|categories

(6) من قوله: “ويستحب افتتاح الأكل بـ: بسم الله..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

نبدأ أولًا بشرح (فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة) لابن عقيلٍ الحنبلي رحمه الله.

آداب الأكل والشرب

وكنا قد وصلنا إلى آداب الأكل والشرب، أو آداب الطعام.

فصلٌ: ويستحب افتتاح الأكل بـ: بسم الله، وختمه بـ: الحمد لله.

وأن يأكل بيمينه مما يليه، إذا كان الطعام نوعًا واحدًا، ولا يأكل من ذِرْوة الطعام، لكن من جوانبه، وكذلك الكَيْل؛ فإنه أدعَى للبركة، كذلك رُوي في السنن.

ولا يَنفخ الطعام الحار ولا البارد، ولا يُكره الأكل والشرب قائمًا، ويكره متكئًا، وإذا دَفَع إناء الشراب أو اللقمةِ، دَفع إلى من عن يمينه، كذلك كان يفعل النبي .

الشرح:

حكم التَّسمية عند الأكل

قال المؤلف رحمه الله: “فصلٌ: ويستحب افتتاح الأكل بـ: بسم الله. وهذا بإجماع أهل العلم، نقَل الإجماع على ذلك غير واحدٍ من أهل العلم؛ لقول النبي لعمر ابن أبي سلمة: يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكل مما يَلِيك [1]. أخرجه البخاري ومسلمٌ.

فأمر النبي بالتسمية، وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره [2]. وهو حديثٌ رواه الترمذي، وهو حديثٌ صحيحٌ، قال الترمذي عنه: “حديثٌ حسنٌ صحيحٌ”.

ومع اتفاق العلماء على مشروعية التسمية إلا أنهم اختلفوا في وجوبها.

وإن كان النووي رحمه الله قد نقل الإجماع على استحباب التسمية في ابتداء الأكل، لكن هناك من قال بالوجوب، فلا تصح حكاية الإجماع على الاستحباب، وهناك من قال بالوجوب، ولذلك؛ تعقَّب الحافظ ابن حجرٍ النووي على نقل الإجماع، وقال: إن هناك من ذهب إلى الوجوب. وابن القيم رحمه الله أيضًا تعقب ذلك، وقال: إنه ليس في المسألة إجماعٌ، وأن هناك من أهل العلم من قال بوجوبها، وهو وجه عند الحنابلة. فيكون إذَنْ حكم التسمية فيه قولان:

  • القول الأول: أنها مستحبةٌ، وعليه أكثر العلماء، وحَكَى إجماع العلماء على ذلك النووي، ولكن اعتُرض على حكاية الإجماع بأن هناك من قال بالوجوب.
  • القول الثاني: وجوب التسمية، وهو أحد الوجهين عند الحنابلة، وقد اختار هذا القول ابن القيم رحمه الله، اختار القول بوجوب التسمية عند الأكل والشرب.

قال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”: الصحيح وجوب التسمية عند الأكل، وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد، قال: لأحاديث الأمر بها، وهي صحيحةٌ صريحةٌ، ولا معارض لها، ولا إجماع يُسَوِّغ مخالفتها، ويخرجها عن ظاهرها، وتاركُها شريكُه الشيطان في طعامه وشرابه.

إذنْ: ابن القيم رحمه الله اختار القول بالوجوب، والقول بالوجوب قولٌ قويٌّ، وإن كان قد يقال: إن الأصل في باب الآداب أنه يقتضي الاستحباب، لكن من ذهب للوجوب -كابن القيم- قالوا: إنه قد وردت قرائن تدل على أن المُراد من هذا الأمر الوجوب وليس الاستحباب، ومن ذلك إخبار النبي بأن مَن أكل أو شرب من غير تسمية، أن الشيطان يكون شريكه، ومن ذلك قصة حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي كان يأكل مع نفرٍ من أصحابه، فجاء أعرابيٌّ وأكل ولم يُسَمِّ [3]، وجاءت جاريةٌ، فأخبر النبي بأن الشيطان قد دفعها؛ ليستحل بها الأكل [4].

فإذنْ أخبر النبي بأن من لم يُسَمِّ أن الشيطان يكون شريكه، وهذا مما يقوِّي القول بالوجوب، وأكثر أهل العلم على الاستحباب.

إذنْ: أكثر العلماء على أن التسمية عند الأكل والشرب مستحبةٌ، والقول بالوجوب قولٌ قويٌّ.

صيغة التَّسمية

وصيغة التسمية ما هي؟

صيغة التسمية أن يقول: بسم الله.

