الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(20) باب سجود السهو- من قوله: “يسن إذا..”
|categories

(20) باب سجود السهو- من قوله: “يسن إذا..”

مشاهدة من الموقع

باب سجود السهو

يقول المؤلف رحمه الله:

باب سجود السهو

السهو: هو الذهول والنسيان، يقال: سها عن الشيء سهوًا، أي: ذهل وغفل قلبه عنه إلى غيره.

الفرق بين السهو في الصلاة، والسهو عن الصلاة

والسهو في الصلاة: يختلف معناه عن السهو عن الصلاة؛ فالفرق بينهما: السهو عن الصلاة: هو الذي ذكره الله تعالى في سورة الماعون، في قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، يعني: يؤخرونها عن وقتها، على قول بعض المفسرين، أو أنهم يصلون أحيانًا ويتركون أحيانًا، على قول آخرين؛ فهو المذموم.

أما السهو في الصلاة: فهو الذي يَعرِض للإنسان بغير اختياره رغمًا عنه؛ بسبب ذهول القلب، وهذا ليس بمذمومٍ، وقد وقع من النبي ، وقد سها النبي عدة مراتٍ، وبعض العلماء يقول: إن مجموع ما حُفظ عن النبي في سهوه: خمسة مواضع، وبعض العلماء يزيد على هذه الخمسة، لكن سهو النبي في الصلاة -كما يقول ابن القيم- هو من تمام نعمة الله على أمته وإكمال دينهم؛ ليقتدوا به فيما يشرعه لهم.

وكان أول ما وقع السهو من النبي -ولم يكن معروفًا لدى الصحابة  قبل ذلك- في قصة ذي اليدين، القصة المشهورة التي أخرجها البخاري ومسلمٌ، أن النبي صلى بالصحابة إحدى صلاتي العشي -الظهر أو العصر- ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبةٍ في مقدَّم المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان، وفي القوم أبو بكرٍ وعمر، فهابا أن يكلماه، وخرج سَرَعَانُ الناس، قالوا: قصرت الصلاة، وهذا يدل على أن سجود السهو لم يكن مشروعًا بعد، ورجلٌ يدعوه النبي ذا اليدين -واسمه الخِرْبَاق بن عمرٍو، كان في يديه طولٌ، كان عليه الصلاة والسلام يسميه ذا اليدين- فقال: يا رسول الله، أنسيتَ أم قُصِرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر، قال: بلى، قد نسيت، قال عليه الصلاة والسلام: أصَدَق ذو اليدين؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فقاما فصلى ركعتين، ثم سلم، لاحِظ لفظ الحديث؛ سنحتاج للاستدلال بهذا الحديث: صلى ركعتين، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم [1]، فكان سجوده هنا للسهو بعد السلام.

أسباب سجود السهو

وأسباب سجود السهو ثلاثةٌ: الزيادة، والنقصان، والشك.

وهذه هي الأسباب التي نص عليها العلماء، وأما حديث النفس فإنه ليس من أسباب سجود السهو؛ ولذلك فإنه لا يشرع له السجود، ولأن الشرع لم يرد به، ولأنه لا يمكن التحرز منه، ولا ينفك منه المصلي في الغالب، حتى لو غلبت الوساوس والهواجس على المصلي؛ فلا يشرع له السجود؛ ولذلك لما ذكر النبي في حديث أبي سعيدٍ  أنه: إذا أذن المؤذن؛ أدبر الشيطان وله ضراطٌ؛ حتى لا يسمع التأذين، حتى إذا قُضي التأذين أقبل، حتى إذا ثُوِّب -يعني: أقيمت الصلاة- أدبر، فإذا قُضي التثويب أقبل، فيخطر بين المرء وصلاته، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر من قبل، حتى لا يدري كم صلى؟ [2]، ثم أمر عليه الصلاة والسلام بسجود السهو، ولم يأمر بإعادة الصلاة، مع أن هذا المصلي قد وصل إلى حال أنه لا يدري كم صلى؛ بسبب وساوس الشيطان، فلو كانت إعادة الصلاة مشروعةً؛ لأرشد النبي إلى ذلك، ولكن هنا في هذا الحديث أمر النبي عليه الصلاة والسلام بسجود السهو؛ لأن هذا لم يَدرِ كم صلى، فيبني على ما استيقن، ويسجد للسهو.

لكن أردت من إيراد هذا الحديث: الاستدلال به على أنه لا تشرع إعادة الصلاة، وهكذا أيضًا لا يشرع سجود السهو إذا لم يحصل خللٌ في الصلاة؛ من زيادةٍ أو نقصٍ أو شكٍّ؛ لذلك تجد بعض الناس يسأل مثل هذا السؤال، يقول: أنا من حين أن كبَّرت تكبيرة الإحرام إلى حين أن سلمت، وأنا في هواجس ووساوس، هل أعيد الصلاة؟ نقول: لا تُشرع إعادتها، هل يثاب الإنسان على هذه الصلاة أم لا؟ إنسانٌ من حين أن كبر إلى أن سلم، وهو في هواجس ووساوس، لم يعقل من صلاته شيئًا، قلنا: لا تشرع إعادة الصلاة، ولا يشرع سجود السهو، إلا إذا حصل منه زيادةٌ أو نقصٌ أو شكٌّ.

الآن السؤال: هل يثاب على هذه الصلاة؟

لا يثاب إلا بمقدار ما عقل منها، فإذا لم يعقل منها شيئًا؛ لا يثاب عليها، اللهم إلا على قراءة القرآن فقط، قراءة الفاتحة وما تيسر؛ لأن قراءة القرآن يثاب الإنسان عليها ولو لم يتدبر معانيها باتفاق العلماء، لكن إن عقل بعض الصلاة؛ أثيب على البعض، إن عقل الصلاة كاملةً؛ أثيب عليها الثواب العظيم الذي قال عنه النبي : أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مراتٍ، هل يبقى من درنه شيءٌ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فكذلك الصلوات الخمس؟ قال: يُذهب الله تعالى بهن الخطايا [3]، وهذا في حق من خشع في صلاته وحضر قلبه فيها.

نحن قلنا إذنْ بالنسبة للثواب: يثاب بمقدار ما عقل منها، طيب هل تبرأ الذمة بهذه الصلاة؟ إنسانٌ من حين أن كبَّر إلى أن سلَّم وهو في هواجس ووساوس، قلنا: ليس لك من الثواب والأجر إلا بمقدار ما عقلت منها، طيب تبرأ الذمة بها أو لا تبرأ؟ هل يعاقب عليها؟

تبرأ بها الذمة باتفاق العلماء، وإن كان فيه بعض الخلاف، لكن قالوا: هذا خلافٌ شاذٌّ، لكن الذي عليه عامة أهل العلم: أن الذمة تبرأ بها؛ للحديث السابق، فإن هذا الرجل ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن الشيطان يَخطُر له في صلاته، حتى لا يدري كم صلى؟ ومع ذلك أرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يبني على ما استيقن، وأن يسجد سجود السهو لأجل ذلك الشك.

فهذا دليلٌ على براءة الذمة بها، فتبرأ بها الذمة، ونظير ذلك: الصوم الذي لا يدع الإنسان معه قول الزور والعمل به والجهل، تبرأ به الذمة، لكن لا يثاب عليه.

إذنْ نلخص الكلام في هذه المسألة، نقول: الصلاة التي يغلب على الإنسان فيها الهواجس والوساوس هل تشرع إعادتها؟

الجواب: لا تشرع، طيب، هل يسجد للسهو لأجل تلك الهواجس؟ فيه تفصيلٌ: إن حصل مع تلك الوساوس زيادةٌ أو نقصٌ أو شكٌّ؛ سجد للسهو، وإلا فلا، هل يثاب عليها؟ لا يثاب إلا بمقدار ما عقل منها، هل تبرأ بها الذمة؟ نعم تبرأ بها الذمة، هذه خلاصة الكلام في هذه المسألة.

الحكمة من مشروعية سجود السهو

الحكمة من مشروعية سجود السهو: جَمَع العلماء ذلك في عبارةٍ وجيزةٍ فقالوا: الحكمة: هي أنه إرغامٌ للشيطان، وجبرٌ للنقصان، ورضًا للرحمن.

فهو إرغامٌ للشيطان الذي قد وسوس لهذا الإنسان، عندما يسجد للسهو يرغمه، وجبرٌ للنقصان الذي قد حصل فيها، حتى وإن كان فيها زيادةٌ، فهو نقصٌ من جهة المعنى، ورضًا للرحمن؛ لكونه قد امتثل أمر الله تعالى وأمر رسوله بهذا السجود.

متى يسن سجود السهو؟

طيب، نعود لعبارة المؤلف رحمه الله، قال:

يسن إذا أتى بقولٍ مشروعٍ في غير محله سهوًا.

المؤلف أراد أن يبين حكم سجود السهو، فذكر أحوالًا يسن فيها، وأحوالًا يجب فيها.

ابتدأ بما يسن فيه فقال: “يسن إذا أتى بقولٍ مشروعٍ في غير محله سهوًا”.

وذلك كقراءةٍ في سجودٍ، أو في تشهدٍ؛ كأن يقرأ الفاتحة في التشهد، وهذا يحصل من بعض الناس، تجد أنه في التشهد يقرأ الفاتحة، أو أنه يتشهد في القيام مثلًا، ونحو ذلك إذا أتى بقولٍ مشروعٍ في غير محله، فإنه يسن له سجود السهو.

