الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(186) أحكام الزكاة- زكاة الحبوب والثمار وزكاة العسل
|categories

(186) أحكام الزكاة- زكاة الحبوب والثمار وزكاة العسل

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

تحدثت معكم في الحلقة السابقة عن أحكام زكاة بهيمة الأنعام، وأنتقل في هذه الحلقة للحديث عن أحكام زكاة الخارج من الأرض من الحبوب والثمار.

زكاة الحبوب والثمار

والأصل فيها قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]، وقول الله ​​​​​​​: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “حقه الزكاة المفروضة”.

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النبي قال: فيما سقت السماء والعيون العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر [1]، فهذه النصوص وما جاء في معناها تدل على وجوب الزكاة فيما يخرج من الأرض من الحبوب والثمار، ولكن الزكاة لا تجب في كل ما يخرج من الأرض وإنما تجب في نوعٍ وقدرٍ مخصوصٍ منه، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوالٍ كثيرة.

الضابط فيما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار

والأقرب والله تعالى أعلم: أن الضابط فيما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار هو القول بأن الزكاة تجب في الحبوب كلها، وفيما يُكال ويُدّخر من الثمار، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.

ومعنى الادّخار: أنه يمكن أن ييبّس ويبقى فترة من الزمن دون أن يفسد.

والدليل لهذا القول حديث أبي سعيد : أنَّ النبي قال: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة [2]، متفق عليه.

ووجه الدلالة: أن قوله: خمسة أوسق يدل على اعتبار التوسيق، فما لا توسيق فيه لا زكاة فيه.

والتوسيق التحميل، والوسْق: الحِمْلُ؛ وهو ستون صاعًا، وهو مكيل.

وبناءً على هذا فما لا كيل فيه لا زكاة فيه، والحبوب كلها مكيلة فتجب الزكاة فيها، وأما الثمار فما لا يكال منها لا زكاة فيه، وكذا ما لا يُدّخر من الثمار لا زكاة فيه؛ وذلك لأن ما لا يُدّخر لا تكمل فيه النعمة لعدم الانتفاع به مالًا، وجميع الأموال الزكوية يجمعها وصف أنها تصلح للمالية وهذا لا يصدق إلا على ما يُدّخر.

والحاصل أيها الإخوة أن الراجح في ضابط ما تجب فيه الزكاة أنها تجب في الحبوب كلها، وفيما يكال ويُدّخر من الثمار، وذلك كالبر، والشعير، والحنطة، والأرز، والذرة، والعدس، والحمّص، والتمر، والزبيب، والحبة السوداء، والقهوة، واللوز، والفستق، ونحو ذلك.

حكم الزكاة في التين والزيتون

وأما التين فاختُلِف في وجوب الزكاة فيها، فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه لا زكاة فيه.

والقول الثاني: هو وجوب الزكاة فيه، وقد رجّحه الحافظ ابن عبدالبر، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى.

ووجه هذا القول: أن التين يمكن ادّخاره والأصل أن ما أمكن ادخاره من الثمار تجب فيه الزكاة، ولعل هذا القول، أعني القول بوجوب الزكاة في التين، لعله هو الأقرب في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

واختلف العلماء في حكم وجوب الزكاة في الزيتون، فمن العلماء من نظر إلى أن الزيتون لا يُدّخر يابسًا، والزكاة إنما تجب فيما يُدّخر، فقال بعدم وجوب الزكاة فيه، وهو رواية عن أحمد، وأحد قولي الشافعي.

وذهب أكثر العلماء إلى وجوب الزكاة فيه وهو قول أبي حنيفة ومالك والقول الآخر للشافعي، ورواية عن الإمام أحمد نقلها عنه ابنه صالح، وقد اختار هذا القول المجد ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وهذا القول هو الأقرب في هذه المسألة، أعني القول بوجوب الزكاة في الزيتون؛ لقول الله ​​​​​​​: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، فذكر الله تعالى في هذه الآية الزيتون وقال: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، ولأنه يمكن ادّخار غلّته أشبه التمر والزبيب، بل في وقتنا الحاضر يمكن ادّخار الزيتون نفسه بوضعه في سائلٍ ذي مواصفات معينة، والله تعالى أعلم.

حكم الزكاة في الخضروات والفواكه

ولا تجب الزكاة في الخضروات والفواكه في قول أكثر العلماء، كالباذنجان والخيار والجزر والبطيخ، والبقوليات من البصل والثوم والكراث ونحوها، ولا تجب كذلك في البرتقال والتفاح والموز والخوخ والكُمّثرى، ونحو ذلك.

وقد روى الدارقطني عن علي أن رسول الله قال: ليس في الخضروات صدقة [3]، وأخرج أيضًا عن موسى بن طلحة عن أبيه أن رسول الله قال: ليس في الخضروات زكاة، وأخرج الترمذي عن معاذ  أنه كتب إلى النبي يسأله عن الخضروات؟ فقال: ليس فيها شيء [4].