وهل الأفضل أن يزيد ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم؟

نقول: الأفضل الاقتصار على التسمية، على قول: بسم الله؛ لأنه لم يرد حتى في أحاديث ضعيفةٍ زيادة: الرحمن الرحيم، لم ترد حتى في الأحاديث الضعيفة، لم يرد في حديثٍ صحيحٍ، ولا في حديثٍ ضعيفٍ زيادة: الرحمن الرحيم، ولا شك أن الاقتصار على ما ورد في السُّنة هو الأولى، ومع ذلك لو زاد: الرحمن الرحيم، لا ينكَر عليه، لكن الأقرب للسُّنة: أن يقتصر على قول: بسم الله. عند الأكل وعند الشرب.

حكم ختم الأكل والشرب بحمد الله

قال: “وختْمه بـ: الحمد لله”.

أي: أنه بعد فراغه من الأكل أو الشرب، السُّنة أن يحمد الله ​​​​​​​، وهذا يعني أن ختمه بـ: الحمد لله، مستحبٌّ بالإجماع، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم بوجوبه، لكنه مستحبٌّ.

صفة الحمد

وصفة الحمد؛ إما أن يقول: الحمد لله على ظاهره، أو يأتي بأية صيغةٍ من الصيغ التي وردت في السُّنة، ومنها ما جاء في حديث أبي أمامة أن النبي كان إذا رفع مائدته، قال: الحمد لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه غير مَكْفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُستَغنًى عنه ربَّنا [5]. هذا الحديث أخرجه بهذا اللفظ البخاري في “صحيحه”، وهو من صيغ الحمد.

وجاء في روايةٍ عند مسلمٍ: الحمد لله الذي كفانا وآوانا [6]. ولو اقتصر على قول: الحمد لله. كفى ذلك.

وجاء في حديث أنسٍ أن النبي قال: إن الله لَيَرْضَى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها [7]. رواه مسلم.

وذُكِرَ عن نوحٍ -عليه الصلاة والسلام- أنه كان لا يأكل أكلةً إلا حَمِد الله، ولا يشرب شربةً إلا حمد الله، ولذلك؛ سمَّاه الله تعالى عبدًا شكورًا، إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء:3].

قال ابن القيم رحمه الله في “الهدي النبوي”: “للتسمية في أول الطعام، وحمد الله في آخره، تأثيرٌ عجيبٌ في نفعه واستمرائه ودفع مضرته”. كلامٌ قيمٌ لابن القيم رحمه الله.

إذنْ: التسمية لها تأثيرٌ في بركة الطعام، في أن ينتفع منه البدن، وأن يستمرئه الإنسان، يعني: يأكله هنيئًا مريئًا، وفي دفع مضرة الطعام كذلك.

وإذا حمد الله ​​​​​​​، فالله تعالى يرضى عن العبد إن الله لَيَرضى عن العبد أن يأكل الأَكْلة فيحمده عليها، وأن يشرب الشَّربة فيحمده عليها [8]؛ لهذا ينبغي للمسلم أن يعود نفسه.

وكثير من الناس ربما لا يغفُل عن التسمية، لكن يغفُل عن الحمد، فينبغي أن يسمي عند الأكل والشرب، وأن يحمد الله تعالى بعد ذلك.

حكم الأكل باليمين

قال: “وأن يأكل بيمينه”.

أي: يستحب أن يأكل بيمينه.

وقوله: “وأن” معطوف على قوله: “يستحب” يعني: ويستحب أن يأكل بيمينه، أي: باليد اليمنى؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث عمر بن أبي سلمة : وكل بيمينك [9].

وجاء في حديث جابرٍ : لا تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل بالشمال [10]. رواه مسلم، وجاء في حديث ابن عمر  أن النبي قال: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله [11]. رواه مسلم.

  • وجمهور العلماء على أن الأكل باليد اليمنى مستحبٌّ، ولو أكل بشماله لم يأثم.
  • والقول الثاني في المسألة: أن الأكل باليمين واجبٌ، وأن الأكل بالشمال محرمٌ، الأكل والشرب بالشمال محرمٌ، وهذا وجهٌ عند الحنابلة، وهو ما اختاره ابن عبدالبر وابن القيم، وهذا هو القول الراجح: أن الأكل والشرب بالشمال محرمٌ؛ وذلك لإخبار النبي أن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله، وقد نُهينا عن اتباع خطوات الشيطان، وعن التشبه بالشيطان، وهذه قرينةٌ تدل على أن الأمر بالأكل باليمين، وأنه يقتضي الوجوب، وأن النهي عن الأكل بالشمال يقتضي التحريم، يعني لولا هذه القرينة لقلنا: إن الأكل بالشمال مكروهٌ، وأن الأكل باليمين مستحبٌّ.

لكن إخبار النبي أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، هذا يقتضي تحريم الأكل بالشمال، وتحريم الشرب بالشمال؛ لأننا نُهينا عن اتباع الشيطان.

