الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(30) أحكام الضمان- ما ينبغي أن يكون الضامن عليه
|categories

(30) أحكام الضمان- ما ينبغي أن يكون الضامن عليه

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخليله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن جُملة من أحكام ومسائل الضمان، ووعدنا باستكمال الحديث عنها في هذه الحلقة.

ما ينبغي أن يكون الضامن عليه

فنقول وبالله التوفيق: الضمان من عقود الإرفاق والإحسان، ومن التعاون على البر والتقوى، ومن قضاء حاجة المسلم، وتفريج كربته، ولكن ينبغي ألا يضمن الإنسان عن غيره دينًا إلا وهو قادرٌ على وفائه في حالة تعذّر الوفاء من المدين، ومن الخطأ أن يضمن الإنسان عن غيره ديونًا، وهو عاجزٌ عن وفائها فيما لو طُلب منه الوفاء؛ لأن هذا الضامن يُعرّض نفسه للمضرّة فتأخذه العاطفة وحب الشهامة لمساعدة أخيه من غير تفكير في عواقب الأمور.

وكم سمعنا من قصصٍ تحمل مآسٍ لأناس ضمنوا ديونًا كبيرة عن غيرهم، كانت نهاية أمرهم السجن مددًا طويلة، وكان ذلك الضمان الذي يسميه بعض الناس كفالة غرامية كان أوّله شهامة، ثم تحول إلى غرامة وندامة.

فنقول: ينبغي لمن أراد أن يضمن عن غيره دينًا ألا يضمن إلا ما كان قادرًا على وفائه.

ثم إنه ينبغي للمضمون عنه أن يقابل إحسان هذا الضامن بالحرص على السداد، وعدم المماطلة، حتى لا يوقع الضامن في حرج.

نموذج للمعاملات البنكية المرتبطة بالضمان

وأما الضمان في البنوك فقد سبق أن أشرنا في الحلقة السابقة إلى أن نظرة الإسلام إلى الضمان تختلف كليّة عن نظرة البنوك له، فالإسلام ينظر للضمان على أنه من عقود الإرفاق والإحسان كالقرض؛ ولذلك لا يجوز أخذ عوضٍ في مقابله، بينما تنظر البنوك للضمان على أنه وسيلةٌ ربحية استثمارية؛ ولذلك فإن معظم العقود البنكية المرتبطة بالضمان لا تخلو من محاذير شرعية.

خطاب الضمان

وقد وعدنا في الحلقة السابقة بذكر نماذج لبعض المعاملات البنكية المرتبطة بالضمان، وأبرز هذه النماذج: ما يسمى بخطاب الضمان.

وحقيقة خطاب الضمان: أنه تعهدٌ من البنك بقبول دفع مبلغ معيّنٍ لدى الطلب إلى المستفيد في ذلك الخطاب، نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام طالب الضامن بالتزاماتٍ معينةٍ تجاه المستفيد.

وتنشأ الحاجة إلى خطاب الضمان عند الدخول في مناقصات للقيام بأعمال معيّنة، كتنفيذ مشاريع، أو تأمين أشياء معينة، ونحو ذلك.

والجهات الطالبة للقيام بتلك الأعمال، تطلب من المتقدم للدخول في مناقصات للقيام بتلك الأعمال ضمانًا نقديًّا، كتأمينٍ في حالة التخلُّف عن إنجاز تلك الأعمال من مشاريع وغيرها على الوجه المطلوب، ولضمان جدّية عرض كل من يريد الدخول في المناقصة، ولضمان عدم التورُّط في خسائر وديونٍ في حالة الاتفاق مع أحدهم، ورسو العملية عليه.

وبدلًا من تقديم هذه التأمينات المطلوبة نقدًا، وبالتالي تجميد هذه المبالغ؛ فإن من يريد الدخول في مناقصات للقيام بتلك المشاريع يلجأ إلى المصرف طالبًا منه إصدار خطاب ضمانٍ يتعهد بموجبه المصرف لتلك الجهة بالمبلغ المقرر، ويكون هذا الخطاب بمثابة تأمينٍ نقديٍ لدى الجهة صاحبة المشروع.

ومتى تخلَّف هذا الشخص عن الوفاء بالتزاماته فإن المصرف يدفع القيمة المحددة في خطاب الضمان، ويرجع المصرف بالتالي على الشخص الذي صدر خطاب الضمان بناءً على طلبه.

