الرئيسية/محاضرات/أحب الأعمال إلى الله
|categories

أحب الأعمال إلى الله

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

الحكمة من خلق الإنسان

إن الله خلق الجن والإنس لعبادته، وقد أخبر الله الملائكة قبل أن يخلق البشر، أخبرهم بأنه جاعلٌ في الأرض خليفةً: قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].

وخلق الله أبانا آدم ، وخلق منه زوجه حواء، وأسكنهما الجنة، ثم إن الشيطان وسوس لهما فأكلا من الشجرة، لكنهما تابا إلى الله فقبل الله توبتهما، ولكن قال: اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا -أي: آدم وزوجه وإبليس إلى الأرض- فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:38]، وفي الآية الأخرى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى [طه:123].

وقد أرسل الله الرسل ليبينوا للناس كيف يعبدون الله ​​​​​​​، وكيف يتقربون إلى الله ، فجعل الرسل واسطةً بينه وبين البشر يعلمونهم كيف يتقربون إلى ربهم ، وكان آخر هؤلاء الرسل والأنبياء محمدٌ ، الذي ما من خيرٍ إلا دل أمته عليه، وما من شرٍّ إلا حذرها منه.

اقتران الإيمان بالعمل الصالح

وقد أرشد ربنا في كتابه الكريم، وأرشد رسوله في سنته المطهرة إلى أعمالٍ صالحةٍ كثيرةٍ، وبين الله أن نجاة الإنسان مبنية على الإيمان والعمل الصالح، ولا بد من الأمرين جميعًا، ولهذا؛ تجد أن الآيات القرآنية تقرن العمل الصالح بالإيمان: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25]، لا يكفي إيمانٌ بدون عملٍ، ولا عملٌ بدون إيمانٍ، فالإيمان بدون عملٍ لا يكفي، إذا كان الإنسان مؤمنًا لكنه لا يصلي، ولا يأتي بالواجبات الشرعية، فهذا لا يكفي، وإذا كان يعبد الله على جهلٍ وضلالٍ، على غير إيمانٍ، وعلى غير عقيدةٍ صحيحةٍ، فهذا أيضًا انحرافٌ، فلا بد إذنْ من الإيمان والعمل الصالح جميعًا، ولهذا؛ قال ربنا : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97].

تأمل قوله: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، جمع بين الأمرين: العمل والإيمان، ما جزاؤه؟ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، الحياة الطيبة: هي السعادة؛ أن يعيش الإنسان في هذه الدنيا سعيدًا، وفي الآخرة: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، يجزيهم الله بجنةٍ عرضها السماوات، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، لا همٌّ فيها ولا غمٌّ، ولا تعبٌ ولا نصبٌ، ولا مرضٌ ولا موتٌ.

لكن هذه الجنة لا بد لها من الإيمان والعمل الصالح، لا بد لها من الإيمان بكل ما أمر الله بالإيمان به؛ من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وجميع ما أمر الله بالإيمان به، والعمل الصالح، لا بد من العمل، ولهذا؛ في آياتٍ كثيرةٍ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]، يعني: بسبب ما كنتم تعملون.

وزن الحسنات والسيئات يوم القيامة

ومن تمام عدل الله وحكمته: أن أعمال الإنسان يوم القيامة توزن بميزانٍ حسيٍّ له كِفَّتان، فتوضع الحسنات في كِفَّةٍ، والسيئات في كفةٍ، ثم توزن، فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ۝فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ۝وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ۝فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ۝وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ۝نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:6-11]، جميع ما عملت في هذه الدنيا يؤتى بها يوم القيامة، وتصنف حسناتٍ وسيئاتٍ؛ الحسنات في كفةٍ، والسيئات في كفةٍ، هل هناك أعدل من هذا؟ فإن رجحت كفة الحسنات ولو بحسنةٍ واحدةٍ، كان من أهل الجنة، وإن رجحت كفة السيئات ولو بسيئةٍ واحدةٍ كان من أهل النار، إلا أن يعفو الله عنه، وإن تساوت الحسنات والسيئات فهؤلاء هم أهل الأعراف، يوقفون في مكانٍ بين الجنة والنار، ثم يكون نهاية أمرهم إلى الجنة برحمة أرحم الراحمين.

فانظر إلى رصيدك من الحسنات ومن السيئات، فعلى ضوء هذين الرصيدين يكون مصيرك يوم القيامة، وعلى ضوئهما تكون كرامتك عند الله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، ولكن السؤال الكبير: هل العبرة بكثرة الأعمال، أو العبرة بكيفية العمل وحُسنه؟

سعد بن معاذٍ أسلم وعمره إحدى وثلاثون سنةً، ومات وعمره سبعٌ وثلاثون، وقيل ستٌّ وثلاثون، أي أنه بقي في الإسلام ست أو سبع سنين فقط، بقي ست أو سبع سنين، ومع ذلك أخبر النبي بحديثٍ متفقٍ على صحته، أنه لما مات اهتز لموته عرش الرحمن، وهو إنما عمل في ست أو سبع سنواتٍ فقط، لو كانت العبرة بكثرة العمل لَمَا حصلت هذه المنقبة لهذا الصحابي، وهذا يدل على أن العبرة بحسن العمل، ولهذا قال ربنا : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، فالأعمال إذنْ تتفاوت، والأعمال تتفاضل، وبعض الأعمال أحب إلى الله من بعضٍ، وهنا يأتي الفقه في الدين، ما هي أحب الأعمال إلى الله ؛ فإن الفقيه يختار هذه الأعمال التي هي أحب إلى الله ، ويُكثر منها؛ لأنها هي التي ترفعه عند الله مقاماتٍ عَلِيَّةً.

فأحب الأعمال إلى الله لا يمكن أن نعرفه إلا عن طريق الوحي، لا يمكن أن نعرفه إلا عن طريق النبي .

وباستقراء أبرز ما ورد من الأحاديث في “الصحيحين” وغيرها عن أحب الأعمال إلى الله ، أذكر جملةً من هذه الأعمال، ثم في آخر هذه المحاضرة أشير إلى أحاديث ضعيفةٍ يتداولها بعض الناس في أحب الأعمال إلى الله .

العمل بمقتضى الوقت ووظيفته

أولًا: أحب الأعمال إلى الله : إما أن يكون هذا عند وجود المقتضِي، أو عند عدم وجود المقتضي:

أما عند وجود المقتضي: فأحب العمل إلى الله هو أن يعمل بمقتضَى ذلك الوقت ووظيفته، وإن أفضى ذلك إلى ترك أعمالٍ فاضلةٍ، وهذا ما أقره ابن القيم رحمه الله وجماعةٌ؛ فعند سماع المؤذن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله أن تتابع المؤذن، وإن أفضى ذلك إلى أن تترك تلاوة القرآن، وإن أفضى ذلك إلى أن تترك قراءة الورد، أو أن تترك أي عملٍ آخر، أفضل الأعمال عند قدوم الضيف أن تشتغل بإكرامه، وإن أفضى ذلك إلى أن تترك تلاوة القرآن، أو الأوراد، أو صلاة نافلةٍ، أو نحو ذلك، فإذا أتاك ضيفٌ هل الأفضل أن تشتغل بإكرام الضيف، أو أن تذهب وتفتح المصحف، وتقرأ القرآن، تقول: لا، إن هذا أفضل، نقول: لا، الأفضل: أن تشتغل بإكرام الضيف.

والأفضل عند آخر الليل: أن تشتغل بالصلاة وبالدعاء وبالذكر، وإن أفضى ذلك إلى ترك أمورٍ فاضلةٍ أخرى، وهكذا، فعند وجود المقتضِي فالأفضل أن تعمل بمقتضى ذلك الوقت ووظيفته.

أحبُّ العمل إلى الله أدومُه

هذا عند وجود المقتضِي وعند التزاحم، أما عند عدم وجود المقتضي فنرجع لما ورد في السنة عن أحب الأعمال إلى الله ، يقول النبي ، كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قَلَّ [1]، أي أن العمل المحبوب إلى الله ​​​​​​​ هو العمل الدائم المستمر وإن كان قليلًا.

