الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة لابن عقيل/(5) من قوله “ولا ينبغي لأحدٍ أن يَهجُم على أقارب أو أجانب..”
|categories

(5) من قوله “ولا ينبغي لأحدٍ أن يَهجُم على أقارب أو أجانب..”

مشاهدة من الموقع

“فصلٌ: ولا ينبغي لأحدٍ أن يَهجُم على أقارب أو أجانب؛ لئلا يصادِف بِذْلَةً مِن كشْف عورةٍ، ويستأذن ثلاثًا، فإن أُذِن له وإلا رجع”.

الشرح:

من آداب الاستئذان

الطَّرْق قويًّا، أو بمُنَبِّهٍ، وهو ما يسمى بالجَرَس، فينبغي عدم الزيادة على ثلاثٍ في الاستئذان.

وطريقة الاستئذان راجعةٌ للعُرف؛ فإما أن يكون بطَرْق الباب، أو يكون بالمناداة: يا فلان. أو يكون -بما عليه في وقتنا الحاضر- عن طريق الجَرَس، أو منَبِّهٍ، أو نحو ذلك، وهذه ترجع للعرف.

والسنة إذا قيل: من؟ عند طرق الباب، أن يخبر الطارق باسمه، فيقول: فلان. ولا يقول: أنا. فقد جاء في حديث جابرٍ  قال: أتيت النبي فدَقَقْتُ الباب، فقال: من ذا؟. فقلت: أنا. فقال: أنا أنا. كأنه كرهها [1]؛ لأن قوله: أنا. لا تعطي معنًى، عندما يقول صاحب البيت من عند الباب؟ فتقول: أنا. ماذا استفاد؟ لم يستفد شيئًا، ولذلك؛ إذا قال صاحب البيت: من؟ فتخبره باسمك، تقول: أنا فلان بن فلانٍ.

وينبغي التأدب بهذا الأدب، ومن أدب الاستئذان ألا يزيد على ثلاثٍ، إذا غلب على الظن سماع أهل البيت له، فإن بعض الناس يُلِحُّ في الاستئذان أكثر من ذلك، ربما يزعج أهل البيت، قد يكون فيهم مريضٌ، وقد يكون فيهم نائمٌ..، وقد يكون صاحب البيت مشغولًا ولا يريد أن يستقبل أحدًا في هذا الوقت، فينبغي مراعاة خصوصيته، وعدم إحراجه في دق الباب أكثر من ثلاث مراتٍ، إذا غلب على الظن سماع أهل البيت للاستئذان فلا تزد على ثلاثٍ، وصاحب البيت حرٌّ إن أراد أن يستقبل الطارق، أو أراد أن يعتذر، ليس ملزمًا باستقبال كل أحدٍ، هذه من الآداب التي ربما يعني لا يتأدب بها بعض الناس، فيزعج أهل البيت بكثرة الاستئذان، ودق الباب ونحو ذلك، ويلح عليهم في فتح الباب، هذا خلاف الأدب، ينبغي أن يكون الإنسان متأدبًا، فإن كلَّمه أهل البيت، أو أذنوا له بالدخول، وإلا فليرجع، والله تعالى يقول: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النور: 28].

وقد يكون قول: ارجعوا. صريحًا، وقد يكون بلسان الحال، بأن يغلب على ظنك سماع أهل البيت للاستئذان وعدم إجابتهم لك، فهذا معناه: أنه يقول لك: ارجع. فارجع هو أزكى لك عند الله ​​​​​​​.

حكم تناجي اثنان دون الثالث

“فصلٌ: ويحرم أن يتناجى اثنان دون ثالثٍ؛ لأنه يوجب إيحاشًا، وكسر القلب”.

الشرح:

قال: “فصلٌ: ويحرم أن يتناجى اثنان دون ثالث”. وهذا قد ورد فيه النهي من قول النبي : إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجَ اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه [2]. وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، وفيه نهيٌ، وظاهر النهي أنه يقتضي التحريم؛ لأن هذا النهي وإن كان قد ورد في الآداب، إلا أنه قد جاء مقرونًا بعِلَّةٍ، وهي إحزان المسلم، وإحزان المسلم محرمٌ، وقد أخبر الله تعالى بأنه من الشيطان، كما قال سبحانه: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: 10]. فإذا كانت النجوى من الشيطان فإنها تكون محرمة، وعلى هذا فإن مناجاة اثنين دون الثالث الأقرب -والله أعلم- أنها محرمةٌ.

