الخثلان
الخثلان
من نازلة البنج في قطع يد السارق إلى مدرات الحليب في الرضاع
8 شعبان 1439 عدد الزيارات 5682

النوازل الفقهية: من نازلة البنج في قطع يد السارق إلى مدرات الحليب في الرضاع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه ، واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا هو المجلس الخامس والأخير في هذه الدورة العلمية في النوازل الفقهية في غير العبادات.

في هذا المجلس نستكمل الحديث عن بقية النوازل – إن شاء الله تعالى – وبقية الوقت سنجيب فيها عن ما أمكن من الأسئلة المتبقية.

فمن النوازل في باب الحدود استخدام البنج في قطع يد السارق، من المعلوم أن حد السرقة قطع اليد، تقطع اليد اليمنى من مفصل الكف، كما قال الله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فإذا استكملت السرقة شروطها فيجب القطع، وكان الناس قديما عند القطع، عندما تقطع يد السارق يؤتى بزيت مغلي شديد الحرارة، فإذا قطعت اليد غمست في هذا الزيت، وهذا ما يسمى بالحسم، والغرض من ذلك: إيقاف نزيف الدم؛ لأن اليد بعد قطعها تنزف دما، فلو لم تحسم في هذا الزيت المغلي لاستمر النزف معه إلى أن يموت، وغمس اليد في الزيت المغلي مؤلم جدا، بل ربما يكون أشد إيلاما من القطع نفسه، لكنه كان في الأزمنة السابقة لابد منه، ما عندهم حل آخر، ماذا يفعلون؟ أما في الوقت الحاضر مع تقدم الطب يمكن إيقاف النزيف من غير حاجة إلى غمسها في زيت مغلي، فبعدما تقطع اليد مباشرة يتولى الطبيب تضميدها، وإعطاء هذا الذي قطعت يده مواد لإيقاف النزيف، لكن المسألة التي بين أيدينا هذه مسألة ليست محل خلاف، هذه محل إجماعا أنه يجوز للطبيب أن يعطي هذا الذي قطعت يده مواد لإيقاف النزيف، ولا يتعين الزيت الغمس في الزيت المغلي.

لكن المسألة التي بين أيدينا هي استخدام البنج عند قطع السارق بحيث لا يحس بالألم، هل هذا يجوز أو لا يجوز؟

وهذا يرجع إلى مسألة هل مقصود الشارع من القطع إيلام السارق وقطع يده أو أن الإيلام غير مقصود، وأن المقصود فقط هو قطع يده، وأن تبقى يده مقطوعة؟

اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة:

فمنهم من يرى أنه لا يجوز استخدام البنج، ويقولون: إن إيلام السارق أمر مطلوب، واستدلوا بقول الله – عز وجل -: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِقالوا فقوله: نكالا تدل لذلك، فإن النكال هو العقوبة.

والقول الثاني: أنه يجوز استخدام البنج عند قطع يد السارق، وإلى هذا القول ذهبت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بالأغلبية، واستدل أصحاب هذا القول بأن مقصود الشارع هو قطع اليد، وأن إيلام السارق بالقطع ليس مقصودا، وإنما مقصود الشارع أن تقطع يده، وأن تبقى يده معلقة فيراها الناس فينزجروا عن السرقة، ويرتدعوا عنها.