كذلك أيضًا حديث الذي يأكل بشماله، فقال له النبي : كل بيمينك. قال: لا أستطيع. قال: لا استطعتَ! ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه [12]. هذا أيضًا حديثٌ صحيحٌ أخرجه مسلم في “صحيحه”، وهو ظاهر الدلالة في وجوب الأكل باليمين؛ لأن النبي أنكر على من أكل بالشمال ودعا عليه، وإن كان قد يقال: الدعاء عليه لأجل الكبر، لكن إذا انضم هذا الحديث مع الأحاديث الأخرى بمجموعها تدل على تحريم الأكل بالشمال.

فإذا كان الإنسان عنده أكثر من مأكولٍ، كأن يكون معه مثلًا طعامٌ يأكله ومشروبٌ، ويريد أن يأكل من هذا ومن هذا جميعًا، يكون معه مثلًا (سندوتش)، ومعه أيضًا عصيرٌ، فهل هذا يسَوِّغ الأكل بالشمال؟

نعم، نقول: هذا لا يسوِّغ، أولًا: ينبغي للمسلم أن يبتعد عن الشَّرَه في الأكل، وإذا أراد أن يأكل يأكل باليمين، ويشرب باليمين، لا بأس أن يمسكها باليد الشمال إمساكًا فقط، لكن الأكل باليمين والشرب باليمين.

حكم تناوُل الشيء بالشِّمال

طيب، تناوُل الشيء بالشمال؛ لأن بعض العامة ينكر إذا تناولتَ الطِّيب بالشمال ينكر عليك، ما حكم هذا؟

لكن حكم الشرع فيه، هل هو مكروهٌ؟ لأن العامة ينكرون هذا إنكارًا شديدًا، إذا استلمت الشيء باليد الشمال؟

نقول: الأولى اليمين؛ لأن قاعدة الشريعة: أن ما كان بابه التكريم، فإنه يكون باليد اليمنى.

لكن من فعل ذلك؟ لا ينكر عليه؛ لا يصل حتى درجة الكراهة، ما ثَمَّ دليلٌ يدل على التحريم ولا الكراهة، لكن أخذًا من قاعدة الشريعة: أن ما كان بابه التكريم فيكون باليد اليمنى، يقال: الأولى استلامه باليد اليمنى، لكن لو استلمه باليد اليسرى لا حرج عليه.

نعم، على كل حالٍ، ما ثَمَّ دليلٌ على التحريم، ولا على الكراهة، لكن الأولى أن يكون باليمين.

حكم الأكل مما يلي الإنسان

قال: “مما يليه، إذا كان الطعام نوعًا واحدًا”.

يعني: يستحب أن يأكل الإنسان مما يليه؛ لقول النبي في حديث عمر بن أبي سلمة : وكل مما يَلِيك [13].

ومن أهل العلم من حمل ذلك على الوجوب، ولكن أكثر العلماء على الاستحباب، وهذا هو الراجح؛ لأن هذا من باب الآداب، والأمر في باب الآداب يقتضي الاستحباب لا الوجوب، كما أن النهي في باب الآداب يقتضي الكراهة لا التحريم.

فالسُّنة: أن يأكل مما يليه، ولكن هنا المؤلف قيَّد هذا فقال: “إذا كان الطعام نوعًا واحدًا”. والمؤلف بهذا يشير إلى أنه إذا كان الطعام أنواعًا فلا بأس أن يأكل مما لا يليه، لا بأس بذلك، أن يكون مثلًا أنواعًا من الفواكه، أن يكون برتقالًا وتفاحًا وموزًا، ومثلا البرتقال ليس مما يليه، فيأخذ مما لا يليه من الجهة الأخرى، لا بأس بذلك، إذا لم يكن الطعام نوعًا واحدًا، فلا بأس أن يأكل مما لا يليه، أما إذا كان نوعًا واحدًا، فالسنة أن يأكل مما يليه.

حكم الأكل من ذِرْوَة الطعام

قال: “ولا يأكل من ذِرْوَة الطعام، لكن من جوانبه”.

ولا يأكل من ذِرْوَة الطعام، الذِّرْوَة: ذروة الشيء أعلاه، يعني: لا يأكل من أعلى الطعام؛ وإنما يأكل من جوانبه، ويدل لذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي أُتِيَ بقَصْعةٍ من ثَرِيدٍ، فقال: كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وَسَطها؛ فإن البركة تنزل في وسَطها [14]. هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي بسندٍ جيدٍ، وإن كان فيه مقالٌ، لكن بمجموعه هو ثابتٌ، وأشار إليه المؤلف بقوله: “كذلك رُوي في السنن”. يريد هذا الحديث، ولأن الأكل من أعلى الطعام ربما يفسده، وإنما يؤكل من جوانب الطعام، والناس في أعرافهم يعيبون من يأكل من وسَط الطعام.

فإذنْ: ينبغي أن يأكل الإنسان من جوانب الطعام، ولا يأكل من وسَطه.

