الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(2) المذاهب الأربعة- الحنفية والمالكية
|categories

(2) المذاهب الأربعة- الحنفية والمالكية

مشاهدة من الموقع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون:

يتجدد بكم اللقاء في هذه الحلقة، والتي نستكمل فيها الحديث عن مقدمة في الفقه قبل الدخول في المسائل والأحكام، ونتحدث في هذه الحلقة عن المذاهب الأربعة المشهورة؛ الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

فقد كان هناك مذاهب أخرى لأئمةٍ مجتهدين، ولكنها اندثرت، وربما يكون بعض هؤلاء الأئمة أكثر علمًا من بعض الأئمة الأربعة، ولكن الله تعالى جعل القبول والانتشار لهذه المذاهب الأربعة؛ ولهذا قال الشافعي: “الليث بن سعدٍ أفقه من مالكٍ، إلا أن أصحابه لم يقوموا به”[1].

نبذة عن المذهب الحنفي

أيها الإخوة المستمعون:

نبدأ بالمذهب الحنفي؛ باعتباره أول المذاهب الأربعة ظهورًا:

ومؤسِّسه: هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي، من أصلٍ فارسي.

ولد بالكوفة سنة 80هـ، وبها نشأ وطلب العلم، حتى صار من أفقه أهل زمانه.

قال ابن المبارك: “أبو حنيفة أفقه الناس”[2].

وقال الشافعي: “الناس في الفقه عيالٌ على أبي حنيفة”[3].

وعلق الذهبي في السير على مقولة الشافعي هذه فقال: “قلتُ: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلَّمةٌ إلى هذا الإمام، وهذا أمرٌ لا شك فيه.

وليس يصح في الأذهان شيءٌ إذ احتاج النهار إلى دليلِ

انتهى كلامه رحمه الله[4].

وقد طُلب أبو حنيفة للقضاء، فامتنع فحبس بسبب ذلك.

توفي رحمه الله تعالى، سنة 150هـ، وهي السنة التي ولد فيها الإمام الشافعي.

وقد انتشر مذهب الإمام أبي حنيفة انتشارًا واسعًا، حتى إنه يعتبر أكثر المذاهب الأربعة انتشارًا، وكان انتشاره بواسطة طلابه، وبخاصةٍ القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني.

أما القاضي أبو يوسف: فقد تولى رئاسة القضاء في عهد المهدي والهادي والرشيد، وكان لا يولي القضاء إلا من كان حنفيًّا، ومعلومٌ أنَّ القاضيَ في الأزمان الماضية، لا يقتصر عمله على القضاء بين الناس فحسب، بل يتولى إمامة الناس والخطابة والإفتاء والتدريس.

وأما محمد بن الحسن: فقد نشر المذهب الحنفي بمؤلفاته وانتصابه للتعليم والتدريس؛ فكثر تلاميذه.

ثم لما حكم العثمانيون، حصروا القضاء في المذهب الحنفي في جميع الولايات والأقطار التي تحكمها الدولة العثمانية، فانتشر المذهب الحنفي في البلاد التي حكموها.

أبرز كتب الحنفية

وأما أبرز كتب الحنفية؛ فمنها:

“الكتاب” أو ما يسمى بـ”كتاب القدوري” لأبي الحسين أحمد بن محمدٍ القدوري، المتوفى سنة 428 هـ.

ومنها: “تحفة الفقهاء” لعلاء الدين السمرقندي المتوفى سنة 539 هـ، وقد شرحه أبو بكر بن مسعودٍ الكاساني، المتوفى سنة 587 هـ، في كتابٍ سماه: “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع”، وقد زوَّج السمرقنديُّ الكاسانيَّ ابنتَه؛ ولهذا يقال زوجه ابنته فشرح تحفته.

ومنها: “المبسوط” لمحمد بن أحمد السرخسي، المتوفى سنة 490 هـ، وهو شرحٌ لـ”الكافي” في فروع الحنفية للمروزي.

ومنها: “الهداية” شرح بداية المبتدي، لبرهان الدين علي بن أبي بكرٍ المرغيناني، المتوفى سنة 593 هـ، وعليها شروح كثيرة من أبرزها: “البناية في شرح الهداية” للعيني، ويقع في اثني عشر مجلدًا.

نبذة عن المذهب المالكي

أيها الإخوة المستمعون:

وننتقل بعد ذلك للكلام عن المذهب المالكي:

ومؤسِّسه: إمام دار الهجرة مالك بن أنس بن مالكٍ الحميري الأصبحي.

ولد ونشأ وتوفي بالمدينة.

قال الذهبي في السير: “لم يكن بالمدينة عالمٌ من بعد التابعين، يشبه مالكًا في العلم والفقه والجلالة والحفظ”[5].

وقد أخرج أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي  قال: ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة[6]، وقد قيل: لعل المراد بالعالم في هذا الحديث: الإمام مالك بن أنسٍ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “لا ريب أنه لم يكن أحدٌ ضرب إليه الناس أكباد الإبل أكثر من مالكٍ”[7].

ولكنّ هذا الحديث في سنده مقالٌ كما قال المحدثون.

