الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(13) بيع الأصول والثمار- مسائل فيهما
|categories

(13) بيع الأصول والثمار- مسائل فيهما

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده وخليله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نتناول معكم أيها الإخوة في هذه الحلقة جملةً من الأحكام والمسائل المتعلقة ببيع الأصول والثمار، وفي بداية هذه الحلقة نتحدث عن الأصول، ثم نتكلم بعد ذلك عن الثمار حسب ما يتّسع به وقت هذه الحلقة.

بيع الأصول

فنقول: الأصول: جمع أصلٍ وهو ما يُبنى عليه غيره، ويُطلق على ما يتفرّع عنه غيره.

والمراد بالأصول عند الفقهاء في هذا الباب الدور والأراضي والأشجار.

ما الذي يتبع الأصول إذا بِيعت؟

فإذا بيعت هذه الأصول ما الذي يتبعها فيكون للمشتري، وما الذي لا يتبعها فيبقى على ملك البائع؟

نقول: إذا كان بين المتبايعين شرطٌ وجب العمل بذلك الشرط؛ لعموم قول النبي : المسلمون على شروطهم [1]، وفي حكم الشرط العُرْف، فإن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.

أما إذا لم يوجد شرطٌ ولا عُرف، فإن البيع يشمل الأشياء المتصلة بتلك الأصول، ولا يشمل الأشياء المنفصلة عنها في الجملة.

فبيع الدار يشمل بناءه وسقفه، وما هو متصلٌ به مما هو من مصلحته، كالأبواب والنوافذ والقناديل المعلَّقة للإضاءة، والستائر والسخانات والمكيّفات المثبّتة في أماكنها، وأما المكيِّفات غير المثبّتة والمنفصلة فلا يشملها البيع.

ويشمل البيع كذلك ما يكون في محيط الدار من نخل وأشجار، ويشمل البيع كذلك ما أقيم في الدار من مظلّات ونحو ذلك، فليس للبائع أن يزيل ذلك بعد البيع إلا بشرط.

ولا يشمل البيع الأشياء المنفصلة عن الدار، كأواني المطبخ والفرش والأسرّة ونحو ذلك، إلا ما كان متعلقًا بمصلحة الدار كالمفاتيح فيشملها البيع، ولو كانت منفصلة.

حكم بيع الأرض إذا كانت فيها زرع

وكذلك أيضًا لو باع أرضًا شمل البيع كل ما هو متصلٌ بها مما يستمر بقاؤه فيها، كالغراس والبناء، ولو كانت تلك الأرض فيها زرعٌ لا يُحصد إلا مرة كالبُر والشعير فهو للبائع، ولا يشمله العقد، وإن كان فيها زرعٌ يُجزُّ مرارًا كالبرسيم أو يُلقط مرارًا كالباذنجان، فإن الجزّة واللقطة الظاهرتين عند البيع تكونان للبائع، وأصوله تكون للمشتري.

حكم الشجر إذا بِيع وبه ثَمَر

ومن باع نخلًا وبه طلعٌ، فإن كان طلعه قد أُبِّر -أيْ قد لُقِّح- فثمره للبائع، وإن كان لم يلقّح فهو للمشتري، يدل لذلك قول النبي : من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبَّر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطه المبتاع [2]، متفقٌ عليه.

والحكم منوطٌ بالتأبير وهو التلقيح، لا بتشقق الطلع على الصحيح من قولي العلماء في هذه المسألة؛ لأن النبي إنما علّق الحكم بالتأبير، ولم يعلقه بتشقق الطلع، وبناءً على هذا القول لو تشقق الطلع، ولم يؤبّر فإنه لا يكون للبائع، وإنما يكون للمشتري، وقد نصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه.

ومن هنا نفهم كمال وسمو هذه الشريعة؛ حيث راعت نفسيات المتبايعين، فهذا البائع للنخل الذي قد أبّره -أيْ قد لقّحه- قد تعلّقت نفسه بذلك الثمر الذي قد تعب فيه وقام بتأبيره، فكان من مقتضى الحكمة أن يُجعل ذلك الثمر له إلا أن يشترطه المشتري، وأما قبل التأبير فإن نفس البائع لا تتعلق به غالبًا.

ومثل النخل في الحكم سائر الأشجار كالبرتقال والتفاح والرمان والعنب ونحو ذلك، فإذا بيعت بعد ظهور ثمرها فإن الثمر يكون للبائع إلا أن يشترطه المشتري قياسًا على النخل في ذلك.

بيع الثّمار

حكم بيع الثّمار قبل بدو صلاحها

وأما إذا بيعت الثمار دون أصولها فلا بد أن يكون ذلك بعد بدو صلاحها، فلا يصح بيع الثمار قبل بدو صلاحها، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “نهى رسول الله عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع” [3].

وفي الصحيحين أيضًا عن أنس بن مالك : “أن النبي نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن النخل حتى يزهو، قيل: وما يزهو؟ قال: يحمارُّ أو يصفارُّ” [4].

