|categories

(3) باب الآنية

مشاهدة من الموقع

قال المؤلف رحمه الله:

باب الآنية.

مناسبة ذكر الآنية بعد الطهارة

ومناسبة ذكر الآنية بعد أحكام الطهارة؛ لأن الماء لا يمكن حفظه إلا بإناء، فناسب ذكر أحكام ما يحفظ فيه الماء.

تعريف الآنية وحكمها

والآنية: جمع إناء، وهو الوعاء الذي يحفظ فيه الماء، والأصل في الآنية الحل؛ لدخولها في عموم قول الله تعالى: هُوَ الَّذَي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29].

قال المؤلف رحمه الله:

يباح اتخاذ كل إناء طاهر، واستعماله ولو ثمينًا.

الفرق بين اتخاذ الآنية واستعمالها

هنا ذكر المؤلف مصطلحين: اتخاذ واستعمال، فهل بينهما فرق؟

نقول: نعم بينهما فرق، الاتخاذ معناه: أن يقتنيه ولا يستعمله إلا للضرورة، أو لعرضه للبيع، أو يجعله للزينة، فهذا يسمى اتخاذًا، والاستعمال: هو التلبس بالانتفاع به، يعني يستعمله فيما يُستعمل فيه، فاتخاذ الأواني واستعمالها جائز إذا كانت طاهرة، ولو كانت ثمينة، ولو كانت من الألماس أو الزمرد أو غيرها من المعادن الثمينة، ما عدا الذهب والفضة.

لا يجوز اتخاذ ولا استعمال آنية الذهب والفضة

إلا آنية الذهب والفضة.

آنية الذهب والفضة قد وردت فيها أحاديث عن النبي تدل على تحريم استعمالها في الأكل والشرب، ومنها حديث حذيفة أن النبي قال: لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة [1] متفق عليه، ومنها حديث أم سلمة أن النبي قال: الذي يشرب في آنية الذهب والفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم [2] متفق عليه.

وحديث أم سلمة يدل على أن هذا الفعل من كبائر الذنوب؛ لماذا من كبائر الذنوب؟ لأنه ورد فيه الوعيد بالنار يجرجر في بطنه نار جهنم وسبق أن ذكرنا ضابط الكبيرة ما هو؟ كل ما كان فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة من لعنة، أو غضب، أو نار، أو سخط، أو نفي إيمان، فإذا طبقنا هذا الضابط على هذه المسألة نجد أنه قد ورد الوعيد بالنار.

كل ما ورد فيه حد في الدنيا، يعني جميع الذنوب التي فيها حدود، جميع المعاصي التي فيها حدود من الكبائر، أو وعيد في الآخرة باللعنة إذا وجدت أي معصية فيها لعنة الله على كذا، أو لعن رسول الله كذا، فهذا من الكبائر، من لعنة أو غضب أو سخط أو نار أو نفي إيمان.

تعريف المموه وحكمه

والمموه بهما.

المموه: المقصود بالمموه: التمويه معناه: أن يذاب الذهب والفضة ويلقى في الإناء من النحاس أو الحديد أو غيره، فيكتسب الإناء من لونه، يعني يؤتى بذهب أو فضة، ويذاب في إناء من نحاس، أو إناء من حديد، فيكتسب هذا الإناء من لون الذهب أو الفضة، هذا يسمى مموه بالذهب أو الفضة، فيحرم أيضًا اتخاذ واستعمال آنية الذهب والفضة والمموه بهما.

وظاهر كلام المؤلف: أنه يحرم الاتخاذ والاستعمال مطلقًا سواء في الأكل والشرب، أو في غير الأكل والشرب، وهذا قد اختلف فيه العلماء:

فذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يحرم اتخاذ واستعمال آنية الذهب والفضة مطلقًا، سواء في الأكل والشرب أو في غيره، وهذا قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة.

وذهب الشافعية إلى أن النهي خاص بالأكل والشرب، أما استعماله في غير الأكل والشرب فيجوز، واستدلوا بظاهر الحديث قالوا: فإن النبي إنما خص الأكل والشرب فقط، وهو عليه الصلاة والسلام قد أعطي جوامع الكلم، فلو كان لا يجوز استخدامه في غير الأكل والشرب لأتى بلفظ يشمل غير الأكل والشرب.

