الرئيسية/فتاوى/كيف يحافظ المؤمن على الأعمال الصالحة بعد رمضان؟
|

كيف يحافظ المؤمن على الأعمال الصالحة بعد رمضان؟

مشاهدة من الموقع

السؤال

كيف يـمكن للمسلم أن يحافظ على هذه المكتسبات العظيمة التي اكتسبها طيلة هذا الشهر الكريم من الطاعات، وهذه الأجواء الإيـمانية المباركة؟

الجواب

الحمد للّـه رب العالمين، وصلى اللّـه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.

أما بعد: 

فقد كان شهر رمضان مدرسةً تربويةً للمسلم، تربَّـى فيها على أن يؤدي العبادات، وأن يتقي اللّـه ​​​​​​​، أن يحقق التقوى للّـه سبحانه، وهذا من أسـمى مقاصد الصيام، كما قال اللّـه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]؛ فهذه المدرسة التي عاشها المسلم ثلاثين يومًا، ينبغي أن يكون لها أثرٌ عليه، ينبغي أن يكون بعد رمضان قد استفاد من دروس رمضان، وأن يكون لها أثرٌ عليه، وأن يواصل الأعمال الصالحة التي كان يعملها في رمضان.

عمل المسلم لا ينقطع إلا بالموت، كما قال اللّـه تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] لئن انقضى صيام شهر رمضان، فصيام النافلة -وللّـه الحمد- مشروعٌ طيلة أيام العام، ما عدا يومي العيدين وأيام التشريق فقط، وما عدا ذلك هو مشروعٌ طيلة أيام العام.

ويتأكَّد على وجه الخصوص هذه الأيام: صيام الست من شوال، التي قال عنها النبي في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلمٌ في صحيحه: من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر كله [1]، ومعنى الدهر، يعني: السنة؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فصيام رمضان عن عشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوال عن ستين يومًا، يعني: شهرين، إذا أضفت شهرين إلى عشرة أشهر، أصبحت سنةً كاملةً، كذلك أيضًا صيام ثلاثة أيام من كل شهر، صيام الاثنين والخميس، أعلى درجات صيام النافلة: صيام يوم وإفطار يوم.

كذلك أيضًا: لئن انقضى قيام رمضان، فقيام الليل لا يزال مشروعًا طيلة ليالي العام، وقد أخبر النبي بأنه ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر، نزولًا يليق بجلاله وعظمته، فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ [2] كل ليلة، سبحان اللّـه العظيم، انظر إلى عظيم رحمة الرب ​​​​​​​ بعباده، كل ليلة ينادي عباده: هل من داعٍ؟ هل من سائلٍ؟ هل من مستغفرٍ؟ 

فقيام الليل لا يزال مشروعًا طيلة ليالي العام، وهكذا أيضًا بالنسبة لتلاوة القرآن، وبالنسبة للصدقة، وبالنسبة للبذل والإنفاق في سُبل الخير، وبالنسبة لجميع الطاعات، فعمل المسلم لا ينقضي إلا بالموت، فعلى المسلم أن يستفيد من المدرسة التربوية لهذا الشهر المبارك، وأن يجدد التوبة النصوح: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

وأن يسعى الإنسان لتدارك ما تبقى من عمره، فإن الإنسان أجله مغيَّبٌ عنه، لا يدري متى يفجأه الأجل، كم رأينا من إنسانٍ أصبح صحيحًا معافىً، لـم يخطر بباله الموت ولو بنسبة 1%، وأمسى بين أصحاب القبور، انتقل من عالـم الدنيا إلى عالـم الآخرة، مع أنه أصبح ولـم يخطر بباله الموت.

فهذا المصير قد يكون مصير أي واحد منا، أي واحد منا معرَّض لهذا، فالإنسان قد غُيِّب عنه أجله، ربَّـما يكون الأجل قريبًا وهو لا يشعر؛ ولذلك ينبغي أن نسعى لتدارك ما تبقى من العمر؛ فإن الحياة الحقيقية هي الحياة في الدار الآخرة؛ ولهذا قال سبحانه عن الإنسان: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] طيب، حياته في الدنيا أليست حياةً؟ يعني: لا يعتبرها حياةً مقارنةً بحياة الدار الآخرة؛ لأن الحياة في الدار الآخرة هي الحياة الخالدة، هي الحياة الباقية، هي الحياة الحقيقية، وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ يعني: الحياة الحقيقية، الباقية لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64].

فعلى الإنسان أن يستعد لهذه الحياة الخالدة، الباقية، الحياة الحقيقية، أن يستعد لها بالأعمال الصالحة، وأن يتزوَّد بزاد التقوى، ما دام باب التوبة مفتوحًا، وما دام باب العمل مفتوحًا.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 رواه مسلم: 1164.
2 رواه البخاري: 1145، ومسلم: 758.

مواد ذات صلة