وإذا أتى بفعلٍ مشروعٍ في غير محله؛ كأن يكون مثلًا رفع يده عند السجود، وإن كان هذا يشرع أحيانًا، لكنه لم يقصد به التسنن؛ وإنما أتى به سهوًا، أو بين السجدتين رفع يديه مثلًا، فهنا لم يذكره المؤلف، المؤلف اقتصر على القول المشهور، لكن المذهب عند الحنابلة: أنه لا يشرع السجود إذا أتى بفعلٍ مشروعٍ في غيره محله، ففرقوا بين القول المشروع، وبين الفعل المشروع، إذا أتى به في غير محله، وهذه المسألة محل خلافٍ بين العلماء، إذا أتى بقولٍ مشروعٍ وفعلٍ مشروعٍ في غير محله؛ فالمذهب -كما سمعتم- أنه إذا أتى بقولٍ مشروعٍ في غير محله؛ يسن له أن يسجد للسهو ولا يجب.

أما إذا أتى بفعلٍ مشروعٍ في غير محله؛ فلا يشرع له سجود السهو، وهذا من المفردات، وسبق أن مر معنا هذا المصطلح كثيرًا، ما معنى من المفردات؟ يعني: انفرد به الحنابلة عن بقية المذاهب، وهذا يدل على أن المذاهب الأخرى -المالكية والحنفية والشافعية- على قولٍ آخر.

والقول الآخر: هو أنه لا يشرع سجود السهو في هذه الحال، هذا هو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة أيضًا، أنه لا يشرع سجود السهو في هذه الحال؛ وذلك لأن عَمْده لا يُبطل الصلاة؛ فلم يشرع السجود لسهوه؛ لأن عمده لا يبطل الصلاة؛ فلم يشرع السجود لسهوه؛ كترك سنن الأفعال.

ثم أيضًا أي فرقٍ بين سنن الأقوال وسنن الأفعال؛ فإما أن تقولوا: بأنه يشرع السجود للجميع، أو لا يشرع للجميع، أما التفريق بين سنن الأقوال وسنن الأفعال؛ فهذا غير ظاهرٍ.

والقول الراجح: هو قول الجمهور، وهو أنه لا يشرع سجود السهو مطلقًا إذا أتى بقولٍ مشروعٍ أو بفعلٍ مشروعٍ في غير محله؛ لأنه فعل ذلك سهوًا، ولا يشرع له أن يسجد للسهو في هذه الحال، ولأن ذلك لم يَرِد، ولم يُؤْثَر عن الصحابة  أنهم كانوا يفعلون ذلك.

فالأقرب -والله أعلم- هو أنه لا يشرع سجود السهو في هذه الحال، لو مثلًا قرأ الفاتحة في التشهد؛ فيستدرك ويقرأ التشهد، ولا يسجد للسهو في هذه الحال؛ لأنه لم يحصل منه زيادة فعلٍ ولا نقص فعلٍ ولا شكٌّ، ومثل هذا أيضًا لم يَرِد أن جنسه يشرع له سجود السهو.

متى يباح السجود للسهو؟

قال:

ويباح إذا ترك مسنونًا.

يعني: لا يسن؛ فمثلًا: لو ترك دعاء الاستفتاح سهوًا، هل يشرع أن يسجد للسهو؟ المؤلف يقول: “يباح”، لو سجد للسهو لا ينكر عليه، ترك مثلًا جلسة الاستراحة، وهو ممن يرى سنية جلسة الاستراحة، على رأي المؤلف يباح له سجود السهو.

وقال بعض العلماء: إذا ترك مسنونًا من عادته أن يأتي به؛ فيشرع له سجود السهو، وإن لم يكن من عادته أن يأتي به؛ فإنه لا يشرع، وهذا قول بعض العلماء، ورجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فإذا كان مثلًا من عادته أن يأتي بدعاء الاستفتاح، لكنه سها ولم يأت به، على هذا القول يشرع له أن يسجد للسهو، لكن لو كان ليس من عادته أن يأتي مثلًا بهذه السنة، جلسة الاستراحة، ليس من عادته أن يأتي بها؛ فلا يشرع له أن يسجد للسهو.

القول الثالث في المسألة: أنه إذا ترك مسنونًا؛ لا يشرع سجود السهو مطلقًا، وهذا ما عليه كثيرٌ من العلماء؛ وذلك لأن الأصل في العبادات التوقيف، ولم يرد مثل هذا عن النبي ، ولم يُؤْثَر عن الصحابة ، ولأن هذا يفضي إلى كثرة سجود السهو؛ لأنه لا يخلو مصلٍّ -في الغالب- من ترك بعض السنن، فهذا يفضي إلى أن الإنسان يسجد للسهو كثيرًا، وهذا خلاف ما ورد؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام -على ما قيل- لم يحفظ عنه أنه سجد للسهو إلا خمس مراتٍ، على قول كثيرٍ من العلماء.

وهذا القول الأخير لعله هو الأقرب والله أعلم، أنه لا يشرع سجود السهو إذا ترك مسنونًا، لو ترك مثلًا دعاء الاستفتاح، أو ترك جلسة الاستراحة، أو ترك سنةً من السنن؛ فلا يشرع له سجود السهو، هذا هو القول الراجح، الأصل في العبادات التوقيف، ومن قال بأنه يشرع أو يباح؛ فهو مطالبٌ بالدليل، حتى على القول أيضًا بأنه إذا كان من عادته، أيضًا هذا التفصيل ليس عليه دليلٌ ظاهرٌ؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- أنه من ترك سنةً؛ فإنه لا يشرع له أن يسجد للسهو.

الأحوال التي يجب فيها السجود للسهو

قال:

ويجب إذا زاد ركوعًا أو سجودًا، أو قيامًا أو قعودًا، ولو قَدْرَ جلسة الاستراحة.

يجب إذا زاد فعلًا من هذه الأفعال الأربعة فقط، وهي: الركوع والسجود والقيام والقعود، ولم يقل المؤلف: إذا زاد فعلًا؛ لأن الأفعال كثيرةٌ، فلو أنه قال: إذا زاد فعلًا لربما دخل في ذلك رفع اليدين مثلًا، هل يشرع له سجود السهو؟ نقول: إنه لا يشرع له سجود السهو؛ ولذلك المؤلف قيدها بهذه الأفعال الأربعة، فإذا زاد واحدًا من هذه الأمور الأربعة التي ذكرها المؤلف: الركوع، أو السجود، أو القيام والقعود، فيجب سجود السهو؛ وذلك لأن ترك هذه الأشياء عمدًا يبطل الصلاة، وعندهم قاعدةٌ: وهي أنه يجب سجود السهو لما تبطل بتركه، ولأن هذا أيضًا قد ورد عن النبي كما في حديث ابن مسعودٍ  أن النبي صلى خمسًا، فلما سلم أخبروه فثنى رجليه وسجد سجدتين، ثم سلَّم [4].

قال: “ولو قَدْرَ جلسة الاستراحة”، يعني: ولو كانت الزيادة بقدر جلسة الاستراحة، فإنه يشرع سجود السهو في هذه الحال.

أو سلَّم قبل إتمامها.

المؤلف بعدما تكلم عن الزيادة؛ انتقل للكلام عن النقص، أي: إذا سلم قبل إتمامها يجب سجود السهو؛ كما في قصة ذي اليدين، فإن النبي صلى بهم الظهر أو العصر ركعتين ثم سلَّم، فسجد للسهو [5].

أو لَحَن لحنًا يُحيل المعنى.

اللحن الذي يُحيل المعنى، إذا كان في الفاتحة فما حكمه؟ يُبطل الصلاة إذا كان عن عمدٍ، لا شك أنه يبطل الصلاة، كذلك إذا كان حتى عن غير عمدٍ ولم يَستدرِك؛ يبطل الصلاة، ولكن لو أنه لحن لحنًا يحيل المعنى، ثم استدرك سهوًا، بدل مثلًا أن يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، قال: (أهدنا الصراط المستقيم)، ثم استدرك، وقال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، إما من نفسه أو أنه نُبِّه، فهنا يُشرع أن يسجد للسهو، وما حكم سجود السهو هنا، واجبٌ أو مستحبٌّ؟ واجبٌ؛ لأن عمده يبطل الصلاة، فيجب السجود لسهوه.

مداخلة:…

الشيخ: لا، اللحن الذي يؤثر هو في الفاتحة؛ لأنها التي قراءتها ركنٌ، لكن قراءة ما بعد الفاتحة ما حكمه؟ مستحبٌّ، فهذا يَرِد عند مسألة القول المشروع..

مداخلة:

الشيخ: نعم، قصدك في الفاتحة؟ إذا لحن لحنًا يحيل المعنى، يجب على المأموم أن يفتح عليه، ويكرر عليه ذلك، فإن استجاب، وإلا لا تصح الصلاة خلفه.

مداخلة:

الشيخ: إذا كانت قدرته..، تصح صلاته بنفسه، لكن لا يصلي بغيره.

مداخلة:

الشيخ: لا، مثل هذا إنما صح لنفسه؛ لأنه عاجزٌ، لكن القول بأنها تصح بغيره مع كونه يحيل المعنى..، يفترض هو ألا يتقدَّم غيره، فحيث إنه تقدَّم وصلى بالناس، واللحن يحيل المعنى، ولم يتمكن من إصلاح هذا الخلل؛ فالظاهر أن الصلاة خلفه لا تصح.

أو ترك واجبًا.

سجود السهو ما حكمه هنا؟ واجبٌ؛ لأن القاعدة: أن سجود السهو يجب لما كان عمده يبطل الصلاة، فلو ترك واجبًا من واجبات الصلاة؛ كالتشهد الأول مثلًا، فيجب عليه أن يسجد للسهو؛ لجبر هذا الواجب الذي تركه، ويدل ذلك: حديث عبدالله بن بُحَيْنَة ، أن النبي صلى بهم صلاة الظهر ركعتين، ولم يجلس للتشهد، وسجد للسهو في آخر صلاته [6] والحديث في “الصحيحين”.

انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن الشك فقال:

أو شك في زيادةٍ وقت فعلها.

