فصومه صحيح؛ لأن الله تعالى يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187]. فأباح الله تعالى الأكل والشرب، حتى يَتبيَّن طلوع الفجر يَتَبَيَّنَ لَكُمُ، وكان الذي يؤذِّن الفجر على عهد النبي من هو؟ الأذان الأول: بلال، والأذان الثاني: عبدالله بن أم مكتوم، وكان رجلًا أعمى لا يؤذِّن حتى يقال: أصبحت أصبحت. حتى يظهر الصبح للناس كلهم.

ولهذا؛ لو أكل الإنسان وهو شاكٌّ بتبيُّن طلوع الفجر، فإن صومه صحيح.

وبعض الناس يتشدد في هذه المسألة، حتى إنه أذَّن المؤذن لصلاة الفجر وفي فمه لقمة فلفظها، وهذا غير صحيح، الأمر في هذا فيه سعة؛ لأن الله تعالى أناط الأمر بالتبيُّن حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187].

ولأنه قد جاء في حديث صحيح عن النبي ، عند أبي داود وغيره، قال عليه الصلاة والسلام: إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه [3]، هذا أيضًا على افتراض أن المؤذن يؤذن عند طلوع الفجر بدقةٍ، مع أن الأذان فيه احتياط بتقديم، لكن نقول: حتى لو افترضنا أن المؤذن يؤذن على طلوع الفجر، يعني يجوز له أن يتم أكله وشربه؛ لهذا الحديث، وهو حديث صحيح، وهذا يدل على أن الأمر فيه سعة، ولهذا؛ لو تأملنا الآثار عن السلف نجد أنهم يتوسعون في هذا، فابن عباس رضي الله عنهما أرسل غلامين يرقبان الفجر، فقال أحدهما: طلع. وقال الآخر: لم يطلع. فأكل، وقال: قد اختلفا؛ فإن الله تعالى قد أناط الأمر بالتبيُّن: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة : 187].

حكم من أكل أو شرب شاكًّا في غروب الشمس

لكن عكس هذا: من أكل أو شرب شاكًّا في غروب الشمس، فهنا لا يأكل ولا يشرب، حتى يتحقق من غروب الشمس، فإن أكل وهو شاك بغروب الشمس، فإنه يجب عليه قضاء ذلك اليوم باتفاق العلماء؛ لأن الأصل بقاء النهار.

لكن لو حصل عنده غلبة ظن، نحن قلنا: لو أكل أو شرب شاكًّا بغروب الشمس وجب عليه القضاء، لو تيقن يفطر، لكن أحيانًا ما يتيقن؛ وإنما يغلب على ظنه؛ كما لو سمع مؤذنًا يؤذن ولم ير أن الشمس قد غربت، ولم يرقبها، ولم يتيقن، لكن سمع المؤذن فغلب على ظنه أن الشمس قد غربت، فهنا هل تكفي غلبة الظن، أو لا بد من اليقين؟

إذا قلنا: لا بد من اليقين يلحق الناس حرج عظيم، ولهذا؛ الصواب: أنه تكفي غلبة الظن، والدليل على هذا: أن هذا هو الحال في عهد النبي ، لهذا؛ جاء في «صحيح البخاري» وغيره، عن أسماء رضي الله عنها قالت: أفطرنا على عهد رسول الله في يوم غيم، ثم طلعت الشمس [4]، ولم يُنقل لنا أن النبي أمرهم بالقضاء؛ فهذا دليل على أنهم أفطروا بناء على غلبة ظنهم.

فإذا غلب على الظن غروب الشمس حلَّ الإفطار للصائم.

حكم الإفطار على التقاويم

والتقاويم بالنسبة لغروب الشمس دقيقة؛ لأنها مبنية على ظاهرة فلكية على غروب الشمس، يعني وهي جِرْم سماوي كبير، ولذلك؛ ضبط غروب الشمس بالحساب متيسر، فاتفقت التقاويم العالمية على وقت الغروب ووقت الشروق، ولهذا؛ يعتمد على التقاويم في وقت غروب الشمس، لا إشكال في هذا.

