الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(111) أحكام سجود السهو- حكم من نسي التشهد الأول
|categories

(111) أحكام سجود السهو- حكم من نسي التشهد الأول

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

تحدثنا في الحلقة السابقة عن جملة من أحكام سجود السهو، ونستكمل في هذه الحلقة الحديث عن بقيتها، فأقول وبالله التوفيق:

حكم إذا سبَّح بالإمام ثقتان

من مسائل سجود السهو: أنه إذا سبَّح بالإمام ثقتان؛ لزمه الرجوع لقولهما، فإن لَـم يرجع بطلت صلاته، وقد نصَّ على هذا الإمام أحمد رحمه الله، وليس للمأمومين اتباعه في هذه الحال؛ لأن صلاته باطلة، فمن تبعه من المأمومين عالـمًا بطلت صلاته كذلك، لكن إن تبع الإمام جاهلًا، أو أنه فارقه وسلَّم، صحَّت صلاته.

وهذا كله ما لَـم يجزم الإمام بصواب نفسه، فإن جزم بصواب نفسه، لَـم يرجع لقول من سبَّح، سواءٌ كانا اثنين أو أكثر؛ لأنه يعلم خطأهم، فلا يتبعهم على الخطأ.

والأصل في هذا: حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، فإنه لـمَّا ذكَّره ذو اليدين بالسهو لَـم يرجع إلى قوله حتى سأل الصحابة: “أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم” [1].

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “فإن سبَّح به واحدٌ لَـم يرجع إلى قوله، إلا أن يغلب على ظنِّه صدقُه، فيعمل بغلبة ظنِّه لا بتسبيحه؛ لأن النبي لَـم يرجع إلى قول ذي اليدين وحده”.

ويفهم من كلامه: أنه إذا سبَّح به ثقةٌ لا يلزمه الرجوع؛ لأن النبي  لَـم يرجع لقول ذي اليدين، مع ثقته وعدالته، ولكن للإمام الرجوع لتسبيح الواحد إذا غلب على ظنِّه صدقُه، فإن الإمام قد يكون أحيانًا مترددًا، أو شآكًّا في السهو، فإذا سبَّح به واحدٌ تقوَّى عنده هذا الشك أو التردد، حتى يصبح غلبة ظنٍّ، وحينئذٍ يعمل بغلبة ظنِّه لا بتسبيح الواحد.

حكم إذا تعارض تسبيح المأمومين

ولو سبَّح به رجلٌ بـما يدل على أن الإمام قد زاد، وسبَّح به آخر بـما يدل على أنه لَـم يزد، فهنا قد تعارض تسبيح اثنين من المأمومين، فما الحكم في هذه المسألة؟

مثال ذلك: إمامٌ يصلي بجماعة، فلـمَّا أراد أن يقوم سبَّح به أحد المأمومين، فلـمَّا تـهيأ للجلوس سبح به مأمومٌ آخر، فهنا قد تعارض عنده قولان فيتساقطان، فقول أحدهما يسقط الآخر، كالبيِّنتين إذا تعارضتا عند القاضي، وحينئذٍ لا يلتفت الإمام إلى قولهما، ويبني الأمر على ما في نفسه.

حكم من نسي التشهد الأول في الصلاة

ومن أحكام سجود السهو: أن المصلي إذا ترك التشهُّد الأول ناسيًا وقام، لَـم يخل من ثلاثة أحوال:

  • أحدها: أن يذكره قبل أن يعتدل قائمًا، فيلزمه الرجوع للتشهُّد؛ لحديث المغيرة بن شعبة : أن رسول الله : إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس، فإن استوى قائما فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو [2]، أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، وهو حديثٌ صحيحٌ بـمجموع طرقه.
  • الثاني: أن يذكره بعد اعتداله قائمًا، وقبل شروعه في القراءة، فقيل: يكره الرجوع له في هذه الحال، فإن رجع جاز، ولكن ظاهر حديث المغيرة السابق: أنه لا يجوز له الرجوع، فقد جاء في الحديث: فإن استتمَّ قائمًا فلا يجلس.
    ولهذا قال الموفق ابن قدامة رحمه الله بعدما حكى هذا القول، قال: “ويحتمل ألا يجوز له الرجوع ها هنا لحديث المغيرة؛ ولأنه شرع في ركنٍ فلم يـجز له الرجوع، كما لو شرع في القراءة”.
    وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: “والصحيح أنه إذا قام من التشهد الأول ناسيًا، ولـم يذكر إلا بعد قيامه أنه لا يرجع، ولو لَـم يشرع في القراءة لحديث المغيرة: فإن استتمَّ قائمًا فلا يجلس [3]، رواه أبو دواد وغيره، ولـم يقل: إذا شرع في القراءة؛ وأما قولهم: إن القراءة ركنٌ مقصود، فنقول: وكذلك القيام ركنٌ مقصود؛ ولأن بقية الواجبات إذا لَـم يذكرها إلا بعد وصوله إلى الركن الذي بعدها فإنـها تسقط، ولا يعود إلى ركنها ليأتي بـها”.
    وبـهذا يتبيَّن أن القول الراجح في هذه المسألة -والله أعلم- أنه إذا لَـم يذكره إلا بعد اعتداله قائمًا، فلا يجوز له الرجوع، ولو كان ذلك قبل شروعه في القراءة.
  • الثالث: أن يذكره بعد الشروع في قراءة الفاتحة، فيحرم عليه الرجوع في هذه الحال؛ لحديث المغيرة بن شعبة السابق، وفيه: فإن استتمَّ قائمًا فلا يرجع، وليسجد سجدتين [4] ولأنه قد شرع في ركنٍ مقصودٍ؛ فلم يجز له الرجوع، كما لو شرع في الركوع.