فيجب عليه أن يسجد للسهو؛ لأن الشك من أسباب سجود السهو، والشك ينقسم إلى قسمين: شكٍّ يكون معه تحرٍّ وغلبة ظنٍّ، وشكٍّ متساوٍ، وسيأتي الكلام -إن شاء الله تعالى- عن هذين القسمين في آخر الباب عند قول المؤلف: “ومن شك في ركن”.. إلى آخره، سيتكلم على هذا، لكن الشك ينقسم إلى هذين القسمين:

إذا شك في زيادةٍ وقت فعلها؛ لماذا قيد المؤلف الشك بوقت الفعل؟ لأن الشك بعد الفراغ من فعل الشيء لا يلتفت إليه؛ ولذلك المؤلف في آخر الباب قال: “وبعد فراغها لا أثر للشك”، وسنتكلم عن هذه عندما نتكلم عن مسائل الشك في آخر الباب، لكن تقييد المؤلف بقوله: “وقت فعلها”، احترازٌ مما إذا كان الشك قد طرأ بعد فعلها، ومن باب أولى فيما إذا كان الشك قد طرأ بعد الفراغ من الصلاة، وعند العلماء قاعدةٌ، وهي: أن الشك في العبادة بعد الفراغ منها لا يلتفت إليه مطلقًا، سواءٌ في الصلاة أو في غيرها.

شككت مثلًا في رمي الجمرات بعد الفراغ من الرمي، لا تلتفت إليه، شككت في عدد أشواط الطواف أو السعي بعد الفراغ، لا تلتفت إليه، شككت في أمرٍ متعلقٍ بالزكاة، بالصلاة، بالصيام، بأي عبادةٍ من العبادات بعد الفراغ منها، لا تلتفت لهذا الشك.

حكم تعمد ترك سجود السهو الواجب

قال:

وتبطل الصلاة بتعمد ترك سجود السهو الواجب.

والمؤلف بيَّن متى يكون سجود السهو واجبًا، ومتى يكون مباحًا، ومتى يكون مستحبًّا، فالسجود الذي يكون واجبًا تبطل الصلاة بتعمد تركه؛ لأنه قد ترك واجبًا عمدًا، ومن ترك ركنًا أو واجبًا عمدًا؛ بطلت صلاته.

قال:

لا إنْ تَرَك ما وجب بسلامه قبل إتمامها.

هكذا في النسخة التي بين يديَّ، النسخة المحققة: (لا)، ما أدري هل بقية النسخ هكذا؟ وفي بعض النسخ: (إلا)، والصواب: (إلا).

وهنا المحقق أشار إلى أن بعض النسخ: (إلا)، بدل: (لا)، وصوَّب المحقق أنها: (لا)، والصواب خلاف ما ذهب إليه المحقق، لو أنه تركها؛ كان أحسن، الصواب أنها: (إلا)، وليس: (لا)؛ لأن (لا) لا يستقيم المعنى؛ ولذلك حتى في نسخة “منار السبيل” عبارة “الدليل”: (إلا).

فإذنْ: النسخة التي فيها: (لا)، يعدلها: (إلا)، الصواب: (إلا)، “إلا إنْ ترك ما وجب بسلامه قبل إتمامها”، ما معنى هذا الكلام؟

المؤلف لما قرَّر أن الصلاة تبطل بترك سجود السهو الواجب؛ استثنى من هذا مسألةً: وهي ما إذا ترك ما وجب بسلامه قبل إتمامها؛ لأن سجود السهو عند الحنابلة كله قبل السلام، إلا في الموضعين اللذين ورد النص بأن السجود فيما بعد السلام، ومن هذين الموضعين إذا سلم قبل إتمامها، فسجود السهو عندهم بعد السلام، وليس قبل السلام.

وعندهم أيضًا: أن سجود السهو إذا كان بعد السلام -وليس قبل السلام- ليس واجبًا، وإنما مستحبٌّ، فحتى لو تعمد تركه؛ لا تبطل الصلاة، فكأن المؤلف يقول: إنَّ تعمد ترك سجود السهو الواجب يبطل الصلاة، إلا إذا ترك سجود السهو الذي محله بعد السلام، وهو عند الحنابلة ما إذا سلم قبل إتمامها، اتضحت العبارة؟ هذا هو مقصود المؤلف رحمه الله، وبهذا يتعين أن تكون: (إلا)، وليس: (لا).

محل سجود السهو

قال:

وإن شاء سجد سجدتي السهو قبل السلام أو بعده، لكن إن سجدهما بعده تشهد وجوبًا وسلَّم.

انتقل المؤلف للكلام عن محل سجود السهو، هل هو قبل السلام أو بعده؟

فالمؤلف يرى أن المصلي مخيَّرٌ بين أن يسجد قبل السلام أو بعده.

والقول الآخر: وهو قول عند الحنابلة، بل هو المشهور من المذهب: أن سجود السهو كله قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النص بأن السجود فيهما بعد السلام، وهما:

  • الموضع الأول: إذا سلَّم من نقصٍ في صلاته.
  • الموضع الثاني: إذا تحرى وبنى على غالب ظنه، فيسجد للسهو بعد السلام، وما عدا ذلك يسجد للسهو قبل السلام.

وهذا أحد أقوال العلماء في المسألة، لكن هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أن سجود السهو قبل السلام مطلقًا، وهو مذهب الشافعية.

والقول الثالث: أن سجود السهو بعد السلام مطلقًا، يعني: في جميع الأحوال، وهذا مذهب الحنفية.

والقول الرابع: أنه إن كان عن زيادةٍ؛ فبعد السلام، وإن كان عن نقصٍ؛ فقبل السلام، وهذا مذهب المالكية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

نأتي للأدلة: أما الحنابلة فقالوا: إن السهو في الصلاة خللٌ ونقصٌ، وسجود السهو هو جبرٌ لذلك الخلل والنقص، والأصل: أن ما كان كذلك؛ فهو يكون في صلب الصلاة، لكن حيث إن السنة قد وردت بأن سجود السهو بعد السلام في موضعين، فيستثنى هذان الموضعان، فيسجد فيهما بعد السلام؛ ولهذا قال الإمام أحمد: لولا أن السنة قد وردت بالسجود للسهو بعد السلام في هذين الموضعين؛ لرأيت أن السجود كله قبل السلام؛ لأن السجود جبرٌ للخلل الواقع في الصلاة، وهذا من شأنه أن يكون في صلب الصلاة.

فإذنْ هذه وجهة الحنابلة في هذه المسألة.

أما أصحاب القول الثاني الذين قالوا: إن سجود السهو قبل السلام مطلقًا، وهم الشافعية، فاستدلوا بما ورد عن النبي أنه سجد للسهو قبل السلام [7].

والذين قالوا: إنه بعد الصلاة مطلقًا استدلوا بما ورد عن النبي أنه سجد للسهو بعد السلام [8].

وأما المالكية فقالوا: إن كان عن زيادةٍ؛ فبعد السلام، وإن كان عن نقصٍ؛ فقبل السلام، وقالوا: لأن النبي سجد للسهو قبل السلام وبعد السلام، وسجوده للسهو بعد السلام إنما كان لأجل الزيادة، وقبل السلام إنما كان لأجل النقص.

وأما ما ورد في قصة ذي اليدين، فيقولون: إنه وإن كان قد سلَّم من ركعتين، إلا أنه قد زاد أفعالًا في الصلاة، فإنه سلَّم، ثم بعد ذلك لما نبَّه قام، وهذه زيادةٌ، يقولون -وهكذا قالوا- قالوا وأيضًا: إن السجود إنما يكون لجبر النقص، وهذا فيما إذا كان عن نقصٍ فيكون قبل السلام؛ لأن الإصلاح والجبر إنما يكون قبل الخروج من الصلاة، وأما السجود الذي يكون للزيادة فليس جبرًا لنقصٍ؛ وإنما لإرغام الشيطان، وما كان كذلك؛ فمحله بعد السلام، هذه أقوال العلماء في المسألة.

والقول الراجح والله أعلم: هو القول الأول، وهو أن سجود السهو كله قبل السلام، إلا في الموضعين الذين ورد أن النبي سجد فيهما بعد السلام؛ وذلك لأن هذا القول هو الذي تجتمع به الأدلة.

أما القول بأن السجود بعد السلام مطلقًا يَرِد عليه أن النبي سجد قبل السلام، وهكذا القول بأنه قبل السلام مطلقًا يرد عليه أن النبي سجد بعد السلام، فهذان القولان ضعيفان، يبقى الموازنة بين القول الأول والقول الرابع.

القول الرابع: إن كان عن زيادةٍ؛ فبعد السلام، وإن كان عن نقصٍ؛ فقبل السلام، وهذا قولٌ قويٌّ في الحقيقة، يعني: قولٌ قويٌّ، ووجهته قويةٌ، لكن يَرِد عليه أن النبي في قصة ذي اليدين سلَّم من ركعتين وسجد للسهو، قبل السلام أو بعده؟ بعد السلام، وسلامه من الركعتين هل هو نقصٌ أو زيادةٌ؟ الظاهر أنه نقصٌ، وأصحاب هذا القول يقولون: هو زيادةٌ، ولكن القول بأنه زيادةٌ فيه إشكالٌ، لو أن إمام مسجدٍ سلَّم من ركعتين أو من ثلاثٍ، ثم سجد للسهو مثلًا بعد السلام، أو سجد للسهو قبل السلام أو بعده، المهم: لما سلَّم من الركعتين؛ قام واستدرك، وأراد أن يشرح هذه المسألة لجماعة المسجد، فهل يقول: سلَّمت عن نقصٍ أو يقول: سلَّمت عن زيادةٍ؟ لو أراد أن يبين لهم ويفهمهم بأنه قد سلَّم عن زيادةٍ؛ ما استطاع أن يوصل المعنى لهم، كيف تسلِّم من الركعتين وتقول: إنك سلَّمت عن زيادةٍ، والشريعة وردت للناس كلهم، جميع طبقاتهم، هذا الفلاح، أو هذا المزارع، أو هذا الأمي، كيف تستطيع أن توصل له هذا المعنى: بأنك تسلِّم من ركعتين أو من ثلاثٍ وتقول: إني سلَّمت عن زيادةٍ ولم أسلِّم عن نقصٍ؟! هذا لا يمكن أن يقبل هذا المعنى أكثر الناس، والشريعة إنما وردت لجميع الناس؛ ولهذا فإن هذا القول يُشكِل عليه هذا الحديث.

