الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(181) أحكام الزكاة- شروط وجوب الزكاة
|categories

(181) أحكام الزكاة- شروط وجوب الزكاة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام الزكاة، وأتحدث معكم في هذه الحلقة عن شروط وجوب الزكاة:

شروط وجوب الزكاة

الشرط الأول: وهو الإسلام

فلا تجب الزكاة على الكافر بالإجماع؛ لقول الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54]، ولقول النبي حين بعث معاذًا إلى اليمن: إنك تأتي قومًا أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله… إلى قوله: فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُردُّ في فقرائهم [1]، متفقٌ عليه، فجعل النبي الإسلام شرطًا لوجوب الزكاة.

وبناءً على هذا فإن الشركات غير المسلمة اللاتي تستثمر في البلاد الإسلامية لا تُطالب بدفع الزكاة، ولكن يرى بعض العلماء المعاصرين أن لولي الأمر مطالبة تلك الشركات بدفع ضريبة للدولة، وهذا محل اجتهادٍ تحكمه السياسة الشرعية التي يراها ولي الأمر.

وعدم مطالبة الكافر بالزكاة لا يعني أنه غير محاسبٍ على تركها، بل هو محاسبٌ عليها وعلى ترك الصلاة وغير ذلك من أمور الدين؛ كما قال الله سبحانه عن المجرمين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ۝وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ۝وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ۝ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:42-46]، فهذه الآيات تدل على أن من أسباب دخولهم النار ترك الصلاة، وترك إطعام المسكين، وهذا يدل على أنهم محاسبون على تركها وعلى ترك سائر أمور الدين.

الشرط الثاني: الحريّة

فلا تجب الزكاة على الرقيق؛ لأنه لا يملك، والمال الذي بيده لسيده.

الشرط الثالث: ملك النصاب

والنصاب هو القدر الذي رتّب الشارع وجوب الزكاة على بلوغه، وهو يختلف باختلاف الأموال، وبناءً على ذلك فمن كان فقيرًا ليس عنده شيء أو عنده مالٌ لكنه دون النصاب فلا زكاة فيه.

الشرط الرابع: استقرار الملك

فإذا كان ملك المال ليس مستقرًا، بل عُرضة للسقوط فلا زكاة فيه.

وبناءً على ذلك فلا زكاة في حصّة العامل المضارب من الربح في المضاربة قبل القسمة، وقد نص على هذا الإمام أحمد رحمه الله؛ وذلك لأن الربح وقايةٌ لرأس المال، فلو أعطى رجلٌ آخر مائة ألف ريال مثلًا ليتّجر بها فربح عشرة آلاف والربح بينهما نصفان، فلا زكاة على العامل في نصيبه وهو خمسة آلاف؛ لأنها عُرضة للسقوط إذ أنها وقاية لرأس المال، فإنه لو خسر فلا شيء له.

بينما تجب الزكاة في حصة المالك رب المال؛ لأنها تابعةٌ لأصلٍ مستقرٍ ففي رأس ماله الزكاة، وكذا في نصيبه من الربح؛ لأن الربح تابعٌ للأصل.

حكم الزكاة في المال الذي يعطى للجهات الخيرية

ومن المسائل المتفرّعة على ما سبق: أنه لا تجب الزكاة في المال الذي أُعطي لجهاتٍ خيرية كمراكز الدعوة وتوعية الجاليات والصناديق والمؤسسات الخيرية، وجمعيات البر ليُصرف في أمور الدعوة أو في نشر العلم، أو لتوزيعه على الفقراء أو بناء مساكن لهم، أو لبناء مساجد، ونحو ذلك.

حكم الزكاة في الأوقاف وما جمع لأجل البر والإحسان

وكذا لا تجب الزكاة في الأوقاف التي يُصرف ريعها في وجوه البر والإحسان، أو في أضاحي عن الميّت ونحو هذا؛ لأن هذه الأشياء لا مالك لها، وهي مما تُصدِّق بها أو أوقفت ابتغاء وجه الله تعالى.

وكذا لا تجب الزكاة في الصناديق العائلية التي يودع فيها أموالٌ من أفراد عائلة معيَّنةٍ أو أهل قرية معينة ونحو ذلك على وجه التبرُّع، ويُصرف منها على فقراء تلك العائلة، أو في الديات أو عند وقوع الحوادث الكبيرة أو الجوائح ونحو ذلك، فهذه الصناديق لا تجب فيها الزكاة؛ بشرط أن يكون الدفع لهذه الصناديق على سبيل التبرُّع، ولا يعود المال للمشاركين في هذه الصناديق أو إلى ورثتهم إلا عند حصول حادثٍ ونحوه مما وضِع الصندوق من أجله؛ لأنه مالٌ رُصِد للبر والإحسان والإعانة، وليس مُلْكًا لأحدٍ ممن تبرّع به فكان في هذا كالوقف.