وعلى أن التقاويم أيضًا بالنسبة لغروب الشمس تحتاط أيضًا، تعمل بالاحتياط، وإلا فشرعًا إذا غاب القرص حل الفطر، حتى ولو بقي حمرة، مجرد سقوط القرص يحل الفطر، يباح الفطر للصائم، والتقاويم تحتاط في هذا، يعني بعد سقوط القرص يضيفون دقائق للتمكين، ولهذا؛ لا إشكال في الاعتماد على التقاويم في الفطر.

حكم من جامع في نهار رمضان

بقي معنا مسألة في الصيام، وهي مسألة من جامع في نهار رمضان، من جامع في نهار رمضان فعليه القضاء والكفارة، مع إمساك بقية يومه الذي جامع فيه.

والكفارة الواجبة كفارة مغلظة، وذلك؛ لأنه قد انتهك حرمة شهر رمضان، فيجب عليه كفارة مغلظة.

فيترتب عليه أمور:

  • أولًا: الإثم.
  • ثانيًا: فساد الصوم.
  • ثالثًا: وجوب الإمساك.
  • رابعًا: وجوب القضاء.
  • خامسًا: الكفارة المغلظة.

والكفارة هي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.

عتق رقبة: بأن يأتي إلى إنسان مملوك رقيق فيعتقه، ولكن الرِّقَّ الآن قد انقطع في وقتنا الحاضر، ويذكر أن بعض الدول الإفريقية فيها رِقٌّ، لكن هناك من يشكك في شرعيته، ولهذا؛ فإنه يعدل إلى الصيام مباشرة، فنقول: يصوم شهرين متتابعين، ولا بد من التتابع، فالتتابع شرط لا بد منه.

وصيام شهرين متتابعين قد يرتبط به نوع من المشقة، ولكن المشقة هنا لا بد منها؛ لأن الكفارة مغلظة، ولهذا؛ نجد أن بعض الناس عندما يفتَى بأن عليه كفارة مغلظة يقول: ما أستطيع الصيام، مع أنه قد صام شهر رمضان، هذا مستطيع، لكنه يقول: عليه مشقة، والمشقة لا بد منها؛ فهو الذي أوقع نفسه في الحرج، ولهذا؛ ينبغي أن يُسأل هذا الذي قد ترتبت عليه الكفارة المغلظة: هل صمت رمضان؟ فإن قال: نعم. نقول:  إذَنْ صم شهرين متتابعين، أنت مستطيع.

نعم لو كان مثلًا مريضًا، أو كان كبيرًا لا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين، فإنه يعدل إلى إطعام ستين مسكينًا، لكن الواقع أن بعض الناس تجد أنه شاب صحيح قادر، يقول: أنا والله ما أستطيع أن أصوم شهرين متتابعين، مع أنه قد صام شهر رمضان كاملًا، نقول: هذا غير مقبول منه، هو يقصد أن عليه مشقة، والمشقة لا بد منها؛ فهو الذي قد أوقع نفسه في الحرج، كان الواجب عليه أن يعظم حدود الله تعالى، وألا يتعدى حدود الله، وألا ينتهك حرمة الشهر، لكن ما دام أنه  قد أوقع نفسه في هذا، وانتهك حرمة شهر رمضان، وتعدى حدود الله، فيتحمل هذه الكفارة المغلظة.

والواقع أن هذه المسألة يفترض ألا تقع بكثرة في المجتمع المسلم؛ لأنها كما ذكرنا هي تَعَدٍّ لحدود الله، وفيها انتهاك لحرمة الشهر، لكن من واقع الأسئلة والاستفتاءات، الحقيقة أن هذا -مع الأسف!- ليس بالقليل، فيتعجب الإنسان كيف بمسلم يصوم ويصلي، ثم يقع بتعدي حدود الله في هذا الأمر؟ يقع على امرأته في نهار رمضان، هذا دليل على ضعف ديانةٍ وقلة الخوف من الله ، ولهذا؛ ترتبت عليه هذه الكفارة المغلظة، وقد جاء في «الصحيحين» عن أبي هريرة قال: جاء أعرابي إلى النبي فقال: هلكتُ. وجاء في بعض الروايات أنه ينتف شعره، قال: يا رسول الله هلكتُ -لاحِظ أنه جاء تائبًا- قال: وما أهلكك؟. قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تُعتق رقبة؟. قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟. قال: لا. قال: ثم جلس، وأُتي النبي بعَرَقٍ [5] فيه تمر، فقال: تصدق بهذا. قال: أعلى أفقر منا، فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي حتى بدت نواجذه، فقال: اذهب فأطعمه أهلك [6].