وأما الجمهور فقالوا: إنما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الأكل والشرب؛ لأنه هو الغالب في استخدام الناس هو الأكل والشرب.

والأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة هو قول الجمهور، وهو أنه يحرم استعمالها، سواء في الأكل والشرب أو في غيره، وأما ما استدل به الشافعية من أن الحديث إنما ورد في الأكل والشرب، فنقول: إنما ورد في الأكل والشرب لأنه هو الغالب، وهو كقول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ… [المائدة:3] طيب شحم الخنزير، حلال أو حرام؟ حرام بالإجماع؛ لماذا خص اللحم؟ لأنه هو الغالب، الغالب على الناس أنهم إنما يأكلون لحم الخنزير، كذلك أيضًا في قول الله تعالى: وَرَبَائِبِكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم… [النساء:23] طيب إذا كانت الربيبة ليست في حجر إنسان فإنها محرمة عليه أيضًا إذا كان قد دخل بأمها، لكن إنما ذكر اللاتي في حجوركم بناء على الغالب، فهذا سائغ في لسان الشارع أنه يذكر ما هو الغالب، يناط الحكم أحيانا بما هو الغالب.

فالأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور، وهو أنه لا يجوز استخدام آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب، ولا في غيرها.

تصح الطهارة بآنية الذهب والفضة وبالإناء المغصوب

وتصح الطهارة بهما.

يعني: بآنية الذهب والفضة.

وبالإناء المغصوب.

ويدل لذلك أن الأصل هو الطهارة، والجهة منفكة، يعني التحريم لا يعود إلى نفس الوضوء، وإنما يعود لأمر خارج؛ ولذلك فالصواب هو ما ذهب إليه المؤلف من صحة الطهارة بهما، وإن كانت المسألة لا تخلو من خلاف، لكن الصواب هو ما ذهب إليه المؤلف، وكذلك أيضًا بالإناء المغصوب لأن الجهة منفكة، فتصح الطهارة بالإناء المغصوب، وتصح الصلاة في الدار المغصوبة؛ لأن الجهة منفكة.

يباح إناء ضبب بضبة يسيرة من الفضة لغير زينة

ويباح إناء ضُبب بضبة يسيرة من الفضة لغير زينة.

الضبة في الأصل: هي حديدة تجمع بين طرفي المنكسر، ويقولون: إن الضبة إذا كانت من الفضة تكون أجود في إصلاح ذلك الإناء المنكسر، وهنا قال المؤلف: “يباح إناء ضبب بضبة يسيرة من الفضة لغير زينة” فذكر المؤلف أنه يجوز من ذلك الإناء من الفضة بهذه الشروط:

  • الشرط الأول: أن تكون ضبة.
  • الشرط الثاني: أن تكون يسيرة.
  • الشرط الثالث: أن تكون من الفضة.
  • الشرط الرابع: أن تكون لغير زينة.

والدليل لذلك ما جاء في صحيح البخاري عن أنس  أن قدح النبي انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة [3].

أما اشتراط كونها يسيرة؛ لأن هذا هو الغالب في القدح أن يكون صغيرًا، والغالب أنه إذا انكسر لا يحتاج إلى شيء كثير، والأصل في هذا الباب التحـريم، إلا ما ورد به النص.

وأما اشتراط أن تكون من فضة لأن الأصل هو المنع، فاقتصر على ما ورد به النص.

وهنا قال المؤلف: “لغير زينة” بينما قال صاحب زاد المستقنع: “لحاجة” فأي التعبيرين أدق؟

الأقرب أن تعبير المؤلف أدق (لغير زينة) لأننا لو قلنا لحاجة، فمعنى ذلك أنه لا بد أن يقيد التضبيب بالحاجة، وهذا محل نظر، ولكن نقول: التضبيب يجوز لحاجة ولغير حاجة، لكن إذا كان لغير زينة، فالأقرب -والله أعلم- هو أن تعبير المؤلف هنا أدق من تعبير صاحب الزاد.

