الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(156) أحكام صلاة العيديين- مناسبتهما ووقت صلاة العيدين
|categories

(156) أحكام صلاة العيديين- مناسبتهما ووقت صلاة العيدين

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج، والتي أتحدث فيها معكم عن أحكام صلاة العيدين.

والعيدان: تثنية عيد، والمراد بهما: عيد الفطر، وعيد الأضحى؛ وكلاهما يقع في مناسبة شرعية.

مناسبة عيدي الفطر والأضحى

أما مناسبة عيد الفطر: فهي انقضاء شهر رمضان بعد تعبُّد المسلمين فيه لله تعالى بالصيام والقيام، وما تيسّر من صالح الأعمال.

وأما مناسبة عيد الأضحى: فهي اختتام عشر ذي الحِجَّة؛ التي قال عنها النبي : ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء [1]، ومن هنا فالمناسبة لهذين العيدين مناسبةٌ شرعية.

وهناك عيدٌ ثالث: وهو يوم الجمعة، يتكرر في كل أسبوع مرّة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وقد سمى النبي الجمعة عيدًا في غير موضع، ونهى عن إفراده بالصوم لما فيه من معنى العيد”.

وليس في الإسلام عيدٌ سوى هذه الأعياد الثلاثة: عيد الفطر، وعيد الأضحى، ويوم الجمعة. واتخاذ عيدٍ غير هذه الأعياد الثلاثة بدعة محدثة، وقد أخرج النسائي بسندٍ صحيح عن أنس قال: “قدِم النبي المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر والأضحى[2].

حكم التجمُّل في العيدين

ولا بأس بالتجمُّل في العيدين، بل إن ذلك مستحبٌّ استحبابًا مؤكدًا في صلاة العيدين، لدخوله في عموم قول الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] أيْ عند كل صلاة، ويتأكد أخذ الزينة في صلاتي الجمعة والعيدين، قال البخاري في صحيحه: “بابٌ في العيدين والتجمُّل فيه”، ثم ساق بسنده عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: “أخذ عمر جُبَّة من استبرق تُباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله فقال: يا رسول الله ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود، فقال رسول الله : إنما هذه لباس من لا خلاق له[3].

ووجه الدلالة: أَنَّ النَّبِيَّ أقرّ عمر على أصل التجمُّل للعيد، وإنما زجره عن هذه الجُبّة لكونها كانت من حرير.

قال ابن القيم رحمه الله: “وكان يلبس للخروج إلى العيدين أجمل ثيابه، فكان له حلّةٌ يلبسها للعيدين والجمعة”.

واستثنى بعض الفقهاء من ذلك المعتكف؛ فقالوا: ينبغي أن يخرج في ثياب اعتكافه، ولو كانت غير نظيفة، قالوا: لأن هذه الثياب أثر عبادة فينبغي أن يبقى أثر العبادة عليه، كما يُشرع في دم الشهيد أن يبقى عليه.

ولكن هذا القول محل نظر؛ إذ لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه، فإن النبي كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ويخرج لصلاة العيد في أحسن ثيابه، ولا هدي أكمل من هدي النبي .

ثم لا نسلِّم بأن توسّخ ثياب المعتكف من أثر العبادة، ولكنه من طول بقائها عليه، ولهذا لو لبس ثوبًا نظيفًا في آخر يومٍ من رمضان أو في ليلة العيد لما كان له أثر غالبًا، ولا يصح قياسه على دم الشهيد؛ لأن الشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه يثغب دمًا؛ اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ولهذا فالصواب أن المعتكف كغيره يخرج إلى صلاة العيد متجمِّلًا لابسًا أحسن ثيابه.

واستحب بعض العلماء الاغتسال لصلاة العيد، وقد روي في هذا حديثان عن النبي لكنهما ضعيفان لا يصحّان، والقول بالاستحباب حكمٌ شرعي يحتاج إلى دليل ثابت، ولم يثبت في هذا الباب شيء، ولهذا فالأقرب أن يقال: الاغتسال لصلاة العيد مباح، ولا يقال إنه سُنّةٌ لعدم ثبوت ما يدل على سنيّته، والله تعالى أعلم.

إظهار الفرح والسرور في العيد

ولا بأس بإظهار الفرح والسرور يوم العيد، ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “دخل عليَّ رسول الله وعندي جاريتان تغنيان وتضربان بالدف، فاضطجع رسول الله وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكرٍ فانتهرني وقال: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله ؟! فقال رسول الله : دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد، وإن لكل قومٍ عيدًا، وهذا عيدنا، قالت عائشة: فلما غَفَل غمزتهما فخرجتا” [4].

