الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(36) أحكام المسح على الجبيرة
|categories

(36) أحكام المسح على الجبيرة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.

حديثنا معكم في هذه الحلقة عن أحكام المسح على الجبيرة ونحوها.

تعريف الجبيرة

نقول: الجبيرة في الأصل: هي ما يُـجبر به الكسر.

والمراد بـها في اصطلاح الفقهاء: هي ما يُوضع على موضع الطهارة لحاجة؛ وذلك مثل الأعواد، أو الجِبْس الذي يوضع على الكسر، ليتماسك العظم ويلتئم.

ومثل ذلك أيضًا: إذا لفَّ على الجرح لفافةً، أو ألصق به لصقةً ونحوها، فيجزئ المسح عليها عن الغسل.

حكم المسح على الجبيرة

ويجب المسح عليها في الطهارة الكبرى، كالغسل من الجنابة والحيض ونحوه، ويجب المسح عليها كذلك في الطهارة الصغرى، إذا كانت على أعضاء الوضوء.

وقد استدل لجواز المسح على الجبيرة بحديث جابرٍ  قال: “خرجنا في سفرٍ، فأصاب رجلٌ منها شجةٌ في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون رخصةً في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، لـمَّا قدموا على النبي أُخبر بذلك، فقال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لـم يعلموا؟ فإنـما شفاء العِيِّ السؤال، إنـما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب على جرحه خرقةً، ثم يَـمسح عليها، ويغسل سائر جسده [1].

وهذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه، ولكنه ضعيفٌ من جهة السند، لا يصح؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “بلوغ المرام”: “رواه أبو داود بسندٍ ضعيف”.

والأحاديث الواردة في المسح على الجبيرة ضعيفة، قال البيهقي: “لا يثبت عن النبي  في هذا الباب -يعني: المسح على الجبيرة- شيء، وأصح ما روي فيه: حديث عطاء بن أبي رباح الذي تقدم -يريد حديث صاحب الشجَّة السابق ذكره-، قال: وليس بالقوي”.

وقد روى ابن المنذر بسندٍ صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “إذا كان عليه عِصابٌ مسحه [2]، وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما من فعله”.

ويدل لجواز المسح على الجبرة كذلك: القياس على التيمم، وكذلك أيضًا القياس على الخفين، ولكن القياس على الخفين قد لا يستقيم؛ وذلك للفروق الكثيرة بين المسح على الجبيرة والمسح على الخفين، وسنذكره هذا بعد قليل إن شاء الله.

شروط جواز المسح على الجبيرة

 اشترط الفقهاء القائلون بالمسح على الجبيرة:

ألا تتجاوز الجبيرة قدر الحاجة، وهو موضع الجرح والكسر، وما قرب منه، ويدخل في الحاجة كل ما يحتاج إليه في تثبيت هذه الجبيرة أو اللصقة، فلو كان الكسر في الإصبع مثلًا، واحتيج لربط راحة اليد معه، فهذا داخلٌ في الحاجة، وأما ما لا يُحتاج إليه، فيجب نزعه.

ولا يُـجمَع بين المسح والتيمم في الجبيرة؛ لأن الجمع بين طهارتين لعضوٍ واحدٍ مخالفٌ لقواعد الشريعة، ولا يكلف الله عبدًا بعبادتين سببهما واحد.

وبناءً على ذلك نقول: إذا وجد جرحٌ في أعضاء الطهارة فله مراتب:

  • المرتبة الأولى: أن يكون مكشوفًا ولا يضره الغسل، فيجب غسله.
  • المرتبة الثانية: أن يكون مكشوفًا، ويضره الغسل دون المسح، ففي هذه المرتبة يجب عليه المسح دون الغسل.
  • المرتبة الثالثة: أن يكون مكشوفًا ويضره الغسل والمسح، فيتيمم له.
  • المرتبة الرابعة: أن يكون مستورًا بلصقةٍ ونحوها، فيمسح على هذه اللصقة، ولا حاجة للتيمم حينئذٍ.

ويكفي في المسح على الجبيرة: أن يكون المسح مرةً واحدة، ولا حاجة لتكراره، ولكن يجب أن يعمَّ بـهذا المسح الجبيرة كلها؛ لأن هذا المسح بدلٌ عن الغسل، والأصل أن البدل يأخذ حكم المبدل، فكما أن الغسل يجب أن يعمَّ العضو كله، فكذلك المسح، يجب أن يعم جميع الجبيرة.

ويجوز له أن يـمسح على الجبيرة إلى أن يحلها، فلا توقيت لمدة المسح عليها؛ وذلك لأن الجبيرة إنـما وضعت للضرورة أو للحاجة، فتقدر بقدرها، فيجوز له أن يـمسح عليها إلى أن يستغني عنها.

ويجوز المسح على الجبيرة في الحدث الأصغر والأكبر.

