الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(26) حكم التيمم عند وجود الماء وعدمه
|categories

(26) حكم التيمم عند وجود الماء وعدمه

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.

تكلمنا في الحلقة السابقة عن جملة من أحكام التيمم، ووعدنا باستكمال الحديث عنها في هذه الحلقة، فنقول:

حكم التيمم مع وجود الماء والقدرة عليه

إن التيمم يُشرَع عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله، وقد سبق تقرير هذا الحكم في الحلقات السابقة، ولكن ننبِّه هنا إلى تساهل بعض الناس في العدول إلى التيمم مع وجود الماء، خاصةً أهل البوادي.

وقد كتب سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله رسالةً في التنبيه على هذا الخطأ، جاء فيها: “وذكر لي بعض الثقات أن بعض البادية يستعملون التيمم للصلاة مع توفر الماء لديهم، وهذا منكرٌ عظيمٌ يجب التنبيه عليه؛ وذلك لأن الوضوء للصلاة شرطٌ من شروط صحتها عند وجود الماء، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6].

وفي الصحيحين عن رسول الله قال: لا تُقبَل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ[1].

وقد أباح الله تعالى التيمم، وأقامه مقام الوضوء في حال فقد الماء، أو العجز عن استعماله لمرضٍ ونحوه؛ للآية السابقة.

قال رحمه الله: ومن هذا يعلم أن التيمم للصلاة لا يجوز مع وجود الماء، والقدرة على استعماله، بل الواجب على المسلم أن يستعمل الماء في وضوئه وغسله من الجنابة أينما كان، ما دام قادرًا عليه، وليس بـمعذور في تركه، والاكتفاء بالتيمم، وتكون صلاته حينئذٍ غير صحيحة؛ لفقد شرطٍ من شروطها: وهو الطهارة بالماء عند القدرة عليه.

قال رحمه الله: وكثيرٌ من البادية هداهم الله وغيرهم مـمن يذهب للنزهة، يستعملون التيمم والماء عندهم كثير، والوصول إليه ميسَّر، وهذا بلا شك تساهلٌ قبيح، وعملٌ منكر لا يجوز فعله؛ لكونه خلاف الأدلة الشرعية.

وإنـما يعذر المسلم في استعمال التيمم إذا بعد عنه الماء، أو لَـم يبق عنده منه إلا اليسير الذي يحفظه لإنقاذ حياته وأهله وبـهائمه، مع بعد الماء عنه، فالواجب على كل مسلمٍ أينما كان أن يتقي الله سبحانه في جميع أموره، وأن يحذر ما حرَّمه الله عليه، ومن ذلك التيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله”.

طهارة التيمم طهارة بدل

ومن أحكام التيمم: أنّ طهارة التيمم طهارة بدل، فإذا قدر على الماء بطلت هذه الطهارة، ولزمه التطهر بالماء، وبناءً على ذلك: لو أن رجلًا أصابته جنابة ولـم يجد الماء، أو كان عاجزًا عن استعماله، فتيمم وصلى، ثم إنه بعد ذلك وجد الماء، أو قدر على استعماله، فيلزمه حينئذٍ أن يغتسل غسل الجنابة؛ لأن طهارته بالتيمم طهارةٌ مؤقتة إلى أن يجد البدل وهو الماء، فإذا وجد الماء بطلت طهارة التيمم، ورجع الأمر إلى ما كان عليه قبل التيمم.

ويدل لذلك: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله قال: الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لَـم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليُمِسَّه بَشَرَته [2]، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد، وصححه الحاكم والدارقطني وابن حبان وأبو حاتم والذهبي والنووي.

وظاهر هذا الحديث: أن المتيمم متى وجد الماء وجب عليه أن يُـمِسَّه بَشَرَته بالوضوء، إن كان تيمم عن حدثٍ أصغر، وبالاغتسال إن كان تيمم عن حدثٍ أكبر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “طهارة التيمم طهارة بدل، فإذا قدر على الماء بطلت هذه الطهارة، وتطهر -أي: المتيمم- بالماء حينئذٍ؛ لأن البول المتقدم جعله محدثًا، والصعيد جعله متطهرًا إلى أن يجد الماء، فإذا وجد الماء فهو مُحدثٌ بالسبب المتقدم، لا أن الحدث كان مستمرًا”.