حكم من نسي التشهد الأول

والحاصل في مسألة من نسي التشهد الأول، أنّ من قام من الركعتين ناسيًا التشهد الأول، فإن لَـم يستتمَّ قائمًا لزمه الرجوع، وإن استتمَّ قائمًا: فإن لَـم يشرع في قراءة الفاتحة، فقيل: يكره له الرجوع، وقيل: يحرم، وهو الأقرب، أما إن شرع في قراءة الفاتحة، فإنه يحرم عليه الرجوع مطلقًا، وفي جميع الأحوال يسجد للسهو؛ لحديث المغيرة بن شعبة السابق؛ ولحديث عبدالله بن بُـحينة : “أن النبي صلى بـهم الظهر، فقام من الركعتين الأوليين ولـم يجلس، فقام الناس معه، فلـمَّا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه، كبَّـر وهو جالسٌ فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم” [5]، متفقٌ عليه.

وأما المأموم فإنه يتابع إمامه بتركه التشهُّد الأول على أي حال، حتى لو علم المأموم بتركه التشهد الأول، قبل قيامه، وبعد قيام الإمام، فيلزم المأموم متابعة إمامه.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “ولا نعلم في هذا خلافًا؛ لأن النبي  لـمَّا قام حين سها عن التشهُّد الأول، قام الناس معه”.

ولكن إذا تأهَّب المصلي للقيام للركعة الثالثة ناسيًا التشهد الأول، وقبل أن ينهض، وتُفارِق فخِذَاه ساقيه، ذكر أنه لَـم يتشهَّد، وفي هذه الحال يستقر، ولا يجب عليه سجود السهو؛ لانتفاء سبب سجود السهو، فإن سبب سجود السهو، إما الزيادة، أو النقصان، أو الشك، وهذا المصلي لَـم يأتِ بزيادةٍ، ولـم تنقص صلاته، فإنه قد أتى بالتشهُّد الأول وهو لَـم يشك، وإنـما كان ناسيًا أو ذاهلًا، وتذكَّر قبل النهوض.

حكم سجود السهو لسهو عن أمر مستحب

ومن أحكام سجود السهو: أن المصلي إذا سها عن أمرٍ مستحب، فيُشرع له سجود السهو ولا يجب، فلو أنه مثلًا جهر في صلاةٍ سرِّية، أو أسرَّ في صلاةٍ جهرية، فيُشرع له أن يسجد للسهو، ولا يجب؛ لأنه قد أخلَّ بأمرٍ مشروع، وهو الجهر في الصلاة الجهرية، أو الإسرار في الصلاة السرِّية، ولا يجب سجود السهو في هذه الحال؛ لأنه لَـم يترك أمرًا واجبًا عليه، وهكذا لو ترك المصلي سنةً من السنن سهوًا، وكان من عادته الإتيان بـها، فإنه يُشرع في حقِّه سجود السهو على وجه الاستحباب ولا يجب.

أما لو ترك هذا الأمر المسنون عمدًا فلا يشرع له سجود السهو؛ لعدم وجود السبب وهو السهو.

قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: “إذا ترك المصلي مسنونًا لَـم تبطل صلاته، ولـم يُشرع سجود السهو لتركه سهوًا، فإن سجد فلا بأس، ولكن يُقيَّد ذلك بـمسنونٍ كان من عزمه أن يأتي به، فتركه سهوًا، وأما المسنون الذي لَـم يخطر له على بال، أو كان من عادته تركه؛ فلا يشرع السجود لتركه”.

أيها الإخوة، نكتفي بـهذا القدر في هذه الحلقة، ونستكمل بقية الأحكام المتعلقة بسجود السهو في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 482، ومسلم: 573
^2 رواه أبو داود: 1036، وابن ماجه: 1208، وأحمد: 18222.
^3, ^4 سبق تخريجه
^5 رواه البخاري: 1224، ومسلم 570
مواد ذات صلة