الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(109) أحكام سجود السهو- معناه والحكمة من مشروعيته وأسبابه
|categories

(109) أحكام سجود السهو- معناه والحكمة من مشروعيته وأسبابه

مشاهدة من الموقع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نبتدئ معكم في هذه الحلقة الحديث عن:

أحكام سجود السهو

وسجود السهو من باب إضافة الشيء إلى سببه، والسهو إن عُدِّي بـ(في) كان معفوًّا عنه، فإذا قلت: سها فلانٌ في صلاته، فهذا من باب المعفو عنه.

إذا عُدِّي بـ(عن) صار مذمومًا، ومنه قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].

معنى السهو

والسهو معناه: ذهول القلب عن معلومٍ، وهو من مقتضى الطبيعة البشرية؛ ولهذا فقد وقع من النبي عدة مراتٍ، وقال لأصحابه: إنـما أنا بشرٌ مثلكم؛ أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني [1].

قال الإمام أحمد رحمه الله: “حُفِظ عن النبي في السهو خمسة أشياء: سلَّم من اثنتين فسجد، وسلَّم من ثلاثٍ فسجد، وفي الزيادة والنقصان، وقام من اثنتين ولـم يتشهَّد”.

قال الخطابي رحمه الله: “المعتمد عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة: حديث ابن مسعودٍ وأبي سعيدٍ وأبي هريرة، وحديث ابن بُـحَيْنَة  أجمعين”.

وقال ابن القيم رحمه الله: “وكان سهوه في الصلاة من تـمام نعمة الله على أمته وإكمال دينهم؛ ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو، قال: وكان ينسى فيترتَب على سهوه أحكامٌ شرعيةٌ تجري على سهو أمته إلى يوم القيامة”.

الحكمة من مشروعية سجود السهو

والحكمة من مشروعية سجود السهو: أنه جَبْـرٌ للنقصان، وإرغامٌ للشيطان، ورضًا للرحمن.

وسجود السهو إنـما يُشرَع عند حصول السهو من غير عمدٍ، أما مع العمد، أي: مع تَعمُّد ترك ركنٍ أو واجبٍ مثلًا، فإن الصلاة معه باطلةٌ، ولا يُـجبَـر بسجود السهو.

وسجود السهو كما أنه مشروعٌ في صلاة الفريضة، فهو كذلك مشروعٌ في صلاة النافلة، فكل صلاةٍ فيها ركوعٌ وسجودٌ يُشرع فيها سجود السهو إذا وُجد سببه، ولا يقال: إنـها نافلةٌ فكيف يُشرع فيها سجود السهو؟ فإنه لـمَّا تلبَّس بـها وجب أن يأتي بـها على وفق الشريعة، وإلا كان مستهزئًا، وليس له أن يصلي صلاةً يُـخل بـها بحجة أنـها نافلةٌ.

أسباب سجود السهو

وأسباب سجود السهو ثلاثةٌ:

  1. الزيادة.
  2. والنقص.
  3. والشك.

أما الزيادة: فالمقصود بـها: أن يزيد المصلي في صلاته قيامًا أو ركوعًا أو سجودًا أو قعودًا أو ركعةً، فإن لـم يذكر الزيادة حتى فرغ من الصلاة فليس عليه إلا سجود السهو، وصلاته صحيحةٌ.

مثال ذلك: رجلٌ صلى الظهر خمس ركعاتٍ ولـم يذكُر أو يُذكَّر إلا بعد الفراغ من الصلاة، فإنه يسجد للسهو وصلاته صحيحةٌ.

ويدل لذلك: ما جاء في “الصحيحين” عن ابن مسعودٍ ، أن رسول الله صلى الظهر خمسًا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صلَّيْت خمسًا، فسجد سجدتين بعدما سلَّم [2].

أما إن ذَكَر الزيادة في أثناء الركعة التي زادها، وجب عليه الرجوع عنها والجلوس في الحال، ويسجد للسهو وصلاته صحيحةٌ.

مثال ذلك: رجلٌ قام لركعةٍ خامسةٍ في صلاة الظهر، وقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن ثم ركع، وفي أثناء ركوعه ذكر أن هذه الركعة زائدةٌ، فيلزمه حينئذٍ الرجوع والجلوس في الحال ولا يتم هذه الركعة، فإن أتـمَّها عالمًا متعمدًا بطلت صلاته.

وبعض الناس تشتبه عليه هذه المسألة مع مسألةٍ أخرى: وهي القيام من التشهد الأول، فإن من نسي التشهد الأول وقام وشرع في القراءة، لـم يُشرَع له الرجوع للإتيان بالتشهد، وإنـما يستمر في صلاته، ويُـجبَر التشهد الأول بسجود السهو.