وهذه الأحاديث جميع طرقها ضعيفة، ولهذا قال الدارقطني بعد ذكر روايات الحديث: أصحّها المرسل، وقال الترمذي: لم يصح في هذا الباب شيءٌ عن رسول الله .

ولكن هذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنها قد وردت من طرق متعددة يقوّي بعضها بعضًا، ولهذا قال البيهقي رحمه الله: هذه الأحاديث يشد بعضها بعضًا ومعها أقوال الصحابة.

وقال ابن القيم رحمه الله: “لم يكن من هدي النبي  أخذ الزكاة من الخضروات ولا الفواكه التي لا تكال ولا تُدّخر، وقد كانت لا تؤدى زكاتها في عهد النبي وخلفائه من بعده، مع أنها كانت تزرع بجوارهم، وهذا يدل على عدم وجوب الزكاة فيها”.

وقد استثنى بعض الفقهاء من ذلك ما يمكن أن يدخر من الفواكه كالتين والمشمش ونحوهما، وقد سبقت الإشارة إلى هذه المسألة وسبق القول بأن الراجح هو وجوب الزكاة فيها، وأن ابن عبدالبر قد رجّحه، وقد اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى.

زكاة العسل

ومما يتكلم عنه الفقهاء في هذا الموضع زكاة العسل، والعسل وإن كان ليس مما يخرج من الأرض وإنما من بطون النحل لكنه يُشبه الخارج من الأرض بكونه يُجتنى في وقتٍ معيَّن كما تُجنى الثمار، وقد روي فيه عدة أحاديث منها ما رواه ابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: “أَنَّ النبي أخذ من العسل العشر” [5]، ومنها حديث أبي سيّارة المتعي قال: قلت: “يا رسول الله، إن لي نحلًا؟ قال: أدِّ العشر، قلت: يا رسول الله فاحم إذن جبلها؟ فحماه له النبي [6]، رواه أبو عبيد وابن ماجه.

ولكن هذه الأحاديث ضعيفة لا تثبت، ولهذا قال البخاري رحمه الله كما نقل ذلك الترمذي في “العلل” قال: “ليس في زكاة العسل شيءٌ يصح”.

وقال ابن المنذر: “ليس في وجوب الصدقة في العسل حديثٌ يثبت، ولا إجماع؛ فلا زكاة فيه”.

قال البخاري في صحيحه: “ولم ير عمر بن عبدالعزيز في العسل شيئًا” [7].

قال الحافظ ابن حجر في “الفتح”: وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بإسنادٍ صحيح إلى نافع مولى ابن عمر، قال: “بعثني عمر بن عبدالعزيز على اليمن فأردت أن آخذ من العسل العُشر. وقال مغيرة بن حكيم الصنعاني: ليس فيه شيء، فكتبت إلى عمر بن عبدالعزيز، فقال: صدق ليس فيه شيء”.

والقول بعدم وجوب الزكاة في العسل هو الذي عليه أكثر العلماء، وقد اختاره ابن مفلح صاحب “الفروع” من الحنابلة؛ وذلك لعدم ثبوت ما يدل على وجوب الزكاة في العسل، والأصل براءة الذمة.

والمشهور من مذهب الحنابلة هو وجوب الزكاة في العسل، وهو من المفردات، ونصابه عندهم مائةٌ وستون رطلًا عراقيًّا، وهو ما يعادل اثنين وستين كيلو جرام تقريبًا، والواجب فيه العُشْر، ولكن الراجح هو ما ذهب إليه أكثر العلماء من عدم وجوب الزكاة في العسل لعدم ثبوت ما يدل على وجوب الزكاة فيه.

ولكن ننبِّه هنا إلى أن صاحبه إذا أعده للتجارة فإنه يكون من قبيل عروض التجارة، ويزكيه زكاة عروض التجارة.

وقد ورد سؤالٌ للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله: هل في العسل زكاة؟

فكان الجواب: “ليس في العسل المنتج بواسطة النحل زكاة، وإنما تجب الزكاة في قيمته إذا أعده للبيع وحال عليه الحول، وبلغت قيمته النصاب، ففيه ربع العشر”.

هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة؛ ونستكمل الحديث عن بقية أحكام زكاة الحبوب والثمار في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1483.
^2 رواه البخاري: 1484، ومسلم: 979.
^3 رواه الطبراني في الأوسط: 5921.
^4 رواه الترمذي: 638، وقال: إسناد هذا الحديث ليس بصحيح، وليس يصح في هذا الباب عن النبي  شيء، وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة، عن النبي مرسلا، والعمل على هذا عند أهل العلم.
^5 رواه ابن ماجه: 1824.
^6 رواه ابن ماجه: 1823، وأحمد: 18069.
^7 صحيح البخاري: 2/ 126.
مواد ذات صلة