آنية الكفار طاهرة

وآنية الكفار وثيابهم طاهرة.

ولكن هذا ليس على إطلاقه، وإنما إذا علم طهارتها، أو جهل حالها؛ لحديث عمران بن حصين  أن النبي وأصحابه توضؤوا من مزادة امرأة مشركة [4]، وهذا الحديث قال في بلوغ المرام: إنه في الصحيحين، ولكن ليس في الصحيحين بهذا اللفظ، أصله في الصحيحين، لكن ليس بهذا اللفظ.

ولحديث جابر قال: “كنا نغزو مع رسول الله فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم، فنستمتع بها، فلا يعيب ذلك علينا” [5] رواه أبو داود بإسناد صحيح.

أما إذا كان الكفار يتدينون باستعمال النجاسة، أو أنهم لا يتورعون باستعمالها فلا بد من غسل آنيتهم وملابسهم، ومن ذلك مثلًا الآنية التي تكون في مطاعم التي يستخدمون فيها مثلًا الخمور ونحوها، على القول بنجاسة الخمر، فلا بد من غسل آنيتهم، ويدل لذلك حديث أبي ثعلبة الخشني أنه سأل النبي فقال: “يا رسول الله، إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال النبي : إن وجدتم غيرها فكلوا واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها [6] يعني: اغسلوها بالماء، وكلوا واشربوا، أخرجه أبو داود وأحمد، وأصله في الصحيحين.

فإذًا نقيد كلام المؤلف نقول: بشرط ألا يكون هؤلاء الكفار ممن لا يتدين باستعمال النجاسة، أو لا يتورع من استعمال النجاسة، فإن كان كذلك فلا بد من غسل آنيتهم وملابسهم.

لا ينجس شيء بالشك ما لم تعلم نجاسته

ولا ينجس شيء بالشك ما لم تعلم نجاسته.

لأن الأصل هو الطهارة.

عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعَصَبها نجس

وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبها وجلدها نجس.

وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال، أما لحم الميتة فنجس بالإجماع، وهكذا شحمها وأجزاؤها هذه نجسة، لكن ما ذكره المؤلف من العظم والقرن والظفر والحافر والعصب هذه فيها ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن هذه كلها نجسة، وهذا هو مذهب الشافعية.

القول الثاني: هو ما مشى عليه المؤلف من أن العظام ونحوها نجسة، وأن الشعر والصوف والريش طاهر؛ ولذا قال بعد ذلك: والشعر والصوف والريش طاهر، وهذا هو مذهب المالكية والحنابلة.

القول الثالث: طهارة الجميع، يعني طهارة ما ذكره المؤلف من العظم والقرن والظفر والحافر والعصب والشعر والصوف، وهذا هو مذهب الحنفية، واختار هذا القول ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية نسب هذا القول إلى جمهور السلف، وتكلم عن هذا بالتفصيل في المجلد الحادي والعشرين من مجموع الفتاوى، وذكر أدلة كثيرة لهذا القول، وهو طهارة هذه الأشياء، قال: لأن الأصل هو الطهارة، ولا دليل على النجاسة؛ ولأن علة نجاسة الميتة هو احتباس الدم فيها؛ ولذلك ما لا نفس له سائلة من الحشرات يعني ما لا دم له سائل من الحشرات ميتته طاهرة، يعني البعوض الذي ليس له دم، لاحظ أن البعوض أنواع، بعض أنواع البعوض لها دم هذا ميتته نجسة، لكن بعض أنواع البعوض ليس لها دم والذباب ونحو ذلك هذه ميتتها طاهرة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه [7]، ثم أمر بشربه، ولو كان نجسًا لما أمر بذلك، فدل ذلك على أن العلة في تحريم الميتة هو احتباس الدم فيها، وأما العظم وما ذكر من القرن والظفر والحافر والعصب، هذه ليس فيها دم سائل، فلا تتحقق فيها علة النجاسة؛ ولهذا قال ابن شهاب الزهري: كان خيار هذه الأمة يمتشطون بأمشاط من عظام الفيل.