هذا العمل الدائم والمستمر يُشعر أولًا بمحبة الإنسان لهذا العمل، ثم إن هذا العمل الدائم المستمر وإن كان قليلًا، إلا أنه مع مرور الوقت يكون كثيرًا ويجتمع؛ خذ على سبيل المثال: صلاة الضحى، لو أنك حافظت كل يومٍ على ركعتي الضحى، ففي عامٍ واحدٍ فقط تكون قد صليت لله أكثر من سبعمئة ركعةٍ، لو أنك حافظت على السنن الرواتب؛ أربعٍ قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر، فمعنى ذلك: أنك في نهاية السنة تكون قد صليت أكثر من أربعة آلاف ركعةٍ، لو حافظت على صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ فمعنى ذلك: أنك عند نهاية السنة تكون قد صمت شهرًا كاملًا غير شهر رمضان، وهكذا القليل مع القليل يكون كثيرًا.

وأيضًا من فائدة العمل المستمر الدائم: أنه لو عَرض للإنسان عارضٌ من مرضٍ أو سفرٍ، أو غير ذلك من العوارض، يكتب له الأجر كاملًا، وهذا لا يكون لغير المستمر على العمل؛ فمثلًا: لو كان من عادة الإنسان أن يصلي صلاة التراويح مع الجماعة في رمضان، ثم في ليلة من الليالي سافر، كتب له الأجر كاملًا كأنه صلاها، لو كان من عادته أنه يقرأ ورده من القرآن الكريم، كل يومٍ يقرأ وردًا؛ إما جزءًا، أو نصف جزءٍ، أو أقل أو أكثر، لكنه محافظٌ عليه، وفي يومٍ من الأيام لم يقرأ هذا الورد؛ لمرضٍ أو لسفرٍ أو لغير ذلك، يكتب له الأجر كاملًا، لكن لو كان غير مستمرٍّ؛ تارةً يقرأ القرآن وتارةً لا يقرأ، هنا لا يكتب له شيءٌ إذا عَرض له عارضٌ، تارةً يصوم وتارةً لا يصوم، لو عرض له عارضٌ لا يكتب له شيءٌ.

ولذلك -يا أخي- احرص على أن تكون لك بعد الفرائض نوافل تحافظ عليها، وإن كانت قليلةً، اسأل نفسك الآن ما هي النوافل التي أنا أحافظ عليها كل يومٍ بصفةٍ مستمرةٍ ما أتركها؟

ينبغي أن تجعل لك نوافل تحافظ عليها، هذا العمل الذي تحافظ عليه أحب العمل إلى الله ، وأدعى لاستمراره ولكثرته، ولهذا؛ جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: دخل النبي على زينب بنت جحشٍ رضي الله تعالى عنها، فإذا حبلٌ ممدودٌ بين ساريتين، فقال النبي : ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبلٌ لزينب تجعله لنفسها؛ لأجل أن تصلي، تكثر من الصلاة، فإذا فَتَرَت تعلقت به؛ حتى تستمر في الصلاة، فقال النبي حُلُّوه، ليُصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فَتَر فليرقد، عليكم من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل [2].

هذا فيه إشارةٌ إلى أن مثل هذا العمل الكثير لن يداوم عليه صاحبه، سينقطع الإنسان، يريد أن يصلي طيلة الليل، ويجعل له حبلًا حتى يستمر على الصلاة طيلة الليل، لا يمكن أن هذا يستمر كل ليلة، لا بد أن ينقطع، فكونك تعمل عملًا قليلًا لكنك تحافظ عليه، خيرٌ من الكثير غير المستمر، فهذا أمرٌ ينبغي أن يستحضره كل مسلمٍ ومسلمةٍ، وأن يجعل له بعد الفرائض أعمالًا صالحة من النوافل يحافظ عليها، فإنه إذا عَرض له عارضٌ استمر أجره وثوابه، وكتب له الأجر كاملًا.

فهذا إذنْ نوعٌ من العمل، هذا أحب العمل إلى الله تعالى.

أما الذي يومًا تجده يقرأ جزءين أو ثلاثةً من القرآن أو أكثر، ثم يظل أسبوعًا أو أسبوعين، ما قرأ فيهما شيئًا من القرآن، خيرٌ منه هذا الذي يقرأ نصف جزءٍ، أو حتى أقل، لكنه يحافظ عليه كل يومٍ، هذا العمل الذي يحافظ عليه، حتى وإن كان قليلًا، أحب إلى الله من العمل الكثير المنقطع، أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.

الصلاة في وقتها

أيضًا من الأعمال التي يحبها الله : ما جاء في “الصحيحين” عن ابن مسعودٍ  قال: سألت النبي أي العمل أحب إلى الله؟ وهذا سؤالٌ عظيمٌ من صحابيٍّ جليلٍ مِن أفقه الصحابة ، ابن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه من أفقه الصحابة، قال سألته: أي العمل أحب إلى الله؟ فقال النبي : الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله [3].

إذنْ أحب الأعمال إلى الله: الصلاة، هذه العبادة يحبها الله ، يحب الله من المسلم هذا النوع من التعبد؛ لأن الصلاة يجتمع فيها من العبادات والأعمال القولية والفعلية، والتعظيم لله ، ما لا يجتمع في غيرها؛ ففيها السجود، وفيها الركوع، وفيها تلاوة القرآن، وفيها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والدعاء، تجتمع فيها هذه العبادات كلها، ولهذا؛ لما أراد الله أن يفرض هذه العبادة على هذه الأمة، فرضها على صفةٍ خاصةٍ تختلف عن بقية الفرائض؛ فريضة الزكاة، الصيام، الحج، بقية الفرائض كيف فرضت؟ فرضت من الله على نبينا محمدٍ بواسطة جبريل .

أما الصلاة فلا، أسري بنبينا محمدٍ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وصلى بالأنبياء إمامًا، صلى بأرواحهم، ثم عُرج به مع جبريل  حتى وصل إلى السماء، وقابل في كل سماءٍ بعض الأنبياء وسلم عليهم، حتى جاوز السماء السابعة ووصل إلى سدرة المنتهى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وصل إلى مكانٍ عليٍّ جدًّا، أعلى مكانٍ وصله البشر، وصل إلى مكانٍ سمع فيه صوت صرير الأقلام بكتابة القَدَر، وصل إلى ذلك المكان العظيم العلي الرفيع، وكلمه الله مباشرةً، وسأله أبو ذرٍّ ، قال أبو ذرٍّ: قلت: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ قال: نورٌ أنَّى أراه؟! [4]، أخرجه مسلمٌ في صحيحه.

الإنسان -بتكوينه البشري- لا يستطيع أن يرى الله العظيم، الذي تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن من شدة عظمته جل وعلا، لكن الله يمكِّن المؤمنين في الجنة من النظر إليه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ۝إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:25-26]، لكنه كلم الله ، الله كلمه مباشرةً كما كلم موسى ، وفرض عليه وعلى أمته الصلاة، أول ما فرضها، فرضها خمسين صلاةً في اليوم والليلة، خمسين صلاةً في الأربع والعشرين ساعةً.

النبي شديد الحياء، وشديد التعظيم لربه؛ قَبِل، ولو أنها استمرت خمسين صلاةً، فمعنى ذلك: أننا كنا سنصلي في كل نصف ساعةٍ تقريبًا صلاةً، وهذا يدل على محبة الله لهذا النوع من العبادة؛ كونها تفرض على هذه الطريقة، يدل على محبة الله لهذا النوع من التعبد، لكن الله من رحمته بهذه الأمة أن قيض موسى عليه الصلاة والسلام، فسأل نبينا محمدًا : ما فرض ربك على أمتك؟ قال: فرض عليهم خمسين صلاةً في اليوم والليلة قال: إني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فرجع إلى الله فحط عنه عشرًا، ثم عشرًا، ثم عشرًا، ثم عشرًا، ثم خمسًا، وفي كل مرةٍ موسى  يشير على نبينا محمدٍ ، يقول: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، في المرة الأخيرة قال: كم فرض ربك على أمتك؟ قال: خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، قال موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال : إني قد استحييت من ربي، فنادى منادٍ: أن أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي [5]، هي خمسٌ في الفعل، خمسون في الميزان.

فهذه الصلوات الخمس التي نصليها أجرها أجر خمسين صلاةً، ليس من باب الحسنة بعشر أمثالها، لا، أجرها أجر خمسين صلاةً، ثم يأتي بعد ذلك التضعيف الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعافٍ كثيرةٍ، فأجرها عظيمٌ، وثوابها جزيلٌ، إذا صلينا خمس صلواتٍ كأننا صلينا خمسين صلاةً، فأجرها أجر خمسين صلاةً، وهذا فرضيته على هذه الطريقة يدل على فضل هذه العبادة من وجوه:

  • الوجه الأول: أن الله فرضها مباشرةً، بينما بقية الفرائض تكون بواسطةٍ، بواسطة جبريل .
  • الوجه الثاني: أنها فرضت في أعلى مكانٍ وصله البشر، عند سدرة المنتهى.
  • الوجه الثالث: أنها لما فرضت؛ فرضت خمسين صلاةً في اليوم والليلة، وهذا يدل على محبة الله لها، وأن الله يحب من العبد أن يتعبد له بهذه العبادة.
  • الوجه الرابع: أنها لما خففت، لم تخفف في الأجر والثواب؛ وإنما خففت في الفعل فقط.