ثم إن النبي ذكر معنًى آخر لذلك، وهو أن البركة تنزل في الوسَط، فينبغي أن يكون الأكل من الجوانب، فإذا نفِد الطعام من الجوانب فلا بأس بالأكل مما في الوسَط.

حكم الكَيْل من الجوانب

قال: “وكذلك الكَيْل”.

هنا نحن قلنا: إنه يستحب الأكل من الجوانب، ولا يكون من الوسَط، وهو أعلى الطعام، هذا إذا كان الطعام نوعًا واحدًا، وأما إذا كان أنواعًا، وكان هناك نوعٌ في الوسَط، فلا بأس أن يأكل من أعلى الطعام، كأن يوضع مثلًا صَحْنٌ فيه أنواعٌ من الفواكه، يكون في أعلى الصحن، يكون فيه فاكهةٌ معينةٌ، يضع مثلًا برتقالٌ، أو تينٌ، أو أي نوعٍ من أنواع الفواكه، فلا بأس بالأكل من أعلاه.

قال: “وكذلك الكيل”. يعني: إذا أراد أن يَكِيل طعامًا، فإنه يبدأ من جوانبه، لا من ذِرْوته، وهذا الحكم ذكَره المؤلف هنا، وذكره بعض فقهاء الحنابلة، وذكره ابن مفلحٍ في “الآداب الشرعية”، وليس عليه دليلٌ، ولم يذكروا له دليلًا، لكن المؤلف ذكر هنا تعليلًا، وأشار إلى الحديث؛ “كذلك روي في السنن”، ومراده بما روي في السنن: الحديث السابق، حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن النبي أتي بقصعةٍ من ثريدٍ، فقال: كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وسَطها؛ فإن البركة تنزل في الوسَط [15]. فيكون إذنْ هذا الحكم بالقياس على الأكل.

ولكن هذا محل نظرٍ؛ لأن القياس هنا قياسٌ مع الفارق.

فالذي يظهر: أن الكيل لا يتعلق به حكمٌ، من جهة أنه يكيل من أحد جوانبه، أو من أعلاه، وأن الأمر في ذلك على الأصل وهو الإباحة؛ لأن القول بالاستحباب يحتاج إلى دليلٍ، وليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل لهذا، وقياسه على الأكل قياسٌ مع الفارق.

أثر تعلق النفس بالمال

قد جاء في “صحيح البخاري” عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان عندنا شعيرٌ نأكل منه، فلما كِلْتُه فَنِيَ [16]. يعني: في بيت النبي ، بيت عائشة رضي الله عنها، تقول: كان عندنا شعيرٌ نأكل منه -يعني: ما كانت تحصيه ولا تكيله، ما تدري كم هو، يأكلون منه، فقامت وكالته، حسَبته كم مقداره بالكيل- قالت: فلما كِلْتُه فَنِيَ. وهذا فيه إشارةٌ إلى أن الإنسان ينبغي أن لا يدقِّق في الحِسْبة، حسبة الشيء، ألا يدقق في حساب الشيء، ويتعلق به تعلق النفس بالشيء، هذا يُذهب بركته، تعلق النفس بأي شيءٍ يُذهب بركته، لذلك؛ قالت: فلما كِلته فني. يعني: فلما كالته تعلقت نفسها به، بينما كان في السابق لم تتعلق نفسها به، يأكلون منه من غير كَيلٍ، كان فيه بركةٌ، فلما تعلقت النفس به انتهى، فني.

ومما يدل على أن تعلق الناس بشيءٍ يُذهب البركة، قول النبي في حديث حكيم بن حِزامٍ ، والحديث في “الصحيحين”، قال: سألت النبي فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم، إن هذا المال خَضِرٌ حُلوٌ؛ فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى [17].

كلماتٌ يسيرةٌ تَأثَّر بها حكيم بن حِزامٍ تأثرًا عظيمًا، قال: والله لا أَرْزَأ (أسأل) بعدك أحدًا أبدًا، فكان أبو بكرٍ يعطيه العطاء من بيت المال فيأبى، وكان عمر يعطيه حقه، يقول: هذا حقك من بيت المال. فيأبى، فيقول: اشهَدوا عليه أني أعطيه حقه، العطاء من بيت المال، فيأبى.

لاحِظ تأثر حكيمٍ بهذه الموعظة البليغة، ثم انظر إلى حكمة النبي عليه الصلاة والسلام؛ أعطاه، ثم أعطاه، ثم أعطاه، ثم نصح نصيحةً لطيفةً رقيقةً، كلماتٍ معدودةً: إن هذا المال خَضِرٌ حُلوٌ. يعني: محبوبٌ للنفوس، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ من غير تعلق بورك له فيه، وهذا يدل على أن سخاوة النفس من أسباب البركة، وأن الإنسان إذا أخذ المال، أو أخذ الطعام، أو أخذ أي شيءٍ بسخاوة نفسٍ، فهذا من أسباب حلول البركة، والسماحة من سخاوة النفس.

