الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(150) أحكام صلاة الكسوف- حكم صلاة الكسوف ومتى تشرع وصفتها
|categories

(150) أحكام صلاة الكسوف- حكم صلاة الكسوف ومتى تشرع وصفتها

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام صلاة الكسوف، وسأتحدث معكم في هذه الحلقة عن جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بها، فأقول وبالله التوفيق:

حكم صلاة الكسوف

صلاة الكسوف سنة مؤكدة، وقد دل لذلك السنة والإجماع؛ فإن النبي أمر بها وخرج إليها فزعًا، وصلاها صلاةً طويلة لا نظير لها، وعُرِضت عليه فيها الجنة والنار، وخطب بعدها خطبة عظيمة، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنها واجبة.

قال ابن القيم رحمه الله: “وهو قولٌ قوي”.

متى تشرع صلاة الكسوف؟

ومشروعية صلاة الكسوف والخسوف إنما تكون عند رؤية الشمس كاسفة أو القمر خاسفًا، ولا يُعتمد في ذلك على الحسابات الفلكية؛ لقول النبي : إذا رأيتم ذلك فصلوا، فعلّق النبي الصلاة على الرؤية، وليس معنى هذا أن الحسابات الفلكية التي تحدد وقت الخسوف والكسوف غير دقيقة، بل هي دقيقة وتحدد وقت الكسوف والخسوف بدقّة؛ لأن الكسوف والخسوف يقع بتقدير الله تعالى وِفْق سنن كونية، وقد أمكن الناس معرفة هذه السنن من قديم الزمان، وقد قيل: إن الفراعنة في زمنهم كانوا يعرفون أوقات الكسوف والخسوف.

وإنما لا يُعتمد على الحسابات الفلكية في الكسوف والخسوف؛ لأن الشارع أناط ذلك بالرؤية: فإذا رأيتم ذلك فصلوا، وبناءً على ذلك لو حددت الحسابات الفلكية وقت كسوف الشمس أو وقت خسوف القمر ثم كان الجو غائمًا ولم تر الشمس كاسفة، أو لم يُر القمر خاسفًا، فلا تُشرع صلاة الكسوف أو الخسوف حينئذ.

ونظير ذلك ما يسمى بخسوف شبه الظل؛ حيث يدخل القمر منطقة شبه الظل للأرض، فلا ينخسف خسوفًا حقيقيًّا، بل يحدث له ما يسميه الفلكيون بالاحتراق، وهو مما لا تراه العين المجرّدة، فهو حينئذ وإن سمّاه الفلكيون خسوفًا واعتبروه أحد أنواع الخسوف إلا أنه ليس خسوفًا بالمعنى الشرعي، فلا تُشرع عند حدوثه الصلاة، وإنما هو ليس خسوفًا بالمعنى الشرعي لكونه لا يُرى بالعين المجردة، والناظر للقمر لا يرى أي أثرٍ للخسوف، والنبي علّق الأمر بالصلاة عند رؤية الشمس كاسفة أو رؤية القمر خاسفًا.

كيف يُنادى لصلاة الكسوف؟

وعند حدوث الكسوف أو الخسوف فالسنة أن ينادى لها: الصلاة جامعة؛ لما جاء في الصحيحين عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: “لما كسفت الشمس على عهد رسول الله نودي: الصلاة جامعة”.

و”الصلاةَ” بالنصب، أيْ إن الصلاة جامعةٌ حاضرة، وقال بعض العلماء: يصح أن يقال: الصلاةُ جامعة.

ويكرر النداء لصلاة الكسوف بحيث يغلب على الظن أن الناس قد سمعوه.

وصلاتها جماعة أفضل؛ لأن هذا هو هدي النبي ، والأفضل أن تصلى في الجوامع إن تيسّر؛ لأن النبي  صلاها بأصحابه في مسجدٍ واحد، ولأن الكثرة في الغالب أدعى للخشوع وحضور القلب.

ولكن لا بأس بأن تصلى فرادى، فلو أن امرأة لم يتيسر لها أن تصلي صلاة الكسوف مع الناس في المسجد وصلّتها في بيتها، فلا بأس بذلك.

صفة صلاة الكسوف

وأصح ما ورد في صفة صلاة الكسوف؛ ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “خسفت الشمس في حياة النبي فخرج إلى المسجد، فصفّ الناس وراءه فكبّر فقرأ رسول الله قراءة طويلة، ثم كبّر فركع ركوعًا طويلًا، ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام ولم يسجد وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبّر وركع ركوعًا طويلًا وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد، ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: هما آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة [1]، وقولها: “فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات” المقصود استكمل أربع ركوعات في أربع سجدات، وإلا فهي ركعتان لكن المقصود أن فيها أربع ركوعات.