ولهذا كان القول الراجح: أن من ترك هذه العبادة، ولم يصل لله صلاةً قط، لم يركع لله ركعةً، لا جمعةً ولا جماعةً، فهذا ليس بمسلمٍ، كيف يكون مسلمًا وقد قطع صلته بالله ، لا يعرف الله قط، لا يركع لا جمعةً ولا جماعةً؟! ولهذا قال : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر [6]، وقال: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة [7].

وكذلك أيضًا: صلاة النافلة، صلاة النافلة أيضًا تبقى أنها من هذه العبادة، من جنس هذه العبادة التي يحبها الله ، ولهذا؛ قال لمَّا قال له أحد أصحابه: يا رسول الله، وكان يخدمه، فقال: سل، قال أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك، قال: فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود [8].

وقال: اعلم أنك لن تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجةً، وحط عنك بها خطيئةً [9].

ولهذا؛ كان بعض العلماء السابقين يكثر من صلاة النافلة؛ لعلمه بأنها أحب عبادةٍ إلى الله ​​​​​​​، ومن أبرز هؤلاء: الإمام أحمد بن حنبلٍ رحمه لله، فقد ذكر أهل السير والتراجم في ترجمة الإمام أحمد: أنه كان يصلي لله تطوعًا من غير الفريضة، في اليوم والليلة ثلاثمئة ركعةٍ، وأنه لما حصلت له المحنة -محنة القول بخلق القرآن؛ فإنه قد ابتلي حتى إنه ليضرب ضربًا شديدًا حتى يفقد عقله، من شدة الضرب يغمى عليه- ضعف بدنه فأصبح يصلي لله في اليوم والليلة مئةً وخمسين ركعةً.

وكان الحافظ عبدالغني المقدسي -صاحب “عمدة الأحكام”- يقتدي بالإمام أحمد في هذا؛ لعلمهم بأن هذه العبادة هي أحب عملٍ إلى الله ، ولهذا؛ لو سألت سؤالًا: أنا أريد الآن أن أتقرب إلى الله بعملٍ صالحٍ، ما أفضل عملٍ أتقرب به إلى الله ؟ نقول: صل الصلاة، صل ما شئت مثنى مثنى، ركعتين ركعتين، إلا في أوقات النهي من بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس وترتفع قِيدَ رُمحٍ، يعني بعد طلوع الشمس بنحو عشر دقائق، وحين يقوم قائم الظهيرة قُبيل أذان الظهر بنحو سبع دقائق، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذه أوقات النهي، ما عدا ذلك الوقت أمامك مفتوحٌ تصلي ما شئت مثنى مثنى، ركعتين ركعتين، ولهذا؛ إذا أتيت للمسجد الجامع يوم الجمعة، ما أفضل عملٍ صالحٍ تشتغل به؟ الصلاة، ركعتين ركعتين، فإن قلت: أريد أن أقرأ القرآن؟ نقول: هذا عملٌ صالحٌ فاضلٌ، لكن ما أحسن أن تجعل قراءة القرآن داخل الصلاة، ولو أن تأخذ المصحف معك، خذ المصحف واقرأ إلى وقت النهي، إلى قبيل الزوال بنحو سبع دقائق توقف، هذا أفضل عملٍ صالحٍ يشتغل به الإنسان، وأحب عبادةٍ إلى الله هذه العبادة العظيمة، هذه العبادة الجليلة، ولذلك؛ أخبر النبي بأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ [10]؛ لأن السجود هو آكد أركان الصلاة، بل إن بعض أهل العلم يقول: إن ما قبل السجود من القيام والركوع والرفع منه، ونحو ذلك، هذه كالمقدمة للسجود؛ فهو آكد أركان الصلاة، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ؛ لأنه يضع أشرف أعضائه، يضع جبهته وأنفه على الأرض، ففي هذه الحال يكون قريبًا جدًّا من الله ، فإذا دعا فإن دعاءه حريٌّ بالإجابة، وحريٌّ بالقبول، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ.

إذنْ ينبغي -أيها الإخوة- أن نُعنَى بهذه العادة العظيمة “الصلاة”، وأول ما يُعنَى به المسلم منها: الفرائض؛ فإن الله يقول في الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلى مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه [11].

فأولًا: حافِظ على الفرائض، حافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة في المسجد.

ثم بعد ذلك: استكثر من النوافل، وليس من الفقه أن يحرص الإنسان على النوافل ويخل بالفرائض، احرص أولًا على الفرائض، ثم بعد ذلك استكثر من النوافل.

والنوافل هي من أسباب نيل محبة الله ؛ كما في الحديث السابق: ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه [12].

وأيضًا النوافل لها فائدةٌ أخرى: وهي أنها تَجبُر ما قد يكون في الفرائض من النقص والخلل، وهذا ليس فقط في الصلاة، في جميع الواجبات الشرعية، وهذا من حكمة الله ورحمته بالمؤمنين، أن جعل نوافل تكون مكملةً للواجبات، مَن الذي يضمن أنه أدى الصلاة كاملةً كما أمر الله ؟ يعتري صلاتنا ما يعتريها من نقصٍ وخللٍ، فنحن بحاجةٍ للنوافل؛ لكي نكمل بها هذا النقص وهذا الخلل، كذلك الزكاة، كذلك الصيام، كذلك الحج، كذلك سائر الواجبات، فالنوافل إذنْ تكمل النقص والخلل الواقع في الفرائض.

بر الوالدين

ثم قال بعد ذلك لمَّا سأل ابنُ مسعودٍ  النبي : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله [13]، قدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله مع عظيم شأن الجهاد في الدين، وكونه ذِروة سَنام الإسلام، إلا إن قُدم عليه بر الوالدين، وبر الوالدين في الحقيقة هو نوعٌ من الجهاد في سبيل الله، وإنما قدَّمه؛ لأن بر الوالدين يحتاج إلى صبرٍ عظيمٍ لمشقته وتكرره، وخاصةً عند الكبر؛ فإنه عند الكبر يحتاج الوالدان إلى عنايةٍ أكبر، ويحتاجان من الولد إلى صبرٍ أعظم، ولهذا؛ خص الله هذه الحالة بالذكر فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۝وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24]، فبر الوالدين هو من أحب العمل إلى الله ، وانظر كيف أن الله أمر بإكرامهما والإحسان إليهما، ونهى عن الإساءة إليهما بأدنى إساءةٍ، وهي كلمة “أفٍّ”.

ولْيعلم أن من عقوق الوالدين: الإعراض عنهما، فإن بعض الناس يقول: أنا ما أسأت لوالديَّ، مع كونه يعرض عنهما، هذا بحد ذاته عقوقٌ، أما كونه يسيء إلى والديه فهذا من أعظم العقوق.

لكن حتى لو لم يُسئ إلى والديه يبقى المدة الطويلة، الشهر والشهرين، ما رأى والده ولا والدته، هذا لا شك أنه عقوقٌ، وعقوق الوالدين هو أعظم ما يكون من قطيعة الرحم، يقول النبي في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلمٌ: إن الله لما خلق الخلق، قامت الرحم فتعلقت بالعرش، وقالت: يا رب، هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال الله لها: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك، قالت: بلى، قال: فذلك لك [14].

فتكفل الله للرحم بأن يصل من وصلها، وأن يقطع من قطعها؛ يصل من وصلها بأي شيءٍ، بكل برٍّ وتوفيقٍ، وتيسيرٍ وإحسانٍ، ويقطع من قطعها من كل خيرٍ وتوفيقٍ، وبرٍّ وإحسانٍ، ولهذا؛ لا يمكن أن تجد عاقًّا لوالديه قاطعًا لرحمه سعيدًا في حياته، حتى وإن كان ثريًّا، أبدًا، لا يمكن أن تجتمع السعادة مع عقوق الوالدين وقطيعة الرحم، بينما بر الوالدين وصلة الرحم من أسباب نيل السعادة والتوفيق والتيسير في الأمور كلها، يقول النبي في حديث أبي بكرة ، وهو حديثٌ صحيحٌ، أخرجه أحمد وغيره بسندٍ صحيحٍ: ما من ذنبٍ أجدر من أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا -مع ما يَدَّخره له في الآخرة- من البغي وقطيعة الرحم [15].