أما إذا كان المال يعود بعد مُدّةٍ إلى المشارك فيه أو إلى ورثته فتجب فيه الزكاة؛ لأنه لم يخرج عن ملك صاحبه، فهو إذن في حكم القرض.

الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة: مضي الحول.

وقد أجمع على هذا عامة أهل العلم، والمراد بالحول السنة القمرية المكوّنة من ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا، أو ثلاثمائة وخمسة وخمسين يومًا.

والحكمة من التقدير بالحول: أن الحول مقدارٌ يكون به الربح المطّرد غالبًا، وهو المناسب لأرباب الأموال ولأهل الزكاة، فلو كان التقدير بأقل من الحول فربما يكون فيه إضرارٌ بأرباب الأموال، ولو كان التقدير بأكثر من الحول فربما يكون فيه إضرارٌ بأهل الزكاة من الفقراء والمساكين وسائر أصناف أهل الزكاة، ثم إن الحول يكون فيه خروج الثمار ويكون فيه النماء في المواشي غالبًا.

المستثنى من هذا الشرط

ويُستثنى من هذا الشرط، أعني من شرط مضي الحول، ثلاثة أمور:

  • الأمر الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، فلا يُشترط له تمام الحول، وإنما تجب فيه الزكاة عند حصاد الزرع وجني الثمر؛ لقول الله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، ولهذا لو أن رجلًا زرع حبوبًا واكتمل الزرع في أربعة أشهر أو في ستة أشهر مثلًا وجب فيها الزكاة، ولو لم تكمل الحول.
  • الأمر الثاني مما لا يُشترط فيه تمام الحول: نتاج السائمة، أي ما تنتجه السائمة، فلا يُشترط له تمام الحول.
    والدليل لهذا أَنَّ النَّبِيَّ كان يبعث السُعاة إلى أهل المواشي فيأخذون الزكاة مما يجدونه من المواشي مع أن المواشي فيها الصغار والكبار، ولا يستفصل هؤلاء السُعاة عن وقت ولادتها، بل يحسبونها ويخرجونها بحسب رؤوسها.
    مثال ذلك: رجلٌ عنده أربعون شاة، فإذا حال عليه الحول وجب عليه إخراج شاة واحدة، ولو أن هذه الأربعين شاة توالدت خلال هذا الحول فبلغت مائة وواحدًا وعشرين، فالواجب فيها شاتان، مع أن هذا النتاج الذي ولِد خلال هذا العام لم يحل عليه الحول.
    الأمر الثالث مما لا يُشترط فيه تمام الحول: ربح التجارة فإن حوله حول أصله؛ لأن الربح فرعٌ والفرع يتبع الأصل، فلو أن رجلاً اشترى أرضًا بمائة ألف ريال مثلاً، وعند تمام الحول أصبحت قيمتها مائة وخمسين فإنه يزكّي مائة وخمسين ألفًا، مع أن الربح لم يحل عليه الحول.
    وأما ما لم يكن من النتاج وربح التجارة كالراتب والتقاعد الشهري، وما يُعطى الإنسان من مكافئات، وما يرثه من قريبٍ له ونحو ذلك فلا تجب فيه الزكاة حتى يحول عليه الحول وهو عند مالكه.

حكم الزكاة في الصبي والمجنون

ولا يُشترط لوجوب الزكاة البلوغ والعقل، وعلى هذا فتجب الزكاة في مال الصبي وفي مال المجنون؛ لأن الزكاة متعلقةٌ بالمال وليس بالذمّة، ولهذا قال الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، فقال: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، ولم يقل خذ منهم، وقال النبي لمعاذ  حين بعثه لليمن: أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم؛ تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم [2]، فجعل محل الزكاة المال.

ولأن الزكاة حقُّ آدمي فاستوى في وجوب أدائه المكلَّفُ وغير المكلَّف، كما لو أتلف الصغير مال إنسانٍ؛ فإنه يُضمّن ما أتلفه وإن كان غير مكلَّف.

ولهذا أقول أيها الإخوة: ينبغي لولي اليتيم والمجنون استثمار أموالهما كي لا تأكلها الزكاة، فقد أخرج البيهقي والدارقطني بسندٍ صحيح عن عمر بن الخطاب قال: “ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة”.

هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة؛ وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1496، ومسلم: 19.
^2 رواه البخاري: 1496، 4347، ومسلم: 19.
مواد ذات صلة