الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(127) أحكام صلاة الجماعة- فوائدها وحكمها
|categories

(127) أحكام صلاة الجماعة- فوائدها وحكمها

مشاهدة من الموقع

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

صلاة الجماعة

شعيرةٍ عظيمةٍ من شعائر الإسلام، وهي: صلاة الجماعة، وهي من أفضل العبادات وأجل الطاعات، ومشروعيَّتها من محاسن دين الإسلام.

وللاجتماع في الإسلام مقامٌ عظيمٌ؛ ولهذا: فقد شرع الاجتماع لهذه الأمة في أوقاتٍ معلومة:

  • منها: ما هو في اليوم والليلة، كالصلوات الخمس، فإن المسلمين يجتمعون لأدائها في المساجد كل يومٍ وليلة خمس مراتٍ.
  • ومنها: ما هو في الأسبوع مرةً واحدةً، كالاجتماع لصلاة الجمعة، وهذا اجتماعٌ أكبر من الاجتماع للصلوات الخمس.
  • ومنها اجتماعٌ يتكرَّر كل سنةٍ مرتين، وهو الاجتماع لصلاة العيدين، وهو أكبر من الاجتماع لصلاة الجمعة.
  • ومنها: اجتماعٌ يكون مرةً واحدةً في السنة: وهو الاجتماع في الوقوف بعرفة، وهو أكبر من اجتماع العيدين؛ لأنه يُشرَع للمسلمين عمومًا من كل أقطار الأرض.

فوائدها

وتكرار اجتماع المسلمين في صلاة الجماعة خمس مراتٍ في اليوم والليلة فيه مصالح عظيمةٌ:

  • منها: ما يحصل من التوادِّ والمـحبَّة والائتلاف، فإن ملاقاة الناس بعضهم بعضًا، واجتماعهم على إمامٍ واحدٍ في عبادةٍ واحدةٍ ومكانٍ واحد، يؤدي إلى الألفة والمـحبَّة.
  • ومنها: التعارف والتواصل بين أفراد المـجتمع؛ ولهذا نجد أن الجيران وأهل الحيِّ إنـما يتعرَّف بعضهم على بعض عن طريق اجتماعهم في المسجد، وتكرار ذلك الاجتماع والتلاقي، ونجد أن من كان عنده تقصيرٌ في صلاة الجماعة، لا يكاد يُعرف بين أهل الحي، وإن عُرِف عرف معرفةً ضعيفةً يشوبـها الحذر.
  • ومنها: إظهار عزَّة الإسلام والمسلمين، ويظهر هذا جليًّا في وقتنا الحاضر، مع وجود وسائل الإعلام المتنوعة، التي تنقل الصلوات من المساجد، وتبُثُّها للعالـم، فيرى غير المسلمين، يرون جموع المسلمين تتوافد على المساجد طائعةً مختارةً خمس مراتٍ في اليوم والليلة، وتجتمع اجتماعًا أسبوعيًا أكبر منه في صلاة الجمعة، واجتماعًا أكبر منه في صلاة العيدين مرتين في السنة، واجتماعًا أكبر منه في عرفة مرةً واحدةً في العام، مـمَّا لا يوجد له نظيرٌ في أي دينٍ من الأديان، أو مِلَّةٍ من المِلَل.

وهذه الاجتماعات كانت وستظل سببًا في هداية أقوامٍ من غير المسلمين إلى دين الإسلام، فإن اجتماع هذه الجموع، سواءٌ كان الاجتماع المتكرر خمس مراتٍ في اليوم والليلة، أو الاجتماع الأسبوعي لصلاة الجمعة، أو الاجتماع الحولي لصلاة العيدين أو عرفة، تثير تساؤلاتٍ لدى غير المسلمين: ما الذي جمع هذه الجموع؛ ولأي شيءٍ أتت طائعةً مختارة، وما حقيقة هذا الدين العظيم الذي رتَّب هذه الاجتماعات، والذي وقرَ في قلوب هذه الملايين من البشر، فاجتمعت عليه، وصدق الله العظيم إذ يقول سبحانه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].

  • ومن فوائد صلاة الجماعة: تعليم الجاهل، فإن كثيرًا من الناس يستفيد ما يشرع في الصلاة عن طريق صلاة الجماعة، حيث يقتدي بالإمام وبمن حوله من المصلين، ثم إن كثيرًا من الناس إنـما يحفظون قصار السور ونحوها عن طريق استماع قراءة الإمام في الصلاة الجهرية، وترديده لقراءة هذه السور.

ولهذا: فإنه يُشرع أن تكون قراءة الإمام من المفصَّل في الغالب، والمفصل يبدأ من سورة الحجرات إلى سورة الناس، والمستحب أن يقرأ في الفجر من طِوالِه، أي: من سورة الحجرات إلى سورة المرسلات، وفي الظهر والعصر والعشاء من وسطه، أي: من سورة النبأ إلى سورة الليل، وفي المغرب غالبًا من قصارِه، أي: من سورة الضحى إلى سورة الناس، فيستفيد الناس من ترديد قراءة هذه السور حفظها، أو أن ذلك يكون معينًا على حفظها.