يعني: هذان الذنبان عقوبتهما في الدنيا معجلةٌ في الغالب، وقد تقتضي حكمة الله تأخير العقوبة في الآخرة، لكن في الغالب أن عقوبتهما معجلةٌ في الدنيا.

المعصية الأولى: البغي، يعني: التعدي على الآخرين، وظلم الناس، وبخسهم حقوقهم، هذا في الغالب أن العقوبة تكون معجلةً.

والأمر الثاني: قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين هو أعظم ما يكون من قطيعة الرحم، فالقاطع لرحمه، والعاق لوالديه، في الغالب أنه يعاقب في الدنيا، ويعيش تعيسًا بعيدًا عن التيسير، بعيدًا عن التوفيق.

وعلى الآباء أيضًا والأمهات: أن يعينوا أولادهم على البر؛ فإن بعض الآباء والأمهات لا يعين أولاده، أولادهم يريدون أن يبروهم، لكنهم لا يعينونهم على هذا، فرحم الله والدًا أعان أولاده على أن يبروه!

ولهذا قال الله في الآية التي بعدها: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء:25]؛ لأن بعض الناس يقول: أنا أريد أن أبر والدي لكن ما أستطيع؛ بسبب مثلًا: أن والده أحمق، أو سيئ الخلق، أو نحو ذلك، فالله قال: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ، إن كنت تريد البر، وحريصًا على البر، فالله أعلم بما في نفسك إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ، ومن ذلك: بارين بآبائكم وأمهاتكم فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا، يغفر الله ما قد يقع من التقصير والنقص بهذا.

الجهاد في سبيل الله

ثم بعد ذلك قال: قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله [16]، الجهاد في سبيل الله مقامه في الدنيا عظيمٌ؛ لأنه يحفظ بيضة الإسلام، وفيه الدفاع عن الإسلام وعن ديار المسلمين، ولهذا فهو ذِروة سَنام الإسلام، وقد شوَّهت بعض الطوائف المنحرفة الجهاد في سبيل الله ، فجعلوا قتل المسلمين، وقتل الآمنين والمعصومين، سموه جهادًا، فهؤلاء الإرهابيون من الدواعش وغيرهم شوهوا صورة الجهاد في سبيل الله، بل شوهوا الإسلام كله، يأتون للمسلمين الركع السجود في المسجد ويفجرون فيهم، ويقولون: هذا جهادٌ في سبيل الله، يأتي لأمه وينحرها كما تنحر الشاة، ويقول: هذا جهادٌ في سبيل الله، فشوهوا صورة الجهاد في سبيل الله، وشوهوا صورة الإسلام، وهذه الطائفة أقرب ما وصف لها من الطوائف التي أخبر عنها النبي هي طائفة الخوارج، الذين قال عنهم النبي : هم شر الخَلق والخليقة [17]، أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”.

لماذا وصفهم النبي بأنهم شر الخلق والخليقة؟ من بين سائر الطوائف؟ لأن ضررهم على الإسلام عظيمٌ جدًّا، وكما ترون الآن الضرر كبيرٌ لهذه الطوائف التكفيرية المنحرفة، كيف أضرت بالإسلام والمسلمين، تركت الكفار وقتلت المسلمين؛ كما قال : يدعون أهل الأوثان، ويقتلون أهل الإسلام [18].

زيَّن لهم الشيطان سوء أعمالهم، فهؤلاء قد شوَّهوا صورة الجهاد في سبيل الله، وإلا، فالجهاد في سبيل الله مقامه عظيمٌ، وهو ذروة سنام الإسلام، فهو أحب العمل إلى الله بعد الصلاة على وقتها، وبعد بر الوالدين.

ذكر الله تعالى

أيضًا من الأعمال التي يحبها الله ما ذكره الإمام ابن تيمية رحمه الله، سئل ابن تيمية رحمه الله هذا السؤال، فقال: إن هذا يختلف باختلاف الناس وما يقدرون عليه، وما يناسب أوقاتهم، فلا يمكن فيه جوابٌ جامعٌ مفصلٌ لكل أحدٍ، لكن مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره: أن ملازمة ذكر الله دائمًا هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة.

قال: وعلى هذا دل حديث أبي هريرة  الذي رواه مسلمٌ، أن النبي قال: سبق المفَرِّدون قالوا: يا رسول الله، ما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات [19]، وفيما رواه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي قال: ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إعطاء الذهب والورِق؟ -يعني: الفضة- ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله [20].

فانظر كيف أن ذكر الله خيرٌ من هذه الأمور كلها، الإكثار من ذكر الله ، ولهذا؛ جاء رجلٌ للنبي فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ؛ فمرني بشيءٍ أتشبث به؟ يقول شرائع الإسلام كثرت علي؛ الصلاة والزكاة والصيام، أريد أمرًا واحدًا أُكثِر منه، وأتعلق به؟ فقال له النبي : لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله [21].

والعجيب: أن ذكر الله من أفضل الأعمال، وكما سمعنا في تقرير ابن تيمية رحمه الله أنه مما هو كالإجماع بين العلماء أنه أفضل الأعمال، لكنه مع ذلك أسهل الأعمال، فكونك تذكر الله : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، كم يكلفك من الجهد ومن الوقت؟ لكن المسألة -يا إخوان- هي مسألة توفيقٍ من الله ، والموفَّق من وفقه الله.

جاء في “صحيح مسلمٍ” عن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله تعالى عنه، أن النبي قال يومًا لأصحابه: أيَعجِز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنةٍ؟ قالوا: يا رسول الله، كيف يكسب ألف حسنةٍ؟ قال: يسبح مئة تسبيحةٍ، فيكتب له ألف حسنةٍ، أو يحط عنه ألف خطيئةٍ [22].

مئة تسبيحةٍ؛ سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، تكررها مئة مرةٍ، تحصل على ألف حسنةٍ، فتخيل إذا سبَّحت أكثر من هذا، أجورٌ عظيمةٌ على أعمالٍ يسيرةٍ، واسمعوا إلى هذا الحديث العظيم، الذي سمعت شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله يقوله: لو أنفق الإنسان ملايين في سبيل معرفته لم يكن هذا كثيرًا، هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلمٌ في “صحيحهما”، يقول النبي : من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، مئة مرةٍ، كانت له عَدل عشر رقابٍ، وكتبت له مئة حسنةٍ، ومُحيَت عنه مئة سيئةٍ، وكانت حرزًا له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل منه، إلا رجلًا عمل مثل ما عمل أو زاد، ومن قال: سبحان الله وبحمده، في يومٍ مئة مرةٍ، حُطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر [23].

تأملوا هذا الحديث العظيم، عندما تقول بعد الصبح بعدما تصلي صلاة الفجر، مثلًا بعد صلاة الصبح، وبعدما تأتي بالأذكار، تأتي بهذا الذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ، تكرر هذا مئة مرةٍ تحصل على هذا الفضل العظيم، كأنك أعتقت عشرة عبيدٍ، ومن أعتق عبدًا أعتق الله عنه بكل عضوٍ عضوًا منه من النار، وكتب لك مئة حسنةٍ، ومحيت عنك مئة سيئةٍ، وكان حرزًا لك من الشيطان طيلة اليوم حتى تمسي، ولم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما عملت، إلا من عمل مثلما عملت أو زاد، كم يأخذ هذا من الوقت ومن الجهد؟!

ومن قال: سبحان الله وبحمده، مئة مرةٍ، حُطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، عندما تقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، تكررها مئة مرةٍ، كم تأخذ من الوقت ومن الجهد؟

ثم أيضا الذكر يمكن أن تأتي به في أي مكانٍ، وفي أي وقتٍ، ليس بالضرورة أن تجلس في المسجد، يمكن وأنت في السيارة، وأنت عند الإشارة، وأنت على فراشك، وأنت في أي مكانٍ: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]، فهو من أسهل الأعمال، وهو مع ذلك من أفضلها وأعظمها أجرًا وثوابًا.

