الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(22) الغسل- موجباته وصفته ومسائل متنوعة
|categories

(22) الغسل- موجباته وصفته ومسائل متنوعة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

تكلمنا في الحلقة السابقة عن جملةٍ من موجبات الغسل: تكلمنا عن أن الغسل يوجبه أمورٌ، إذا حصل واحدٌ منها، فقد وجب الاغتسال.

موجبات الغسل

  • من ذلك: خروج المني من مخرجه، يقظةً بلذَّةٍ، أو منامًا مطلقًا، بلذَّةٍ وبدون لذَّةٍ.
  • الأمر الثاني: مـجرَّد الإيلاج، ولو لَـم يحصل إنزالٌ.
  • الأمر الثالث: إسلام الكافر، وذكرنا خلاف العلماء في ذلك، ورجحنا القول بأن الاغتسال في هذه الحال مستحبٌ، وليس بواجب.

ونستكمل بقية الأمور الموجبة للغسل، فنقول:

الأمر الرابع: الموت

فيجب تغسيل الميت، وتغسيله فرض كفاية، ويُستثنى من ذلك الشهيد في المعركة، فإنه لا يُغَسَّل. 

الأمر الخامس والسادس: الحيض والنفاس.

لقول النبي : إذا ذهبت حيضتك، فاغتسلي وصلي [1]، وقول الله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222]، أي: الحِيَّضْ يتطهَّرنَ بالاغتسال بعد انتهاء الحيض.

صفة الغسل

وبعد ذلك ننتقل لبيان صفة الغسل:

وصفة الغسل: إما أن تكون صفةً كاملة، أو مجزئة.

صفة الغسل الكامل

هي أن ينوي بقلبه، ثم يُسمي، ويغسل يديه ثلاثًا، ويغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءً كاملًا، ثم يحثو الماء على رأسه ثلاث مرات، ويُروّي أصول شعره، ثم يعم بدنه بالغسل مبتدئًا بشقه الأيـمن، ثم شقه الأيسر، ويدلك بدنه بيديه ليصل الماء إليه.

وقد ورد في حديث ميمونة: “أنّ النبي أخَّرَ غسل قدميه حتى أتـمَّ غُسْله” [2]

وجاء في حديث عائشة: “أنه كان يتوضأ قبل غسله وضوءً كاملًا” [3]، أي: أنه غسل رجليه ولـم يُؤخره.

ومن هنا: اختلف العلماء في هذه المسألة:

فقال بعضهم: يستحب تأخير غسل الرجلين في الغسل.

ومنهم من قال: إنه يتوضأ وضوءً كاملًا، ولا يُؤخر الرجلين.

وذهب بعض العلماء إلى التفصيل في هذه المسألة، فقال: إن كان يغتسل في مكانٍ غير نظيف، كأن يكون ترابًا أو طينًا، ونحو ذلك، أخّر غسل رجليه، وإلا قدَّمه مع الوضوء.

ولعل هذا القول الأخير هو القول الراجح في هذه المسألة، والله تعالى أعلم. 

والمرأة الحائض والنفساء تنقض رأسها للغسل من الحيض والنفاس، وأما الجنابة فلا تنقضه حين تغتسل لها، لمشقة التكرار، ولكن يجب عليها أن تروي أصول شعرها بالماء، ويدل لذلك: حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنَّـها قالت: “يا رسول الله، إني أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا، إنـما يكفيك أن تحثي على رأسكِ ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليه الماء فتطهرين [4].

وقال ابن القيم رحمه الله: “الصحيح الاقتصار في هذا الحديث على لفظ الجنابة دون الحيض” [5]، وتكلّم رحمه الله عن هذه المسألة كلامًا طويلًا في (تـهذيب سنن أبي داود)، ورجح القول بأن المرأة الحائض والنفساء يلزمها نقض رأسها للغسل من الحيض والنفاس، وأما عندما تغتسل المرأة من الجنابة، فإنه لا يلزمها ذلك.

صفة الغسل المـجزئ من الجنابة

صفته أن ينوي الاغتسال، ويعمَّ جميع بدنه بالماء مرةً واحدة، قال الحافظ ابن عبد البر: “إذا عمَّ بدنه، فقد أدى ما عليه، وهذا إجماع” [6].