أيضًا هذا هو الأصل في الكفارة، لكن هنا لماذا لم يعنف النبي هذا الرجل؟ ما عنفه إطلاقًا، جاء في بعض الروايات: أن هذا الرجل خوَّفه قومه، قالوا: وقعت في جُرْم عظيم، فأتى وهو خائف، وينتف شعره، ويشق ثوبه، أتى وهو خائف، فلما قال له النبي عليه الصلاة والسلام هذا، وقد أتى النبي وهو خائف ورجع بطعام معه لأهله، فرجع لقومه، وقال: بئسما قلتم لي! وجدت النبي رحيمًا رفيقًا، لكن لماذا لم يعنفه النبي ؟ لأنه أتى تائبًا؛ فالإنسان إذا أتى تائبًا، ينبغي ألا يعنَّف مهما ارتكب من الذنب، لا يعنف ولا يوبخ، بخلاف من كان غير تائب، ومصرًّا على الذنب، ولهذا؛ نجد من هدي النبي أن من أتاه تائبًا لا يعنفه إطلاقًا.

فهذا الحديث هو الأصل في كفارة الجماع في نهار رمضان، مع أيضًا وجوب القضاء، قضاء ذلك اليوم، وأيضًا وجوب الإمساك بقية يومه، حتى وإن كان قد فسد صومه، إلا أنه يجب أن يمسك بقية يومه الذي قد جامع فيه، مع التوبة إلى الله من ذلك الأمر.

حكم الزوجة إذا جامعها زوجها في نهار رمضان

المرأة إذا طاوعت الزوج عامدة مختارة، فإنه يلزمها الكفارة كالرجل، أما إذا كانت معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه، فعليها القضاء فقط، ولا كفارة عليها.

لكن لو كان الرجل أو المرأة يعلم أن الجماع في نهار رمضان حرام، لكنه لا يعلم مقدار ما يترتب عليه، يعلم تحريمه لكن لا يعرف ماذا يترتب عليه؟ هل يعذر بالجهل في هذا؟ لا يعذر، والدليل على ذلك: أن هذا الأعرابي كان يعرف حرمة الجماع في نهار رمضان، لكنه لم يعرف ماذا يترتب عليه؟ ولهذا؛ أتى النبي يستفتيه؛ فجهله بما يترتب على المعصية لا يعفيه، وليس بعذر له، أما لو كان جاهلًا بأن الجماع لا يحرم في نهار رمضان، وكان مثلُه يَجهل؛ كحديث عهد بإسلام، أو نحو ذلك، فهنا يعذر بالجهل في مثل هذا.

حكم بلع الريق للصائم

مما ذكره العلماء في باب الصيام: أن بلع الريق لا يفطر به الصائم بإجماع العلماء، بلع الريق لا يحصل به تفطير الصائم، لكن لو جمع ريقه فبلعه متعمدًا فإنه يكره فقط، ولا يفسد به الصوم، لكنه يكره فقط، ونقول هذا؛ لأن بعض الناس عندهم وسوسة فيما يتعلق ببلع الريق، حتى لو تعمدت وجمعت ريقك وبلعته فصومك صحيح، إلا أن غاية ما في الأمر أنه مكروه، وأما بلعه من غير عمد، فإنه لا يكره باتفاق العلماء.

حكم تذوق الطعام للصائم

ذوق الطعام بلا حاجة يُكره عند كثير من أهل العلم؛ لأنه لا يأمن أن يصل إلى حلقه، فيفسد الصوم.

أما إذا كان لحاجة كالطَّبَّاخ ونحوه، والمرأة مثلًا في بيتها، فلا بأس بذوق الطعام في هذه الحال، لكن يَلفِظه، يعني يذوق الطعام ثم يلفِظ هذا الطعام، فإذا كان ذلك لحاجة لم يكره، أما إن كان لغير حاجة، فإنه مكروه.