جاء رجلٌ إلى الحسن البصري رحمه الله، وقال: يا أبا سعيدٍ، أشكو قسوة في قلبي؟ أجد قسوةً في قلبي؟ أرى الناس يبكون ما أستطيع أن أبكي؟ أرى الناس يخشعون ما أستطيع أن أخشع؟ فما العلاج؟ فقال له الحسن رحمه الله: أَذِبْ قسوة قلبك بكثرة ذكر الله، وهذا جوابٌ عظيمٌ؛ لأن قسوة القلب إنما تكون عندما يتعلق الإنسان بالحياة المادية، عندما يتعلق الإنسان بالدنيا وبأمور المادة، وتكون مجالسه مجالس دنيا، معظم مجالسه مجالس دنيا، هنا يقسو القلب، فإذا أردت أن يرق قلبك، وأن تجد الخشوع وحلاوة الإيمان والطمأنينة، فأكثر من ذكر الله ؛ لأنك إذا أكثرت من ذكر الله تعلقت بالله ، فتزول هذه القسوة، قسوة القلب تزول عنك شيئًا فشيئًا، ولهذا؛ تجد الإنسان إذا أكثر من الطاعات، يعني مثلًا في العشر الأواخر من رمضان، عندما يُكثر من الصلاة، يجد أثر هذا على نفسه، يجد راحةً، يجد سعادةً، يجد رقةً في قلبه، فكيف إذا جعل هذا طيلة السنة، أن يكثر من ذكر الله ، تذهب قساوة القلب، وتزول الغفلة، ويحصل خيرٌ كثيرٌ للإنسان.

ثم إن كثرة ذكر الله تطرد الشيطان، ولهذا؛ ربنا لما وصف الشيطان، وصفه بوصفين: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ۝مَلِكِ النَّاسِ ۝إِلَهِ النَّاسِ ۝مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:1-4]، وصف الله الشيطان أولًا بالوسواس؛ لأن تسلط الشيطان على ابن آدم إنما هو بطريقٍ واحدٍ فقط، بطريق الوسوسة، الشيطان لا يمكن أن يجبر أحدًا على المعصية، ولا يمكن أن يصد أحدًا عن الطاعة بالقوة أبدًا، هل الشيطان يكبل الإنسان بالحديد، ويجبره على المعصية أو يصده عن الطاعة؟ أبدًا.

إذنْ كيف يوسوس الشيطان للإنسان؟ كيف يضل الشيطان الإنسان؟

يضل الشيطان الإنسان عن طريق الوسوسة فقط، يأتي ويوسوس له، يزين له المعصية، ويثبطه ويكسله عن الطاعة، ولهذا سماه الله بالوسواس، وهذا من رحمة الله بعباده، أنه لم يجعل للشيطان سلطانًا على ابن آدم إلا بهذا الطريق فقط، طريق الوسوسة، ثم وصفه الله بالخناس، ما معنى الخناس؟ يعني: الذي ينخنس، يهرب ويكف وينقبض إذا ذكر العبد ربه، فالشيطان كيده ضعيفٌ، ومجرد أن تذكر الله يهرب منك.

ولهذا؛ جاء في “صحيح مسلمٍ” عن عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنه قال: أتيت النبي فقلت: يا رسول الله، إن الشيطان قد لبَّس عليَّ صلاتي حتى لا أدري ما أقول، هجم عليه الشيطان بالوساوس، وأصبح جسمه في وادٍ، والقلب في وادٍ آخر، فشكى للنبي هذه الحال، فقال النبي : ذاك شيطانٌ يقال له: خِنْزَبٌ، فإذا وجدته فاتفُل عن يسارك ثلاثًا، وتعوذ بالله منه، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني [24].

هذا علاجٌ عظيمٌ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]، فإذا أتتك وساوس الشيطان قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سواءٌ في داخل الصلاة أم في خارجها، وجدت أن الوساوس هجمت عليك، والشيطان يوسوس لك، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ۝وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97-98].

حتى داخل الصلاة وجدت أن الشيطان قد لبس عليك بوساوسه، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سواءٌ كنت في القيام، أو في الركوع، أو في السجود، أو في أي موضعٍ من مواضع الصلاة، وهذا من جنس ذكر الله ، لا يضر، إنما الذي يضر كلام الآدميين، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ستجد أن هذه الهواجس والوساوس تنقشع عنك تلقائيًّا، وتذهب عنك، وجرب هذا تجد العجب، لكن قد يعود لك مرةً أخرى، فإذا عاد استعذ بالله منه مرةً أخرى، وهكذا، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، والشياطين تهرب من البيت الذي يذكر فيه الله ، تهرب من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة، ويكثر ذكر الله فيه، وتأوي إلى الأماكن التي يقل فيها ذكر الله ، أو لا يوجد، أو التي فيها المعاصي؛ من المعازف وغيرها، هذه تحبها الشياطين وتأوي إليها، ولهذا؛ السحرة لا يستطيعون أن يسحروا من كان كثير الذكر لربه ، لا يستطيعون، يعجزون.

فإذنْ: ينبغي أن يحرص المسلم على الإكثار من ذكر الله ، فإنه مِن أحب الإعمال، وهو من أيسرها وأسهلها، ومن أعظمها أجرًا وثوابًا.

أحاديث ضعيفةٌ في “أحب الأعمال إلى الله”

وفي ختام هذه المحاضرة، أَذكُر بعض الأحاديث التي يرويها بعض الناس في “أحب الأعمال إلى الله”، لكنها أحاديث ضعيفةٌ، وما صح من كلام النبي فيه غُنْيةٌ عما لم يصح.

فمن هذه الأحاديث: حديث ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما، قال رسول الله : أحب الناس إلى الله: أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله : سرورٌ تدخله على مسلمٍ، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجةٍ أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيضًا ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضًا يوم القيامة… إلى آخر الحديث [25].

هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ لا يصح عن النبي ، لكنه متداولٌ عند بعض الناس، وخاصةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتداول بعض الناس مثل هذه الأحاديث لكنها أحاديث ضعيفةٌ، ثم أيضًا قوله: لئن أمشي مع أخي في حاجةٍ أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهرًا، هذا فيه نكارةٌ، ومن علامة الحديث الضعيف: أن يرتب الأجر العظيم على أعمالٍ يسيرةٍ لم يرد الشرع بمثلها، وتكون في حديثٍ غير معروفٍ عند أهل العلم، وغير مشتهِرٍ، بخلاف مثلًا أحاديث الذكر، أحاديث الذكر أحاديث كثيرةٌ ومشتهرةٌ، ومتظاهرةٌ ومتضافرةٌ على أن الذكر هو أحب العمل إلى الله ، ومن أحب الأعمال إلى الله مع سهولته ويسره.

أيضا من الأحاديث الضعيفة: أحب الأعمال إلى الله: الحب في الله والبغض في الله [26]، هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود، لكنه حديثٌ ضعيفٌ أيضًا، لا يصح عن النبي .

أيضا ما يروى حديثًا: أحب الأعمال إلى الله بعد الفرائض، سرورٌ تدخله على مسلمٍ [27]، أخرجه الطبراني، لكنه حديثٌ أيضًا ضعيفٌ.

فهذه أحاديث ضعيفةٌ وردت في “أحب الأعمال إلى الله “، لكنها لا تصح عن النبي ، وما صح فيه غُنيةٌ عما لم يصح، وما ذكرته في هذه المحاضرة هو المحفوظ الثابت عن النبي في “أحب الأعمال إلى الله “.

الحث على الحرص على العمل الصالح

فينبغي -أيها الإخوة- أن نحرص على الأعمال الصالحة عمومًا، وأن نكثر من أحب الأعمال إلى الله ؛ لأنها هي التي ترفع صاحبها عند الله درجاتٍ، وهي التي تقربه من الله ، ولأنه كما ذكرنا أن العبرة ليست بكثرة العمل، وإنما بحسن العمل وإتقانه، ورب عملٍ يسيرٍ يقترن به إخلاصٌ يكتب الله لصاحبه أجرًا عظيمًا.

أذكر لهذا مثالًا: يقول النبي في حديث السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذكر منهم رجلًا تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه [28]، هذا تصدق بصدقةٍ قد تكون الصدقة قليلةً قد تكون مبلغًا يسيرًا، لكن هذا العمل اقترن به إخلاصٌ عظيمٌ؛ بحيث لم يعلم بهذه الصدقة أحدٌ قط، وأخفاها إخفاءً شديدًا لا يعلم بها إلا الفقير، حتى إنه من شدة إخفائه لو أن اليد الشمال تبصر ما استطاعت أن ترى اليد اليمين، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، فهذا موعودٌ بأن يكون من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله، مع أنه عملٌ يسيرٌ صدقةٌ، ربما مبلغٌ يسيرٌ، لكنه اقترن به إخلاصٌ عظيمٌ.