حكم التيمم خشية البرد

وقال في من تيمم خشية البرد: “التيمم لخشية البرد جائزٌ باتفاق الأئمة، وإذا صلى بالتيمم فلا إعادة عليه، لكن إذا تـمكن من الاغتسال اغتسل”.

وسبق أن تكلمنا عن مسألة التيمم لخشية البرد، وأنه إنـما يصح إذا لَـم يجد ما يُسخِّن به الماء، أما إذا وجد ما يُسخِّن به الماء، فليس له التيمم حينئذٍ.

حكم من تيمم ثم وجد الماء

ومن مسائل التيمم: أن من تيمم لفقد الماء ثم وجده، فلا يخل من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يجده وهو يصلي

فتبطل طهارته، ويجب عليه أن يتطهر ويعيد الصلاة من جديد، كأن يكون قد بعث من يأتي له بالماء، فحضر هذا الذي قد بعثه بالماء، فتبطل صلاة المصلي بالتيمم حينئذٍ، وعليه أن يتوضأ بالماء، ويعيد الصلاة من جديد.

الحالة الثانية: أن يجد الماء بعد الفراغ من الصلاة، وبعد خروج الوقت

فصلاته صحيحة، ولا يجب عليه إعادتـها باتفاق العلماء، وقد حكاه ابن المنذر إجماعًا.

الحالة الثالثة: أن يجد الماء بعد الفراغ من الصلاة، وقبل خروج الوقت

فلا تجب عليه الإعادة، بل ولا تستحب له على الصحيح من قولي الفقهاء، ويدل لذلك: حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله تعالى عنه، قال: “خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا طيبًا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولـم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله ، فذكرا ذلك له، فقال للذي لَـم يعد: أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين [3]، أخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني والبيهقي والحاكم والدارمي، وهو حديثٌ صحيحٌ بـمجموع طرقه .

فدل هذا الحديث على أن الإنسان إذا تيمم وصلى بالتيمم ثم وجد الماء فلا إعادة عليه، بل لا ينبغي له أن يعيد؛ لأن النبي قال للذي لَـم يعد: أصبت السنة، فدل ذلك على أن عدم الإعادة من السنة، وأن الإعادة مخالفة للسنة، ولا يقول قائلٌ: إنني سأفعل مثل الذي توضأ وأعاد الصلاة لأجل أن يكون لي الأجر مرتين؛ لأن هذا الرجل إنـما كان له الأجر مرتين؛ لكونه لَـم يعلم بالحكم الشرعي، فهو قد عمل عملًا معتقدًا أنه الواجب عليه مجتهدًا في ذلك، فكان له الأجر مرتين.

أما إذا علمت أن السنة ألا تعيد، فإنك لا تؤجر بـمخالفة السنة، بل عليك الالتزام بالسنة في هذا.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “يستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء، ذكره أبو الخطاب، وإن يئس من وجوده استحب تقديـمه، وهذا مذهب مالك”.

قال الموفق معللًا لاستحباب تأخير التيمم لمن يرجو وجود الماء: “لأنه يستحب تأخير الصلاة إلى ما بعد العشاء وقضاء الحاجة؛ كي لا يذهب خشوعها، وحضور القلب فيها، ويستحب تأخيرها لإدراك الجماعة، فتأخيرها لإدراك الطهارة المشترطة أوْلى”.

أيها الإخوة، هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 6954، ومسلم: 225.
^2 رواه أبو داود: 332، والترمذي: 124، والنسائي: 322، وأحمد: 21304، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
^3 رواه أبو داود: 338، والنسائي: 433، والدارقطني: 727، والطبراني في المعجم الأوسط: 1842، والبيهقي في السنن الكبرى: 1094، والحاكم في المستدرك: 632، والدارمي: 771.
مواد ذات صلة