وهنا في هذا الحديث خَصَّ ثلاثةً: إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجَ اثنان دون ثالثٍ؛ لأنه أقل عدد يُتصور فيه هذا المعنى، وإلا فلو تناجى ثلاثةٌ دون الرابع لم يجز، أو أربعةٌ دون خامسٍ لم يجز، أو عشرةٌ دون الحادي عشر، لم يجز، وهكذا لو تناجى مجموعةٌ وتركوا واحدًا لم يجز، بل ربما يكون التناجي مع العدد الكثير أبلغ في التحريم؛ لأن كونهم مثلًا عشرة أشخاصٍ يتناجون فيما بينهم، ويتركون شخصًا لا يدري ماذا يقولون؟ هذا أبلغ مما لو كانوا ثلاثةً، وتناجى اثنان دون الثالث.

الحكمة في النهي عن تناجي اثنين دون الثالث

والعلة في ذلك وردت منصوصًا عليها، وهي من أجل أن ذلك يحزنه، أي: يدخل الحزن على المسلم.

وهذا أيضًا ورد منصوصًا عليه في الآية: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: 10].

ورود الحزن في القرآن والسنة

والحزن لم يرد في القرآن الكريم إلا منهيًّا عنه، أو منفيًّا، لم ترد كلمة الحزن في القرآن الكريم إلا على وجه النهي أو النفي، وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [الحجر: 88]، وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ [يونس: 65]، لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس: 62].

ولم يأمر الله تعالى ولا رسوله بالحزن قط، بل لم يرد إلا منهيًّا عنه أو منفيًّا، بل إن النبي كان يستعيذ بالله منه، ففي حديث أنسٍ في “صحيح البخاري” قال: كنت أخدم النبي -لأنه بقي في خدمته عشر سنين- فكنت أسمعه يكثر -ولاحظ قوله: يكثر، يعني: هذا فيه إشارةٌ أن هذا من الأدعية التي ينبغي أن يكثر منها المسلم- يكثر من أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، ومن العَجْز والكَسَل، ومن الجُبْن والبُخْل، ومن ضَلَع الدين، وقهْر الرجال [3]. كم أصبح المستعاذ منه؟ ثمانيةً، من يعيد مرةً أخرى؟

نعم، اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، ومن العَجْز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن ضَلَع الدين وفي روايةٍ أخرى: من غَلَبة الدين، وقهْر الرجال، وذلك؛ لأن المكروه الوارد على القلب؛ إن كان عن أمرٍ مضى أحدث الحزن، وإن كان عن أمرٍ مستقبَلٍ أحدث الهم، وعدمُ نفع الإنسان للآخرين؛ إن كان من بدنه، فهذا هو الجُبْن، وإن كان بماله فهذا هو البُخْل، وعدم فعل الخير إن كان بعدم قدرته فهذا هو العَجْز، وان كان لعدم إرادته، فهذا هو الكَسَل.

واستيلاء الآخرين على مال الإنسان؛ إن كان بحقٍّ فهذا هو ضَلَع الدين، وإن كان بغير حقٍّ فهذا فهو قهر الرجال، فانظر إلى هذا الدعاء العظيم، كيف جمع هذه الأمور الثمانية كلها؟!

والشاهد هو قوله: من الهم والحَزَن. فكان النبي يستعيذ بالله منه، وذلك؛ لأنه لا فائدة منه، الحزن لا فائدة منه، بل إنه إذا ورد على القلب سبَّب ألمًا وكسلًا وتراخِيًا في العبادة، هل يمكن أن تجد إنسانًا حزينًا ويخشع في الصلاة وفي عبادته؟ الغالب لا يجتمع حزنٌ مع الخشوعِ في الصلاة ولذةِ العبادة؛ فإذنْ: الحزن لا فائدة منه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله تعالى به ولا رسوله ، بل كان -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله منه، وينبغي للإنسان أن يحرص على [ألا يكون حزينًا]، وأن يستعيذ بالله منه.

تجد بعض الناس حزينًا في كثيرٍ من أوقاته، حزينًا على نفسه، أو على أسرته، أو على مجتمعه، أو حتى على أمته، وهذا الحزن لا فائدة له، ليس له فائدةٌ.

ينبغي للإنسان يُغلّب جانب التفاؤل، ويعمل ويبتعد عن الحزن والإحباط والتشاؤم بقدر الإمكان، يبتعد الإنسان عن الحزن، ويستعيذ بالله تعالى منه.

كما أنه مطلوبٌ منه الابتعاد عن الحزن، مطلوبٌ منه أيضًا ألا يُدخل الحزن على إخوانه المسلمين، بأي سببٍ؛ سواءٌ كان بطريق النجوى، أو بإلقاء كلماتٍ جارحةٍ عليهم، أو بالنميمة، أو بأي سببٍ، فإذا وجدت أن أخاك المسلم حزِن لكلمة قلتها، أو لتصرف فعلته، فينبغي أن تعتذر منه؛ لأن بعض الناس ربما يفعل ذلك بطريق المزاح، لكنه يدخل الحزن على أخيه المسلم، والأصل أن إدخال الحزن على المسلم لا يجوز، بعض الناس لا يتحمل المزاح، بعض الناس لا يتحمل، والنفوس تختلف.