أيضًا أذكر قصةً، ولعلي أختم بها هذه المحاضرة، أخرج مسلمٌ في “صحيحه” عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: جاءتني امرأةٌ ومعها ابنتان تستطعمنِي، فأعطيتها ثلاث تمراتٍ، فأعطت كل واحدةٍ من ابنتيها تمرةً، وأخذت التمرة الثالثة، تريد أن تأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فأخذت هذه التمرة وشقتها شقين، وأعطت كل واحدةٍ من ابنتيها شق تمرةٍ، ولم تأكل شيئًا، فأعجبني شأنها، فذكرت ذلك للنبي فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة [29].

سبحان الله! أوجب الله لها بها الجنة؛ بسبب تمرةٍ قسمتها بين ابنتيها قسمين؟! فهناك أعمالٌ يسيرةٌ يرفع الله صاحبها درجاتٍ، إذا اقترن بها إخلاصٌ أو صدقٌ أو إحسانٌ، أو نحو ذلك من الأمور التي تجعل هذا العمل وإن كان يسيرًا إلا أنه عند الله يكون كبيرًا.

أسأل الله أن يستعملني وإياكم في طاعته، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال، وأن يعيننا على ذكره، وعلى شكره، وعلى طاعته، وعلى حسن عبادته.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

لعله حتى تقام الصلاة نجيب عما تيسر من الأسئلة.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، عملكم طيبٌ؛ لأن الذهاب للجوامع التي يصلى فيها على الجنازة هذا من المبادرة للعمل الصالح؛ لأن الصلاة على الجنازة أجرها عظيمٌ، يقول النبي : من صلى على جنازةٍ كان له قيراطٌ، ومن تبعها حتى تدفن، كان له قيراطان قيل: وما القيراطان يا رسول الله؟ قال: مثل جبل أحدٍ [30]، كل قيراطٍ مثل جبل أحدٍ حسناتٍ، وهذا الحديث في “الصحيحين”، وهذه من الأعمال اليسيرة التي أجرها عظيمٌ، فكونك تصلي على الجنازة، ماذا يكلفك؟ عمل يسيرٌ، ومع ذلك على كل جنازةٍ قيراطٌ، فإذا كان مثلًا أربع جنائز تخرج بأربعة قراريط، يعني أربعة جبال من الحسنات، هذا كله مرتبٌ على الصلاة على الجنازة، ولذلك؛ فذهابكم لهذا الجامع لأجل الصلاة على الجنائز هذا عملٌ طيبٌ، وهذا سعيٌ لعملٍ صالحٍ، فاستمروا على هذا، وأحث الإخوة من يتيسر له أن يذهب للمسجد الذي يصلى فيه على الجنائز فليذهب ويصلي على الجنائز؛ لأنه يكسب بهذا أجرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلًا.

نعم، جزاكم الله خيرًا، هذا من المبادرة للخير، ومن المسارعة للخير.

لا أبدًا بالعكس، هذا سعيٌ لعملٍ صالحٍ، ومبادرةٌ للخير، بارك الله فيك.

السؤال: هذا سائل يقول: أنا أصوم يوم الخميس دائمًا، لكن يَعرض لي أن أخرج للمزرعة أحيانًا، هذه امرأةٌ تقول، أخرج المزرعة مع زوجي في هذا اليوم، فهل أقضيه بيومٍ آخر؟

الجواب: نعم، ويمكن أن تقضي هذا اليوم في يومٍ آخر إذا عَرض لك عارضٌ، بالنسبة للصيام تصومين يومًا آخر، والأفضل هو صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، ومن تيسر له أن يصوم الاثنين أيضًا فهذا أكمل وأفضل، وإذا عرض للإنسان عارضٌ فيعوض عن هذه الأيام بأيامٍ أخرى.

السؤال: قال: أنا معلم وبعض الطلاب صورهم حسنةٌ، ويأتون، ويحصل الفتنة؟

على كل حالٍ مثل هذا يُمنع ما يدعو للريبة، إذا كان هناك شيءٌ يدعو للريبة؛ كإطالة شعرٍ مثلًا، أو نحو ذلك، هذا هو الذي يُمنع، يتسبب في الفتنة، وإطالة الشعر إذا كانت تتسبب في… يترتب عليها مفاسد فيطلب من الطالب أن يحلق شعره، النبي كان شعره طويلًا، لكن كان عادة العرب في زمنه أنهم كانوا يطيلون شعورهم، والإنسان في مثل هذه الأمور يتبع عرف أهل البلد، لا يشذ عنهم، ولذلك؛ لا يستحب أن الإنسان يلبس عمامةً أو يلبس إزارًا ورداءً، يقول: أقتدي بالنبي ، نقول هنا في أمر اللباس، وأمر الشعر هنا يتبع الإنسان عرف أهل بلده، فيفعل مثل ما يفعلون، بل إن الإنسان لو أراد أن يلبس الآن عمامةً، أو إزارًا، أو رداءً، وأهل البلد لا يفعلون هذا، يعتبر هذا لباس شهرةٍ، وقد قال النبي : من لبس لباس شهرةٍ، ألبسه الله لباس مذلةٍ يوم القيامة [31].

السؤال: ما حكم صبغ اللحية بالسواد؟

الجواب: صبغ اللحية بالسواد اختلف فيه العلماء:

فمنهم: من ذهب إلى تحريمه.

ومنهم: من ذهب إلى كراهته.

ومنهم: من ذهب إلى إباحته.

وسبب الخلاف: هو الخلاف في ثبوت النهي من النبي عن الخضاب بالسواد، وأبرز ما رُوي في ذلك حديثان:

الحديث الأول: حديث جابرٍ رضي الله تعالى عنه قال: أُتي بأبي قحافة -يعني والد أبي بكر الصديق – وشعره كالثَّغَامة، أبيض، شعره ولحيته، فقال : غيروا شعر هذا [32]، ثم ساق مسلمٌ هذا الحديث بروايةٍ أخرى فيها الزيادة: وجنبوه السواد، اختلف العلماء في ثبوت هذه الزيادة، هل هي محفوظةٌ أم لا؟

وسئل أبو الزبير الذي رَوى الحديث عن جابرٍ : هل قال: وجنبوه السواد؟ قال: لا، وهذا يدل على أن هذه الزيادة غير محفوظةٍ، فإن الراوي أعلم بما رَوى، وقد سئل: هل قال: وجنبوه السواد؟ قال: لا.

ثم إن الإمام مسلمًا يروي الحديث الصحيح، وتارةً يُعقِبه برواية الحديث الضعيف، فكأن روايته لهذه الزيادة بعد الرواية الأولى إشارةٌ منه إلى ضعفه، كما أشار إلى هذا في مقدمة “مسلمٍ”.

والحديث الثاني: حديث ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما قال: إن النبي قال: يكون قومٌ في آخر الزمان يَخضبون بالسواد، لا يَرِيحون رائحة الجنة [33]، أخرجه أحمد في “مسنده”، ولكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ، ولهذا؛ أورده ابن الجوزي في “الموضوعات”، حديث ضعيفٌ لا يصح.

وعلى هذا: فإنه لا يثبت في النهي عن الخضاب بالسواد شيءٌ عن النبي ، ومما يدل لهذا: ما ذكره ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”: أن تسعة من أصحاب النبي كانوا يخضبون بالسواد.

ومعلومٌ أن الخضاب بالسواد في اللحية من الأمور الظاهرة المشتهِرة، يعني ليس أمرًا خفيًّا حتى يقال: إنه اجتهاد صحابيٍّ، والصحابة من أعظم الناس نصيحةً وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، فلو كان هذا مكروهًا فضلًا عن أن يكون محرمًا لأنكر على هؤلاء وهم تسعةٌ، ثم إن الصحابة  من أعظم الناس ورعًا وتقوى لله ، فلو كان هناك نهيٌ محفوظٌ لما فعله هؤلاء.

فعلى هذا: لا يكون في هذه المسألة شيءٌ محفوظٌ في النهي عن الخضاب بالسواد.

فالقول الراجح: أنه لا بأس به، لكن إن خلطه بشيءٍ؛ خروجًا من الخلاف؛ كأن يخلطه بالكَتَم أو الحناء ونحوه؛ خروجًا من الخلاف كان هذا حسنًا.

