الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(33) أحكام الحوالة- تتمة شروط صحة الحوالة وتطبيقات معاصرة
|categories

(33) أحكام الحوالة- تتمة شروط صحة الحوالة وتطبيقات معاصرة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج.

أيها الإخوة، كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن جُملة من المسائل والأحكام المتعلقة بالحوالة.

تتمة شروط صحة الحوالة

وتكلمنا عن شروط صحة الحوالة، فذكرنا الشرط الأول، وتكلمنا عنه وهو: أن تكون على دينٍ مستقرٍ في ذمة المحال عليه بالدين.

ثم تكلمنا عن الشرط الثاني، وهو: اتفاق الدينين -المحال به والمحال عليه- في الجنس والصفة، وتماثلهما في الوقت، وفي القدر.

وتوقفنا عن الشرط الثالث، ووعدنا باستفتاح الكلام عنه في هذه الحلقة؛ فنقول:

  • الشرط الثالث من شروط صحة الحوالة: رضا المحيل؛ لأن الدين عليه، فلا يلزمه أن يسدده عن طريق الحوالة، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “ولا خلاف في هذا”، وأما المحال عليه فلا يُعتبر رضاه؛ لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه أو بوكيله، وقد أقام المحال مقام نفسه في القبض، فلزم المحال عليه الدفع إليه كالوكيل.

هل يُعتبر رضا المُحال؟

وأما المحال فهل يُعتبر رضاه؟

نقول: في ذلك تفصيل:

  • إن كان قد أحيل على مليء فلا يُعتبر رضاه، بل يُجبر على قبول الحوالة؛ لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة : أن رسول الله  قال: مطل الغني ظلمٌ، وإذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع [1]، وفي لفظ عند أحمد ومن أحيل بحقه على مليء فليحتل [2]، أيْ: ليقبل الحوالة.
    ولأن للمحيل أن يوفّي الحق الذي عليه بنفسه، أو بوكيله، وقد أقام المحال عليه مقام نفسه في التقبيض، فلزم المحال القبول، كما لو وكّل رجلًا في إيفائه.
  • وأما إذا كان المحال عليه غير مليء لم يلزم المحال قبول الحوالة عليه؛ لمفهوم الحديث السابق: إذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع فإن مفهومه أنه إذا أُتبع -أي أُحيل- على غير مليء لم يلزمه قبول الحوالة.
    ولأن في الحوالة على غير مليء ضررًا على المحال، والنبي  يقول: لا ضرر ولا ضرار [3].

أقسام المحيل والمحال عليه باعتبار الرضا

فتبيّن مما سبق أن كلًا من المحيل والمحال عليه باعتبار الرضا على ثلاثة أقسام:

  • القسم الأول: من يُعتبر رضاه بكل حال، وهو المحيل.
  • القسم الثاني: من لا يُعتبر رضاه على كل حال، وهو المحال عليه.
  • القسم الثالث: من لا يُعتبر رضاه إذا كانت الحوالة على مليء، ويُعتبر رضاه إذا كانت على غير مليء.

ولكن ما المراد بالمليء؟

قال الإمام أحمد رحمه الله في تفسير المليء: “أن يكون مليئًا بماله وقوله وبدنه”.

قال الزركشي عن تفسير الإمام أحمد: “الذي يظهر أن المليء بالمال أن يقدر على الوفاء، وبالقول ألا يكون مماطلًا، وبالبدن أن يمكن حضوره إلى مجلس الحكم”.

هل للمُحال الرجوع إذا بان عدم ملاءة المحال عليه؟

ومن أحكام ومسائل الحوالة: إذا شرط المحال ملاءة المحال عليه، فبان معسرًا، رجع على المحيل؛ لقول النبي : المسلمون على شروطهم [4]؛ ولأنه شرط ما فيه مصلحة العقد في عقد معاوضة، فيثبت الفسخ بفواته، كما لو شرط صفة في المبيع.

ولكن إذا لم يشترط المحال ملاءة المحال عليه، ورضي بالحوالة، وهو يظن أن المحال عليه مليء، فتبيّن له أن المحال عليه مفلس أو مماطل، فهل له الرجوع على المحيل؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة: فمنهم من قال: ليس للمحال في هذه الحال الرجوع على المحيل؛ لأنه قد رضي بدون حقه؛ ولأنه قد فرّط بعدم اشتراط ملاءة المحال عليه، وهذا القول هو المشهور من مذهب الحنابلة.

