الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(26) أحكام القرض- حكم الزيادة في القرض
|categories

(26) أحكام القرض- حكم الزيادة في القرض

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حكم الزيادة في القرض

كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن جملة من المسائل والأحكام المتعلقة بالقرض، ووعدنا باستكمال الحديث عنها في هذه الحلقة، وسوف نتناول في هذه الحلقة الكلام مفصلًا عن حكم الزيادة في القرض، ونذكر بعض الصور المعاصرة لها.

فنقول: يحرم على المقرض أن يشترط على المقترض زيادة في القرض، وقد أجمع العلماء على أنه إذا شرط عليه زيادةً فأخذها فهو ربا؛ وذلك لأن القرض من عقود الإرفاق والإحسان، فإذا خرج عن موضوعه وأصبح يُراد به المعاوضة والربح كان ربا.

وبذلك يتبيّن أن نظرة الإسلام للقرض تختلف كلية عن نظرة البنوك له، فالإسلام ينظر للقرض على أنه عقد إرفاق وإحسان ووسيلة من وسائل التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، بينما تنظر البنوك للقرض على أنه وسيلة من وسائل الربح والاستثمار؛ ولذلك فإن معظم ما تمارسه البنوك فيما يتعلق بالقرض هو في الحقيقة من قبيل الربا.

فالإقراض بفائدة يُعتبر من الربا الصريح سواءٌ كان قرضًا استهلاكيًّا، أو إنمائيًّا كما يسمونه، فلا يجوز للمقرض سواء كان بنكًا، أو فردًا، أو شركة أن يأخذ زيادة في القرض مشترطة بأي اسمٍ سُمّيت هذه الزيادة، سواء سميت ربحًا، أو فائدة، أو هدية، أو عمولة، أو غير ذلك، ما دام أن هذه الزيادة أو هذه المنفعة قد جاءت عن طريق المشارطة، فتبيّن بهذا أن الزيادة المشترطة في القرض محرّمة.

ومثل الزيادة المشترطة الزيادة المتعارف عليها؛ فإن القاعدة عند العلماء: أن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.

حكم الزيادة على القرض إذا كانت غير مشترطة

أما إذا كانت الزيادة غير مشترطة، ولا متعارف عليها، بل بذلها المقترض من نفسه وبدافعٍ منه، بدون اشتراط من المقرض فلا بأس بذلك، بل إن هذا يُعتبر من حسن القضاء، يدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم عن أبي رافع : “أن النبي استسلف من رجلٍ بكرًا، فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع، فقال: يا رسول الله، لم أجد إلا خيارًا رباعيًا، فقال النبي : أعطه، فإن خير الناس أحسنهم قضاءً [1].

ففي هذا الحديث استسلف النبي من ذلك الرجل بعيرًا، ورد إليه بعيرًا خيرًا منه، وهذه الزيادة الحاصلة في هذا القرض قد وقعت من غير اشتراط؛ ولذلك عدّها النبي  من حسن القضاء.

ولكن إذا كان الرجل معروفًا بحسن القضاء، فهل يُكره إقراضه لأجل أن من يقرضه ربما يتطلّع إلى الزيادة عند الوفاء؟

كره بعض العلماء إقراضه، والصواب أنه لا يُكره إقراضه؛ لأن النبي كان معروفًا بحسن القضاء، ولا يسوغ لأحدٍ أن يقول: إن إقراضه مكروه؛ ولأن المعروف بحسن القضاء هو من خير الناس وأفضلهم، وهو أولى الناس بقضاء حاجته وإجابة مسألته، وتفريج كربته.

حكم هدية المُقْتَرِض للمُقْرِض

ولكن هذه الزيادة غير المشترطة في القرض، إنما تجوز بعد الوفاء، أما قبل وفاء القرض فإنها لا تجوز مطلقًا، ولو على سبيل الهدية، إلا أن تكون العادة جارية بينهما قبل القرض، يدل لذلك ما جاء في سنن ابن ماجه عن أنس مرفوعًا: إذا أقرض أحدكم قرضًا، فأُهدي إليه فلا يقبله؛ فإنه ربا [2]، وله شواهد: منها ما جاء في صحيح البخاري عن عبدالله بن سلام قال: “إذا كان لك على رجلٍ دينٌ، فأهدى إليك حمْلُ تبنٍ، أو حمْلُ شعيرٍ، أو حمْلُ قتٍّ، فلا تأخذه؛ فإنه ربا” [3]، وهذا له حكم الرفع.

وروى البيهقي أن رجلًا كان له على آخر عشرون درهمًا، فجعل يهدي إليه السمك ويقوّمه حتى بلغ ثلاثة عشر درهمًا، فسأل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال: أعطه سبعة دراهم [4].