السؤال: قال: فضل اتباع الجنازة، هل يلزم الصلاة في المسجد الذي تقام فيه الجنازة، أم يكتفى بالصلاة على الجنازة في المقبرة؟

الجواب: يكتفى بالصلاة على الجنازة في المقبرة؛ لأنه أصلًا الصلاة على الجنائز في المسجد ما كانت موجودةً على عهد النبي ، كان يُصلى على الجنائز في مصلى الجنائز، ثم يذهب للمقبرة ويدفن؛ ولذلك اختلف العلماء: هل تشرع الصلاة على الجنازة في المسجد أم لا؟

والصحيح: أنه لا بأس بها؛ كما صلى النبي على ابن البيضاء في المسجد [34]، لكن كان الغالب أنهم ما كانوا يصلون على الجنازة في المسجد كانوا يصلون عليه في مصلى الجنائز، نقول هذا؛ حتى يتبين الجواب عن السؤال، وهو أنه لو صُلي عليها في أي مكانٍ، في المغسلة، في المقبرة؛ لا بأس بهذا.

السؤال: هل يجوز الذهاب إلى مسجدٍ معينٍ؛ لسماع قارئٍ حسن الصوت في الصلاة، أو في التراويح، وهل هذا يعتبر من شد الرحال؟

الجواب: لا، هذا لا بأس به، إذا كان الإنسان لا يخشع في صلاته إلا مع هذا القارئ، ويرى أنه إذا صلى معه خشع في الصلاة وتدبر القرآن، لا بأس بهذا، الأمر في هذا واسعٌ، وإن كان الأولى أن يصلي في أقرب مسجدٍ لبيته؛ لأنه إذا صلى في أقرب مسجدٍ لبيته يتحقق المقصود من صلاة الجماعة، المقصود من صلاة الجماعة: هو حصول التكافل الاجتماعي، والتراحم والمحبة والمودة بين جماعة المسجد، بين أهل الحي، فإذا صلى في أقرب مكانٍ لمسجد لبيته يحقق مقصود الشارع من صلاة الجماعة، لكن مع ذلك لو افترضنا أنه لا يخشع في صلاته مع المسجد القريب، ويريد أن يصلي مع مسجدٍ آخر يرى أنه يخشع معه، ويحضر قلبه معه، فلا بأس بهذا، ولا يعتبر هذا من شد الرحال؛ لأن شد الرحال الممنوع هو شد الرحال لتعظيم البقعة، وهذا غير واردٍ في هذه المسألة.

السؤال: قال: أصلي صلاة الفريضة مع الإمام، وفي التشهد الأول يطيل الإمام، فأنتهي من التشهد، فإذا سكت أوسوس فأصلي على النبي ، فما حكم ذلك؟

الجواب: الصلاة على النبي في التشهد الأول مشروعةٌ، وهو مذهب الشافعية، واختيار شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله؛ لأن الأحاديث عامةٌ، قالوا: يا رسول الله، عرفنا كيف نسلم عليك؟ -يعني: السلام عليك أيها النبي…- قال: قولوا اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد… إلخ [35]، ولم يقل: اجعله في التشهد الأخير، فهذا يشمل التشهد الأول والأخير؟

وعلى هذا: فتشرع الصلاة على النبي في التشهد الأول، كما تشرع في التشهد الأخير، وربما أن الإمام الذي ذكرت أنه يفعل هذه السنة يصلي على النبي ، ولذلك كان يطيل عليكم.

فإذنْ نقول: تفعل كما يفعل، فتصلي على النبي في التشهد الأول.

السؤال: قال: ما معنى: حُطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر؟

نعم، هذا ورد في الحديث الذي ذكرت، حديث أبي هريرة : من قال: سبحان الله وبحمده، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر [36]، يعني: غفرت له ذنوبه وإن كانت كثيرةً مثل زبد البحر، البحر يكون له زبدٌ، والبحار واسعةٌ، البحار هي ثلثا الكرة الأرضية، هذا يدل على كثرتها، فكأن الحديث: غفرت له ذنوبه وإن كانت كثيرةً، لكن المراد هنا: الصغائر وليس الكبائر، المراد: تكفير الصغائر وليس الكبائر.

السؤال: امرأةٌ عجوزٌ مرضت في رمضان مرضًا أطرحها على فراشها دون حركةٍ، وأفطرت ستةً وعشرين يومًا من رمضان، وما زالت في المرض لا تستطيع القضاء فما يلزمها؟

أولًا: نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيها، وعليها أن تطعم عن كل يومٍ مسكينًا، تطعم عن كل يومٍ من هذه الأيام الستة والعشرين مسكينًا، ولها أن تجمع هذه الستة والعشرين يومًا تعطيها مسكينًا واحدًا أو اثنين أو ثلاثةً، أو تفرقها بين عددٍ من المساكين، الأمر في هذا واسعٌ، لكن الواجب عليها إطعام ستةٍ وعشرين مسكينًا في هذه الحالة.

السؤال: قال: ذكرتم في بداية المحاضرة أننا ندخل الجنة بأعمالنا، فكيف نوازن بينه وبين حديث: إنه لن يدخل الجنة أحدٌ إلا أن يتغمده الله برحمته؟

نعم، هذا سؤالٌ جيدٌ، النبي قال: واعلموا أنه لن يدخل منكم أحدٌ الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته [37]، وهذا حديثٌ صحيحٌ.

وفي الآيات الأخرى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]، وهذه لا تَعارض بينها؛ فعندما نقول: إن الذي سيدخل الجنة بعمله، كما في الآية: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، المقصود: بسبب عمله، أي إن العمل سبب لدخول الجنة.

وأما قوله : لا يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله، أي: لن يستطيع أحدٌ أن يستحق دخول الجنة بعمله؛ لأن الجنة نعيمها عظيمٌ جدًّا، ما يمكن أعمالك..، لو أنك ساجدٌ طول عمرك، لا يمكن أن تستحق بعملك هذا الجنة أبدًا، الجنة من يدخلها مخلدٌ فيها أبد الآباد، ليس سنة، ولا…، إلى ما لا نهاية، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، لا مرضٌ فيها، ولا نصبٌ ولا تعبٌ، ولا همٌّ ولا غمٌّ، ولا موتٌ، هذه الجنة لا يمكن أن يستحقها الإنسان بعمله في الدينا، حتى النبي ، فقوله: لا يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله، يعني: على سبيل الاستحقاق، لكن قوله : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يعني: أن العمل سببٌ لدخول الجنة، لكن الله يتفضل على المؤمنين بأن يعطيهم خيرًا عظيمًا بغير حسابٍ في دار النعيم.

فإذن: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]، بسبب ما كنتم تعملون، وأما: لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، يعني أنه لن يستحق الجنة بعمله، وإنما هو محض فضلٍ من الله ورحمةٍ، لكن العمل سببٌ لدخول الجنة.

النقاب، هل هو فضلٌ، أم مستحبٌّ، أم واجبٌ؟

النقاب؛ إذا كان مقصود السائلة: تغطية الوجه، فتغطية الوجه واجبةٌ؛ لأن الوجه هو مجمع محاسن الزينة، ولذلك جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله تعالى عنها في قصة الإفك، قالت: فلما رأيت صفوان بن المعطِّل خمرت وجهي، يعني: غطيت وجهي، فتغطية الوجه واجبةٌ، يجب على المرأة المسلمة أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، وإذا كان الله في شأن العجائز قال: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ، ومع ذلك قال الله: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]، وهذا يدل على عناية الشريعة بهذه القضية، وعلى المرأة المسلمة أن تعتقد أن الحجاب عبادةٌ، وليس عادةً أو عرفًا أو تقليدًا؛ وإنما هي عبادةٌ تمتثل فيها أمر الله ، وتؤجر على ذلك الامتثال، لكن يجوز للمرأة أن تبدي عينيها؛ لكي ترى الطريق وترى أمامها، من غير إبداء الزينة، من غير أن تكتحل، أو تضع زينةً في عينيها، فهذا لا بأس به، وأما تغطية الوجه فيجب على المرأة المسلمة أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب.

السؤال: لي ابنة عمٍّ ترغب في الزواج مني، وأنا شابٌّ مستقيمٌ، هل لي أن أتزوج منها، علمًا أنها ليست مستقيمةً؟

النبي قال: تُنكح المرأة لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك [38]، فأوصى النبي بأن يكون المعيار هو اختيار الدين، لكن إذا كانت هذه قريبةً لك، يعني تعدك بأنها ستستقيم على طاعة الله ، وأنها ستكون مستقيمةً، فلا بأس بأن تتزوج بها، وتسعى لإصلاحها، وتستخير الله في هذا، والمهم أن تكون محافظة على الصلاة.