فإن وجدت أن كلامك، أو تصرفك مع أخيك أدخل الحزن عليه، فينبغي لك أن تعتذر، وأن تتحلل منه؛ لأن الأصل أن إدخال الحزن على المسلم أنه محرمٌ.

ولاحظ هنا..، الآية الكريمة: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: 10]، وهذا فيه إشارةٌ إلى أن الشيطان يحب إدخال الحزن على المؤمن، بدلالة الآية: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا، في علم الشيطان بأن المؤمن إذا دخل عليه الحزن، فإنه لا ينشط في العبادة، فتأمل الآية: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا، فالشيطان يحب إدخال الحزن على المؤمنين بأية صورةٍ.

قال: “لأنه يُوجب إيحاشًا” يعني: الحكمة في النهي عن تناجي اثنين دون الثالث: أن ذلك -كما قلنا- يحزنه، ومن ذلك أيضًا: أنه يُوجب إيحاشًا أي: يسبب وحشةً لذلك الذي تناجَيَا دونه، فربما اعتقد أنهم يتحدثون فيه، أو أنه ليس بأهل لمناجاتهما، أنه ليس بأهل فيحتقرونه، أو أنهم لا يثقون فيه إذا تحدثوا أمامه، فيدخل هذا الإيحاش له، يعني: يستوحش، وأيضًا “وكسر القلب”، وينكسر قلبه وخاطره عندما يراهم يتناجون عنه.

والشيطان بالمرصاد، الشيطان يأتي له ويوقع ويحرش بينه وبينهم، ويدخل الحزن عليه، ويتسبب بالشحناء بينه وبينهم، وإيقاع الشحناء بينه وبينهم، وكسر القلب بالتناجي، تناجي اثنين دون الثالث ظاهرٌ.

حكم تناجي الاثنين إذا رضي الثالث

طيب، لو علم اثنان أن الثالث راضٍ بذلك، تكون مثلًا بينهم صداقةٌ قويةٌ ونحوها، هل يجوز؟

لا، إذا استأذَنَا، فهذا ليس محل بحثٍ؟ لكن ثلاثة أصدقاءٍ، واثنان يعني يعرفان أن ذلك لا يحزنه، وأنه يثق فيهما.

نعم، الظاهر أن هذا لا يجوز، حتى ولو وَثِق؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرَى الدم، ومهما كان، يبقى هذا الثالث بشرًا ضعيفًا، يَرِدُ عليه ما يرد على البشر، والشيطان يحرص على التحريش بين المؤمنين، والله تعالى يقول: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53]. الشيطان يستغل مثل هذه المواقف في النَّزْغ والتحريش بين المؤمنين، ولذلك؛ فالذي يظهر: أن الحديث على عمومه ولا يُستثنى من ذلك شيءٌ.

وغالب من يتناجون إذا قيل لهم: إن هذا لا يجوز، أن يتناجى اثنان دون الثالث. قالوا: والله إن الأمور على فلانٍ، نحن نثق فيه ويثق فينا. فلو فُتح هذا الباب كل من تناجى دون الثالث، أو أربعةٌ دون خامسٍ، سيقولون مثل هذا الكلام، فيكون هذا فيه سدٌّ للذريعة، وقطعٌ للطريق على الشيطان؛ حتى لا يَنزَغ بين المؤمنين، وحتى لا يُحَرِّش بينهم.

لكن هل نضمن عدم إحزان الثالث؟ ما نضمن، كثيرٌ من الشحناء التي تقع بين الناس تأتي من هذا القبيل، يأتي إنسانٌ مثلًا، ويتكلم بكلمةٍ جارحةٍ على فلانٍ، ويقول: أنا أثق في فلانٍ، أنا كذا..، ويبقى بشرًا؛ فينبغي الاحتراز، والله تعالى قال: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53].

إذا كان يعلم بالموضوع هذا يختلف، يعني: إذا كان معنى ذلك أن هذا كالإذن منه لهما، فإذا كان يعلم أنهما يتحدثان عن شيءٍ إذا كان يعلم لماذا يخفيان الحديث عنه؟

هذا محل نظرٍ، إذا كانا استأذَنَاه فلا بأس، إما في صراحة أو مثلًا يعني بطريق غير مباشر، بأن كان يعلم…، سأتحدث مع فلانٍ في هذا الموضوع، فأذِنَ لهما، فلا بأس إن أذِنَ لهما صراحةً أو بطريقٍ غير مباشرٍ.

