الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(84) صفة الصلاة- السجود والجلوس بين السجدتين
|categories

(84) صفة الصلاة- السجود والجلوس بين السجدتين

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

لا يزال الحديث موصولًا عن صفة الصلاة: نستكمل الحديث عن صفة السجود، فنقول:

أذكار وأدعية السجود

المشروع للمصلي أن يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، بدون زيادة: وبحمده، وإن زاد: وبحمده أحيانًا فلا بأس، والقدر المـجزئ تسبيحةٌ واحدة، وأدنى الكمال ثلاث تسبيحات، والأفضل عشر تسبيحات.

ولـمَّا نزل قول الله ​​​​​​​: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال النبي : اجعلوها في سجودكم [1].

واختيار وصف الله تعالى بالعلو في حال سجود المصلي؛ لأن الإنسان في هذه الحال أنزل ما يكون، فكان من المناسب أن يثني على الله تعالى بالعلو.

والسنة أن يزيد على التسبيح قول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي؛ يتأوَّل القرآن” [2].

وقولها: “يتأوَّل القرآن” أي: قول الله ​​​​​​​: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3].

وفي (صحيح مسلم) عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يقول في ركوعه وسجوده: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ربُّ الملائكة والروح[3].

وفي (صحيح مسلمٍ) أيضًا عن عائشة رضي الله عنها قالت: “فقَدْتُّ رسول الله ليلةً من الفراش، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبـمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك [4].

والواجب من هذه الأذكار قول: سبحان ربي الأعلى، وما عداه فمستحب.

وقد أمر النبي  بالاجتهاد في الدعاء في السجود.

ففي (صحيح مسلمٍ) عن أبي هريرة : أن رسول الله قال: أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء [5]، وفي روايةٍ: فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ -أي: حريٌ- أن يستجاب لكم [6].

وينبغي للمصلي إذا سجد أن يتم سجوده، وأن يطمئن فيه، فإن الطمأنينة في جميع الأركان ركنٌ من أركان الصلاة، قال البخاري في صحيحه: “بابٌ: إذا لَـم يتمَّ السجود” ثم ساق بسنده عن حذيفة : “أنه رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلـمَّا قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليت، ولو مُتَّ مُت على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا ، [7]، وفي لفظٍ آخر عند البخاري أنه قال: “ولو متَّ متَّ على غير سنة محمدٍ “. [8].

حكم كف الثوب أو الشعر في الصلاة

وقد ورد النهي عن أن يكف المصلي ثوبه أو شعره عند السجود، وفي الصلاة عمومًا.

ففي الصحيحين عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “أُمر النبي أن يسجد على سبعة أعظم، ونُـهي عن أن يكفَّ شعره وثيابه” [9]، وفي لفظٍ: أُمِرت أن أسجد على سبعة، ولا أكفَّ شعرًا ولا ثوبًا [10].

وفي (صحيح مسلمٍ) عن كُرَيب مولى ابن عباس رضي الله عنهما: “أنه رأى عبدالله بن الحارث يصلي ورأسه معقوصٌ من ورائه، فقام عبدالله بن عباس رضي الله عنهما من ورائه، فجعل يَـحُلَّه، فلـمَّا انصرف أقبل إلى ابن عباس، فقال: ما لك ورأسي؟! فقال ابن عباس: إني سمعت رسول الله يقول: إنـما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف [11].

وهذا الحكم يشمل الرجل والمرأة، فمن كان شعره طويلًا، فالسنة له عند الصلاة أن يرسل شعره، ولا يكون معقوصًا، وكذا لا يكفَّ المصلي ثوبه أو عمامته أو غترته عند السجود، وفي أثناء صلاته عمومًا.

والحكمة في ذلك -والله أعلم- هي أنّ الثوب والشعر يسجد مع المصلي.

قال النووي رحمه الله: “والحكمة في النهي عنه: أن الشعر يسجد معه؛ ولهذا مَثَّله بالذي يصلي وهو مكتوف”.

صفة الجلوس بين السجدتين

ثم بعد الفراغ من السجود يرفع المصلي رأسه مكبِّـرًا غير رافعٍ يديه، ويرفع رأسه قبل يديه، ثم يجلس مفترشًا رجله اليسرى، ناصبًا رجله اليمنى، ويثني أصابعها نحو القبلة.

لِمَا جاء في (صحيح البخاري) عن أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي ، قال: “فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى” [12].

