الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(33) شروط المسح على الخفين
|categories

(33) شروط المسح على الخفين

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.

تحدثنا في الحلقات السابقة عن جملة من الأحكام المتعلقة بالمسح على الخفين، ونتحدث معكم في هذه الحلقة عن شروط المسح على الخفين ونحوهما، فنقول:

الطهارة من الحدث حال لبسهما

الشرط الأول: أن يكون الإنسان حال لبس الخفين على طهارةٍ من الحدث،  وهذا الشرط متفقٌ عليه بين العلماء، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لكل ما يجوز المسح عليه، لا نعلم في ذلك خلافًا إلا الجبيرة، ووجهه: ما روى المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي في سفر، فأهويت لأنزع خُفَّيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما [1]، متفقٌ عليه”.

ولكن إذا توضأ وغسل رجله اليمنى، ثم أدخلها في الخف أو الجورب، ثم غسل رجله اليسرى، ثم أدخلها في الخف أو الجورب، فطهارته صحيحة، ولكن إذا أحدث هل يـمسح على خفيه أم لا؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

  • القول الأول: ليس له أن يـمسح على خفيه في هذه الحال، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
  • القول الثاني: أن له أن يـمسح في هذه الحال، وهو مذهب الحنفية.

وقد استدل الجمهور لقولهم: بأنه ليس له أن يـمسح في هذه الحال، بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، السابق ذكره، ومحل الشاهد منه قوله: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين [2]، قالوا: ولا يكون الإنسان طاهرًا إلا إذا أتم الطهارة بغسل رجله اليمنى ثم رجله اليسرى؛ ولذلك له أن يصلي إذا بقيت رجله اليسرى لم يغسلها؛ لكونه لا يصدق عليه أنه طاهر.

ولهذا: إذا توضأ وغسل رجله اليمنى، ثم أدخلها في الخف أو الجورب، ثم غسل رجله اليسرى، ثم أدخلها في الخف أو الجورب، فلا يصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين.

وأما اصحاب القول الثاني وهم الحنفية، القائلون: بأن له أن يـمسح في هذه الحال، فيقولون: إنّ الإنسان إذا غسل رجله اليمنى، ثم أدخلها الخف، يصدق عليه أنه أدخلها الخف وهي طاهرة، ثم إذا غسل رجله اليسرى في ساعته، ثم ألبسها الخف، فقد أدخلها وهي طاهرة، فصدق على من هذه صفته أنه أدخل رجليه الخفين وهما طاهرتان.

قالوا: ومما يدل على هذا: أنه لو غسل رجله اليمنى ثم أدخلها الخف، ثم غسل رجله اليسرى، ثم أدخلها الخف، لَـم يلزمه على قول الجمهور إلا أن ينزع الخف من رجله اليمنى مرةً أخرى، ثم يلبس الخف مرةً ثانية، حتى يصدق عليه أنه لبسها بعد كمال الطهارة، وهذا عبثٌ محض، يُنزَّه الشارع عن الأمر به، ولا مصلحة للمكلف في القيام به.

وقد اختار هذ القول الأخير، وهو: أن له أن يـمسح في هذه الحال، شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله تعالى، وهذا القول مُتَّجِه.

ولكن الخلاف في هذه المسألة قوي، فالأحوط هو قول الجمهور، وهو أنه ليس له أن يـمسح إلا إذا كان قد لبس خفَّيْه بعد كمال الطهارة، والله تعالى أعلم.

أن يكون الخف ونحوه مباحًا

الشرط الثاني: أن يكون الخف ونحوه مباحًا، فإن كان مـحرمًا، كأن يكون مغصوبًا أو مسروقًا لَـم يجز المسح عليه في قول طائفةٍ من الفقهاء؛ وذلك لأن المـحرم لا تُستباح به الرخصة.

وقال بعض الفقهاء: لا يُشترط هذا الشرط، فيصح المسح على الخف المـحرم؛ لأن التحريم إذا كان عائدًا إلى أمرٍ لا يتعلق بشرط العبادة، فالعبادة صحيحة، والمنع في المسح على الخف المـحرم لا يختص بالطهارة، فالغاصب والسارق مأذونٌ له بالمسح في الجملة، والمنع عارضٌ أدركه من جهة الغصب أو السرقة، لا من جهة الطهارة، فيصح المسح على الخف، ويأثم بالغصب أو السرقة.

وهذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

أن يكون الخف ونحوه ساترًا للرجل

الشرط الثالث: أن يكون الخف ونحوه ساترًا للرجل، فلا يـمسح عليه إذا لَـم يكن ضافيًا مغطيًا لِمَا يجب غسله، بأن كان نازلًا عن الكعب، أو كان ضافيًا لكنه لا يستر الرجل، لصفائه أو خفته، كجوربٍ غير صفيق، فلا يصح المسح عليه لعدم ستره.

ومـما يدل على هذا الشرط: حديث ثوبان  قال: “بعث رسول الله سَريَّةً، فأصابـهم البرد، فلـمَّا قدموا على النبي شكوا إليه ما أصابـهم من البرد، فأمرهم أن يـمسحوا على العصائب والتساخين” أخرجه أبو داود وأحمد والحاكم، بسندٍ صحيح [3].

والعصائب: هي العمائم، والتساخين: هي كل ما يُسخَّن به القدم من خفٍّ وجوربٍ ونحوهما.

حكم المسح على الخفاف والجوارب الخفيفة

والخفاف والجوارب الخفيفة التي تصف لون البشرة ليست مـمَّا يُسخَّن به القدم؛ ولهذا نقول: إنه يُوجد في الأسواق الآن جوارب رقيقة جدًا، بحيث يرى من ورائها لون البشرة، ولا تقي من بردٍ، وإنـما تلبس للزينة فحسب، فهذه الجوارب لا يصح المسح عليها، ومن لبسهما من رجلٍ أو امرأة فعليه عند الوضوء خلعهما، وغسل رجليه بالماء.

حكم المسح على الجوارب المخرقة

وأما بالنسبة للخروق التي تكون في الخفاف والجواب، فقد اختلف الفقهاء في تأثيرها على صحة المسح:

  • فقال بعضهم: لا يصح المسح على الخف المخرَّق مطلقًا، وهذا القول هو الجديد من مذهب الشافعية، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
  • وقيل: يـمسح عليه مطلقًا، ما أمكن المشي فيه، وهو قول سفيان الثوري وإسحاق وابن المبارك وابن عيينة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع.
  • وقال بعض الفقهاء: يصح المسح على الخف المخرَّق إذا كان الخرق يسيرًا، ولا يصح إذا كان الخرق كبيرًا، وهذا مذهب الحنفية والمالكية.

واستدل القائلون بأنه لا يصح المسح على الخف المخرَّق بعموم قول الله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، قالوا: فمطلق الآية يوجب غسل الرجلين، إلا ما قام دليله من المسح على خفين صحيحين.

قالوا: ولأن حكم ما ظهر: الغسل، وحكم ما استتر: المسح، فإذا اجتمعا كما في الخف المخرَّق غُلِّب جانب الغسل، ولـم يصح المسح، كما لو ظهرت إحدى الرجلين.

وأما القائلون بجواز المسح على الخف المخرَّق مطلقًا، استدلوا بأن معظم الصحابة فقراء، وخفافهم لا تخل من فتوقٍ أو خروق، ولو كان الفتق أو الخرق مؤثرًا لبيَّـن ذلك النبي  لهم، خاصةً وأن الأمر متعلقٌ بالصلاة، التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “أصحاب النبي الذين بلَّغوا سنَّته، وعملوا بـها، لَـم ينقل عن أحدٍ منهم تقييد الخف بشيءٍ من القيود، بل أطلقوا المسح على الخفين، مع علمهم بالخفاف وأحوالها، فعلم أنَّـهم قد فهموا عن نبيِّهم جواز المسح على الخفين مطلقًا، وأيضًا فكثيرٌ من خفاف الناس لا يخل من فتقٍ أو خرقٍ، يظهر منه بعض القدم، فلو لَـم يجز المسح عليها؛ بطل مقصود الرخصة”.

وأما القائلون بالتفريق بين الخرق اليسير والكبير، فقالوا: إنّ الشارع يتسامح في العفو عن انكشاف يسير العورة، وعن يسير النجاسة التي يشق الاحتراز منها، كما في أثر الاستجمار بعد الإنقاء، فالخرق اليسير في الخف من باب أولى.

أيها الأخوة المستمعون هذه أقوال الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة.

والقول الأخير بالتفريق بين الخرق اليسير والكبير، قولٌ وسطٌ بين القولين، ولعله الأقرب في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 206، ومسلم: 274.
^2 سبق تخريجه.
^3 رواه أبو داود: 146، وأحمد: 22383، والحاكم في المستدرك: 602.
مواد ذات صلة