وعنه : “أن النبي نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحبِّ حتى يشتد” [5]، أخرجه أبو داود والترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم.

وفي صحيح البخاري عن زيد بن ثابت : أنه لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا، فيتبيَّن الأصفر من الأحمر [6].

وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا طلع النجم صباحًا رُفعت العاهة عن كل بلد [7]، وفي رواية: رُفعت العاهة عن الثمار [8].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “والنجم هو الثريا، وطلوعها صباحًا يقع في أول فصل الصيف؛ وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز، وابتداء نضج الثمار، فالمعتبر في الحقيقة هو النضج وطلوع النجم علامةٌ له، وقد بيّنه في الحديث بقوله: “ويتبين الأصفر من الأحمر”، وقد روى أحمد من طريق عثمان بن سراقة، قال: سألت ابن عمر عن بيع الثمار؟ فقال: نهى رسول الله عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة، قلتُ: ومتى ذلك؟ قال: حتى تطلع الثريا”.

وفي الأحاديث السابقة النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه لكلٍ من البائع والمشتري، أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل، وأما المشتري فلئلا يضيع ماله؛ ولأنه يعين البائع على أكل المال بالباطل.

علامة بدو الصلاح في الثمر

وعلامة بدو الصلاح في النخل هو أن يحمر أو يصفر، كما جاء ذلك في بعض الروايات، ويكفي ظهور أوائل الحمرة أو الصفرة، يدل لذلك ما جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: “نهى النبي أن تباع الثمرة حتى تُشقح، قيل: وما تُشقح؟ قال: تحمارُّ وتصفارُّ، ويؤكل منها” [9].

وقوله: “تُشقح” يقال: أشقح ثمر النخل إشقاحًا إذا احمرّ أو اصفرّ.

قال الإمام الخطابي رحمه الله: “لم يُرد بذلك اللون الخالص من الصفرة والحمرة، وإنما أراد حمرةً أو صفرة بكمودة، فلذلك قال: تحمارُّ وتصفارُّ”، قال: “ولو أراد اللون الخالص لقال: تحمرُّ وتصفرُّ”.

وقال ابن التين رحمه الله: “التشقيح تغيُّر لونها إلى الصفرة والحمرة، فأراد بقوله: تحمارُّ وتصفارُّ ظهور أوائل الحمرة والصفرة قبل أن تُشبع”.

وأما علامة بدو الصلاح في غير النخل فإنها تختلف باختلاف الشجر، فبدو الصلاح في العنب أن يتموّه حلوًا؛ لقول أنس : “نهى النبي عن بيع العنب حتى يسوّد” [10]، ورواته ثقات.

وعلامة بدو الصلاح في بقية الثمار كالبرتقال والتفاح والبطيخ والرمان والخوخ والمشمش ونحو ذلك هي أن يبدو فيها النضج، ويطيب أكلها، وعلامة بدو الصلاح في الحبّ هي أن يشتد ويبيضّ.

الحكمة من النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه

والحكمة من النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وعن بيع الزرع قبل اشتداد حبِّه: هي أنه في تلك الفترة معرّضٌ للآفات غالبًا، ومعرّضٌ للتلف، كما يدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “نهى النبي عن بيع النخل حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيضّ ويأمن العاهة” [11]، والعاهة هي: الآفة التي تصيبه فيفسد.

فإن قال قائل: إن العاهة كما أنه يُحتمل أن تصيب الثمرة قبل بدو صلاحها، فيحتمل كذلك أن تصيب الثمرة بعد بدو صلاحها، فما وجه تخصيص النهي عن بيع الثمار بما كان قبل بدو الصلاح؟

الجواب عن ذلك هو أن يقال: إن الحكم معلّقٌ بالغالب، فالغالب على الثمرة قبل بدو صلاحها التلف، وإن كان يحتمل أنها لو بيعت قبل بدو الصلاح أنها لا تتلف، والغالب على الثمرة بعد بدو صلاحها السلامة، وإن كان يحتمل أن تصاب بالآفة بعد بدو الصلاح، ولكن الحكم هنا معلّقٌ بالغالب.

وفي النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه رحمةٌ بالناس، وحفظٌ لأموالهم، وقطعٌ للنزاع الذي قد يفضي إلى العداوة والبغضاء.

أيها الإخوة المستمعون: هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، وبقي هناك جملة مسائل سنتناولها في الحلقة القادمة إن شاء الله.

فإلى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
^2 رواه البخاري: 2206، ومسلم: 1543.
^3 رواه البخاري: 1486، ومسلم: 1534.
^4 رواه البخاري: 2197، ومسلم: 1555.
^5 رواه أبو داود: 3371، والترمذي: 1228، وابن ماجه: 2217، وابن حبان: 4993، والحاكم: 2192، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
^6 رواه البخاري: 2193.
^7 رواه الطبراني في المعجم الصغير: 104.
^8 رواه أحمد: 8495.
^9 رواه البخاري: 2084.
^10 رواه الترمذي: 1228، وأبو داود: 3371، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
^11 سبق تخريجه.
مواد ذات صلة