ويجب على المغتسل رجلًا كان أو امرأة أن يتفقد أصول شعره، وما تحت حلقه وإبطِيِه وسرَّتِه وركبتَيهِ، وإن كان لابسًا ساعةً أو خاتـمًا، فإنه يُحرِّكهما ليصل الماء إلى ما تحتهما.

وهكذا عليه أن يهتم بإسباغ الغسل، بحيث لا يبقى من بدنه شيءٌ لَـم يصله الماء، ولكن لا ينبغي له أن يسرف في صب الماء، فإن المشروع تقليل الماء مع الإسباغ.

ولهذا: قد كان النبي يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمداد، والمد كما ذكر صاحب القاموس وغيره: “هو ملء كفَّي الإنسان المعتدل الخِلْقة إذا مدَّهما” [7] فكان عليه الصلاة والسلام يغتسل بـهذا القدر أربع مراتٍ، أو خمس مراتٍ، فينبغي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام في تقليل الماء، وعدم الإسراف.

حكم تأخير غسل الجنابة

ومن أحكام الجنب: أنه يجوز له تأخير الغُسل، ولا يجب عليه أن يغتسل فور حصول الجنابة، وإن كان الأفضل له والأزكى أن يبادر بالاغتسال.

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنّ النبي  لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنبٌ، فانْـخَنَس منه، فذهب فاغتسل ثم جاء، فقال عليه الصلاة والسلام: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جُنُبًا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال عليه الصلاة والسلام: سبحان الله! إن المسلم، أو قال: إن المؤمن، لا ينجس[8].

وعن أنسٍ رضي الله تعالى عنه: أنّ النبي  كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذٍ تسع نسوة.

حكم نوم الجنب قبل أن يغتسل

ويجوز للجنب أيضًا أن ينام قبل أن يغتسل إذا توضأ، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: “كان رسول الله إذا أراد أن ينام وهو جنبٌ، غسل فرجه، وتوضأ وضوءه للصلاة” [9].

وسألها عبد الله بن قيس: “كيف كان يصنع النبي في الجنابة: أكان يغتسل قبل أن ينام، أم ينام قبل أن يغتسل؟ فقالت: “كل ذلك كان يفعل، فربَّـما اغتسل فنام، وربَّـما توضأ فنام، فقال: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة” [10]

وقال عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب لـمَّا سأله عن الجنابة تصيبه من الليل؟ فقال: توضأ واغسل ذكرك ثـم نـم [11].

مكث الجنب والحائض في المسجد

ذهب جمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم إلى أنّ الجنب والحائض لا يجوز أن يـمكث في المسجد، واستدلوا بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، قالوا: فالمراد بالصلاة موضع الصلاة، وهي المساجد، وفي الآية منع الجنب من دخولها، إلا في حالة كونه عابر سبيل، وقاسوا الحائض والنفساء على الجنب؛ فدل ذلك على تحريم مكث هؤلاء في المسجد.

أيها الإخوة، نستكمل الحديث عن بقية أحكام الجنب في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه بنحو هذا اللفظ البخاري: 228، ومسلم 333.
^2 رواه البخاري: 257.
^3 رواه البخاري: 248، ومسلم 316.
^4 رواه مسلم: 330.
^5 تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته: 1/ 107.
^6 الاستذكار: 1/ 130.
^7 القاموس المحيط: ص: 318.
^8 رواه البخاري: 285، ومسلم: 371.
^9 رواه البخاري: 288، ومسلم 305.
^10 رواه مسلم: 307.
^11 رواه البخاري: 290، ومسلم: 306.
مواد ذات صلة
  • عناصر المادةحكم قراءة القرآن للجنبهل يجزئ غسل الجنابة عن الوضوء؟هل يجزئ غسل الجمعة عن الوضوء؟ما يخرج من آثار المني بعد…

  • عناصر المادةتعريف الغسلموجبات الغسلأحدها: خروج المنِـيِّ من مخرجه من الذكر أو الأنثىالغسل من الجنابة من محاسن الشريعةالثاني: إيلاج الذكر في…