أما التي لا تحافظ على الصلاة فهذه لا خير فيها؛ فإن الصلاة من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، الصلاة هي ميزان الإيمان، وبخاصةٍ صلاة الفجر، من حافظ على صلاة الفجر فهو على خيرٍ، ولذلك يقول النبي : من صلى الصبح فهو في ذمة الله [39]، أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”.

ما معنى: في ذمة الله؟ يعني: في حفظ الله وضمانه وعهده، لماذا اختار صلاة الصبح فقط من بين سائر الصلوات؟ قال أهل العلم: لأنه لا يحافظ أحدٌ على صلاة الصبح مع الجماعة في المسجد بالنسبة للرجال، وفي وقتها بالنسبة للنساء، إلا إنسانٌ صادقٌ مع الله، فكان جزاء هذا الصادق مع الله أن يكون في ذمة الله طيلة يومه.

فإذن: إذا كانت تحافظ على الصلاة وتسعى لإصلاحها فلا بأس، وتستخير الله في هذا.

السؤال: قال: أنا مسافرٌ، وأدركت الإمام في الركعة الثالثة من صلاة العصر، هل أتم مع الإمام؛ لحديث أن المسافر يتم خلف المقيم، أو أصلي ركعتين؟

الجواب: المسافر إذا صلى خلف مقيمٍ فإنه يتم ولا يقصر، إذا صلى المسافر خلف مقيمٍ فإنه يتم ولا يقصر؛ لقول ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما لما سُئل: ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى خلف إمامٍ مقيمٍ صلى أربعًا؟ قال: “تلك السنة” [40].

فعلى ذلك نقول: أخي السائل المقيم، عليك أن تتم، حتى لو لم تدرك الإمام إلا في التشهد الأخير، يجب عليك أن تتم أربعًا ما دام أن الإمام مقيمٌ.

السؤال: ما هي السنة الراجحة في عدد الركعات بعد صلاة الجمعة؟

السنة الراجحة في هذا: أنها أربع ركعاتٍ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي قال: إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا [41]، أخرجه مسلمٌ في صحيحه.

لكن جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو أيضًا في “الصحيح”: أن النبي كان إذا صلى الجمعة صلى بعدها ركعتين، ولكن حديث أبي هريرة  من قول النبي ، بينما حديث ابن عمر رضي الله عنهما من فعله ، والقاعدة عند العلماء: أن القول مقدمٌ على الفعل، فعلى هذا: تكون السنة بعد الجمعة أربع ركعاتٍ.

طيب، لعلنا نختم بهذا السؤال:

السؤال: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك…، هل تبدأ من بعد الفجر، أو متى تبدأ؟ هل أذكر الصدقة للشخص الذي أتصدق عنه، ومتى تقال أذكار الصباح والمساء؟

الجواب: أما من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له…، هذه قال: من قال حين يصبح… [42]، والصباح يبدأ بطلوع الفجر، فمِن بعد طلوع الفجر يبدأ وقتها للحصول…، مع أنها تقال في أي وقتٍ، لكن من أراد أن يحصل على الأجر الوارد في هذا الحديث، فمِن حين أن يصبح، والصبح يبدأ بطلوع الفجر، ربما قبل صلاة الفجر، أو بعد صلاة الفجر مثلًا يقولها.

وأما أذكار الصباح والمساء: أذكار الصباح تبدأ من طلوع الفجر، وأذكار المساء تبدأ من بعد صلاة العصر؛ لأن الله في عدة آياتٍ أمر بالتسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]، أطراف النهار، وهذا يشمل التسبيح قبل طلوع الشمس، يعني الأذكار التي يؤتى: أذكار الصباح بعد صلاة الفجر، وقبل الغروب أذكار المساء التي يؤتى بها بعد صلاة العصر، فأذكار المساء إذنْ تبدأ بعد صلاة العصر.

هل يذكر الصدقة للشخص الذي يتصدق عنه؟

لا بد من إذنه، لا بد، الشخص الذي تتصدق عنه ما دام أنه حيٌّ لا بد أن تستأذنه، فإن كان لا يأذن فلا تتصدق عنه، وأما الميت فلا يحتاج إلى إذنٍ.

طبعًا الميت قد مات؛ لا يحتاج إلى أن تستأذن من ورثته، لكن لك أن تتصدق عن الميت مطلقًا، أما الحي فلا بد أن تستأذنه؛ لأن بعض الناس قد يرى أن هذا فيه منةٌ، وقد لا يرضى بهذا، وبعض الناس قد يكون أحمق لا يرضى أن يتصدق أحدٌ عنه، فلا بد من إذنه إذا كان حيًّا.

ثم أيضًا أنك إذا أخبرته واستأذنت منه، هذا يُدخل السرور على نفسه، لكن بعض الناس يحرص على توزيع أعماله على الآخرين، يعني تجده يتصدق عن فلانٍ وعن فلانٍ، ويُضحِّي عن فلانٍ، وينسى نفسه، نفسك أولى، هل تضمن أنك ستعمر عمرًا طويلًا، نفسك أولى أيضًا بأن تتصدق عنها، وأن تضحي عنها، وأن تعمل الأعمال الصالحة عنها؛ لأن بعض الناس عنده هذا النفَس، دائمًا يتصدق عن فلانٍ وفلانٍ، ويحج عن فلانٍ، ويضحي عن فلانٍ، وينسى نفسه، هذا لا ينبغي. أن يبدأ الإنسان بنفسه، أولًا يهتم بنفسه؛ لأنه كما هؤلاء بحاجةٍ إلى عملٍ صالحٍ، فأنت أيضًا بحاجةٍ لعملٍ صالحٍ.

أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 43، ومسلم: 785.
^2 رواه البخاري: 1150، ومسلم: 784.
^3 رواه البخاري: 527، ومسلم: 85.
^4 رواه مسلم: 291.
^5 رواه البخاري: 349، 3887، ومسلم: 163.
^6 رواه الترمذي: 2621، والنسائي: 462، وابن ماجه: 1079.
^7 راه مسلم: 82.
^8 رواه مسلم: 489.
^9 رواه مسلم: 488.
^10 رواه مسلم: 482.
^11 وراه البخاري: 6502.
^12 رواه البخاري:6502.
^13, ^16, ^36 سبق تخريجه.
^14 رواه البخاري: 4830، ومسلم: 2554.
^15 رواه أبو داود: 4902، والترمذي: 2511، وابن ماجه: 4211، وأحمد: 20374.
^17 رواه مسلم: 1067.
^18 رواه البخاري: 3344، ومسلم: 1064.
^19 رواه مسلم: 2676.
^20 رواه الترمذي: 3377، وابن ماجه: 3790.
^21 رواه الترمذي: 3375، وابن ماجه: 3793.
^22 رواه مسلم: 2698.
^23 رواه البخاري: 3293، ومسلم: 2691.
^24 رواه مسلم: 2203.
^25 رواه الدينوري في المجالسة: 3543.
^26 رواه أبو داود: 4599، وأحمد: 21303.
^27 رواه الطبراني: 11079.
^28 رواه البخاري: 660، ومسلم: 1031.
^29 رواه مسلم: 2630.
^30 رواه البخاري: 1325، ومسلم: 945.
^31 رواه أبو داود: 4029، وابن ماجه: 3606.
^32 رواه مسلم: 2102.
^33 رواه أبو داود: 4212، وأحمد: 2470.
^34 رواه مسلم: 973.
^35 رواه مسلم: 406.
^37 رواه البخاري: 5673، ومسلم: 2816.
^38 رواه البخاري: 5090، ومسلم: 1466.
^39 رواه مسلم: 657.
^40 رواه مسلم: 688، وأحمد: 1862، بنحوه.
^41 رواه مسلم: 881.
^42 رواه أبو داود: 5077، وابن ماجه: 3867.
مواد ذات صلة
  • عناصر المادةحديث حذيفة  في التحذير من الفتنضعف الإنسان أمام الفتنأبرز أسباب الفتنالاستشراف للفتنةاتباع الهوىضعف التقوىفتنة التكفيرتحصين الشباب من فتنة…

  • عناصر المادةجزاء محبة الله للعبدمعنى محبة الله ومنزلتهاصفات من يحبهم الله كما في القرآن الكريمصفة الإحسانفيم يكون الإحسان؟صفة الصبرحقيقة الصبرصفة…