أما إذا لم يستأذناه، فالظاهر أن النهي على عمومه؛ لأن الشيطان يستغلُّ مثل هذه الفرص للنَّزْغ بين المؤمنين والتحريش بينهم، والله تعالى وضع لنا قاعدةً عظيمةً في هذا: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53]، دائمًا اقطعوا الطريق على الشيطان، فلا ينزغ بينك وبين إخوانك المسلمين.

هذه أهم الأحكام المتعلقة بهذا الفصل، والفصل الآتي طويلٌ، فنرجئه للدرس القادم إن شاء الله تعالى.

لو كان بلغةٍ أجنبيةٍ، وهو لا يفهمها مثل أن يكونوا ثلاثةً واثنان يتحدثان باللغة الإنجليزية مثلًا، فالظاهر أنه لا بد من الاستئذان؛ لأنه ربما يظن أنهما يتحدثان عنه، وهذا واقعٌ، إذا وجدت اثنين يتحدثان بلغةٍ لا تفهمها، ولم يستأذنا منك، فهذا يوقع في نفسك شيئًا.

إي، نعم، الظاهر: أنه لا […]؛ لأن هذا يتعارف على أنه يتصل إلى أن ينقطع الاتصال، وأنه لا يدخل.

إذا علم هذا بأنهما يتراسلان، فالظاهر أنه يدخل، العلة من أجل أن ذلك يحزنه، إذا كان يدخل عليه الحزن، ويقع في نفسه شيءٌ، ويكسر قلبه، فيدخل في النهي.

نعم، الدعاء هذا في حديث أنسٍ  هذا، يعني كان النبي يستعيذ بالله من الحزن، لكن قد يأتي الإنسان الحزن بسبب مصيبةٍ، بسبب بلاءٍ، فإذا أصيب الإنسان بالحزن يعني: هذا لا مانع منه، لكنه يحرص على الابتعاد عنه، وعن أسبابه ما أمكن، وإلا فالإنسان يبقى بَشَرًا إذا أصيب بمصيبةٍ يحزن عليها، كما حزن النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما مات ابنه إبراهيم، وأخبر بذلك: وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون [4].

فالإنسان يحزن عند وقوع المصيبة، ليس المطلوب من الإنسان ألا يحزن؛ وإنما المطلوب أن يبتعد عن أسباب الحزن ما أمكن.

والحياة لا تصفو لإنسان، لا بد أن يحزن، كما قال الله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد: 4]. لا بد أن يحزن، لكن يبتعد عن أسباب الحزن ما أمكن، يعني يحرص مثلًا إذا كان الموقف يحتمل احتمالًا إيجابيًّا، وآخر سلبيًّا يحمل على المحمل الإيجابي، الكلمة من أخيك تحتمل أنه يريد بها شيئًا حسنًا وآخر سيئًا، احملها على المحمل الحسن، ونحو ذلك، وبهذه الطريقة تبعد أسباب الحزن ما أمكن، لكن لا يمكن أن تنفك عن الحزن؛ لأن طبيعة الحياة أن الإنسان لا بد أن تحصل له مصائب، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155]، هذا لا بد للإنسان أن تأتيه مصائب، وإذا وقعت للإنسان مصيبةٌ لا بد أن يحزن، لكن المطلوب هو الابتعاد عن الحزن ما أمكن.

هذا سؤالٌ جيدٌ، إذا لم يكن واحدًا؛ وإنما كان أكثر من واحدٍ، فلا يدخل في النهي، كأن يكونوا خمسةً، ويتناجى ثلاثةٌ ويبقى اثنان، لا يدخل ذلك في النهي؛ لأن ذلك لا يحزن، ولا يسبب كسر القلب…، في العادة في عرف الناس أن الذي يحزن ويكسر القلب هو إذا انفرد الثالث وحده يقول: لماذا لا يريدونني؟ فيبدأ الشيطان يوسوس له، هل هما مثلًا يتحدثان عني؟ هل هما مثلًا لا يثقان فيَّ، ولا يرونني أهلًا؟ هذا إذا كان واحدًا، وأما إذا كان معه شخصٌ آخر، فلا يقع مثل ذلك، العادة أنه لا يقع، والناس في المجالس تجد مثلًا اثنين أو ثلاثةً يتحدثون مع بعضهم، وهؤلاء يتحدثون مع بعضهم، وهذا سائدٌ في عرف الناس، ولا يتسبب هذا في كسر خاطر أحدٍ، أو في إدخال الحزن عليه.

ونكتفي بهذا القدر في فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة.

فنسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا للصواب والهداية، وللخير والفلاح.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 6250، ومسلم: 2155.
^2 رواه البخاري: 6290، ومسلم: 2184.
^3 رواه البخاري: 5425، ومسلم: 1365.
^4 رواه البخاري: 1303، ومسلم: 2315.