وقد كان الإمام مالكٌ تقيًّا ورعًا، قال الهيثم بن جميلٍ: “سمعت مالكًا سُئل عن ثمانٍ وأربعين مسألةً، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بـ”لا أدري”. وكان يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: “لا أدري”. حتى يكون أصلًا يفزعون إليه[8].

وقد حصل للإمام مالكٍ محنةٌ عظيمةٌ، ضُرب فيها بالسياط، حتى انخلعت يده من كتفه، قال بعض الرواة: “والله ما زال مالكٌ بعدها في رفعةٍ وعلوٍّ”[9].

قال ابن المبارك: “ما رأيتُ أحدًا ارتفع مثل مالكٍ، ليس له كثير صلاةٍ ولا صيامٍ، إلا أن تكون له سريرةٌ”[10].

قال الذهبي معلقًا على ذلك: قلت : ما كان عليه من العلم ونشره أفضل من نوافل الصلاة والصيام لمن أراد به الله”[11].

ونقل الحافظ ابن عبدالبر -رحمه الله- عن عبدالله العُمْرِي العابد، أنه كتب إلى مالكٍ يحثه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالكٌ: “إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرُبَّ رجلٍ فتُح له في الصلاة ولم يُفتح له في الصوم، وآخرَ فتح له في الصدقة ولم يُفتح له في الصوم”، وذكر أمورًا، ثم قال: “ونشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيتُ بما فُتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خيرٍ وبرٍّ”[12].

قال الحافظ الذهبي في ترجمته: “وقد كان هذا الإمام من الكُبراء السعداء، والسادة العلماء، ذا حشمةٍ وتجمُّلٍ وعَبِيدٍ ودارٍ فاخرةٍ، ونعمةٍ ظاهرةٍ، ورفعةٍ في الدنيا والآخرة”[13].

توفي رحمه الله سنة 179 هـ.

وقد انتشر مذهب مالكٍ في المدينة، ثم انتشر بعد ذلك في مصر وبلاد المغرب العربي وما حولها، وفي الأندلس.

واشتهرَ مذهب مالكٍ بالاعتماد على عمل أهل المدينة، وبالمبالغة في باب سد الذرائع.

قال الشاطبي رحمه الله: “قاعدة الذرائع حكَّمها مالكٌ في أكثر أبواب الفقه”[14].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “أصلُ مالكٍ في البيوع، أجودُ من أصولِ غيره؛ فإنه أخذ ذلك عن سعيد بن المسيب، الذي كان يقال: هو أفقه الناس في البيوع”[15].

قال: والإمام أحمد موافقٌ لمالكٍ في ذلك في الغالب؛ فإنهما يحرمان الربا، ويشددان فيه حق التشديد، ويمنعان الاحتيال عليه بكل طريقٍ، حتى يمنعان الذريعة المفضية إليه وإن لم تكن حيلةً، وإن كان مالكٌ يبالغ في سد الذرائع ما لا يختلف قول أحمد فيه” انتهى كلامه رحمه الله[16].

أبرز كتب المالكية

ومن أبرز كتب المالكية:

“مدونة الإمام مالك” رواية سحنون بن عبدالسلام التنوخي، المتوفى سنة 240 هـ، وقد أملاها عبدالرحمن بن القاسم -أبرز تلاميذ مالك- عليه، ولكن المدونة -على شهرتها- لا يحرر منها المذهب المالكي، وإنما يستأنس بها.

ومنها: “التفريع” لأبي القاسم بن الجَلَّاب البصري، المتوفى سنة 378هـ.

ومنها: “التلقين في الفقه المالكي” للقاضي عبدالوهاب البغدادي، المتوفى سنة 422هـ.

ومنها: “الكافي في فقه أهل المدينة” للحافظ ابن عبدالبر.

ومنها: “مختصر خليل بن إسحاق” المتوفى سنة 776 هـ.

وقد حظي هذا المختصر -أعني: مختصر خليلٍ- بشهرةٍ واسعةٍ عند المالكية، واعتنوا به حفظًا وتدريسًا، وعليه حواشٍ وشروحٌ كثيرةٌ؛ ومن أبرزها: “مواهب الجليل” لابن الحطاب، و”التاج والإكليل” لابن المَوَّاق، و”شرح الزُّرْقاني” عليه.

ومنها: “أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك” لابن دَرْدِيرٍ.

ومنها: “الذخيرة” لشهاب الدين القَرَافي، وقد تميز هذا الكتاب في حسن الترتيب والتنظيم، ويقع هذا الكتاب في ثلاثة عشر مجلدًا.

أيها الإخوة المستمعون:

هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية المذاهب في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي ص: 78.
^2, ^3 سير أعلام النبلاء للذهبي: 6/ 403.
^4 سير أعلام النبلاء: 6/ 403.
^5 سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 58.
^6 رواه الترمذي: 2680، وأحمد: 7980، والنسائي: 4277.
^7 مجموع الفتاوى: 20/ 323.
^8 سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 77.
^9 سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 81.
^10 سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 97.
^11 سير أعلام النبلاء: 8/ 97.
^12 ينظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 114.
^13 سير أعلام النبلاء: 8/ 133.
^14 الموافقات: 5/ 182.
^15 مجموع الفتاوى: 29/ 26.
^16 مجموع الفتاوى: 29/ 27.
مواد ذات صلة