وهذا القول هو القول الأقرب -والله أعلم-، أما الآية فهي خاصة بما تحل فيه الحياة الحيوانية وليست الحياة النباتية، فقد فصل هذا، وتكلم عنه بإسهاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

فالأقرب -والله أعلم- أن عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبها وشعرها وصوفها وريشها أن ذلك طاهر كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

أما الجلد قال:

جلد الميتة نجس لا يطهر بالدباغ

نجس ولا يطهر بالدباغ.

الجلد فيه تفصيل، المؤلف يرى أنه نجس، وأنه حتى لا يطهر بالدباغ، هذه المسألة اختلف فيها العلماء اختلافًا كبيرًا، قد تكلمت عنها في كتابي أحكام اللباس المتعلقة بالصلاة والحج في أكثر من 30 صفحة، ذكرت فيها سبعة أقوال حكم جلود الميتة ذكرت فيها سبعة أقوال، وفصلت الكلام فيها، ورجحت القول بأن جلد ما يؤكل لحمه يطهر بالدباغ، أن الدباغ يطهر جلد مأكول اللحم دون غيره، هذا هو القول الراجح، وهو ما ذهب إليه الأوزاعي وابن المبارك وأهل الحديث، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ويدل لذلك أدلة كثيرة منها:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: إذا دبغ الإهاب فقد طهر [8] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وكذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “تصدق على مولاة لميمونة بشاة، فماتت فمر بها رسول الله يجرونها، فقال: هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به قالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها [9]، وأدلة أخرى لكن هذا خاص بمأكول اللحم دون غيره.

فالقول الراجح في هذه المسألة أنه يطهر دباغ مأكول اللحم، هذا طبعًا إذا كانت ميتة، أما لو كانت مذكاة، هل يحتاج جلد هذا الحيوان إلى دبغ؟ يعني إنسان ذبح خروفًا، وأراد أن يستخدم جلده، يجوز، طيب هل يشترط الدبغ؟ ما يشترط الدبغ، بل حتى يجوز أكله، بعض الناس ربما في بعض البلدان يأكلون الجلود، فيجوز حتى أكله لأنه حيوان مذكى، فإذا كان الحيوان مذكى لا إشكال في حل جلده وطهارته من غير دبغ، لكن الإشكال إذا مات.

فالقول الراجح أنه إذا كان هذا الحيوان مأكول اللحم ودبغ فإنه يطهر؛ لأدلة كثيرة، وأحيلكم على الكتاب المذكور، وبالمناسبة ستعاد طباعته إن شاء الله، وأيضًا سينشر في الموقع إن شاء الله، سينشر في الموقع، لكن الخلاصة أن القول الراجح هو أنه يطهر جلد مأكول اللحم.

ولكن أنبه هنا إلى أن جلود السباع لا تحل، فقد ورد فيها حديث صحيح عن النبي تكلمت عنها أيضًا بالتفصيل في هذا الكتاب، وذكرت الحديث الوارد في ذلك، وهو حديث أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن النبي نهى عن جلود السباع [10] الحديث أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد والحاكم، وهو حديث صحيح؛ وبذلك يتبين أن جلود السباع جلود النمور وجلود الفهود يعني جلود السباع عمومًا أنها لا تجوز.

وبذلك يعلم أن بعض أنواع الألبسة الموجودة في السوق تكون من جلود السباع، لا يجوز لبسها، يعني في السوق تجد بعض أنواع اللباس مصنوعة من جلود السباع لا يجوز لبسها، بعض أنواع النعال والأحذية وأيضًا الجاكيت مثلًا ونحوه تكون من جلود السباع، هذه لا يجوز لبسها، هذا إذا كان من جلد سبع طبيعي، جلد ثعلب مثلًا، جلد نمر، هذا لا يجوز، أما لو كان يسمى جلد نمر، لكنه في الحقيقة ليس جلد نمر طبيعي هذا لا بأس به، ونفس المسألة الحرير الطبيعي والحرير الصناعي، الحرير الصناعي يجوز والحرير الطبيعي لا يجوز بالنسبة للرجال.