والحاصل: أن من أقرض غيره قرضًا، فلا يجوز له أن يقبل هدية من المقترض قبل وفاء ذلك القرض مطلقًا، إذا كانت تلك الهدية بسبب ذلك القرض، ولو استضاف المقترض المقرض قبل وفاء ذلك القرض، فقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أنه يحسب له ما أكله، أي: أن المقترض يحسب ما أنفقه في تلك الاستضافة، ويخصم ذلك من القرض.

وقال ابن مفلح في “الفروع”: “يتوجه أنه لا يحتسب ذلك”.

وقال المرداوي في “الإنصاف”: “قلت: ينبغي أن يُنظر، فإن كان له عادةٌ بإطعام من أضافه لم يُحسب له، وإلا حُسب”.

وهذا القول الذي ذكره صاحب “الإنصاف” قولٌ وسطٌ بين القولين، فإن كانت تلك الاستضافة لأجل ذلك القرض احتسبها من ذلك القرض وإلا فلا.

ويتلخص من الكلام في هدية المقترض للمقرض:

أن تلك الهدية إذا كانت مشترطة فإنها لا تجوز بكل حال، وإذا كانت غير مشترطة وكانت بعد الوفاء فلا بأس بذلك، بل إن هذا يُعدُّ من حسن القضاء، أما إذا كانت قبل الوفاء، فإنها لا تجوز مطلقًا، سواء كانت مشترطة أو غير مشترطة.

وبذلك يتبيّن أن ما تفعله بعض البنوك من إهداء هدايا لعملائها نظير وجود أرصدتهم لديها أن هذا لا يجوز؛ لأن تلك البنوك ما أهدت تلك الهدايا لسواد عيونهم كما يُقال، وإنما أهدت تلك الهدايا لهؤلاء العملاء بسبب وجود تلك الأرصدة فيها، فيدخل هذا فيما ذكرنا.

من صور الزيادة المحرّمة في القرض

ونذكر صورًا من صور الزيادة المحرّمة في القرض، فمن ذلك: تعجيل رواتب الموظفين قبل حلولها، نظير أخذ عمولة على ذلك.

  • مثال ذلك: موظفٌ يحل راتبه في آخر الشهر، وذهب إلى بنكٍ أو إلى مؤسسة مالية؛ لكي تعجّل له صرف راتبه في أول الشهر، أو في منتصف الشهر، نظير اقتطاع تلك المؤسسة أو البنك عمولة من راتبه على ذلك، فهذا في الحقيقة ما هو إلا قرضٌ بفائدة، فكأن ذلك البنك أو تلك المؤسسة قد أقرضت هذا الموظف ما يعادل راتبه نظير فائدة، وهي ما تسمى بالعمولة.
  • ومن صور ذلك أيضًا: وضع شرطٍ جزائي على الدين، كأن يشترط الدائن على المدين بأنه إذا لم يسدد في الوقت المحدد فإنه سيأخذ عليه مبلغًا ماليًّا مقابل التأخُّر عن السداد، وهذا في الحقيقة هو نظير ربا الجاهلية، والذي يقول فيه الدائن للمدين عند حلول الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي.
    ويدخل في هذا ما تفعله بعض البنوك في بطاقات الائتمان كبطاقة الفيزا ونحوها، حيث يشترطون على حامل البطاقة دفع فوائد ربوية إذا لم يسدد خلال فترة السماح المجانية، فهذا في الحقيقة هو نظير ربا الجاهلية الذي يقول فيه الدائن للمدين عند حلول الدين: إما أن تقضي وإما أن تُربي.
  • ومن ذلك أيضًا خصم الأوراق التجارية، كأن يأتي حامل الكمبيالة التي لا تحل إلا بعد أجل إلى بنكٍ أو إلى مؤسسة، ويطلب منه تعجيل صرف قيمتها، مخصومًا منه مبلغًا معينًا، هذا في الحقيقة ما هو إلا قرضٌ بفائدة، فكأن ذلك البنك قد أقرض حامل الورقة التجارية قيمتها إلى حين حلول ميعاد استحقاقها بفائدة وهي المبلغ المخصوم من قيمة الورقة.

نسأل الله ​​​​​​​ أن يجنبنا الربا، وأن يعصمنا منه، وأن يكفينا بحلاله عن حرامه، وأن يغنينا بفضله عمّن سواه.

وإلى لقاء في حلقة قادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1600.
^2 رواه ابن ماجه: 2432.
^3 رواه البخاري: 3814.
^4 رواه البيهقي السنن الكبرى: 10930.
مواد ذات صلة