حكم الخطبة لصلاة الكسوف

واختلف العلماء: هل لصلاة الكسوف خطبة؟

  • فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يُشرع أن يخطب الإمام بعد صلاة الكسوف خطبة يذكّر الناس فيها بما ينبغي تذكيره في هذا المقام؛ لأن النبي  خطب الناس بعدما صلى بهم صلاة الكسوف.
  • وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن صلاة الكسوف لا خطبة لها.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “لا خطبة لصلاة الكسوف؛ لأن النبي أمرهم عند الكسوف بالصلاة والدعاء والصدقة، ولم يأمرهم بخطبة؛ ولو كانت سنة لأمرهم بها، وإنما خطب النبي بعد الصلاة ليعلّمهم حكمها، وهذا مختصٌ به”.

والأقرب والله تعالى أعلم هو ما ذهب إليه الجمهور، وهو أنه لا خطبة لصلاة الكسوف، وخطبة النبي إنما كانت لبيان أمورٍ يحتاج لها الناس، وتحتاج لها الأمة، خاصة وأن الكسوف لأول مرة يقع في عهده عليه الصلاة والسلام، ثم كان من تقدير الله تعالى أن وافق الكسوف موت إبراهيم ابن النبي ، وكان الناس يعتقدون في الجاهلية أن الشمس والقمر إنما يكسفان لموت عظيم أو ولادته، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يبطل هذا المعنى.

ثم إنه عليه الصلاة والسلام أُري في صلاته الجنة والنار، فأراد أن يصف للناس ما رأى.

ومما يؤيد هذا أن الصحابة سألوه عن سبب تقدمه وتأخره في الصلاة، ولو كانت خطبة كخطبة الجمعة لما سألوه إلا بعد انقضائها، ولكن مع ترجيح القول بأنه لا خطبة لصلاة الكسوف، إلا أنه ينبغي للإمام أن يلقي كلمة بعد صلاة الكسوف يذكّر الناس بما ينبغي تذكيرهم به في هذا المقام.

بم تدرك صلاة الكسوف؟

ومن المسائل المتعلقة بصلاة الكسوف: أن صلاة الكسوف إنما تُدرك الركعة فيها بإدراك الركوع الأول، وأما الركوع الثاني فلا تُدرك به الركعة، وعلى هذا فلو دخل مسبوقٌ مع الإمام بعدما رفع رأسه من الركوع الأول؛ فقد فاتته هذه الركعة، وعليه أن يقضيها بعد سلام إمامه، وإذا أتى مسبوقٌ وقد صلى الناس صلاة الكسوف فإنه يصليها وحده وسبق القول بأن صلاة الكسوف تُشرع جماعة وفرادى، وفعلها جماعة أفضل.

وقت صلاة الكسوف

ووقت صلاة الكسوف من حين الكسوف إلى حين التجلّي، فإن لم يعلم بالكسوف إلا بعد التجلّي فإنها لا تُقضى؛ لقول النبي : فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة حتى تنجلي [2]، متفقٌ عليه، فجعل الانجلاء غاية للصلاة، ولأن كل عبادة مقرونةٌ بسببٍ إذا زال السبب زالت مشروعيتها.

وإن تجلى الكسوف وهو في الصلاة أتمها خفيفة؛ لقول النبي : صلوا حتى ينكشف ما بكم، وفي رواية: حتى تنجلي، وإذا انتهت الصلاة والكسوفُ باقٍ فإنها لا تعاد الصلاة في أظهر أقوال العلماء؛ لأن النبي قال: فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم، وقد حصلت الصلاة وبقي الدعاء والذكر.

حكم الصلاة للآيات العظيمة

وهل تُشرع الصلاة للآيات العظيمة غير الكسوف والخسوف؟

اختلف العلماء في هذه المسألة، فالمذهب عند الحنابلة أنه لا يُصلى لشيءٍ من سائر الآيات إلا الزلزلة.

وعند المالكية والشافعية أنه لا يصلى إلا لكسوف الشمس أو لخسوف القمر فقط.

وعند الحنفية أنه يصلى لكل آية عظيمة، وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله، وذلك لعموم قول النبي : إنهما آيتان من آيات الله يخوّف الله بهما عباده، فكل آية يكون فيها التخويف فيصلى لها، وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله تعالى عنهم.

ولعل هذا القول هو الأقرب في هذه المسألة، والله أعلم، وبناءً على هذا القول تُشرع الصلاة عند الأعاصير المدمِّرة وعند الزلازل، ونحو ذلك من الآيات.

هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة؛ ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1046، ومسلم: 901.
^2 رواه البخاري: 1058.
مواد ذات صلة