وأما جوابهم عنه بقولهم بأنه قد زاد تشهدًا، أو زاد سلامًا، فهذا في الحقيقة غير مقنعٍ؛ لأنه قد نقص أكثر من الزيادة، نقص ركعةً أو ركعاتٍ، والوصف لهذا الفعل إنما يكون بحسب الأكثر، الأكثر هو النقص، وليس الزيادة؛ ولذلك تجد حتى بعض أئمة المساجد الذين أخذوا بهذا القول تُشكِل عليهم مسألة الزيادة والنقص، عندما يسهو في الصلاة، هل هو زاد أو نقص؟ يبدأ يتأمل؛ ولذلك عندي: أن هذا القول مرجوحٌ، وأن الصواب: هو القول الأول، القول الأول -كما تراه- هو واضحٌ وسهلٌ في الفهم، وسهلٌ في التطبيق، كله قبل السلام إلا في هذين الموضعين:

  • إذا سلَّم عن نقصٍ؛ لقصة ذي اليدين.
  • وإذا شك، وكان مع الشك تحرٍّ وغلبة ظنٍّ.

لاحِظ الشك، ليس شكًّا متساويًا، الشك المتساوي يكون قبل السلام، يبني على الأقل واليقين، ويسجد للسهو قبل السلام، لكن هذا الشك مع تحرٍّ وغلبة ظنٍّ، جعلها ثلاثًا، هنا يسجد للسهو بعد السلام؛ لحديث ابن مسعودٍ ، وفيه: فليسجد سجدتين بعدما يسلم [9].

فهذا القول هو أسهل في الفهم وفي التطبيق، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله.

مداخلة:

الشيخ: نعم، أحسنت، تأتينا المسألة التالية: هل الخلاف في هذه المسألة خلافٌ في أيهما أفضل، أو أنه ما كان قبل السلام يجب أن يسجد فيه قبل السلام، وما كان بعد السلام يجب أن يسجد فيه بعد السلام؟ قولان للعلماء: بعض العلماء يرى أن ما كان موضعه قبل السلام فيجب أن يسجد فيه قبل السلام، وما كان بعد السلام يجب أن يسجد بعد السلام، وهذا أيضًا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، ولكن أكثر العلماء على أن هذا على سبيل الأفضلية، ولعل الأول هو الأقرب؛ لأن السنة قد وردت بهذا وهذا، فالقول بالوجوب غير ظاهرٍ، الأقرب أن هذا على سبيل الأفضلية، لكن يتأكد في حق طلاب العلم أن يفعلوا هذا، وأن يبينوا هذا للناس، خاصةً سجود السهو بعد السلام، يعني: إذا سلم الإنسان مثلًا عن نقصٍ، أو كان هناك شكٌّ وتحرٍّ وغلبة ظنٍّ، وسجد للسهو بعد السلام، ينبغي أن يبين هذه السُّنة للناس، وأن هذا هو المشروع فيما إذا حصل مثل هذا.

إذنْ هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.

حكم التشهد بعد سجود السهو

نعود لعبارة المؤلف قال: “لكن إذا سجدهما بعده”، يعني: إذا كان سجود السهو بعد السلام؛ تَشَهَّد وجوبًا وسلَّم، وهذا هو المذهب عند الحنابلة: أنه إذا كان سجود السهو بعد السلام؛ فيجب عليه أن يأتي بالتشهد ثم يسلم، يعني: يسجد سجدتين ثم يتشهد ويسلم، واستدلوا بحديث عمران أن النبي سها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم [10]، وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، والحديث إسناده صحيحٌ، لكن بدون لفظة: “ثم تشهد”، فلفظة: “ثم تشهد”، غير محفوظةٍ، حكم عليها بعض المحدثين بأنها شاذةٌ، وبعضهم بالضعف، وبكل حالٍ: هي غير محفوظةٍ وغير ثابتةٍ، “ثم تشهد” غير ثابتةٍ، وإلا فالحديث صحيحٌ بدون هذه اللفظة.

ولهذا فالقول الثاني في المسألة: أنه لا يشرع التشهد في سجود السهو إذا كان بعد السلام؛ لعدم وروده، والأصل في العبادات التوقيف، والحديث المروي في ذلك -كما ذكرنا- لا تحفظ به لفظة: “ثم تشهد”، وهذا هو القول الراجح في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

إذنْ الصواب: أنه لا يشرع التشهد في سجود السهو.

أحوال يسقط فيها سجود السهو

قال:

وإن نسي السجود حتى طال الفصل عُرفًا، أو أحدث، أو خرج من المسجد؛ سقط.

“وإن نسي السجود”، كيف نسي السجود؟ من يصور لنا هذه المسألة؟

يعني: هذا أكثر ما يحصل للإنسان عندما يصلي وحده، وأحيانًا يسهو الإمام ولا أحد ينبهه، إنسانٌ سها، ونسي أن يسجد للسهو، وطال الفصل، أما إذا لم يطل الفصل فيسجد للسهو.

ولهذا قال المؤلف: “حتى طال الفصل”، يفهم منه: أنه إذا لم يطل الفصل؛ فإنه يشرع أن يسجد للسهو، إنسانٌ مثلًا صلى بالناس، وترك واجبًا أو زاد في صلاته، ثم نسي وسلَّم، ولم يسجد للسهو، فنُبِّهَ فسجد للسهو، فهذا لا بأس به، ما دام أن الفاصل ليس طويلًا عرفًا، لكن إذا طال الفصل عُرفًا، لم يتذكر إلا في اليوم الثاني مثلًا، أو أنه أحدث، نسي أن يسجد للسهو ثم أحدث، أو أنه خرج من المسجد، ثم تذكر أو ذكر، فالحكم فيه يقول المؤلف: يسقط عنه سجود السهو، وصلاته صحيحةٌ، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، قالوا: لأن سجود السهو إنما شرع لتكميل الصلاة، فلا يشرع أن يأتي به بعد طول الفصل، وفي معنى ذلك: ما إذا أحدث أو خرج من المسجد؛ ولأنه لم يقل أحدٌ من العلماء: بأنه يعيد الصلاة في هذه الحال، فبقي النظر بين أن يأتي بسجود السهو مع طول الفصل، أو لا يأتي به، أكثر العلماء على أنه يسقط عنه سجود السهو في هذه الحال.

والقول الثاني في المسألة: أنه يأتي بسجود السهو ولو طال الفصل، ولو مضى أيامٌ، إنسانٌ مثلًا صلى وترك التشهد الأول، وبعد يومين تذكر، وكان في نيته أن يسجد للسهو، كان يريد أن يسجد للسهو، لكن نسي، وبعد يومين تذكر، فعلى هذا القول يسجد للسهو بعد يومين، ولو بعد أكثر من ذلك؛ بعد أسبوعٍ، بعد شهرٍ، وهذا القول هو قول مالكٍ، وروايةٌ عن أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه يشرع أن يسجد للسهو إذا نسي ولو مع طول الفصل، وعللوا ذلك قالوا: لأن سجود السهو جَبْرٌ للنقص الذي حصل، وما كان كذلك فإنه لا بد أن يأتي به ولو مع طول الفصل؛ كالجبران الذي يكون في الحج، فإنه لو حصل خللٌ في حجه؛ مثلًا ترك الرمي، أو ترك واجبًا، يجب عليه أن يأتي به، أو يأتي بالجبران، إذا فات وقته يأتي بالجبران، فلو فات وقت الرمي يأتي بالجبران، وهو ماذا؟ الدم، ولا يسقط الدم مع طول الفصل، هكذا أيضًا سجود السهو، هذا قول الإمام مالكٍ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

والأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور، وهو أنه إذا نسي سجود السهو؛ يسقط عنه ولا شيء عليه؛ ولأن سجود السهو هو جبرٌ للخلل، وإرغامٌ للشيطان، فإذا نسيه فلا يلزمه إعادة الصلاة؛ لقول عامة أهل العلم، والقول بأنه يسجد للسهو مع طول الفاصل ليس له نظيرٌ، ولا يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية، خاصةً بالنسبة للصلاة، فإن الصلاة مع طول الفصل لا يمكن الاستدراك فيها؛ ولذلك لو أنه ترك ركعةً ولم يتذكر إلا بعد فاصلٍ طويلٍ عُرفًا؛ لزمه إعادة الصلاة، هكذا أيضًا إذا ترك سجود السهو مع طول الفصل؛ يسقط عنه؛ باعتباره واجبًا شُرع لإرغام الشيطان وجبر الخلل، لكنه يعفى عنه في هذه الحال؛ لطول الفصل، وعدم إمكان التدارك، فالأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور في هذه المسألة.

أما القياس على الجبران في النسك فهو قياسٌ مع الفارق؛ لأن الجبران في النسك لا يشترط فيه التوالي، وإنما يمكن أن يأتي به الإنسان ولو مع الكراهة، ولو مضت مدةٌ طويلةٌ، بينما أفعال الصلاة يشترط فيها التوالي، فهي لا بد من أن يأتي بها الإنسان متواليةً؛ ولذلك لو أنه فرَّق بين ركعات الصلاة؛ لم تصح صلاته، فبينهما فرْقٌ، فقياس أحدهما على الآخر -فيما يظهر- قياسٌ مع الفارق.