الشعر والصوف والريش طاهر إذا كان من ميتة طاهرة

والشعر والصوف والريش طاهر إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة، ولو كانت غير مأكولة كالهر والفأر.

ونحن قلنا: إن الصواب في ذلك كله أن هذه الأشياء كلها أنها طاهرة، عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبها وشعرها وصوفها وريشها كلها طاهرة، وأن الجلد إذا كان جلد مأكول اللحم، فإنه يطهر بالدباغ.

يسن تغطية الآنية وإيكاء الأسقية

ويسن تغطية الآنية، وإيكاء الأسقية.

وهذا قد وردت به السنة، فقد أمر النبي بتغطية الإناء وبإيكاء السقاء، وعلل النبي ذلك بأن في السنة ليلة ينزل فيها وباء يقع في كل إناء لم يخمر وكل سقاء لم يوكأ، الحديث في صحيح مسلم: إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يوافق إناء لم يخمر إلا نزل فيه [11].

وهذا بعض من كتب من أهل الاختصاص والإعجاز العلمي ذكروا أن هناك بعض المذنبات وغيرها في أيام معينة من السنة يكون لها بعض البقايا والآثار التي تسقط على الأرض، قالوا: ربما يكون هذا هو المذكور في هذا الحديث، تكون فيها أوبئة وبكتيريا، ونحو ذلك، والله تعالى أعلم.

لكن نؤمن يقينًا بصحة ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام من أن في السنة ليلة ينزل فيها هذا الوباء؛ ولذلك تجد بعض الناس يصاب بداء لا يعرف ما سببه، لكن لو التزم السنة في هذا فغطى الإناء، وأوكى السقاء، فإنه يسلم من ذلك، هذا ربما أنها تكون إحدى الأسباب.

وأيضًا من الأسباب أنه ربما تعبث بها الشياطين إذا كانت الأواني مكشوفة؛ ولذلك في قصة الرجل الذي اختطفته الجن، ذكر العلماء في قصة المفقود أخرجها الإمام مالك بسند صحيح: أنه لما سأله عمر عن طعامهم وشرابهم، قال: كل إناء لم يخمّر [12]؛ فهذا يدل على أنه ربما تعبث الشياطين أيضًا بهذه الأواني التي لم تخمر، وربما تقع فيها الأوبئة، والله تعالى أعلم وأحكم.

ولذلك السنة تغطية الإناء، وإيكاء الأسقية، وأيضًا إغلاق الباب، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، يعني لو أغلقت الباب وذكرت اسم الله قلت: بسم الله، وأغلقت الباب، لا يمكن أن يدخل الشيطان، أو أحد من الجن في هذه الغرفة أبدًا، لكن ذكر الحافظ ابن حجر وغيره أنه ربما يكون هناك شيطان قد دخل قبل أن تغلق الباب، فهذا لا يشمله هذا الحديث، لكن شيء يدخل من الخارج هذا لا يمكن، فينبغي للمسلم أن يحرص على هذه السنن الواردة في إغلاق الباب وفي تغطية الإناء، وفي إيكاء الأسقية؛ لأن النبي إنما أمر بها لما فيها من مصلحة المسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام إن هو إلا وحي يوحى، وما قاله عليه الصلاة والسلام حق.

وبهذا نكون قد انتهينا من باب الآنية، والله تعالى أعلم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5426، ومسلم: 2067.
^2 رواه البخاري: 5634، ومسلم: 2065.
^3 رواه البخاري: 3109.
^4 بنحوه رواه البخاري: 3571، ومسلم: 682.
^5 رواه أبو داود: 3838، وأحمد: 15053.
^6 رواه أبو داود: 3839، والترمذي: 1797، وأحمد: 17737.
^7 رواه البخاري: 3320.
^8 رواه مسلم: 366.
^9 رواه مسلم: 363.
^10 رواه أبو داود: 4132، والترمذي: 1770، والنسائي: 4253، وأحمد: 20706، والحاكم: 507.
^11 بنحوه رواه مسلم: 2014.
^12 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 15570.