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب، فقال رسول الله : تشتهين تنظرين؟ قلت: نعم، فأقامني وراءه خدّي على خدّه، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت قال: حسبكِ؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي“، وفي رواية عند النسائي: “فجعل يقول: أما شبعتِ؟ فجعلت أقول: لا؛ لأنظر منزلتي عنده” [5].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقًا على الحديث الأول: “وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين. وأما ما يُذكر عن بعض العُبّاد أنه مرّ بقوم يفرحون في أيام العيد فقال: إن هؤلاء قد أخطأوا، فإن كان لم يتقبَّل منهم فليس هذا فعل الخائفين، وإن كان قد تقُبِّل منهم فليس هذا بفعل الشاكرين؛ فهذا اجتهادٌ منه، وهو خلاف هدي النبي ؛ فإنه عليه الصلاة والسلام قد أباح لأمته في أيام العيد من الفرح والانطلاق والانشراح الذي لا يخلُّ بالدين، كما أنه أباح عند الحزن الإحداد بترك الزينة والطيب ونحوه لثلاثة أيام؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: لا يحل لامرأة أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشرًا [6]، وأذن في الهجر للمسلم ثلاثة أيام، وحرّم ما زاد على ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام: لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث [7].

وهذا أيها الإخوة من عظمة هذه الشريعة التي راعت أحوال النفوس بما تقتضيه الأحوال.

ولكن ننبِّه هنا إلى أن الفرح والسرور بيوم العيد، لا بد أن يكون منضبطًا بالضوابط الشرعية، أما إذا أفضى هذا الفرح إلى أمرٍ محرّمٍ فيكون فرحًا مذمومًا.

حكم الإفطار في العيدين

ويجب أن يكون المسلم يوم العيد مفطرًا، فيحرم صوم يوم العيد، بل السنة أن يسعى لتحقيق الفطر يوم عيد الفطر بأكل تمرات قبل ذهابه للصلاة، ففي صحيح البخاري عن أنس قال: “كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات يأكلهن وترًا” [8].

وعلى هذا فالسنة للمسلم أن يأكل تمرات قبل ذهابه لصلاة العيد ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك، ويقطعها على وتر، وأقلُّها ثلاث لقوله: «تمرات» وأقل الجمع ثلاثة.. وهذا في عيد الفطر خاصة.

وأما في عيد الأضحى فلا يأكل شيئًا حتى يضحّي فيأكل من أضحيته، وقد جاء في حديث بريدة قال: “كان النبي لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي” رواه أحمد بسندٍ حسن.

وقت صلاة العيدين

ويستحب تقديم صلاة عيد الأضحى، وتأخير صلاة عيد الفطر.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “يُستحب تقديم الأضحى ليتّسع وقت التضحية؛ لأنها لا تجوز إلا بعد الصلاة، وتأخير الفطر ليتّسع وقت إخراج صدقة الفطر؛ لأن السنة إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، وهذا مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه خلافًا”.

وقد روي أَنَّ النَّبِيَّ كتب إلى عمرو بن حزم: أن أخِّر صلاة الفطر، وعجِّل الأضحى، وذكِّر الناس، والحديث مرسلٌ، رواه الشافعي.

وينبغي أن يخرج جميع الناس لصلاة العيد الرجال والنساء والصبيان؛ لأن صلاة العيد من أعظم شعائر الإسلام التي ينبغي أن تظهر وأن تبرز، حتى إن النبي قد أمر بإخراج الحيّض والعواتق وذوات الخدور؛ كما جاء في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: “أمرنا رسول الله أن نُخرِج في الأضحى والفطر العواتق والحِيَّض وذوات الخدور، فأما الحيَّض فيعتزلن المصلى، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين” [9].

والعواتق: جمع عاتق، وهي الجارية البالغة أو التي قد قاربت البلوغ.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “والقصد من ذلك إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع”.

هذا ما اتسع به وقت هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية أحكام صلاة العيد في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 2438، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
^2 رواه أبو داود: 1134، والنسائي: 1556.
^3 رواه البخاري: 948.
^4 رواه البخاري: 952، ومسلم: 892.
^5 رواه البخاري: 950.
^6 رواه ابن ماجه: 2085، من حديث عائشة رضي الله عنها.
^7 رواه البخاري: 6237، ومسلم : 2560 من حديث أبي أبوب الأنصاري .
^8 رواه البخاري: 953.
^9 رواه البخاري: 324، ومسلم: 890.
مواد ذات صلة