حكم من شك في القيام لركعة زائدة

أقول: بعض الناس تشتبه عليه هذه المسألة بـمسألة الإتيان بركعةٍ زائدة، وفرقٌ كبيرٌ بين المسألتين؛ فمن نسي التشهد وقام في الركعة وشرع في القراءة، فإن السنة قد وردت بأنه لا يرجع في هذه الحال، وإنـما يستمر في صلاته ويسجد للسهو، أما إذا قام لركعةٍ زائدةٍ، فالزائد لا يجوز الاستمرار فيه بأي حالٍ؛ ولذلك متى ذكر الزيادة وجب عليه الرجوع والجلوس في الحال، سواءٌ ذكر الزيادة بعد الشروع في القراءة، أو بعد الركوع، أو بعد الرفع منه، المهم أنه متى ذكر الزيادة لزمه الرجوع في الحال والجلوس وسجود السهو في آخر صلاته.

وإذا نُبِّه الإمام على الزيادة؛ بأن نبَّهه ثقتان فأكثر، لزمه الرجوع، فإن لـم يرجع لـم يتابعه المأموم في الزيادة؛ إذ إن تعمد الإتيان بالزيادة في الصلاة مُبطلٌ لها.

والرجوع عن الزيادة كما أنه في صلاة الفريضة، فيشمل كذلك صلاة النافلة، فلو أنه زاد ركعةً ثالثةً في صلاة التراويح مثلًا، فيلزمه الرجوع، فإن لـم يرجع بطلت صلاته؛ لأنه قد تعمَّد الزيادة، وقد قال النبي : صلاة الليل مثنى مثنى [3].

وقد نص الإمام أحمد رحمه الله: على أن من قام في صلاة الليل إلى ثالثةٍ، فكأنـما قام إلى ثالثةٍ في صلاة الفجر، ولكن يُستثنى من هذا: الوتر؛ فإن الوتر تجوز فيه الزيادة على ركعتين، فلو أوتر بثلاثٍ جاز ذلك.

وأما النقص: فإنه ينقسم إلى: نقص الأركان، ونقص الواجبات.

أما نقص الأركان: فإذا نَقَص المصلي ركنًا من صلاته: فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاة له، سواءٌ تركها عمدًا أم سهوًا؛ لأن صلاته لـم تنعقد.

وإن كان غير تكبيرة الإحرام: فإن تركه متعمدًا بطلت صلاته. وإن تركه سهوًا؛ فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية لغت الركعة التي تركه منها، وقامت التي تليها مقامها، وإن لـم يَصِل إلى موضعه من الركعة الثانية؛ وجب عليه أن يعود إلى الركن المتروك فيأتي به وبـما بعده، وفي كلتا الحالين يجب عليه أن يسجد للسهو.

مثال ذلك: شخصٌ نسي السجدة الثانية من الركعة الأولى، فذكر ذلك وهو جالسٌ بين السجدتين في الركعة الثانية، فتلغو الركعة الأولى، وتقوم الثانية مقامها، فيعتبرها الركعة الأولى ويكمل عليها صلاته، ويسجد للسهو.

مثالٌ آخر: شخصٌ نسي السجدة الثانية والجلوس قبلها من الركعة الأولى، فذكر ذلك بعد أن قام من الركوع في الركعة الثانية، فإنه يعود ويجلس ويسجد، ثم يُكمل صلاته، ويسجد للسهو في آخر الصلاة.

هذا في أظهر قولي الفقهاء، وإلا فإن من الفقهاء من يرى أنه إذا شرع في القراءة من الركعة التالية لغت تلك الركعة التي ترك فيها الركن، وقامت التي بعدها مقامها، وقد سبق ذكر الخلاف في هذه المسألة في حلقةٍ سابقةٍ.

القسم الثاني من النقص: نقص الواجبات فإذا ترك المصلي واجبًا من واجبات الصلاة متعمدًا بطلت صلاته، وإن كان ناسيًا وذكره قبل أن يفارق مَحَلَّه من الصلاة أتى به ولا شيء عليه، وإن ذكره بعد مفارقته محله قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به، ثم يكمل صلاته ويسجد للسهو.

وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط، فلا يرجع إليه، ويستمر في صلاته ويسجد للسهو.

ونوضح هذا بأمثلةٍ: شخصٌ رفع من السجود الثاني في الركعة الثانية، ليقوم إلى الثالثة ناسيًا التشهد الأول، فذكر قبل أن ينهض، فإنه يستقر جالسًا فيتشهَّد، ثم يكمل صلاته ولا شيء عليه، وإن ذكر بعد أن نـهض قبل أن يستتم قائمًا، رجع فجلس وتشهَّد، ثم يكمل صلاته ويسجد للسهو، وإن ذكر بعد أن استتمَّ قائمًا سقط عنه التشهد، فلا يرجع إليه، ويكمل صلاته ويسجد للسهو.

ويدل لذلك: ما جاء في “صحيح البخاري” عن عبدالله بن بُحَيْنة أن النبي صلى بـهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولـم يجلس -يعني: التشهد الأول- فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه، كبَّـر وهو جالسٌ، فسجد سجدتين قبل أن يسلِّم ثم سلَّم.

أيها الإخوة، هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية أحكام سجود السهو في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 401، ومسلم: 572.
^2 رواه البخاري: 404، ومسلم: 572.
^3 رواه البخاري: 990، ومسلم: 749.
مواد ذات صلة