الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(40) أحكام الحيض- زواج وطلاق الحائض وعدتها
|categories

(40) أحكام الحيض- زواج وطلاق الحائض وعدتها

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

تحدثنا سابقًا عن جملةٍ من أحكام الحيض، ووعدنا باستكمال الحديث عنها.

حكم مكث الحائض في المسجد

من أحكام الحائض: حرمة المكث في المسجد؛ لحديث أم عطية رضي الله تعالى عنها: أنَّـها سمعت النبي يقول: يخرج العواتق وذوات الخدور والحِيَّض، وفيه: يعتزل الحيض المصلى [1]، متفقٌ عليه.

ويدل لذلك أيضًا: ما جاء في (صحيح مسلم) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: “بينما رسول الله في المسجد، قال: يا عائشة، ناويليني الخمرة من المسجد، فقالت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك [2] فناولته”، فظاهر هذا أن عائشة رضي الله عنها امتنعت أولًا من المناولة؛ لأنه كان متقرِّرًا عند الصحابة أن دخول الحائض للمسجد ممنوعٌ منه، فأخبرها النبي  أن إدخال اليد في المسجد ليس ممنوعًا منه.

حكم جماع الحائض

من أحكام الحيض: أن الحائض يحرم على زوجها أن يجامعها، ويحرم عليها تـمكينه من ذلك؛ لقول الله ​​​​​​​: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، والمراد بـ: الْمَحِيضِ: زمان الحيض ومكانه، وهو الفَرْج؛ ولقول النبي : اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح يعني: الجِمَاع [3].

وقد أجمع المسلمون على تحريم وطء الحائض في فرجها، فلا يحل لامرئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم على هذا الأمر المنكر، الذي قد دلَّ على المنع منه كتاب الله، وسنة رسول الله ، وإجماع المسلمين، ومن فعل ذلك، فإنه يكون قد ارتكب كبيرةً من كبائر الذنوب.

قال الشافعي: “من فعل ذلك فقد أتى كبيرة”، قال النووي رحمه الله: “قال أصحابنا وغيرهم: من استحل وطء الحائض حُكم بكفره”.

وقد أُبِيح له -ولله الحمد- ما يكسر به شهوته دون الجماع، كالقُبْلة، والمباشرة فيما دون الفَرْج، ونحو ذلك، ولكن الأولى ألا يباشر فيما بين السرَّة والركبة إلا من وراء حائل؛ لقول عائشة رضي الله عنها: “كان النبي يأمرني فآتزر فيباشرني وأنا حائض” متفقٌ عليه [4].

ومن عصى الله تعالى بجماع زوجته وهي حائض، فيجب عليه أن يتصدق بدينارٍ، أو نصف دينار؛ لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي قال في الذي يأتي امرأته وهي حائضٌ: يتصدق بدينارٍ أو نصف دينارٍ [5]، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي .

وقال أحمد: “ما أحسنه من حديثٍ”، وقال أبو داود لـمَّا رواه: “وهذه هي الرواية الصحيحة”، وقال الحافظ ابن حجر في “البلوغ”: “صححه الحاكم وابن القطان، ورجّح غيرهما وقفه”، وروي عن الشافعي أنه قال: “لو ثبت هذا الحديث لقلت به”.

والصواب: أنه صحيحٌ على شرط البخاري، كما حقق ذلك كثيرٌ من المـحدثين؛ ولهذا فقد صححه الحافظ ابن حجر، وكذلك ابن القيم، والحافظ الذهبي، وابن دقيق العيد، وابن القطَّان، وجمعٌ من المـحققين من أهل العلم، فيكون إسناد هذا الحديث صحيحًا.

وحينئذٍ نقول: من أتى امرأته وهي حائضٌ، فيجب عليه أن يتصدق بدينارٍ، أو بنصف دينار، والدينار الإسلامي وزنه مثقالٌ من الذهب، والمثقال يعادل: 4 جرام وربع تقريبًا.

حكم طلاق الحائض

ومن أحكام الحيض: أنه يحرم على الزوج أن يطلق امرأته وهي حائض؛ لقول الله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] أي: في حالٍ يستقبلن به عدةً معلومةً حين الطلاق، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملًا أو طاهرًا من غير جماع؛ لأنـها إذا طلقت حال الحيض لـم تستقبل العدة، حيث إن الحيضة التي طلقت فيها لا تحسب من العدة، وإذا طلقت طاهرًا بعد الجماع لـم تكن العدة التي تستقبلها معلومةً، حيث إنه لا يُعلم هل حملت من هذا الجماع، فتعتد بالحمل، أو لـم تحمل فتعتد بالحيض، ولـمَّا لـم يحصل اليقين من نوع العدة؛ حرم عليه الطلاق حتى تبيَّـن الأمر.

فطلاق الحائض حال حيضها حرامٌ للآية السابقة؛ ولِمَا ثبت في الصحيحين وغيرهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: “أنه طلق امرأته وهي حائض، فأخبر عمر بذلك النبي ، فتغيَّظ رسول الله ، وقال: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك، وإن شاء طلق قبل أن يـمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تُطلَّق لها النساء [6].

فلو طلق الرجل امرأته وهي حائضٌ فهو آثـمٌ، وعليه أن يتوب إلى الله ​​​​​​​ وهل يقع ذلك الطلاق أو لا يقع؟ هذا موضع نزاعٍ بين الفقهاء، وأكثر العلماء على أنه يقع، والله تعالى أعلم.

ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل:

  • الأولى: إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بـها، أو يـمسَّها، فلا بأس أن يطلقها وهي حائض؛ لأنه لا عدة عليها حينئذٍ، فلا يكون طلاقها مخالفًا لقول الله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
  • الثانية: إذا كان الحيض في حال الحمل.
  • الثالثة: إذا كان الطلاق على عِوَض، فإنه لا بأس أن يطلقها وهي حائض، مثل أن يكون بين الزوجين نزاعٌ وسوء عشرة، فيأخذ الزوج عِوَضًا ليطلقها، فيجوز ولو كانت حائضًا؛ لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى النبي ، فقالت: يا رسول الله، إني ما أعتب عليه في خلقٍ ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال النبي : أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال رسول الله : اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة أخرجه البخاري في صحيحه [7].

ولـم يسأل النبي : هل كانت حائضًا أو طاهرًا؟ ولأن هذا الطلاق افتداءٌ من المرأة عن نفسها، فجاز عند الحاجة إليه على أي حالٍ كان.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في كتابه “المغني” معلِّلًا جواز الخلع حال الحيض، قال: “لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة، والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة، والمقام مع من تكرهه وتبغضه؛ وذلك أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما؛ ولهذا لـم يسأل النبي المختلعة عن حالها”.

حكم عقد النكاح على الحائض

عقد النكاح على المرأة وهي حائض لا بأس به؛ لأن الأصل الحل، ولا دليل على المنع، ولكن إدخال الزوج عليها وهي حائض، ينظر فيه: فإن كان يُؤمن من أن لا يطأها فلا بأس، وإلا فلا يدخل عليها حتى تطهر؛ خوفًا من الوقوع في الممنوع.

الحيض وعدة المطلقة

ومن أحكام الحائض: أن الرجل إذا طلَّق زوجته بعد أن مسَّها، أو خلا بـها، وجب عليها أن تعتدَّ بثلاث حِيَضٍ كاملة، إن كانت من ذوات الحيض، ولـم تكن حاملًا؛ لقول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، أي: ثلاث حِيَض.

فإن كانت حاملًا، فعدتـها إلى وضع الحمل كله، سواءٌ طالت المدة أو قصرت؛ لقول الله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].

وإن كانت من غير ذوات الحيض، كالصغيرة التي لـم يبدأ بـها الحيض، والآيسة من الحيض لكِبَـرٍ، أو عمليَّةٍ استُؤصِلَت بـها رحِمُها، أو غير ذلك مـمَّا لا ترجو معه رجوع الحيض، فعدتـها ثلاثة أشهر؛ لقول الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4].

وإذا كانت من ذوات الحيض، ولكن ارتفع حيضها لسببٍ معلوم كالمرض والرضاع، فإنـها تبقى في العدة وإن طالت المدة، حتى يعود الحيض فتعتد به، فإن زال السبب ولـم يعد الحيض، بأن برأت من المرض، أو انتهت من الرضاع، وبقي الحيض مرتفعًا، فإنـها تعتد بسنةٍ كاملةٍ من زوال السبب.

وهذا هو القول الصحيح في المسألة، الذي ينطبق على القواعد الشرعية، فإنه إذا زال السبب، ولـم يعد الحيض، صارت كمن ارتفع حيضها لغير سببٍ معلوم، وإذا ارتفع حيضها لغير سببٍ معلوم، فإنه تعتد بسنةٍ كاملة، تسعة أشهر للحمل احتياطًا؛ لأنـها غالب الحمل، وثلاثة أشهرٍ للعدة.

أما إن كان الطلاق بعد العقد، وقبل المسيس والخلوة، فليس فيه عِدَّةٌ إطلاقًا، لا بحيضٍ ولا بغيره؛ لقول الله ​​​​​​​: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49].

وبناءً على ذلك: من عقد على امرأةٍ ثم طلَّقها من غير أن يخلو بـها، ومن غير أن يدخل بـها، فإنه لا عدة لها بنص هذه الآية الكريـمة.

أيها الإخوة، هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية أحكام الحيض في الحلقة القادمة، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1652، ومسلم 890.
^2 رواه مسلم: 298.
^3 رواه مسلم: 302.
^4 رواه البخاري: 300، ومسلم: 295.
^5 رواه أبو داود: 264، والترمذي: 136، 137 وابن ماجه: 640، والنسائي: 289، وأحمد: 2121، والحاكم: 612، والبيهقي في الكبرى: 1407.
^6 رواه البخاري: 5251.
^7 رواه البخاري: 5273.
مواد ذات صلة