الفرق بين المسح على الخفين والمسح على الجبيرة

ومـما سبق يـمكن تلخيص الفروق بين المسح على الخفين والمسح على الجبيرة فيما يأتي:

  • أولًا: أن المسح على الخفين مقدرٌ بـمدةٍ معينة، وأما المسح على الجبيرة فله أن يمسح عليها ما دامت الحاجة داعيةً إلى بقائها.
  • الثاني: أن الجبيرة لا تختص بعضوٍ معيَّن، والخف يختص بالرجل.
  • الثالث: يشترط لجواز المسح على الخفين: أن يلبسهما على طهارة، بخلاف الجبيرة، فلا يشترط لها الطهارة.
  • الرابع: أن الجبيرة يـمسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر، بخلاف الخف، فلا يُـمسح عليه إلا في الحدث الأصغر.

ملحوظات تتعلق بالمسح على الجبيرة

ونختم في ذكر بعض الملحوظات فيما يتعلق بالمسح على الجبيرة، والتي قد تُؤثر على صحة الطهارة:

  • فمنها: أن بعض الناس يتجاوز في الجبيرة موضع الحاجة، فمثلًا: يصاب في أحد أصابع قدميه، فيلف جميع رجله بلفافة، ومثل هذه الجبيرة لا يجوز المسح عليها؛ لأنـها قد تجاوزت موضع الحاجة، والواجب عليه حينئذٍ أن ينزع ما تجاوز قد الحاجة؛ لأن الواجب فيه الغسل، وأما ما كان موضع الجبيرة الذي لـم يتجاوز قدر الحاجة فهو الذي يُـمسح.
  • ومنها: أن بعض الناس لا يبالي بالمسح على الجبيرة، خاصةً إذا كان موضعها صغيرًا، كموضع جرحٍ ونحوه، قد وضع عليه لصقةً، فتجد أنه يتساهل في المسح عليه، وإذا كان ذلك لموضع الذي وضع عليه هذه اللصقة لـم يُغسل ولم يُـمسح عليه، فإن الطهارة لا تصح؛ لأن الواجب تعميم جميع أعضاء الوضوء بالغسل إن أمكن، أو بالمسح إن لـم يـمكن، وأما أن يترك بدون غسلٍ ولا مسحٍ، فإن هذا لا تصح معه الطهارة؛ وقد رأى النبي رجلًا وفي قدمه قدر الدرهم، وفي روايةٍ: قدر اللمعة، لـم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة [3].
  • ومنها: أنه إذا كانت الجبيرة في عضوٍ من أعضاء الوضوء، فتجد أن من الناس من يكتفي بالمسح عليها، ولا يغسل بقية العضو الذي لـم تصل إليه الجبيرة، فمثلًا: إذا كان في يده كسرٌ، ووُضِع عليه جِبْسٌ، فإنه يـمسح موضع هذا الجبس، ولكن أطراف أصابعه التي لـم تصلها الجبيرة، لا يغسلها بالماء، وهذا لا تصح طهارته في هذه الحال؛ لأنه ترك قدرًا من مواضع الوضوء لـم يصلها الماء.
  • ومنها: أن بعض الناس يكتفي بالتيمم عن المسح على الجبيرة، وقد سبق أن قلنا: أن الإنسان إذا كان قادرًا على المسح على الجبيرة، فإن الواجب عليه المسح، ولا يصير إلى التيمم مع قدرته على المسح.
  • ومنها: أن بعض الناس يُكرِّر المسح على الجبيرة، وسبق أن قلنا: إن المسح على الجبيرة إنـما يكون مرةً واحدة، وهكذا في كل الممسوحات لا تكرر، وإنـما تكون مرةً واحدة، كمسح الرأس، والمسح على الخفين.
  • ومنها: أن بعض الناس إذا رأى أن الجبيرة لـم تكن في مواضع الوضوء، واغتسل الغسل الواجب من الجنابة أو غيرها لـم يـمسح عليها، وهذا خطأ، ولا تصح هذه الطهارة؛ لكون مقدارٍ أو عضوٍ من أعضاء البدن لـم يصله الماء، ولـم يُـمسح عليه؛ إذ تعذَّر وصول الماء إليه، وكان الواجب عليه أن يـمسح هذه اللصقة أو الجبيرة التي لـم يصلها الماء، ويقوم هذا المسح مقام الغسل.

أيها الإخوة، هذا ما تيسر عرضه في هذا الباب، وأسأل الله ​​​​​​​ أن يرزقنا الفقه في الدين، والعلم النافع، وأن يوفقنا لِمَا يحب ويرضى من الأقوال والأعمال.

ونلتقي بكم في حلقةٍ قادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 336.
^2 الأوسط: 2/ 24.
^3 رواه ابن ماجه: 666.
مواد ذات صلة