|categories

فضل صيام يوم عاشوراء

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن من نعم الله تعالى على عباده: أن يوالي عليهم مواسم الخيرات؛ ليوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، فما إن انقضى موسم الحج إلا وتبعه شهر كريم هو شهر الله المحرم، أحد الأشهر الحرم، التي قال الله تعالى عنها: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة:36].

وهذه الأربعة الحرم، هي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب.

فضل الصيام في شهر محرم

وقد بين النبي أن الصيام في هذا الشهر في شهر الله المحرم أنه أفضل الصيام بعد رمضان، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة  أن النبي قال: أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله الذي تدعونه المحرم [1]، فينبغي للمسلم أن يكثر من الصيام في هذا الشهر الكريم.

ويتأكد منه على وجه الخصوص: يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من هذا الشهر، وهو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، وقد كان النبي يتحرى فضل هذا اليوم، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: “أنه سئل عن يوم عاشوراء؟ فقال: ما رأيتُ رسول الله يتحرى يومًا فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء” [2].

صيام عاشوراء

وهذا اليوم له فضيلة عظيمة، وحرمة قديمة، فقد روي أن موسى عليه السلام كان يصومه، وتصومه اليهود، وتصومه قريش في الجاهلية، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه” [3].

مراحل صيامه

وهذا الحديث يدل على أن صيام عاشوراء كان واجبًا قبل فرضية صيام شهر رمضان، ثم نُسخ الوجوب وبقي صيامه مستحبًّا، فيكون حينئذ صيام عاشوراء قد مر بثلاث مراحل:

  • المرحلة الأولى: أن النبي كان يصومه بمكة، ولا يأمر الناس بصومه؛ كما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها السابق، وهو في صحيح البخاري.
  • المرحلة الثانية: لما قدم النبي المدينة وجد اليهود يصومونه فصامه، وأمر الناس بصيامه، حتى إنه أمر من أفطر بأن يمسك بقية ذلك اليوم، فعن سلمة بن الأكوع : “أن النبي أمر رجلًا من أسلم أن أذِّن في الناس: أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن ذلك اليوم يوم عاشوراء” [4].
  • المرحلة الثالثة: ثم لما فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة نُسخ وجوب صوم عاشوراء، وبقي الحكم على الاستحباب.

فضل صيامه

وقد ورد في فضل عاشوراء أنه يُكفِّر السنة التي قبله، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة  أن النبي سئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: أحتسب على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله [5].

وهذا فضل عظيم وثواب جزيل على عمل يسير أن يصوم المسلم هذا اليوم فتكفر عنه ذنوب السنة التي قبله، وذلك فضل الله، وفضل الله يؤتيه من يشاء.

مراتب صيام عاشوراء

وصيام عاشوراء على ثلاث مراتب:

  • أكملها: أن يُصام عاشوراء ويصام يوم قبله ويوم بعده، أي أنه يصام التاسع والعاشر والحادي عشر.
  • المرتبة الثانية: أن يصام العاشر والتاسع أو العاشر والحادي عشر، وصيام العاشر مع التاسع أفضل من صيام العاشر مع الحادي عشر؛ لأن النبي قال: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع [6].
  • المرتبة الثالثة: أن يُفرد عاشوراء، أي: يفرد اليوم العاشر وحده بالصوم، والسُّنة مخالفة اليهود بصوم يوم قبله أو يوم بعده، والأكمل أن يصام يوم قبله ويوم بعده؛ تحقيقًا لمخالفة اليهود، وحتى يصوم ثلاثة أيام من الشهر؛ فإن النبي قد وصى عددًا من الصحابة بصيام ثلاثة أيام من الشهر أوصى أبا هريرة وأبا ذر وأوصى عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم في أول الأمر، وأخبر عليه الصلاة والسلام بأن صيام ثلاثة أيام من الشهر أنه يعدل صوم الدهر كله، وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها، فصيام ثلاثة أيام عن ثلاثين يومًا.

وقد كان النبي في أول الأمر يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فلما وجد اليهود تصوم هذا اليوم وتقول: هذا يوم نجَّا الله فيه موسى وقومه، قال عليه الصلاة والسلام: نحن أحق بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه” [7].

ثم في آخر حياته عليه الصلاة والسلام كان يحب مخالفة أهل الكتاب فأمر بأن يصوم يوم قبله أو يوم بعده تحقيقًا لمخالفة اليهود، وقال: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع [8]، وتوفي رسول الله ولم يبق إلى قابل.

أيها الإخوة المستمعون: ينبغي للمسلم أن يحرص على صيام هذا اليوم، فقد كان النبي يحرص على صومه، ويتحرى صومه، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء[9].

وكان السلف الصالح رحمهم الله يحرصون على صيام هذا اليوم حتى إنهم يصوّمونه صبيانهم، ففي الصحيحين عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: “أرسل رسول الله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: أن من كان أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن كان أصبح منكم مفطرًا فليتم بقية يومه، فكنا بعد ذلك نصوم ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن -أي الصوف-، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها، حتى يكون عند الإفطار” [10]، وفي رواية: “فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة نلهيهم حتى يتموا صومهم” [11].

فينبغي لك أخي المسلم وأختي المسلمة: الحرص على صيام هذا اليوم، واغتنام الأجر والثواب المرتب عليه، فإنك لا تدري ما يعرض لك، فلربما يكون هذا هو آخر عاشوراء تدركه مع الناس، ولربما يكون الأجل قريبًا وأنت لا تشعر، وها نحن نرى الأيام والليالي تمر سريعًا وتمضي جميعًا.

كم من إنسان أصبح سليمًا معافى لا يشكو من مرض أو علة، وأمسى مع أًصحاب القبور، فجاءه الموت على حين غرة، فأصبح مرتهنًا بعمله، لا يستطيع زيادة في الحسنات، ولا نقصًا من السيئات، فالموفق من اغتنم ساعات عمره فيما ينفعه في الدار الآخرة، وتزود بزاد التقوى ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يعيننا على طاعته، وعلى شكره وذكره، وحسن عبادته.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1163.
^2 رواه البخاري: 2006، ومسلم: 1132.
^3 رواه البخاري: 2002.
^4 رواه البخاري: 2007.
^5 رواه مسلم: 1162.
^6 رواه مسلم: 1134.
^7 رواه البخاري: 2004، ومسلم: 1130.
^8, ^9 سبق تخريجه.
^10 رواه البخاري: 1960، ومسلم: 1136.
^11 رواه سلم: 1136.
مواد ذات صلة