فإن قال قائل: إذا كان ذوق الطعام لحاجة، وذاق هذا الطباخ، أو هذه المرأة هذا الطعام فلفَظَه، أليس يبقى في فمه أثر للطعام؟ وربما اختلط بريقه فبلعه، كيف نجيب عن هذا؟ وهذا قد دخل جوفه، فلماذا لا نقول: إنه يفسد الصوم، وأنتم تقولون: إذا كان ذوق الطعام لحاجة لا بأس به، كيف نجيب عن هذا؟

نقول: إن هذا مما يُعفَى عنه، حتى المضمضة، عندما تتمضمض بالماء في الوضوء، فإن هذا الماء يكون له ملوحة، وهذه الملوحة تختلط بالريق وتنفذ للجوف، فمثل هذا الشيء اليسير يعفى عنه؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه، هذا باتفاق العلماء، أن هذا الشيء اليسير جدًّا يعفى عنه.

لو أنه عند ذوق الطعام نفذ الطعام إلى جوفه رغمًا عنه، أو مثلًا عند المضمضة دخل الماء إلى جوفه، فهل يفسد الصوم؟ لا، نقول: صومه صحيح؛ لأنه بغير اختياره، فما نفذ إلى الجوف بغير اختياره لا يؤثر على صحة الصوم، قد نص على هذا الفقهاء.

إنما الذي يفسد الصوم هو الشيء المتعمَّد، الذي يتعمد الإنسان أكله أو شربه، هذا هو الذي يؤثر على الصيام؛ وأما ما دخل بغير اختياره، فإنه لا يفسد الصوم، ولا حرج عليه فيه.

بقي معنا عشر دقائق نتركها للإجابة عن الأسئلة والاستفسارات.

الأسئلة والأجوبة

هل الأفضل التبرع بالدم أم الحجامة؟

السائل: بالنسبة للحجامة قبل فترة الجرائد ذكرت أنه على وقت الرسول ما كان هناك مراكز للتبرع بالدم، وأن الآن الأفضل التبرع بالدم؛ لأن الزمن تغير، كيف الرد؟

الشيخ: لكن هذا يتفرع من مسألة أخرى، هل التبرع بالدم بمعنى الحجامة؟ الواقع أن هناك فرقًا بين التبرع بالدم، وبين الحجامة، التبرع بالدم يكون من العروق بينما الحجامة من سطح الجلد، بينهما فرق، ومع هذا الفرق، لا يستقيم القول بأن التبرع بالدم يغني عن الحجامة.

وبهذا أثبت كثير من الأطباء الذين يعتنون بالطب البديل فائدة الحجامة.

السائل: بالنسبة لبعض الحجامة يكون الذي فيه مس أو عين إذا أخذ بحديث الرسول : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم [7]، هل هذا ينفع في السحر؟

الشيخ: الله أعلم، هذه أمور تُعرف بالتجربة، ما نستطيع أن نجزم فيها بشيء معين، لكن الحجامة لها فائدة، وأكثر ما تكون فائدتها في الأمراض المتعلقة بالدم، أمراض دموية، لها فائدة، تكلم ابن القيم رحمه الله في الطب النبوي عن فائدتها، وهناك مواقع أيضًا في الإنترنت عن الحجامة أيضًا، مواقع مخصصة عن فوائد الحجامة، وبكل حال يكفينا قول النبي : إن أمثل ما تداويتم به الحجامة [8].

حكم صوم الحجام

السائل: أحسن الله إليكم يا شيخ، بالنسبة للحاجم؟

الشيخ: إذا كان الحاجم يمص الدم، كما كان عليه الناس قديمًا، يمصه بفمه، فهنا يفطر؛ لقول النبي : أفطر الحاجم والمحجوم [9].

ووجَّه ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض العلماء: بأنه أثناء سحب الدم ينفذ إلى جوفه أجزاء لطيفة من الدم، أو أنها تكون يعني ذريعة لذلك، لكن إذا كان سحب الدم بالآلة كما عليه الآن سحب الدم بالآلة، وليس بالمص والشفط، لكن هنا في هذه الحال لا يفطر الحاجم إذا كان عن طريق الآلة، أو عن طريق تشغيل الهواء لا يفطر الحاجم، لكن أفطر الحاجم فيما إذا كان الحجام على ما كان عليه الأمر  في عهد النبي ، وكان عليه الناس إلى وقت قريب، كان الحجام يأتي ويمص أو يشفط الدم بفمه، فهنا يفطر مع المحجوم، أما إذا كان بالآلة بعد تفريغ الهواء فهنا لا يفطر.