لكن من أخذه بإشراف نفسٍ، ما معنى بإشراف النفس؟ يعني: بتعلقٍ وطمعٍ لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وهذا دليلٌ على أن تعلق النفس بالشيء، والطمع وإشراف النفس من أسباب نزع البركة من الشيء.

بعض آثار البركة

والبركة شيءٌ يجد الإنسان آثاره، البركة شيءٌ عظيمٌ، يجد الإنسان أثر البركة، البركة تكون في المال، كما ذكرنا وعرفنا أن من أسباب الحلول والبركة سخاوة النفس.

وأنت تجد في واقعك أن بعض الأموال يبارك الله فيها، مثلًا تكون عندك سيارةٌ يجعل الله فيها بركةً، يعني عَطَبُها وخَلَلُها قليلٌ، ونفعها كثيرٌ، تبقى معك مدةً طويلةً، وبعضها العكس من ذلك.

وقد تكون البركة أيضًا في الوقت، من أعظم الناس بركةً في وقته النبي عليه الصلاة والسلام، في ثلاثٍ وعشرين سنةً غيَّر وجه التاريخ؛ لأنها مدةٌ قصيرةٌ، وبركة الأئمة والعلماء؛ أبو بكرٍ الصديق خلافته سنتان وأشهر، وعمر بن عبدالعزيز سنتان وأشهر، وبعض العلماء مات في سن الشباب وألَّف كتبًا عظيمةً، بركةٌ في الوقت، وبركةٌ في العمر.

البركة في الصحة: أحيانًا تنزع البركة من الصحة، فيكون الإنسان طيلة وقته يعاني من أمراضٍ ومن عِلَلٍ، ومن عاهاتٍ، وبعض الناس يبارِك الله تعالى له في صحته، فلا يعاني مما يعاني منه غيره.

البركة في الولد: قد يبارك الله تعالى في الولد، ويكون أفضل من عشرةٍ غيره، وقد لا يبارك الله تعالى فيهم، وهم كُثُرٌ، وقد يبارك الله تعالى في الأنثى، ولا يبارك في الذكر.

البركة في العلم: قد يكون بعض الناس علمه قليلًا، لكن يبارك الله تعالى في علمه، وبعض الناس علم غزيرٌ، ولا بركة لعلمه.

وهكذا البركة تكون في كل شيءٍ.

ومن أعظم الأدعية أن تسأل الله البركة، اللهم بارك لي في وقتي، وبارك لي في صحتي، وبارك لي في مالي، وبارك لي في ولدي، تسأل الله البركة، فهذه الأدعية العظيمة النافعة.

إذنْ نعود لعبارة المؤلف، المؤلف قاس الكيل على الطعام، وقلنا: إنه قياسٌ مع الفارق، ولا دليل يدل على ما ذكره المؤلف رحمه الله؛ فالذي يظهر: أن الأمر يبقى على الإباحة، وأن له أن يكيل من الجوانب، أو من الأعلى، الأمر في هذا واسعٌ، والأمر على الإباحة.

حكم النفخ في الطعام والشراب

قال: “ولا يَنفخ في الطعام الحار ولا البارد”. وهذا قد ورد النهي عنه، في حديث أبي سعيدٍ الخدري قال: نهى النبي عن أن يُنفخ في الشراب [18]. أخرجه أبو داود وأحمد والترمذي، وقال الترمذي: “حديثٌ حسنٌ صحيحٌ”.

وهذا النهي أيضًا جاء في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: نهى النبي عن أن يُتنفَّس في الإناء، أو أن يُنفخ فيه [19].

وهذا النهي عن النفخ؛ لأجل أن النفخ فيه مما يُقَذِّره، ربما يكون في الإنسان أمراضٌ فتنتقل العدوى بسبب هذا النفخ، ولكن استثنَى بعض أهل العلم من ذلك: ما إذا كان هذا الطعام أو الشراب لا يأكله إلا هذا الشخص، وكان هناك حاجةٌ داعيةٌ لهذا النفخ، فلا بأس إذا كان الطعام أو الشراب لا يأكله ولا يشربه إلا شخصٌ واحدٌ؛ كالقهوة أو الشاي، وكان هناك حاجةٌ داعيةٌ للنفخ فلا بأس، يعني: مثلًا أخذت فنجان قهوةٍ، وكان حارًّا فنفخت فيه، فلا بأس، أو أخذت مثلًا كوب شايٍ ونفخت فيه فلا بأس؛ لأنه لن يشربه بعدك أحدٌ، لكن لو كان مما يشربه الناس، فهنا ورد النهي عن النفخ، كأن يكون إناءٌ كبيرٌ مثلًا، فيأتي إنسانٌ وينفخ فيه، أو طعامٌ مثلًا مشتركٌ ويأتي شخصٌ وينفخ فيه، هذا قد ورد النهي عنه، وهو عند الجمهور محمولٌ على الكراهة.