والناس فيهم الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وفيهم العامل المشغول بعمله طيلة وقته، وربَّـما لا يجد وقتًا للحفظ، ونحو ذلك، فحضورهم للجماعة واستماعهم لقراءة الإمام هذه السور، وترديدها على مسامعهم، يعينهم على حفظها، ومن ثم قراءتـها في صلواتـهم.

  • ومن فوائد صلاة الجماعة: ما يحصل من تفقُّد أحوال الفقراء والمرضى ونحوهم، فإن الإنسان الفقير قد تظهر عليه علاماتٌ تدل على فقره، من هيئته ولبسه ونحو ذلك، فإذا رآه الناس في صلاة الجماعة، فطِنُوا له، وتصدَّقوا عليه.

ثم إن الإنسان المـحافظ على صلاة الجماعة إذا فُقِد سأل عنه جماعة المسجد، فإن كان مريضًا زاروه ونحو ذلك، ولولا صلاة الجماعة لَمَا تيسَّر معرفة أحوال هؤلاء من الفقراء والمرضى ونحوهم.

  • ومن فوائد صلاة الجماعة: تعويد النفس على الانضباط وعلى النظام، فإن المصلين يصلون خلف الإمام مُسوِّيين صفوفهم، ثم يتابعون متابعة دقيقة، فيُكبِّـرون إذا كبَّر، لا يتقدمون عليه، ولا يتأخرون كثيرًا، ويركعون إذا ركع، ويسجدون إذا سجد، ويرفعون إذا رفع، وهكذا، وهذا فيه تعويدٌ على ضبط النفس.

ثم إن في صلاة الجماعة تعويدًا للأمة الإسلامية على الاجتماع، وعدم التفرُّق، فإن المصلين يجتمعون على إمامٍ واحدٍ يأتـمون به، ولا يختلفون عليه، وهو في الحقيقة يُـمثِّل اجتماعًا مُصغَّرًا لاجتماع الأمة على ولي أمرها، فلا يختلفون عليه، ولا يخرجون عن طاعته بالمعروف، فكان في اجتماع المصلين على إمامهم في الإمامة الصغرى، تنبيهًا على وجوب الاجتماع على الإمام وولي الأمر في الإمامة الكبرى.

والحديث عن فوائد صلاة الجماعة يطول، والمقصود هنا هو الإشارة إلى بعضها.

حكم صلاة الجماعة

صلاة الجماعة واجبةٌ على الرجال المكلَّفين.

قد دلّ على ذلك أدلةٌ كثيرةٌ:

ومنها: قول الله ​​​​​​​: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ [النساء:102] فلـم يرخِّص الله تعالى للمسلمين في ترك الجماعة حال الخوف والمعركة، مع أن الناس إذا كانوا في خوفٍ، يشق عليهم الاجتماع، فوجوبـها في حال الأمن والسلم من باب أولى.

وفي (صحيح مسلمٍ) عن أبي هريرة : “أن رجلًا أعمى أتى النبي فقال: إنه ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخِّص له فيصلي في بيته، فرخَّص له، فلـمَّا ولَّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب [1].

جاء في رواية أبي داود: لا أجد لك رخصة [2].

فإذا لَـم يُرخِّص النبي وهو الرفيق بأمّته لَـم يجد الرخصة لرجلٍ أعمى، ليس له قائدٌ يقوده للمسجد، فكيف بالصحيح المبصر القادر؟!

وفي الصحيحين عن أبي هريرة : أن رسول الله قال: والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطبٍ فيُحتَطَب، ثم آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجالٍ معهم حزمٌ من حطب، إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأُحرِّق عليهم بيوتـهم بالنار [3].

والتحريق بالنار عقوبةً شديدةً لا تكون إلا على ترك أمرٍ عظيمٍ، فدلّ ذلك على تأكد وجوب صلاة الجماعة.

وفي (صحيح مسلمٍ) عن ابن مسعودٍ قال: “من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا؛ فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنَادى بـهنَّ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنـهنَّ من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلِّف في بيته لتركتكم سنة نبيِّكُم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، قال: ولقد رأيتُنَا -يعني: الصحابة- وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يُهَادى بين الرجلين، حتى يُقَام في الصف” [4].

قال النووي: “معنى: يُهَادى بين الرجلين، أي: يُـمسكه رجلان من جانبيه بعضُدَيْه يعتمد عليهما”.

أيها الإخوة، نكتفي بـهذا القدر في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن صلاة الجماعة في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 653.
^2 رواه أبو داود: 552.
^3 رواه مسلم: 651.
^4 رواه مسلم: 654.
مواد ذات صلة