هل للحجامة وقت معين؟

السائل: الحجامة لها وقت معين؟

الشيخ: لا نريد أن يتحول الدرس إلى الحجامة، نريده عن مبطلات الصوم، لكن باختصار، ورد في حديث صحيح أن الحجامة تكون في السابع عشر، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر الهجري القمري، السابع عشر، والتاسع عشر، والحادي والعشرين، هناك أحاديث صحيحة، ومن أحسن من تكلم عن ذلك ابن القيم رحمه الله، وذكر ابن القيم الحكمة في ذلك، وقال: إنه في الربع الثالث من الشهر هو أفضل أوقات الحجامة، ونحيلكم إلى الطب النبوي لابن القيم رحمه الله، تكلم عن الحكمة في اختيار هذا الوقت.

رؤية الهلال بالمناظير الفلكية والمراصد

السائل: رؤية الهلال بالنواظير الفلكية؟

الشيخ: نعم، رؤية الهلال بالمناظير الفلكية وبالمراصد وبالتلسكوب معتبر شرعًا، معتبر في هذا، وقرار هيئة كبار العلماء من ربع قرن 1406 تقريبًا، أو قبل هذا، صدر في هذا قرار من هيئة كبار العلماء بأن يعتمد على المراصد الفلكية وعلى المناظير وعلى التلسكوب، وعلى الدرابيل [10]، كلها معتبرة، لكن الواقع أن الهلال لا يرى عن طريقها؛ لأنها آخر الشهر يكون الهلال قريبًا جدًّا من الشمس؛ فضوء الشمس يؤثر على رؤية الهلال عن طريق المناظير والمراصد الفلكية؛ فتكون رؤيته بالعين المجردة أفضل، لكن لو قُدِّر أنه وجد تقنية يمكن من خلالها رؤية الهلال عن طريق المراصد أو المناظير أو نحوها، فلا شك أنها معتبرة شرعًا؛ لأنها رؤية، قال عليه الصلاة والسلام: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته [11]، وهذه رؤية ليست حسابًا.

حكم تعليق نية الصيام

السائل: تعليق نية الصيام كأن يقول: إذا ثبتت رؤية الهلال الليلة صمت غدًا الأول من رمضان، والآن قبل أن تثبت الرؤية وثبتت الرؤية أثناء نومه استيقظ بعد طلوع الصبح، وأكمل صيامه، هل تعليق النية هنا يعتبر من تبييت النية؟

الشيخ: نعم، يعني يقصد: إذا قال: إن كان غدًا من رمضان أنا صائم، هذه محل خلاف بين العلماء، هل يصح صومه أم لا؟ والراجح: أنه يصح، هو الآن قد بيت النية، يعتبر قد بيت النية، فإن كان غدًا من رمضان، فأنا صائم، فلما كان غدًا من رمضان، إذا هو صائم، ولهذا؛ فالصحيح أن صومه صحيح، وأنه قد بيت النية من الليل، ومثل هذا التعليق لا يضر، ولا يؤثر عليه.

ما المراد بالدماغ؟

السائل: ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم، ما المراد بالدماغ؟

الشيخ: يعني مقصودهم أكثر ما يعبرون بالجوف، فيقولون: ما وصل إلى الجوف يحصل به تفطير الصائم، والتعبير بالدماغ يكون عن طريق الحلق، أنها تستخدم ويقولون أيضًا: لو وطئ حَنْظَلَةً فوصل أثرها إلى دماغه، يعني هذه تجدها من تعبيرات الفقهاء المتقدمين، والصحيح عدم اعتبار ذلك كله؛ وأن العبرة فيما يفسد الصوم أن يكون أكلًا أو شربًا، أو بمعناهما، أو يكون جماعًا مثلًا، أو إنزالًا للمني، أو المفطرات التي ذكرناها فقط، أما مثل هذه الأمور التي ذكرها بعض الفقهاء، وأنها إذا وصلت إلى الدماغ، وطئ حنظلة فوصلت إلى دماغه، أو نحو ذلك، فالصحيح أن ذلك لا يعتبر، ولا يفسد به الصوم.

هل ينبه الصائم إذا شرب ناسيًا؟

السائل: إذا رأيت شخصًا وهو صائم يشرب ماء، هل تنكر عليه أم تقول: اتركه؟

الشيخ: الصحيح أنك تنكر عليه؛ لأن هذا من إنكار المنكر، هو معذور لكن أنت غير معذور، هو معذور في أكله وشربه؛ لأنه ناسٍ، لكن أنت غير معذور، فتبين له وتنكر عليه وتذكره، وتقول: هذا رمضان، وتذكره بأنه لا يأكل ولا يشرب في رمضان؛ لأنك أنت غير معذور، وهو معذور.