حكم الأكل والشرب قائمًا

قال: “ولا يكره الأكل والشرب قائمًا”.

الأكل والشرب قائمًا قد ورد فيه عدة أحاديث؛ أولًا أحاديث النهي عن الشرب قائمًا جاء في حديث أبي هريرة ، أن النبي قال: لا يشربنَّ أحدٌ منكم قائمًا، فمن نسي فَلْيَسْتَقِئْ [20]. وهذا الحديث أخرجه مسلم في “صحيحه”.

وأيضًا جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أنسٍ عن النبي أنه نهَى عن الشرب قائمًا [21].

وأخذ بعض أهل العلم بظاهرها؛ فمنهم من قال: إن النهي يقتضي التحريم. ومنهم من قال: يقتضي الكراهة.

لكن وردت أحاديث أخرى تدل على جواز الشرب قائمًا؛ ومنها: حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: شرب النبي قائمًا من زمزم [22]. أخرجه البخاري ومسلم.

وجاء في حديث النَّزَّال بن سَبْرَة، قال: أتَى عليُّ بن أبي طالبٍ الرحبة -مكانٌ في الكوفة- فشرب قائمًا، وقال: إن أناسًا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائمٌ، وإني رأيتُ رسول الله فعل كما رأيتموني فعلت [23]. أخرجه البخاري في “صحيحه”.

فإذنْ ثبت أن النبي شرب قائمًا، وثبت نهيه عن الشرب قائمًا؛ اختلف العلماء في التوفيق بين هذه الأحاديث.

والقول الراجح: أنه يجوز الشرب قائمًا، ولكن الأولى أن يشرب قاعدًا، وأن الأحاديث التي فيها النهي عن الشرب قائمًا محمولٌ إما على الكراهة، أو أن ذلك خلاف الأولى.

وبكل حالٍ، فالسنة الشرب قاعدًا، سواءٌ قلنا: إن الشرب قائمًا مكروهٌ، أو قلنا: إنه خلاف الأولى، فالسنة الشرب قاعدًا، فينبغي للإنسان إذا أراد أن يشرب أن يجلس، ولا يشرب قائمًا.

وأما الأكل: فلم يثبت فيه شيءٌ، إلا حديث أنسٍ ، فإنه لمَّا رَوى أن النبي نهى عن الشرب قائمًا، قال قتادة: قلنا لأنسٍ : الأكل؟ قال: ذاك أشَرُّ وأخبث [24]. وهذا في “صحيح مسلمٍ”، يعني: إذا نهي عن الشرب قائمًا، فالنهي عن الأكل قائمًا من باب أولى، ولكن الذي يظهر: أن الشرب والأكل بابهما واحدٌ، وأن السنة: أن يأكل وأن يشرب قاعدًا، وأن الأكل والشرب قائمًا خلاف الأولى، هذا هو الأقرب لهذه المسألة، والله أعلم.

حكم الأكل والشرب متَّكئًا

قال: “ويُكره متَّكِئًا” أي: يكره أن يأكل أو أن يشرب متكئًا؛ لحديث أبي جحيفة أن النبي قال: إني لا آكل متكئًا [25]. وهذا في “صحيح البخاري”.

وأما حديث النهي عن الأكل وهو متكئٌ، يعني: من قول النبي فلا يثبت؛ إنما الذي ثبت قوله عليه الصلاة والسلام: إني لا آكل متكئًا أما حديث النهي عن الأكل متكئًا، فإنه لا يثبت عن النبي .

ما معنى الِاتِّكاء؟

فيكون إذنْ الأكل متكئًا مكروهًا، ولكن ما معنى الِاتِّكاء؟ إذا قيل: الاتكاء. فما معنى الاتكاء؟ فلان متكئٌ، ما معنى: متكئ؟ يعني: أن يعتمد على أحد يديه مثلًا، أو أحد جنبيه، أن يعتمد على أحد جنبيه بمُتَّكَأٍ؛ من وسادة أو غيرها، أو أن يعتمد على إحدى يديه، ومن ذلك حديث أبي بكرة أن النبي قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟. قالها ثلاثًا، فقلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئًا، فجلس، وقال: أَلَا وقول الزور، وشهادة الزور [26].

فإذنْ الاتكاء: الاعتماد على إحدى يديه، أو على أحد جنبيه.

وقال الخَطَّابي: إن من صفات الاتكاء أن يكون متربعًا. ولكن هذا لا دليل عليه، وحتى لا يعرفُ في كتب اللغة تفسير الاتكاء بهذا المعنى.