وفي (سنن النسائي) عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى” [13].

وقد كان النبي إذا جلس بين السجدتين يطمئن، حتى يرجع كل عظمٍ إلى موضعه، وأمر بذلك المسيء صلاته، وقال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك [14].

وكان عليه الصلاة والسلام يُطيل الجلسة بين السجدتين، حتى تكون قريبًا من سجوده.

وفي الصحيحين عن أنسٍ  قال: “كان رسول الله يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد وهم” [15].

قال ابن القيم رحمه الله: “وهذه السنة -يعني: إطالة الجلسة بين السجدتين- قد تركها أكثر الناس من بعد انقراض عصر الصحابة؛ ولهذا قال ثابت: وكان أنسٌ يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه، يـمكث بين السجدتين، حتى نقول: قد نسي أو قد أوهم؛ وأما من حَكَّم السنة، ولـم يلتفت إلى ما خالفها، فإنه لا يعبأ بـمن خالف هذا الهدي”.

ويضع يديه على فخذيه في الجلسة بين السجدتين، وتكون اليدان مبسوطتين، أي: أنه لا يقبض أصابعه أو بعضها في هذا الركن، وإنـما يكون القبض عند الجلوس للتشهد خاصة.

وقد ورد في ذلك حديث وائل بن حُجْر ، في رواية عبدالرزاق في (المصنَّف) عن الثوري، ورواها عنه أحمد في مسنده، والطبراني في (المعجم الكبير): “أن النبي أشار بسبَّابتِه في الجلسة بين السجدتين” [16].

ولكن المـحفوظ عند كثيرٍ من المـحدثين: أن الإشارة بالسبابة إنـما تكون في الجلوس للتشهُّد خاصة، وقد صرح بذلك ابن عيينة عند النسائي، وشعبة عند ابن خزيـمة وأحمد، وأبو الأحوص عند الطحاوي والطبراني، وزُهَير بن معاوية وموسى بن أبي كثير وأبو عوانة ثلاثتهم عند الطبراني، فهؤلاء الثقات كلهم رووا حديث وائل بن حجر، وصرحوا بأن الإشارة بالسبَّابة في التشهد الأخير.

وحينئذٍ: تكون مخالفة رواية عبدالرزاق عن الثوري في أن الإشارة بالسبَّابَة تكون أيضًا في الجلسة بين السجدتين تكون هذه الرواية شاذَّة.

الذكر الوارد بين السجدتين

والذكر الوارد في الجلسة بين السجدتين: “رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، واجبرني، وعافني” [17].

هذا هو الذكر الذي قد وردت به السنة: ست كلمات، ولو زاد عليها بأدعيةٍ أخرى فلا بأس؛ لأن المقام مقام دعاء، ولكن الأولى هو الاقتصار على هذه الألفاظ الواردة، وعدم الزيادة عليها، ومن أراد أن يستزيد، فيدعو بـما أحب من خيري الدنيا والآخرة في السجود، فإنه مقام دعاء.

كما جاء في الحديث: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء [18].

 وكذلك في التشهُّد الأخير قُبَيل السلام، كما جاء في الحديث: ثم يتَخيَّـر من الدعاء أعجبه إليه [19].

وأما في الجلسة بين السجدتين فالأولى الاقتصار على هذه الألفاظ التي قد وردت بـها السنة: “رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، واجبرني، وعافني”.

أيها الإخوة، هذا ما تيسَّر عرضه في هذه الحلقة، وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 869، وابن ماجه: 887.
^2 رواه البخاري: 794، ومسلم: 484.
^3 رواه مسلم: 487.
^4 رواه مسلم: 486.
^5 رواه مسلم: 482.
^6 رواه مسلم: 479.
^7 رواه البخاري: 791.
^8 رواه البخاري: 808.
^9 رواه البخاري: 815، ومسلم: 490.
^10 رواه البخاري: 812، ومسلم: 490.
^11 رواه مسلم: 492.
^12 رواه البخاري: 828.
^13 رواه النسائي: 1158.
^14 رواه أبو داود: 858.
^15 رواه مسلم: 473.
^16 رواه أحمد: 18858، وعبد الرزاق الصنعاني: 2522، والطبراني في الكبير: 81.
^17 رواه أبو داود: 850.
^18 سبق تخريجه.
^19 رواه البخاري: 835، ومسلم: 402.
مواد ذات صلة