هل تكفي نية واحدة من أول الشهر؟

السائل: تبييت النية من أول يوم من رمضان يجزئ عن الشهر؟

الشيخ: هذه أيضًا اختلف فيها العلماء، هل تكفي نية واحدة أم لا؟ الصحيح: أنه يكفي تبييت النية من أول شهر رمضان، لكن بشرط ألا يقطعه إفطار، فإن قطعه إفطار كأن يسافر ويفطر، أو مثلًا امرأة يأتيها الحيض وتفطر، ثم بعد ذلك تصوم، فهنا لا بد أن يبيت النية بعد ذلك، لكن لو كان إنسان صائم طيلة شهر رمضان، ولم يتخلل صومه انقطاع، فتكفيه النية أول الشهر، ولا يحتاج في كل ليلة أن يبيت النية؛ لأنه معروف أصلًا أن مثل هذا المسلم قد عقد وجزم بأنه سوف يصوم جميع شهر رمضان، فالنية حاصلة أصلًا من أول الشهر، فتكفيه، لكن إذا انقطع الصوم إما مثلًا بحيض امرأة أو بسفر أو بمرض، أو نحو ذلك، فهنا يحتمل أنه سوف يصوم، أو أنه يفطر تبعًا للعذر الذي أتاه، فهنا لا بد من أن يعيد تبييت النية أيضًا بما تبقى من أيام الشهر.

حكم الكفارة على اللواط في رمضان

السائل: طيب لو افترضنا يا شيخ: أن رجلًا وقع منه الفعل المحرم الآخر الذي هو مقابل الزنا، لو وقع منه اللواط، فهل هو يقع عليه الكفارة؟ أو ماذا يفعل في هذه الحال؟

الشيخ: نعم، يترتب عليه ما يترتب على الجماع، مع الإثم العظيم أيضًا؛ لأن عمل قوم لوط أعظم من الزنا، لهذا؛ سماه الله فاحشة، سمى الزنا فاحشة، بدون (أل) فقال: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [الأعراف: 80]. فأما الزنا فقال: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً [الإسراء: 32]. وعمل قوم لوط يقتل الفاعل والمفعول به، بغض النظر عن كونه محصنًا أو غير محصن، بينما الزنا فيه تفصيل إذا كان محصنًا فإنه يرجم، وإذا كان غير محصن فإنه يجلد، ويغرَّب سنة، يعني عمل قوم لوط أشد من الزنا، وإذا كان من يأتي امرأته وهي زوجته يأتيها في نهار رمضان يترتب عليه كفارة مغلظة، فمن باب أولى أنها تترتب على من أتى الفاحشة؛ سواء كان زنا، أو كان من عمل قوم لوط، مع التوبة إلى الله .

هل يكفي السحور في تبييت النية؟

السائل: ما هو الضابط في تبيت النية هل يكفي السحور؟

الشيخ: النية محلها القلب، فإذا تسحَّر لا شك أنه قد بيَّت النية، إذَنْ حتى لو لم يتسحر، نوى في الليل أنه غدًا سوف يصوم قد بيت النية، ولهذا؛ لا يتشدد في مسألة تبييت النية، بعض الناس أيضًا عندهم وسوسة في مسألة تبييت النية، فمن كان مثلًا مع المسلمين يصوم معهم، فهو في الحقيقة قد بيَّت النية، لكن مسألة تبييت النية إنما ترد في مسائل محصورة، يعني مثلًا: لو أن -كما ذكرت- في أول شهر رمضان إنسانًا نام مبكرًا، ولم يبيت النية من الليل، وأصبح على أنه من شعبان، ثم تفاجأ بعد طلوع الفجر، أتى المسجد، ووجد الناس صائمين، فهنا لم يبيت النية من الليل، وهو يظن أنه من شعبان، فهنا يلزمه القضاء، لكن من كان مع المسلمين، وأعلن دخول الشهر، ونوى غدًا أنه سوف يصوم مع المسلمين، فهذا كافٍ، النية محلها القلب، ولهذا؛ قال بعض العلماء: لو كلف الناس بأن يعملوا بدون نية لكان هذا من التكليف بما لا يطاق؛ من يعمل أصلًا لا بد أن ينوي، فبالنسبة لصيام شهر رمضان المسلمون كلهم ينوون صيام الشهر، لكن الإشكال إنما يقع -كما ذكرت- في أول الشهر، أو في إنسان أفطر لعذر، ثم بعدما زال العذر احتاج أن يبيت النية، هل يصوم غدًا أو أنه يستمر في الإفطار لعذره، ففي مثل هذه المسائل فقط هي التي يبيت النية.