لو أنه ترك ركعةً، صلى الظهر ثلاث ركعاتٍ، ثم نُبِّه بعد أن طال الفصل عرفًا؛ مثلًا: أتى يصلي العصر فنُبِّه، قال: ما صليت الظهر إلا ثلاثًا، فأعاد الظهر، هل يسجد للسهو؟ لا يسجد؛ لأنه لم يحصل خلل في الصلاة المعادة.

قال المؤلف رحمه الله بعد هذا:

ولا سجود على مأمومٍ دخل أول الصلاة إذا سها في صلاته.

انتقل المؤلف للكلام عن سجود المأموم: “ولا سجود على مأمومٍ”، يعني: أن السجود بالنسبة للمأموم لا يلزمه ما دام مؤتمًّا بإمامٍ، واشترط المؤلف لهذا شرطًا، وهو: أن يكون قد دخل مع الإمام أول الصلاة، فلا يكون مسبوقًا؛ وذلك لأن سجود السهو واجبٌ وليس بركنٍ، والواجب يسقط عن المأموم لأجل متابعة الإمام، كما لو أدرك المسبوق الإمام في الركعة الثانية من الصلاة الرباعية، فإنه يسقط عنه التشهد الأول؛ لأجل المتابعة، لو أدرك المسبوق الإمام في الركعة الثانية من صلاة الظهر؛ فالركعة الثالثة في حق الإمام هي الثانية في حق المأموم، هل يجلس للتشهد؟ لا يجلس للتشهد، فيسقط عنه جلوس التشهد؛ لأجل متابعة الإمام، فالمأموم يتابع الإمام ويسقط عنه الواجب؛ لأجل المتابعة.

فإذا كان الواجب يسقط عن المأموم من أجل متابعة إمامه، فسجود السهو واجبٌ؛ فيسقط عن المأموم من أجل المتابعة.

وبناءً على هذا التعليل: ليس على المأموم سجودٌ إذا دخل من أول الصلاة، يعني: لم يفته شيءٌ من الصلاة، فلو أن المأموم مثلًا نسي أن يسبح في الركوع أو في السجود، مثلًا ترك واجبًا من واجبات الصلاة، أو حتى نسي قراءة الفاتحة؛ لأن قراءة الفاتحة في حق المأموم ليست ركنًا، وإنما إما واجبةٌ على قول الشافعية، أو مستحبةٌ على رأي آخرين، فإذا نسي المأموم الفاتحة، أو نسي التسبيح في الركوع أو السجود، أو نسي أي واجبٍ من واجبات الصلاة، فهل يشرع له أن يسجد للسهو؟ لا يشرع، وإنما يكون تبعًا لإمامه، ويتحمل عنه الإمام السجود في هذه الحال.

لو نسي المأموم ركنًا -هذه لم يذكرها المؤلف- نسي ركنًا من الأركان؛ مثلًا: نفترض أن الإمام سجد سجود التلاوة، ثم قام الإمام، ثم ركع، وهذا المأموم لا يدري، لم يسمعه، ثم قام وركع مباشرةً، ترك القيام مثلًا، أو ترك الركوع، أو ترك السجود، أو ترك أي ركنٍ من أركان الصلاة، أو أن الإمام ركع ثم رفع، ولم يسمعه المأموم، ورفع مباشرةً معه، أو سجد ولم يركع، المقصود أن المأموم ترك ركنًا من أركان الصلاة، فهل نقول: إن الإمام يتحمل عنه في هذه الحال ولا يشرع للمأموم أن يسجد للسهو، أو ماذا نقول؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، لكن هل يضمن حتى في الأركان؟

مداخلة:

الشيخ: الذي يظهر: أن الركعة تبطل في حق المأموم، وبناءً على ذلك: يقوم ويقضي هذه الركعة بعد سلام إمامه.

مداخلة:

الشيخ: إذا تذكر في أثناء ذلك؛ فيأتي بالركن وبما بعده، ويستدرك مع الإمام، وهذا يحصل، أحيانًا ينقطع الصوت مثلًا، أو لا يسمع المأموم صوت الإمام، فهنا ما هو التصرف المطلوب من المأموم في هذه الحالة، يقوم ويأتي بهذا الركن وبما بعده، ثم يتابع الإمام، ولا شيء عليه في ذلك، ونظير ذلك أيضًا: ما يحصل في المسجد الحرام أيام الزحام، أوقات الزحام لا يستطيع أحيانًا المأموم أن يسجد، فإذا قام الناس؛ يأتي بالسجود وبما بعده، ويتابع الإمام، وليس عليه شيءٌ، صلاته صحيحةٌ، لكن كلامنا في الأصل، هذا مأمومٌ ترك ركنًا، ولم يتذكر إلا بعد الفراغ من الصلاة، فنقول: يقضي ركعةً، تبطل الركعة التي ترك فيها الركن، ويقضيها بعد سلام إمامه، ثم يسجد للسهو بعد ذلك.

مداخلة:

الشيخ: هذا مأمومٌ ترك ركنًا ولم يقض تلك الركعة، وطال الفصل، فما الحكم؟ نقول الحكم: يعيد الصلاة.

المقصود أن كلام الفقهاء هنا في ترك الواجب، وليس في ترك الركن.

طيب، لماذا قيد المؤلف الحكم بما إذا كان أول الصلاة؟ قيد الحكم هذا؛ لأن قول الفقهاء: إنه لا سجود على المأموم إذا ترك واجبًا؛ لأجل متابعة الإمام؛ لقول النبي : إنما جُعل الإمام ليؤتم به؛ فلا تختلفوا عليه [11]، لكن إذا كان مسبوقًا؛ ففي هذه الحال يأتي بسجود السهو؛ لترك الواجب؛ لأن سقوط سجود السهو عنه؛ لأجل متابعة الإمام، لكن بالنسبة للمسبوق إذا سجد للسهو لا تحصل مخالفةٌ للإمام؛ لأنه لن يسجد للسهو إلا في آخر صلاته، فلا تحصل مخالفةٌ للإمام.

وبناءً على ذلك نقول له: لا سهو على مأمومٍ لم يَفُته شيءٌ من الصلاة إذا ترك واجبًا، لكن لو أنه مسبوقٌ فاته شيءٌ من الصلاة؛ فيلزمه أن يأتي بسجود السهو إذا ترك واجبًا، فانتبه لهذه المسألة، فقول الفقهاء: إنه لا سجود على المأموم، فيما إذا دخل مع الإمام من أول الصلاة، أما إذا كان مسبوقًا؛ فيجب عليه أن يسجد للسهو إذا ترك واجبًا، فلو أن المأموم مثلًا كان مسبوقًا، ونسي التسبيح في الركوع، أو نسي قراءة الفاتحة مثلًا، فيسجد للسهو في آخر صلاته، حتى لو كان مع الإمام؟ الصحيح: حتى لو كان مع الإمام؛ لأنه إنما سقط عنه سجود السهو لأجل المتابعة، وهنا المعنى غير واردٍ.

حكم سجود السهو للمأموم

قال:

وإن سها إمامه؛ لزمه متابعته في سجود السهو، فإن لم يسجد إمامه؛ وجب عليه هو.

يعني: إذا سها الإمام؛ فيلزم المأمومَ متابعة الإمام، وهذا ظاهرٌ؛ لقول النبي : إنما جعل الإمام ليؤتم به [12].

لكن إذا لم يسجد إمامه، فهل يلزم المأمومَ أن يسجد؟ والمأموم يعرف أن الإمام قد حصل منه خللٌ في الصلاة، نسي التشهد الأول مثلًا، ونحو ذلك، حصل منه خللٌ، فيقول المؤلف: “إن لم يسجد إمامه وجب عليه هو”؛ لأن صلاته قد نقصت بسهو إمامه فلم يجبرها؛ فلزمه هو جبرها؛ مثال ذلك: هذا رجلٌ صلى بالناس ونسي التشهد الأول، فلما سلَّم قالوا له: لم تسجد للتشهد الأول، قال: أبدًا، كلامكم غير صحيحٍ، وهذا المأموم متأكدٌ أنه لم يجلس للتشهد الأول؛ يسجد المأموم للسهو وصلاته صحيحةٌ، ولا نقول في هذه الحال: إن الإمام يتحمل عنه؛ لأن الإمام هنا لم يستدرك الخلل الذي وقع في صلاته، والمسألة محل خلافٍ بين أهل العلم، لكن الذي يظهر أن مذهب ما قرره المؤلف هو الأقرب والله أعلم، أن الإمام إذا لم يسجد للسهو فإن المأموم يجب عليه أن يسجد للسهو.

حكم من قام لركعةٍ زائدةٍ

ومن قام لركعةٍ زائدةٍ جلس متى ذكر.

إذا قام لركعةٍ زائدةٍ، سواءٌ كان إمامًا أو مأمومًا، يجب عليه أن يجلس متى ذكر؛ لأنه لا تجوز الزيادة في الصلاة، حتى ولو كان قد شرع في القراءة، وهذه المسألة تشتبه مع المسألة الثانية التي ستأتينا بعد قليلٍ، وهي: ما إذا نسي التشهد الأول، فإنه إذا شرع في الفاتحة ليس له أن يرجع، وإنما يستمر في القراءة، ويسجد للسهو في آخر الصلاة، لكن هذه المسألة إذا زاد ركعةً في الصلاة يجب عليه الرجوع متى ما ذكر، حتى لو شرع في الفاتحة، حتى ولو كان في الركوع، حتى لو كان في الرفع منه، لا يجوز أن يتعمد الزيادة في الصلاة، سواءٌ كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، بل حتى لو قام إلى ثالثةٍ في صلاة الليل، فيجب عليه أن يرجع، كما في صلاة التراويح، وقد نص الإمام أحمد على أنه لو قام إلى ثالثةٍ في صلاة الليل؛ فهو كما لو قام إلى ثالثةٍ في صلاة الفجر؛ لقول النبي : صلاة الليل مثنى مثنى [13]، ولأنها صلاةٌ شرعت ركعتين، أشبهت صلاة الفجر، فانتبهوا لهذه المسألة.