فالقول: إن التربع من صفات الاتكاء هذا غير صحيحٍ، كذا ذكر الخطابي، لكنه غير صحيحٍ، فلا دليل عليه من اللغة، ولا من الشرع، والصواب: أن الاتكاء هو ما ذكرنا، وهو المذكور في حديث أبي بكرة ، هو الاعتماد على إحدى يديه، أو أحد جنبيه، وهذا هو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله: أن التَّرَبُّع ليس داخلًا في معنى الاتكاء، وأن الاتكاء إنما هو الميل على أحد الجانبين، إما اعتمادًا على إحدى يديه، أو على أحد جنبيه.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن أنفع الهيئات حال الأكل: أن تكون أعضاء البدن على وضعها الطبيعي الذي خلقها الله ​​​​​​​ عليه، وذلك بأن يكون الإنسان منتصبًا الانتصاب الطبيعي، وأن أردأ الجِلْسات: أن يأكل أو يشرب وهو متكئٌ.

ثم إن الأكل أو الشرب وهو متكئٌ من صفات المتكبرين؛ فإن أهل التكبر هم الذين يأكلون وهم في حالة الاتكاء، لكن لم يثبت فيه نهيٌ، إنما فقط قول النبي عليه الصلاة والسلام: إني لا آكل متكئًا. هذا يدل على أن غاية ما يقال في الاتكاء أنه مكروهٌ.

نعم، يعني إذا كان على المَرْكَأ اتكأ وهو يشرب، هل يدخل هذا في الاتكاء؟

الذي يظهر أنه إذا كان معتمدًا بإحدى يديه على المركأ، فإنه يكون متكئًا، أما إذا كان ليس معتمدًا، إنما وضع يده مثلًا لا يدخل في ذلك، الاتكاء معناه: الاعتماد، لا بد أن يكون معتمدًا، ويكون مع هذا الاعتماد مَيْلٌ، يميل أحد جانبيه، أما إذا لم يَمِل، وإنما وضعها هكذا، من باب وضع اليد على المركأ، هذا لا يكون يعني وضع اليد من غير مَيلٍ لا يعتبر اتكاءً، لا بد أن يميل.

كذلك الاتكاء، عمومًا على كل حالٍ هو مكروهٌ، عند الأكل والشرب يكون مكروهًا.

لا ليس خاصًّا، الأصل فيما يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، وفيما يقوله، أن هذا تشريعٌ للأمة، الأصل التشريع وعدم الخصوصية، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21].

إلى من يدفع الشَّارب الإناء إذا شرب؟

قال: “وإذا أراد دفْع إناءِ الشراب أو اللقمةِ دفَع إلى مَن عن يمينه أولًا، كذلك كان يفعل النبي “.
يشير إلى أدبٍ من آداب الطعام، وهو إذا أعطي الإنسان طعامًا أو شرابًا، ثم أريدَ أن يعطَى مَن بعده، فكيف يكون الترتيب إذا انتهي منه كيف يُعطى؟ كأن يُعطى مثلًا شرابًا، قهوةً مثلًا، شاهِيًا، أو يُعطى بَخورًا، أو نحو ذلك، هنا يقول المؤلف: إنه يدفع إلى مَن عن يمينه أولًا، يعني: عن يمين هذا المعطَى.

ولم يبيِّن المؤلف: من الذي يبدأ به أصلًا في الإعطاء؟ وقد دلت السنة على أنه يبدأ أولًا بالأكبر؛ إما الأكبر علمًا، أو الأكبر سنًا، فيبدأ به؛ لقول النبي : كبِّر كبِّر [27].

وسيأتينا -إن شاء الله- في “عمدة الأحكام”، ولقوله في حديث ابن عمر : أَراني في المنام أتسوك بسواك، فجذبني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر، فقيل لي: كبِّر، فدفعته إلى الأكبر [28].

وهذا يدل على أن السن له اعتبارٌ، وكذلك أيضًا العِلم، فإن الكِبَر في العلم يفوق الكِبَر في السن، وكذلك أيضًا الطالب للأكل والشرب يبدأ به أيضًا، الأكبر أو الطالب للأكل أو الشرب.

فإذا انتهي منه، فهل يقدم مَن عن يمين الشارب، أو مَن عن يمين المباشِر الذي يناوله؟

هذه المسألة فيها قولان: فمن أهل العلم من قال: إنه يبدأ بعد الانتهاء منه بمن عن يمين المباشر، وعلى ذلك، فيقدم من عن يسار الشارب، يعني: أنت أعطيت فلانًا، أعطيته مثلًا قهوةً، ثم مَن عن يساره؛ لأنه عن يمينك.

القول الثاني في المسألة: أنه يقدم من عن يمين الشارب، ثم الذي يليه، يعني ثم الذي عن يمينه، ثم الذي عن يمينه، وهكذا؛ لقوله : الأيمنَ، فالأيمنَ [29]. وهذا هو القول الراجح، وهو اختيار الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، أنه يعطَى الأكبر أو الطالب، ثم مَن عن يمينه، ثم من عن يمينه.