وذهب بعض الفقهاء، وهو رواية عن الإمام أحمد إلى أن له الرجوع في هذه الحال؛ لأن الفلَس، وكذا المماطلة عيبٌ في الذمة، فأشبه ما لو اشترى شيئًا يظنه سليمًا، فبان معيبًا؛ ولأن المحيل قد غرّ المحال بتلك الحوالة، والمحال لم يرض بنقل دينه إلى ذمة المحال عليه إلا مع عدم المانع، فلا حكم لذلك الرضا الواقع مع وجود المانع؛ لأنه غررٌ وتدليس.

ولعل هذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة، والله تعالى أعلم؛ لأن عدم ملاءة المحال عليه تعتبر عيبًا فيكون المحيل بذلك قد غرّه بتلك الحوالة، فكان له الرجوع، ولكن هذا فيما إذا رضي المحال بالحوالة، وهو يظن أن المحال عليه مليء، فتبيّن له أنه غير مليء، وأما إذا كان المحال يعلم بأن المحال عليه مفلسٌ أو مماطلٌ، ورضي بتلك الحوالة، فليس له الرجوع على المحيل بكل حال.

بعض التطبيقات المعاصرة للحوالة

وبعدما ذكرنا جملة من مسائل وأحكام الحوالة، ننتقل بعد ذلك للحديث عن بعض التطبيقات المعاصرة للحوالة، فنقول:

  • من أبرز تلك التطبيقات: الشيك، الذي هو أحد أنواع الأوراق التجارية، إذا كان موجهًا من شخص إلى مصرفٍ له فيه رصيد؛ فإن هذا الشيك يعتبر حوالة، المحيل فيها هو الساحب للشيك، والمحال عليه هو المسحوب عليه الذي هو المصرف، والمحال هو المستفيد.
    وبناءً على هذا التخريج من اشترى من آخر سلعة ما، وحرّر له البائع بموجب ذلك البيع شيكًا بثمن تلك السلعة، فإنه يلزم المشتري في هذه الحال أن يقبل ذلك الشيك، وليس له أن يمتنع من قبوله، وأن يطالب بثمن تلك السلعة نقدًا؛ وذلك لكون البائع قد أحال المشتري على مليء الذي هو المصرف، والنبي  يقول: إذا أُتبع أحدكم على مليءٍ فليتبع [5]، وقد سبق تقرير القول بأنه لا يُشترط رضا المحال إذا كان المحال عليه مليئًا.

فروع لمسألة الشيك

ومن فروع هذه المسألة كذلك: لو أن شخصًا باع آخر سيارة، ثم إن المشتري رفض أن يستلم ثمن تلك السيارة نقدًا، وطلب من البائع أن يحرر له بثمنها شيكًا، فلا يلزم البائع ذلك؛ لأن البائع في هذه الحال يُعتبر محيلًا فيما لو حرّر له شيكًا، وقد سبق تقرير القول بأنه يُشترط في الحوالة رضا المحيل.

ومن فروع هذه المسألة كذلك: لو أن المستفيد في الشيك الذي هو المحال قد ظهَّر هذا الشيك، وهو ما يسمى بتجيير الشيك إلى دائنٍ له، فإن هذا يُعتبر حوالة جديدة، ويتحول فيها المستفيد في ذلك الشيك من كونه محالًا إلى كونه محيلًا، والمحال هو المظهّر إليه، والمحال عليه هو المصرف المسحوب عليه، وللمظهّر إليه أن يظهِّر ذلك الشيك، أيْ: أن يجيّره إلى دائنٍ له، ويصبح ذلك حوالة جديدة، وهكذا.

وبعض الناس رغبة منه في عدم تكرار الحوالة يكتب على الشيك: يُصرف للمستفيد الأول، وبذلك لا يستطيع المستفيد في ذلك الشيك أن يكرر الحوالة بذلك الشيك؛ لأنه لا يستطيع تظهير ذلك الشيك، أي تجييره، وهذا شرطٌ صحيح سائغٌ شرعًا، والله تعالى أعلم.

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن تطبيقات معاصرة للحوالة في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2287، ومسلم 1564.
^2 رواه أحمد: 9973.
^3 رواه ابن ماجه: 2341.
^4 رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
^5 سبق تخريجه.
مواد ذات صلة