هذه المسألة -يا إخواني- تلتبس على كثيرٍ من الناس، يقيسون هذه المسألة على مسألة ما إذا نسي التشهد، إذا نسي التشهد وشَرَع في الفاتحة، صحيحٌ أنه لا يرجع، لكن مسألتنا هذه زاد في الصلاة، يجب عليه أن يرجع مطلقًا، سواءٌ شرع في الفاتحة أو شرع في السورة التي بعدها، أو حتى ركع أو رفع من الركوع، متى ما ذكر أنه قد زاد في صلاته؛ رجع.

طيب لو كان إمامًا ماذا يفعل؟ إذا كان يخشى أن المأمومين لا يعرفون الرجوع يشير لهم مثلًا بإشارة، أو شيء من هذا، لكن لا بد أن يرجع ولا يستمر في الزيادة، فإن استمر فإن الصلاة لا تصح.

مداخلة:

الشيخ: كذلك أيضًا، حتى لو قام المسافر للثالثة، وهو صلى ركعتين؛ فإنه يرجع، ما دام أنه قد نوى القصر؛ لأن الزيادة هنا عن سهوٍ.

طيب، نرجي الأسئلة حتى ننتهي من الباب.

حكم من نهض ناسيًا التشهد الأول

قال:

وإن نهض عن ترك التشهد الأول ناسيًا.

أحكام الرجوع للتشهد الأول

هذه المسألة التي أشرت لها التي تشتمل المسألة السابقة.

وإن نهض عن ترك التشهد الأول ناسيًا؛ لزمه الرجوع ليتشهد، وكره إن استتم قائمًا.

هذه المسألة ورد فيها حديث المغيرة أن النبي قال: إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذَكَر قبل أن يستوي قائمًا فليجلس، فإن استوى قائمًا فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو [14]، الحديث مرةً أخرى سنستفيد من هذا الحديث أحكامًا كثيرةً: إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائمًا فليجلس، فإن استوى قائمًا فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو، هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه، وهو من أحاديث “البلوغ”، ذكره الحافظ في “بلوغ المرام”، وقال: سنده ضعيفٌ، لكن الحديث له طرقٌ متعددةٌ يصح بمجموعها، فهو صحيحٌ بمجموع طرقه.

نعود لعبارة المؤلف: “إن نهض عن ترك التشهد الأول ناسيًا؛ لزمه الرجوع”، يعني: إذا كان قبل أن يستوي قائمًا؛ لزمه أن يرجع، وإن استتم قائمًا يقول المؤلف: “وكره إن استتم قائمًا”.

ولا يرجع إن شرع في القراءة.

فالمؤلف إذنْ فصَّل في المسألة؛ ذكر: إن نهض عن التشهد الأول قبل أن يستتم قائمًا؛ لزمه الرجوع، فإن استتم قائمًا ولم يشرع في قراءة الفاتحة؛ كره له الرجوع، فإن شرع في قراءة الفاتحة؛ حرم عليه الرجوع، وهذا المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أنه إذا لم يستتم قائمًا؛ فيلزمه الرجوع، فإن استتم قائمًا؛ فيحرم عليه الرجوع مطلقًا، سواءٌ شرع في قراءة الفاتحة أو لم يشرع، وهذا هو ظاهر حديث المغيرة ، وهو الأقرب: أنه إذا استتم قائمًا؛ فلا يجوز له الرجوع؛ ولهذا لما ذكر الموفق ابن قدامة في “المغني” هذه المسألة؛ قال: ويحتمل ألا يجوز له الرجوع ها هنا؛ لحديث المغيرة ، ولأنه شَرَع في ركنٍ.

قال الموفق: وهذا هو الأظهر؛ لأنه لا يجوز له الرجوع ما دام قد استتم قائمًا؛ لظاهر حديث المغيرة : فإن استوى قائمًا فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو [15].

إذنْ القول الراجح: أنه إذا استتم قائمًا؛ لا يجوز له أن يرجع مطلقًا، سواءٌ شرع في قراءة الفاتحة، أو لم يشرع فيها، إن لم يستتم قائمًا؛ فإنه يلزمه أن يرجع، إذا استتم قائمًا، قلنا: لا يرجع، وهنا يسجد، هذا ظاهره أنه يسجد للسهو؛ جبرًا لهذا النقص وهذا الخلل.

إذا لم يستتم قائمًا ونُبِّه، إنسانٌ قام في الثالثة ونَبَّهَه المأمومون: سبحان الله، فرجع قبل أن يستتم قائمًا، هل يلزمه أن يسجد للسهو أو لا يلزمه؟ على رأي المؤلف: يلزمه أو لا يلزمه؟ على رأي المؤلف أنه يلزمه، لكن ظاهر حديث المغيرة يلزمه أو لا يلزمه؟: أنه لا يلزمه، وهذا هو الأقرب أنه لا يلزمه؛ لأنه في حديث المغيرة  قال: إن ذكر قبل أن يستوي قائمًا فليجلس، ولم يقل: ويسجد سجدتي السهو، فإن استوى قائمًا فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو.

ومن جهة النظر: أنه لم يزد شيئًا في الصلاة، وغاية ما في الأمر أنه نوى أن يقوم، ثم ذَكَرَ أو ذُكِّر فجلس، فالأقرب -والله أعلم- أنه لا يسجد للسهو.

والذي عليه حال كثيرٍ من الناس: أنه إذا نهض قبل أن يستتم قائمًا؛ يسجد للسهو، هذا هو المذهب، لكن الأقرب -والله أعلم- أنه لا يسجد للسهو، ما دام لم يستتم قائمًا؛ فلا يسجد للسهو، فتكون الأحوال ثلاثةً:

الحال الأولى: إذا نسي التشهد الأول، ونهض قبل أن يستتم قائمًا، فنقول: يجب عليه أن يرجع، هل يسجد للسهو أو لا يسجد؟ قولان للعلماء: والصحيح أنه لا يسجد للسهو.

إن استتم قائمًا الحنابلة يفصِّلون، بين ما إذا شرع في الفاتحة أو لم يشرع، إن لم يشرع كره، وإن شرع حرم، والصحيح: أنه يحرم مطلقًا لظاهر حديث المغيرة .

حكم متابعة الإمام إذا ترك التشهد الأول

قال:

وتلزم المأمومَ متابعته.

يعني: حتى لو أن المأموم قد علم بأن الإمام ترك التشهد الأول؛ يلزمه متابعته في هذه الحالة؛ لأنه إنما ترك واجبًا ولم يترك ركنًا.

حكم من شك في ركنٍ أو عدد ركعاتٍ

قال المؤلف:

ومن شك في ركنٍ أو عدد ركعاتٍ وهو في الصلاة؛ بنى على اليقين وهو الأقل، ويسجد للسهو، وبعد فراغها لا أثر للشك.

من شك في ركنٍ أو في عدد الركعات بنى على اليقين؛ لحديث أبي سعيدٍ أن النبي قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى، ثلاثًا أم أربعًا؟ فليطرح الشك، وليبنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم [16]، رواه مسلمٌ، واليقين: هو الأقل، والزائد مشكوكٌ فيه.

وظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين أن يكون لديه ترجيحٌ أم لا؟ وهذا هو المذهب.

والقول الثاني: أنه إنما يأخذ بالأقل عند الشك الذي لا يكون معه ترجيحٌ، يعني: عند الشك المتساوي، أما إذا ترجح عنده أحد الأمرين، فإنه يأخذ بالمترجح، سواءٌ كان هو الزائد أو الناقص؛ لحديث ابن مسعودٍ أن النبي قال فيمن شك فتردد هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟: فليتحرَّ الصواب فليتم عليه -أي: يبني على التحري- ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين بعد أن يسلم [17].

إذنْ مرةً أخرى: المذهب عند الحنابلة هو قول الجمهور: أن الشك حالةٌ واحدةٌ، وأنه من شك؛ يبني على اليقين وهو الأقل، وإذا شك بترك ركنٍ؛ فهو كتركه.

القول الثاني: أن الشك ينقسم إلى قسمين:

  • شكٌّ متساوٍ، ليس مع الإنسان معه ترجيحٌ، فهنا يبني على اليقين وهو الأقل.
  • والقسم الثاني: شكٌّ معه تحرٍّ وغلبة ظنٍّ، فيبني على ما غلب على ظنه، سواءٌ كان الأكثر أو الأقل، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة، وهو الذي تدل له السنة.

وبناءً على القول الراجح: سجود السهو في الشك المتساوي قبل السلام، وفي الشك الذي معه تحرٍّ وغلبة ظنٍّ بعد السلام؛ الشك المتساوي مثلًا: يعني: (50%) أنها ثلاثٌ، و(50%) أنها أربعٌ، ليس عندك ترجيحٌ، هنا يجعلها ثلاثًا ويسجد للسهو قبل السلام.

لكن مثلًا (90%) أنها أربعٌ، و(10%) أنها ثلاثٌ، يأخذ ما غلب على ظنه؛ فيجعلها أربعًا، ويسجد للسهو بعد السلام، هذا هو القول الراجح في مسألة الشك.

من شك في ركنٍ؛ يبني على اليقين، ما هو اليقين؟ يقول: اليقين: أنه لم يأت بهذا الركن؛ ولذلك عبارة “الزاد”: “ومن شك في ترك ركنٍ؛ فكتركه”، وهذا إذا لم يكن عنده ترجيحٌ، أما إذا كان عنده ترجيحٌ؛ فإنه يعمل بما ترجح عنده، ويسجد للسهو بعد السلام.

عدد الركعات يأخذ بالأقل؛ إن كان الشك متساويًا، ويأخذ بما غلب على ظنه؛ إن كان عنده ترجيحٌ.

حكم الشك بعد الفراغ من الصلاة

قال: “وبعد فراغها لا أثر للشك”، وهذا كما ذكرنا قاعدة قبل قليلٍ قلنا: إن عند العلماء قاعدةً في هذا الباب: وهي أن الشك في العبادة بعد الفراغ منها لا أثر له، أو غير معتبرٍ، بعدما صلى وسلَّم طرأ عليه الشك، هنا لا يلتفت لهذا الشك، الشك في العبادة بعد الفراغ منها لا يُلتفت إليه.

حكم من نسي ركنًا ثم ذكره

بقيت مسألةٌ لم يذكرها المؤلف، وإن كان الوقت قد ضاق، لكنها في الحقيقة مسألةٌ مهمةٌ لا بد أن نذكرها: إذا نسي ركنًا ثم ذكره، هذه مسألةٌ كثيرًا ما تحصل، وكثيرًا ما يقع السؤال عنها، وهنا لم يذكرها المؤلف: إذا ترك ركنًا ثم ذكره؛ فإن كان ذلك بعد شروعه في قراءة ركعةٍ أخرى؛ بطلت الركعة التي تركه منها، إلا إذا كانت تكبيرة الإحرام؛ لم تنعقد صلاته، نقول: ما عدا تكبيرة الإحرام؛ فتكبيرة الإحرام إذا تركها؛ لم تنعقد صلاته، أما إذا كان المتروك ركنًا غير تكبيرة الإحرام، فإنْ شرع في قراءة الركعة التي بعدها؛ تبطل الركعة التي ترك فيها ذلك الركن؛ وبناءً على ذلك تقوم الركعة التي بعدها مقامها، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أنها لا تبطل الركعة التي ترك منها ركنًا، إلا إذا وصل إلى محل الركن في الركعة التالية، وهذا قولٌ عند الحنابلة، وهو القول الراجح، واختاره الشيخ عبدالرحمن السعدي، واختاره أيضًا الشيخ ابن عثيمين، رحمهما الله تعالى؛ وذلك لأنه إذا وصل إلى محله من الركعة التالية؛ فإنه سوف يرجع إلى نفس المحل، فرجوعه في هذه الحال ليس له فائدةٌ، أما إذا لم يصل إلى محله من الركعة التالية؛ فإنه يرجع ويأتي بالركن المتروك وبما بعده؛ وذلك لأنه يشترط الترتيب بين الأركان؛ فكان لا بد من الإتيان به وبما بعده؛ حتى تكون مرتبةً.

إذنْ مرةً أخرى نعيد الكلام في هذه المسألة باختصارٍ:

هذا إنسانٌ يصلي بالناس أو أنه مثلًا منفردٌ، ثم ترك ركنًا من أركان الصلاة، ترك الركوع، أو أي ركنٍ من أركان الصلاة، إن ذكر قبل أن يشرع في قراءة الفاتحة من الركعة التالية؛ يرجع ويأتي به وبما بعده، ويسجد للسهو.

إن ذكر بعد شروعه في قراءة الفاتحة من الركعة التالية؛ فعلى المذهب أنه لا يرجع، وتبطل تلك الركعة التي ترك فيها الركن، ويعتبر الركعة التي بعدها تقوم مقامها.

والقول الراجح: أنه يرجع ويأتي بالركن متى ذكره، يأتي بالركن وبما بعده، إلا إذا وصل إلى محله من الركعة التالية، فتبطل تلك الركعة، وتقوم التي بعدها مقامها.

نمثل هذا بأمثلةٍ: هذا رجلٌ ترك الركوع، ثم أثناء السجود تذكر أنه ترك الركوع، فما الحكم؟ يرجع ويأتي بالركوع وبما بعده، ويسجد للسهو.

هذا رجلٌ ترك الركوع، ولم يتذكر إلا بعدما شرع في قراءة الفاتحة من الركعة التالية، على المذهب تبطل تلك الركعة، وتقوم التي بعدها مقامها، وعلى القول الراجح: يرجع ويأتي بالركوع، وبما بعده، ويسجد للسهو.

طيب، مثالٌ ثالثٌ: هذا رجلٌ ترك الركوع، ولم يتذكر إلا عندما ركع من الركعة التالية، فعلى رأي الجميع تبطل تلك الركعة، وتقوم الركعة التي بعدها مقامها، هذا هو الحكم فيما إذا ترك ركنًا.

حكم من سها في سجود السهو

بقيت مسألةٌ نختم بها: إذا سها في سجود السهو؛ إنسانٌ مثلًا عنده نسيانٌ كثيرٌ، فسها في سجود السهو، نقول: إنه لا يشرع له أن يسجد في هذه الحال مرةً أخرى؛ لأن سجود السهو إنما كان لجبر النقص والخلل، قالوا: ولأنه إجماعٌ، ويفضي إلى التسلسل، فأيضًا إذا سها وسجد سجود السهو؛ ربما يسهو أيضًا في سجود السهو الذي بعده؛ فيفضي إلى التسلسل؛ ولذلك نص العلماء على أنه إذا سها في سجود السهو؛ فإنه لا شيء عليه.

هكذا أيضًا لا يشرع سجود السهو في صلاة الجنازة؛ لأنه لا سجود في صلبها، لو سها مثلًا وترك الصلاة على النبي مثلًا، وترك قراءة الفاتحة، المقصود: أنه لا يشرع فيها سجود السهو، فإما أن يعيدها..، وإلا فالأمر فيه سعةٌ، ليست من الواجبات العينية، هي فرض كفايةٍ.

وهكذا أيضًا لا سجود للسهو إذا سها في سجود التلاوة؛ لأنه لو شُرِع؛ لكان الجبر زائدًا على الأصل.

هذه المسائل نص عليها العلماء، لأجل أن نستكمل الكلام عن مسائل هذا الباب.

وبهذا نكون قد انتهينا من باب سجود السهو، ونقف عند باب صلاة التطوع.

الأسئلة

السؤال: بالنسبة يا شيخ لمصلَّى النساء؟

الجواب: أولًا بالنسبة لمصلى النساء -يا إخواني- هناك خطأٌ شائعٌ: بعض المساجد يكون مصلى النساء خارج المسجد، والنساء يتابعن الإمام، لا تشرع المتابعة إن كان خارج المسجد، هناك إشكالٌ، لا بد أن يكون مصلى النساء داخل المسجد، وإلا لو قلنا: تشرع المتابعة؛ لقلنا: جيران المسجد يتابعون الإمام، ما الفرق بينهما؟ ولذلك لا بد أن يكون مصلى النساء داخل المسجد.

طيب، إذا حصل هذا، أن الإمام سجد للتلاوة، وظن النساء أنه سجود صلاةٍ فعرفن، هذا لا يضر، غاية ما في الأمر أنهن أتين بفعل مشروعٍ في غير موضعه، ولا يضر مثل هذا، يتابعن الإمام ولا شيء عليهن.

السؤال: المسبوق هل يصلي مع الإمام ويسجد معه ثم يقوم؟

الجواب: بالنسبة للمسبوق إذا سجد الإمام بعد السلام: فمن العلماء من قال: يسجد معه، ومنهم من قال: إنه مخيرٌ، وهذا هو الأقرب، مخيرٌ بين أن يسجد معه، أو يجعل سجود السهو في آخر الصلاة.

ومنهم من قال: إنه يسجد في آخر صلاته، وهذا لعله هو الراجح: أن المسبوق -فيما إذا سها الإمام- يجعل سجود السهو في آخر صلاته، لكن لو أراد أن يسجد مع الإمام ثم يكمل؛ فلا بأس بهذا.

السؤال: أحسن الله إليك، ذكرت في صلاة الليل أنه إذا زاد ثالثةً وثانيةً يرجع، لو تعمد أنه يأتي بأربع ركعاتٍ بتشهدٍ لظاهر حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى أربع ركعاتٍ؟

الجواب: هو أولًا قول عائشة رضي الله عنها: “يصلي أربعًا” [18]، ليس المقصود بسلامٍ واحدٍ، وإنما بسلامين، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم يستريح.

والمسألة محل خلافٍ بين العلماء، ليست محل إجماعٍ، فبعض العلماء قال: إنه يتمها، إذا قام لثالثةٍ؛ يتمها أربعًا، لكن الأقرب -والله أعلم- أنه يجلس، كما نص على هذا الإمام أحمد، قال: إن من قام إلى ثالثةٍ في صلاة الليل؛ فكأنما قام إلى ثالثةٍ في صلاة الفجر، وهذا هو الذي عليه فتوى مشايخنا: سماحة الشيخ ابن بازٍ وابن عثيمين، على هذا، على أنه من قام إلى ثالثةٍ في صلاة الليل؛ يجب عليه أن يرجع، لكن المسألة ليست محل إجماعٍ، المسألة فيها خلافٌ بين العلماء.

السؤال: أحسن الله إليكم، إذا شك الإنسان وهو في الركعة الثانية: هل أتى بقراءة الفاتحة مثلًا في الركعة الأولى؟ هل يعتد بهذا الشك، أم يقال بأن الشك إذا تجاوز وقت الفعل؛ لا يعتد به، أو تبطل الصلاة؟

الجواب: الثاني، الشك إذا جاوز وقت فعل الركن؛ لا يعتد به؛ ولهذا لو تأملت عبارة المؤلف الذي مرت معنا قبل قليلٍ، المؤلف قال: “أو شكَّ في زيادةٍ وقت فعلها”، فلا يلتفت لهذا الشك الذي طرأ بعد الفراغ من الركن.

السؤال: أحسن الله إليكم، بعض الأئمة عندما يصلي ركعتين أو ثلاثًا من أصل أربع ركعاتٍ ثم يسلم، فإذا نُبِّه قام فكبر، فهل هذه التكبيرة صحيحةٌ؟

الجواب: هذه غير صحيحةٍ، لا معنى للتكبير في هذه الحال، يكبر على ماذا؟ هو الآن استأنف الصلاة، لو أردنا أننا نصف هذا التكبير يكبر على ماذا؟ هو في الصلاة؛ ولذلك يقوم بدون تكبيرٍ، فإن أراد أن ينبه المأمومين؛ يمكنه أن يرفع صوته، خاصةً في وقتنا الحاضر مع وجود مكبرات الصوت، يرفع صوته قليلًا مثلًا بقراءة الفاتحة والسورة التي بعدها، النبي عليه الصلاة والسلام كان يُسمِع الصحابة  أحيانًا القراءة، لكن يقوم من غير تكبيرٍ.

هناك مسألةٌ لم يذكرها المؤلف سننبه عليها:

إذا سبَّح ثقةٌ واحدٌ، هل يلزم الإمام الرجوع؟ قال: سبحان الله، شخصٌ واحدٌ فقط؟

لا يلزمه الرجوع، إلا إذا سبَّح به ثقتان، ما لم يجزم بصواب نفسه، فإذا سبَّح به واحدٌ، ولو كان ثقةً؛ لا يلزمه الرجوع، والدليل على هذا: قول النبي : أَصَدَق ذو اليدين؟ [19]، فسأل الصحابة ، فلا بد من أن يسبح به ثقتان.

إذا سبَّح به ثقتان هل يلزمه الرجوع؟

يلزمه الرجوع ما لم يجزم بصواب نفسه، لو أن المأموم سبَّح ولم يفهم الإمام مقصوده؟ يعني: الإمام سها في الصلاة، قال المأموم: سبحان الله، قام الإمام، قال المأموم: سبحان الله، يريد مثلًا أن يسجد الإمام، ما فهم أنه يقصد السجود، فلم يفهم الإمام مقصود المأموم من التسبيح؟

مداخلة:

الشيخ: يأتي بآيةٍ؟ نعم، هذا يحدث، أحد الناس قبل مدةٍ، ربما شهرين، يقول في مسجدٍ من المساجد حصل شيءٌ مثل هذا، كلما قال: سبحان الله، في النهاية قطع الصلاة، يقول: الإمام هو الذي قطع الصلاة، هذا خطأٌ، يفترض أن أحد المأمومين يقرأ آيةً.

طيب، أحيانًا قد لا تحضر المأموم آيةٌ، أو قد يكون خللٌ ما في آيةٍ تتناسب مع الخلل الذي وقع؟

مداخلة:

الشيخ: يتكلم، كما قال الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله؛ مثلًا: اجلس، أو افعل كذا؛ لأنه ليس عندنا حلٌّ آخر، والقول بأنه يقطع الصلاة غير واردٍ، لا بد أن يكون هناك حلٌّ غير قطع الصلاة، فيتكلم والكلام لمصلحة الصلاة.

مداخلة:

الشيخ: لا، لا تبطل، هذا إذا لم يفهم، أو لم تحضره آيةٌ تناسب الخلل الذي وقع فيه الإمام، فيتكلم بقدر الحاجة، ويكون هذا معفوًّا عنه.

مداخلة:

السؤال: أحسن الله إليكم، صلينا الجمعة مع الإمام، وسجدنا سجدةً واحدةً نحن المأمومين؛ لعدم وضوح الصوت بيننا وبين الإمام، سجد سجدتين، الآن: هل أقضي صلاة الجمعة أو أقضي صلاة الظهر؟

الجواب: ما دام أنه قد ترك سجودًا، فمعنى ذلك: أنه ترك ركنًا، ومع طول الفصل لا يمكن التدارك، كان ينبغي على المأموم في هذه الحال..، التصرف الصحيح ما هو؟ بناءً على شرحنا لهذا الدرس: ما هو التصرف الصحيح في هذه الحال؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، التصرف الصحيح: أنه يأتي بالركن الذي تركه، ويتابع الإمام، هذا هو التصرف الصحيح في مثل هذا؛ ولذلك حيث إن هذا لم يحصل، فلو أنه تذكر بعد الصلاة؛ بطلت تلك الركعة، ويقضي ركعةً مكانها، الآن يسأل..، بعد مضي مدةٍ طويلةٍ ليس له إلا القضاء، لكن هو يسأل: هل يقضيها ظهرًا، أو يقضيها ركعتين جمعةً؟ طبعًا يقضيها ظهرًا، أربع ركعاتٍ.

مداخلة:

الشيخ: إذا سلَّم الإمام؛ تبطل تلك الركعة التي ترك فيها الركن، ويأتي بركعةٍ مكانها.

السؤال: أحسن الله إليكم، … الركبة هل يكون في التشهد الأخير، أو في جميع … من التشهد الأول؟

الجواب: ورد عن النبي أحيانًا فالذي يظهر: أن الأمر فيه سعةٌ، فلو فعله أحيانًا سواءٌ في التشهد، أو حتى في الجلسة بين السجدتين.

السؤال: أحسن الله إليكم، كيف توضع اليدان بعد الركوع؟

الجواب: بعد الرفع من الركوع بعض العلماء يرى أن اليدين ترسلان، ولا يضع اليمنى على اليسرى.

والقول الثاني: أنه يضع اليمنى على اليسرى، إما على صدره أو على سرته، على الخلاف المعروف؛ كحاله قبل الركوع، وهذا هو الأقرب؛ لعموم حديث سهل بن سعدٍ أن الناس كانوا يؤمرون بوضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة [20]، وهذا يشمل ما قبل الركوع وما بعده.

السؤال: أحسن الله إليكم، من تأخر عن الصلاة وهو في بيته، وسمع الإمام سلَّم، أو قارب السلام، هل يلزمه الذهاب إلى المسجد، أو يصلي في بيته؟

الجواب: إذا رفع الإمام من الركوع من الركعة الأخيرة؛ فقد فاتته الجماعة، وحينئذٍ لا يلزمه الذهاب إذا كان معذورًا، أما إذا كان غير معذورٍ؛ فيأثم بترك الجماعة، ولكن -كما قلنا في دروسٍ سابقةٍ- ينبغي أن يسعى لتحصيل الجماعة، إما أن يأتي مثلًا ويطلب من أحدٍ من الناس أن يصلي معه، أو حتى أن يأتم بمتنفلٍ، أو يطلب من زوجته، أو بعض أهل البيت أن يصلوا خلفه، فيسعى لتحصيل الجماعة.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: أخي توفي في حادث سيارةٍ، وعمره ستٌّ وعشرون سنةً، ولم يحج، هل أحج عنه؟ وبماذا تنصحنا بالتصدق عنه؟

الجواب: أولًا نسأل الله ​​​​​​​ أن يمن عليه بالمغفرة والرحمة، إذا كان قد استطاع أن يحج ولم يحج؛ فيُحَج عنه من تركته، يجب أن يحج عنه من تركته، أما إذا لم يستطع؛ فلا يجب عليه الحج، ولو حججت عنه فلا بأس بهذا، ولعل هذا يكون من الصلة لأخيك بعد وفاته أن تحج عنه، على كل تقديرٍ: أن تحج عنه، وهذا من البر والصلة به بعد وفاته، بشرط أن تكون قد حججت عن نفسك، وأفضل ما يفعله الحي للميت هو الدعاء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: أو ولدٍ صالحٍ يدعو له [21].

كذلك ثواب الصدقة يصل للميت، والحج والعمرة، هذه كلها منصوصٌ عليها أن ثوابها يصل إلى الميت.

السؤال: أحسن الله إليكم، نحن … انتقلنا إلى مسجدٍ آخر، هل يجوز لنا أن نأخذ الإدارة معنا إلى المسجد الجديد؟

الجواب: إذا كانت موقوفةً لهذا المسجد فلا، أما إذا لم تكن موقوفةً؛ فينظر إلى المصلحة في هذا، هل المصلحة أن تبقى في هذا المسجد، أو تنقل لمسجدٍ آخر؟

السؤال: أحسن الله إليكم، لقد كنت مسافرًا في الطريق، وأدركت صلاة الجمعة في قريةٍ، ثم جمعت معها صلاة العصر، هل علي شيءٌ؟

الجواب: نعم، يلزمك أن تعيد العصر؛ لأنه لا تجمع العصر مع الجمعة، والنبي لما كان يخطب بالناس وأتاه الأعرابي، وقال: هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يُغيثنا [22]، فالنبي عليه الصلاة والسلام دعا الله ​​​​​​ فنزلت الأمطار الغزيرة، ولم يجمع معها العصر؛ ولهذا فالصحيح: أنه لا تجمع العصر مع الجمعة؛ ولأن الأصل في العبادات التوقيف، ولم يرد ما يدل على جمع العصر مع الجمعة؛ فلذلك يلزمك أن تعيد العصر.

السؤال: أثابك الله، يقول: ما الواجب على من نسي قراءة الفاتحة وهو مأمومٌ؟

الجواب: نعم، ليس عليه شيءٌ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^5, ^8 رواه البخاري: 714، ومسلم: 573.
^2 رواه البخاري: 608، ومسلم: 389، بنحوه.
^3 رواه مسلم: 667.
^4 رواه البخاري: 404، ومسلم: 572
^6 رواه البخاري: 830، ومسلم: 570.
^7 رواه مسلم: 570.
^9 رواه البخاري: 401.
^10 رواه أبو داود: 1039، والترمذي: 395.
^11 رواه البخاري: 722، ومسلم: 414.
^12, ^15, ^19 سبق تخريجه.
^13 رواه البخاري: 990، ومسلم: 749.
^14 رواه أبو داود: 1036، وابن ماجه: 1208، وأحمد: 18222.
^16 رواه مسلم: 571.
^17 رواه البخاري: 401، ومسلم: 572.
^18 رواه البخاري: 1147، ومسلم: 738.
^20 رواه البخاري: 740.
^21 رواه مسلم: 1631.
^22 رواه البخاري: 1014، ومسلم: 897.