وقد جاء في حديث أنسٍ قال: أتي النبي بلبنٍ، وعن يمينه أعرابيٌّ، وعن يساره أبو بكرٍ ، فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال: الأيمنَ، فالأيمنَ.

وهذا الحديث في “الصحيحين”، فإذنْ أُعطِيَ النبيُّ ؛ لأنه أكبر الموجودين قدرًا، ثم مَن عن يمين الشارب يعني من عن يمين النبي ، ولهذا؛ قال: الأيمنَ، فالأيمنَ. فهذا يدل على أنه عن يمين الشارب، وليس عن يمين المباشِر المعطِي.

فإذنْ هذه هي السنة في هذا، أن يبدأ بالطالب أولًا، طالب الشيء، فإذا لم يطلب أحدٌ؛ كأن يؤتى بقهوةٍ أو يؤتى بماءٍ، أو يؤتى بشايٍ، أو بطيبٍ، فيعطَى الأكبر؛ إما الأكبر قدرًا، أو الأكبر سنًّا، ثم من عن يمينه، ثم من عن يمين الشارب، هذه هي السنة في الترتيب.

السنة الشرب ثلاثًا

بقي مسألةٌ في آداب الشراب لم يشر إليها المؤلف، وهي، أن السنة في الشرب: أن يشرب ثلاثًا.

وقد جاء ذلك في “صحيح مسلمٍ”: أن النبي قال: إذا شرب أحدكم فليشرب ثلاثًا؛ فإنه أَهْنَأُ وأَبْرَأُ وأَمْرَأُ [30].

وقد تكلم عن هذا الحديث وعن شرحه ابن القيم في “الطب النبوي”.

يعني: إذا أردت أن تشرب مثلًا كوب ماءٍ اقسمه ثلاث مراتٍ، لا تشربْه دَفعةً واحدةً؛ وإنما ثلاث مراتٍ.

ذكر النبي في فائدة هذا ثلاث فوائد:

  • الفائدة الأولى: أنه أهنأ، يعني: يتهنأ به الإنسان أحسن مما لو شربه دفعةً واحدةً.
  • والفائدة الثانية: أمرأ، يعني: كذلك يشربه مريئًا، يعني: بسهولةٍ.
  • والفائدة الثالثة: أبرأ، وأبرأ هذه تَوَقَّف عندها ابن القيم رحمه الله، وذكر فائدتها، وقال: إنَّ شرب الماء دَفعةً واحدةً يضر بالمعدة، ومثَّل بمثالٍ، قال: لو كان قِدْرٌ تحته نارٌ، ثم أتيت بماءٍ وصببت هذا الماء دفعةً واحدةً، فإنه يَطِيش، بينما إذا صببت دفعاتٍ لا يطيش ما في القدر، هكذا المعدة، المعدة فيها حرارة الجسم، فإذا صببت الماء عليها دفعةً واحدةً يضر بها، بينما إذا كان على دفعاتٍ لا يضر بها، وقد أثبت هذا الطب الحديث في الوقت الحاضر.

إذنْ السُّنة إذا أردت أن تشرب: أن تقسم الشرب ثلاث مراتٍ أو أكثر، لا يكون دفعةً واحدةً، هذه السُّنة في ذلك.

هذه أبرز أحكام آداب الطعام، ونكتفي بهذا القدر في فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا للصواب والهداية، وللخير والفلاح.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5376، ومسلم: 2022.
^2 رواه أبو داود: 3767، والترمذي: 1858، وابن ماجه: 3264، وأحمد: 25106.
^3 رواه ابن ماجه: 3264.
^4 رواه مسلم: 2017.
^5 رواه البخاري: 5458.
^6 رواه مسلم: 2715.
^7 رواه مسلم: 2734.
^8, ^9, ^13, ^15 سبق تخريجه.
^10 رواه مسلم: 2019.
^11 رواه مسلم: 2020.
^12 رواه مسلم: 2021.
^14 رواه أبو داود: 3772، والترمذي: 1805، والنسائي في السنن الكبرى: 6729، وابن ماجه: 3277، وأحمد: 2730.
^16 رواه البخاري: 3097، ومسلم: 2973.
^17 رواه البخاري: 1472، ومسلم: 1035.
^18 رواه أبو داود: 3722، والترمذي: 1887، وأحمد: 11760.
^19 رواه أبو داود: 3728، والترمذي: 1888.
^20 رواه مسلم: 2026.
^21, ^24 رواه مسلم: 2024.
^22 رواه البخاري: 5617، ومسلم: 2027.
^23 رواه البخاري: 5615.
^25 رواه البخاري: 5398.
^26 رواه البخاري: 5976، ومسلم: 87.
^27 رواه البخاري: 3173، ومسلم: 1669.
^28 رواه البخاري: 246، ومسلم: 3003.
^29 رواه البخاري: 2352، ومسلم: 2029.
^30 رواه مسلم: 2028.