أيضًا غير رمضان هنا يحتاج إلى تبييت النية، خاصة في القضاء، القضاء لا بد فيه من تبييت النية حتى يصح، حتى يكون النهار مشمولًا كله بنية الصوم، هذه المسائل كلها لا بد فيها من تبييت النية، لكن لا يُتشدد في ذلك، كالتشدد الذي نسمعه من بعض الإخوة الذين عندهم وسوسة في مسألة تبييت النية.

حكم تبييت النية لصيام الست من شوال

السائل: صيام ست من شوال، هل لا بد من تبييت النية لها، أو أنها تكون من السنن التي تصام من أول النهار، مثلًا قام في الصباح ولم يجد شيئًا يأكله، فقال: إني صائم؟

الشيخ: لكن هنا أفرق -يا إخوان- بين مسألتين، في كونه في صيام ست من شوال، قلنا: لا بد من تبييت النية من الليل، وليس معنى قوله: إنه لا بد. أنه لا يجوز صيامها إلا بتبييت النية، يجوز؛ لأنها نافلة أصلًا، لو ما صمتها لم يكن عليك إثم، لكن المقصود أنك إذا أردت أن تحوز الأجر الوارد في الحديث: من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر [12]، فإنك لا بد أن تُبيت النية من الليل؛ لأنك إذا لم تُبيت النية من الليل لا يصدق عليك أنك صمتَ ستًّا من شوال؛ وإنما صمتَ بعضها، فلا تحوز الأجر الوارد في هذا الحديث؛ ولهذا لا بد فيها من تبييت النية من الليل.

لكن الصوم غير المعين لا يشترط يعني مثلًا الاثنين والخميس إنسان مثلًا يوم الخميس قام من النوم، مع أذان الظهر، وقال: النهار قصير، ما بقي إلا أربع أو خمس ساعات، إذَنْ أنوي الصيام من الآن، لا بأس؛ لأن المقصود من صيام الاثنين والخميس أن يرفع عمله وهو صائم، وهذا قد تحقق، يعني حتى لو لم ينو إلا أثناء الظهر رفع عمله وهو صائم، وهنا لا يحتاج إلى تبييت النية من الليل.

لعله يكون السؤال الأخير.

الأسئلة -إن شاء الله- ستكون أسئلة متعددة، تكون أسئلة موضوعية، يطرح السؤال، ويكون هناك اختيار بين أربع إجابات.

على سبيل المثال: متى فُرض صيام شهر رمضان، هل هو في السنة الأولى، في السنة الثانية، في السنة الرابعة، في السنة الخامسة، هكذا تعطى أربع إجابات، تختار منها إجابة واحدة.

في الأسبوع القادم -إن شاء الله- الدرس القادم سوف نأخذ أحكام الحج والعمرة.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

والسلام عليكم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 البراويز: هي أنابيب سحب الدم.
^2 رواه البخاري: 321، ومسلم: 335.
^3 رواه أبو داود: 2350، وأحمد: 10629.
^4 رواه البخاري: 1959.
^5 العَرَق: زِنْبِيل كالقُفَّة ونحوها، منسوج من خوص، يسع خمسة عشر صاعًا إلى عشرين. ينظر: حلية الفقهاء لابن فارس: 108، ومشارق الأنوار للقاضي عياض: 2/ 76.
^6 رواه البخاري: 6087، ومسلم: 1111 بنحوه.
^7 رواه البخاري: 3281، ومسلم: 2175.
^8 رواه البخاري: 5696، ومسلم: 1577.
^9 رواه أبو داود: 2367، والترمذي: 774، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وابن ماجه: 1679.
^10 نوع من أنواع المناظير.
^11 رواه البخاري: 1909، ومسلم: 1081.
^12 رواه مسلم: 1164.
مواد ذات صلة