أقسام خطاب الضمان

وينقسم خطاب الضمان إلى قسمين: ابتدائي ونهائي.

  • أما الابتدائي فهو تعهُّدٌ موجهٌ إلى المستفيد من دائرة حكومية أو غيرها بضمان مبلغ من النقود من قيمة العملية التي يتنافس طالب خطاب الضمان للحصول عليها، فيستحق الدفع عند عدم قيام الطالب باتخاذ الترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه.
  • وأما خطاب الضمان النهائي فهو تعهُّدٌ للجهة الحكومية أو غيرها بضمان دفع مبلغ من النقود يعادل نسبة أكبر من قيمة العملية التي استقرت على عهدة العميل، ويُصبح الدفع واجبًا عند تخلُّف العميل عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد النهائي للعملية بين العميل والجهة التي صدر خطاب الضمان لصالحها.

وأما عائد البنك من خطاب الضمان فهو يكون في المصاريف التي يأخذها البنك مقابل خدماته لإصدار خطاب الضمان، وعمولة يأخذها البنك تتفاوت بحسب نوعية خطاب الضمان.

أما المصاريف الإدارية التي يأخذها البنك مقابل خدماته فلا إشكال فيها من الناحية الشرعية؛ لأنها مقابل أعمال وخدمات حقيقية قام بها البنك، ولكن الإشكال في العمولة التي يأخذها البنك مقابل إصدار خطاب الضمان؛ إذ أنه من المقرر عند جمهور الفقهاء أنه لا يجوز أخذ عوضٍ مقابل الضمان، وقد سبق بيان هذه المسألة في الحلقة السابقة، وذكرنا أنه في حالة أداء الضامن مبلغ الضمان للمضمون عنه يكون هذا بمثابة القرض للمضمون عنه، وحينئذٍ فأخذ عوضٍ مقابل الضمان يدخل في القرض الذي جر نفعًا.

قرار مجمع الفقه الإسلامي في خطاب الضمان

وقد درس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي درس خطاب الضمان دراسة مستفيضة، ثم أصدر قرارًا بشأنه، وأتلو فيما يأتي قرار المجمع:

إن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة بحث مسألة خطاب الضمان، وبعد النظر فيما أُعِدَّ في ذلك من بحوث ودراسات، وبعد المداولات والمناقشات المستفيضة تبيَّن ما يلي:

  • أولًا: أن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والنهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاءٍ أو بدونه، فإن كان بدون غطاء فهو ضمُّ ذمة الضامن إلى ذمة غيره، فيما يلزم حالًا أو مآلًا، وهذه هي حقيقة ما يعنى في الفقه الإسلامي باسم “الضمان” أو “الكفالة”.
    وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان ومصدره هي “الوكالة”، والوكالة تصح بأجر أو بدونه، مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد -أيْ المكفول له-.
  • ثانيًا: أن الكفالة هي عقد تبرُّع يُقْصَد به الإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة؛ لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يُشْبِه القرض الذي جر نفعًا على المقرِض؛ وذلك ممنوع شرعًا.

ولذلك فإن المجمع قرر ما يلي:

  • أولًا: أن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان، والتي يراعى فيها عادةً مبلغ الضمان ومدته، سواء أكان بغطاء أم بدونه.
  • ثانيًا: أما المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه فجائزة شرعًا، مع مراعاة ألا يزيد ذلك على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاءٍ كلي أو جزئي يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء.

هذا نموذج لتعاملات البنوك المرتبطة بالضمان، ومعلومٌ أن البنوك لا تضمن كما أنها لا تُقرِض إلا طلبًا للأرباح والاستثمار، بينما عقد الضمان وكذا القرض لا يجوز أخذ عوضٍ مقابلهما؛ ولذلك فإن على من يتعامل مع البنوك بتعاملات مرتبطة بالضمان أو بالقرض عليه الحذر من أن يقع في محاذير شرعية، كما أن على البنوك ألا تأخذ شيئًا مقابل الضمان، وإنما تأخذ ما يقابل الخدمات الفعلية الحقيقية التي تقوم بها.

أسأل الله تعالى أن يكفينا بحلاله عن حرامه، وأن يغنينا بفضله عمّن سواه، وأن يرينا الحق حقًّا، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا، ويرزقنا اجتنابه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة