الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(54) شروط صحة الصلاة- دخول الوقت
|categories

(54) شروط صحة الصلاة- دخول الوقت

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

نبدأ معكم في هذه الحلقة الحديث عن شروط صحة الصلاة:

ومعرفة شروط صحة الصلاة أمرٌ في غاية الأهمية؛ إذ أن تخلف شرطٍ واحدٍ من شروطها، يجعل الصلاة غير صحيحة، وغير مبرِئة للذمَّة أمام الله ​​​​​​​.

تعريف الشرط

والشروط: جمع شرطٍ، والشرط معناه في اللغة: العلامة.

وشرعًا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته.

فمثلًا الطهارة: يلزم من عدمها عدم صحة الصلاة، ولكن لا يلزم من وجودها وجود الصلاة، فقد يتطهر الإنسان وهو لا يريد أن يصلي، وإنـما يتطهر مثلًا لتلاوة القرآن، ونحو ذلك.

وشروط الصلاة: هي ما تتوقف صحتها عليها مع الإمكان.

وهذه الشروط إذا عُدِمت أو عُدِم بعضها ولو شرطٌ واحدٌ لَـم تصح الصلاة.

دخول الوقت

وآكد هذه الشروط: دخول الوقت.

قال الله : إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، أي: مفروضًا في أوقاتٍ محدَّدة، فالتوقيت: هو التحديد، وقد وقَّت الله تعالى الصلاة، بـمعنى: أنه سبحانه حدَّد لها وقتًا من الزمان.

وقد أجمع المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتًا مخصوصةً محدودةً لا تجزئ قبلها، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : “الصلاة لها وقتٌ شرطه الله لها، لا تصح إلا به”.

وهذا الشرط –أعني دخول الوقت- هو آكد شروط الصلاة؛ ولذلك فإنه قد تسقط جميع شروط الصلاة مراعاةً لهذا الشرط، كما لو قُدِّر أن رجلًا عاجزٌ عن استقبال القبلة، وعاجزٌ عن ستر العورة، وعاجزٌ عن الطهارة، وعاجزٌ عن تحقيق بقية شروط الصلاة، فنقول له: يجب عليك أن تصلي الصلاة في وقتها، ويجوز لك أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إذا كان يلحقك بترك الجمع مشقة، ولكن يجب عليك أن تؤدي الصلاة في وقتها، على الحال التي تستطيع أن تؤدي الصلاة عليها.

والصلوات المفروضات خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، وقد فرضت أول ما فرضت خمسين صلاةً في اليوم والليلة، ولكن الله قد خفَّفها على عباده، خفَّفها في الفعل وبقيت خمسين صلاةً في الأجر والثواب، فهذه الصلوات الخمس التي نصليها أجرها وثوابـها أجر خمسين صلاةً، ثم تضاعف بعد ذلك الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعافٍ كثيرة.

أوقات الصلوات الخمس

وهذه الصلوات الخمس المفروضة في اليوم والليلة لكل صلاةٍ منها وقتٌ مناسبٌ اختاره الله تعالى لها، يتناسب مع أحوال العباد، بحيث يؤدون هذه الصلوات في هذه الأوقات، ولا تحبسهم عن أعمالهم الأخرى، بل تعينهم عليها، وتُكفِّر عنهم خطاياهم التي يصيبونـها، وقد شبَّهها النبي  بالنهر الجاري الذي يغتسل منه الإنسان خمس مرات، فلا يبقى من درنه شيءٌ.

صحة الصلاة قبل الوقت أو بعده

وتوقيت الشارع للصلوات بـهذه الأوقات دليلٌ على أنه ينبغي التقيُّد بأداء الصلاة في هذا الوقت، فلا تؤدى قبله ولا بعده، أما أداء الصلاة قبل وقتها، فإن ذلك يجعلها غير صحيحةٍ بإجماع العلماء، ولو كان ذلك بوقتٍ يسير.

وأما أداؤها بعد وقتها من غير عذر:

  • فعند طائفةٍ من أهل العلم أنَّـها لا تصح ولا تُقبَل، كمن أخَّر صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس لا تصح، ولا تقبل عند طائفة من أهل العلم.
  • وعند جمهور أهل العلم تصح مع الإثم، وقد قال الله : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، وقد فُسِّر ذلك بأن المقصود به تأخير الصلاة عن وقتها، فتوعَّد الله الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها بالويل: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ.

قال أبو قتادة العدوي: “قرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب : من الكبائر الجمع بين الصلاتين، يعني: بغير عذر”، قال الحافظ ابن كثير: “إذا كان هذا الوعيد فيمن جمع الصلاة بدون سببٍ شرعي، فما ظنك بـمن يترك الصلاة بالكلية”.

مواقيت الصلوات الخمس

وهذه المواقيت لهذه الصلوات الخمس:

  • وقت صلاة الظهر

نبتدئ أولًا بصلاة الظهر، فنقول: إن وقتها يبتدئ بزوال الشمس، أي: ميلها إلى جهة المغرب عن خط الـمُسَامَتة، وهو الدلوك المذكور في قول الله : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78]، أي: لزوالها، ويُعرَف الزوال بحدوث الظل في جانب المشرق بعد انعدامه من جانب المغرب.

وقد ينعدم الظل، وقد لا ينعدم، وإنـما يتقاصر إلى ما يـمكن أن يصل إليه؛ وذلك أن الشمس إذا طلعت من جهة المشرق يكون لكل شاخصٍ ظلٌ جهة المغرب، ثم لا يزال هذا الظل يتقاصر ويتجه إلى جهة الشمال، بالنسبة لسكان نصف الكرة الأرضية الشمالي، فإذا وصل إلى جهة الشمال، ووصل إلى أقصر ما يـمكن أن يصل إليه، فإن هذا الوقت هو منتصف النهار، فإذا زالت الشمس بعد ذلك إلى جهة الشرق، وبدأ هذا الظل بالزيادة بعد تناهي قصره؛ فإن هذا هو زوال الشمس الذي يبتدئ به وقت صلاة الظهر.

ويحسب هذا الوقت فلكيًا بـمنتصف النهار؛ وذلك بقسمة الزمن ما بين شروق الشمس وغروبـها، قسمته على اثنين، فيخرج منتصف النهار، ولكن لا بد من أن يُضاف لمنتصف النهار: وقت يَتحَقَّق معه زوال الشمس، وقد قدَّر الحطَّاب في كتابه (مواهب الجليل) هذه الزيادة بدرجة، أي: بنحو دقيقتين، ومن أهل العلم من قدَّر ذلك بنحو ثلاث دقائق، فتكون الزيادة ما بين دقيقتين إلى ثلاث دقائق بعد منتصف النهار.

وعامَّة الحسابات الفلكية تحسب وقت صلاة الظهر بـمنتصف النهار؛ ولهذا ينبغي أن يضاف لذلك ما يتحقق به زوال الشمس على ما ذكره الحطَّاب، وبعض أهل العلم من إضافة دقيقتين إلى ثلاث دقائق لمنتصف النهار؛ ليتحقق بذلك زوال الشمس.

ويـمتد وقت صلاة الظهر إلى أن يصير طول كل شيءٍ مثله، بعد ظل الزوال، أي: أنه يـمتد إلى دخول وقت صلاة العصر، كما دل لذلك قول النبي في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص في (صحيح مسلم): وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله [1].

ويستحب تعجيل صلاة الظهر في أول وقتها، إلا في شدة الحر، فيستحب تأخيرها إلى أن ينكسر الحر؛ لقول النبي : إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم [2].

ولكن: هل يستحب تأخير صلاة الظهر إلى حين الإبراد مع وجود المكيِّفَات في الوقت الحاضر، التي تزول بـها شدة الحرِّ؟

الظاهر -والله تعالى أعلم- أنه لا يستحب الإبراد مع وجود هذه المكيِّفَات؛ وذلك لأن النبي  علَّق هذا الحكم بشدة الحر، فقال: إذا أشتدَّ الحرُّ فأبردوا بالصلاة ومفهوم هذا: أنه إذا لـم يشتد الحر فإنه لا يشرع الإبراد بالصلاة، ومعلومٌ أن المكيفات تنكسر بـها شدة الحر، فلا يتحقق اشتداد الحرِّ المذكور في هذه الحديث.

ولهذا نقول: إنه لا يشرع الإبراد مع وجود المكيفات التي تنكسر بـها شدة الحر، ولكن يـمكن تطبيق هذه السنة في الأماكن التي لا يوجد بـها مُكيِّفات، أو في السفر، أو في البرية، أو في غير ذلك.

  • وقت صلاة العصر

والوقت الثاني: هو وقت صلاة العصر: ويبتدئ من نـهاية وقت صلاة الظهر، أي: من مصير ظل كل شيءٍ مثله، وقد اختلف العلماء: هل بين الظهر والعصر فاصلٌ أم لا؟

فذهب بعض المالكية إلى أن بينهما فاصلٌ بحدود أربع ركعات.

ولكن أكثر أهل العلم على أنه ليس بينهما فاصلٌ، وهذا هو القول الصحيح، الذي تدل له الأحاديث، ومنها: حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: فإنه قد جاء فيه: ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لـم يحضر وقت العصر [3]، فهذا دليلٌ على أنه ليس هناك فاصلٌ بين وقت صلاة الظهر ووقت صلاة العصر.

وحينئذٍ نقول: إن وقت الظهر يـمتد إلى أن يدخل وقت صلاة العصر، فكل هذا وقتٌ لأن تؤدى فيه صلاة الظهر، فلو افترضنا مثلًا: أن وقت صلاة العصر يُؤذَّن له مثلًا في الساعة الثالثة والربع، فمعنى ذلك: أن وقت صلاة الظهر يـمتد إلى هذا الوقت، فلو أن رجلًا أدى الصلاة في الساعة الثالثة مثلًا، فإنه يكون قد أدى صلاة الظهر في وقتها.

فإذًا: يـمتد وقت صلاة الظهر إلى دخول وقت صلاة العصر.

وأما نـهاية وقت صلاة العصر، ووقت صلاة المغرب والعشاء، ووقت صلاة الفجر، فسوف يكون الحديث عنه إن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 612.
^2 رواه البخاري: 536، ومسلم: 615.
^3 سبق تخريجه.
مواد ذات صلة