وإذا أردنا الترجيح بين القولين نعود للآية فالله تعالى يقول: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ يقول الله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا فدلت الآية على أن العقوبة في القطع، ولم يقل: فآذوهما بالقطع، أو أنه طلب إيلامهما بالقطع، إنما قال: ﴿فَاقْطَعُوا وهذا يدل على أن مقصود الشارع هو مجرد القطع، ولهذا قال: ﴿جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ والنكال هو العقوبة، لكن العقوبة وردت بالقطع فقط، وهذا القول الثاني هو الراجح والله أعلم، أنه يجوز استخدام البنج في قطع السارق، وأن إيلام السارق ليس مقصودا وإنما المقصود قطع يده، وإذا قطعت يد السارق مع استخدام البنج فيصدق عليها أنها قطعت، والله تعالى يقول: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وهذه تشبه ما ذكرنا من غمس يد السارق في الزيت المغلي، ما دام أن الآن بالإمكان إيقاف النزيف من غير غمسه في الزيت فلا حاجة لغمسه في الزيت، هكذا أيضا في وقتنا الحاضر ما دام بالإمكان قطع يده من غير إيلام عن طريق استخدام البنج فما المانع من هذا؟ إذاً القول الراجح أنه يجوز استخدام البنج، أن هذا لا بأس به، وهذا هو الذي عليه العمل، وصدر به قرار هيئة كبار العلماء، وإن كان الآن قطع في السرقة قد قل في الوقت الحاضر مع كثرة السرقات، والإشكالية الحقيقة هي إشكالية قضائية بحتة؛ وذلك لقبول رجوع المقر من أن السرقات في الغالب لا تثبت بشهادة شهود، السارق عندما يسرق لن يسرق وأحد يشاهده، وإنما تثبت في الغالب بإقرار السارق بعدما يقبض عليه، والسارق الآن بعدما يقبض عليه يعترف ويقر، ثم بعد ذلك إذا ذهب للقاضي رجع عن إقراره، أو أنه يقر عند القاضي ثم قبل التنفيذ يرجع عن إقراره، قال ابن تيمية – رحمه الله -: «إذا قبل رجوع المقر فلن يقام حد» لكن الجمهور على قبول رجوع المقر، والمالكية قالوا: لا يقبل رجوع المقر إلا إذا كان ثمة شبهة، وقول المالكية أرجح ولذلك لو أخذ بقول المالكية في هذه المسألة فإنه سيقام حد القطع بالسرقة، لكن الذي عليه العمل الآن في الجهات القضائية والأخذ بقول الحنابلة وقول الجمهور في قبول رجوع المقر، ولذلك السارق يقبض عليه، ويقر، ويعترف، وربما حكم عليه، ثم يتراجع، ويقبل رجوعه، بذلك هذا هو السبب الرئيس في قلة القطع في السرقة، قبول رجوع المقر، لو أنه أخذ بالقول الآخر وهو عدم قبوله إلا إذا كان هناك شبهة أو قرينة تدل على أنه أكره أو نحو ذلك فهنا لا حرج، أما أن يقبض عليه، والقرائن تدل على سرقته، ربما كان هناك البصمات، ربما كان هناك صور، ربما كان من أرباب السوابق، واعترف وصدق اعترافه، ثم يتراجع بعد ذلك، لماذا يقبل تراجعه؟ فإذا لم يقبل تراجعه أقيم هذا الحد، لكن إذا قبل التراجع فإنه سيقل إقامة هذا الحد كما ترون أن هذا هو الواقع.

أيضا من النوازل المتصلة بهذه المسألة إعادة اليد المقطوعة ليد صاحبها.

طبعا بالنسبة لاستخدام البنج في قطع السارق إنما هو بحد السرقة، وإلا فالقصاص لا يستخدم البنج إلا إذا أذن المجني عليه، لو أن شخصا اعتدى على آخر فقطع يده، وحكم بالقصاص، بقطع يد الجاني، فلا يجوز استخدام البنج إلا إذا أذن المجني عليه بذلك؛ لأن الإيلام في القصاص مقصود، والمماثلة مقصودة، فإذاً استخدام البنج الذي قلنا إنه يجوز إنما هو في حد السرقة فقط، القطع، أما في القصاص فلا يجوز وإلا إذا أذن المجني عليه في استخدامه.

ننتقل لنازلة أخرى متعلقة بهذه النازلة ومرتبطة بها وهي إعادة اليد المقطوعة لصاحبها، عندما تقطع يد السارق هل يجوز أن تعاد اليد المقطوعة لصاحبها؟

وهم يقولون: يشترط لإعادة يد المقطوعة أن تعاد في الوقت نفسه، لو تأخرت لم يمكن طبيا، لكن لو افترضنا مثلا أن هذا السارق أو قرابته اتفقوا مع مستشفى أهلي على أن يحضروا عربة مثلا فيه جميع مستلزمات العلمية من حين القطع ليده تجرى له عملية، وتعاد اليد له، هل هذا يجوز؟

نرجع للسؤال الذي طرحنا في المسألة السابقة هل مقصود الشارع قطع اليد وأن تبقى اليد مقطوعة؟ أو أن لهم مقصودا آخر؟

نعم هذا هو مقصود الشارع من القطع، إذاً مقصود الشارع من القطع أن تبقى يد السارق مقطوعة بحيث يراها الناس، فيرتدعوا عن السرقة، وعلى هذا فلا يجوز إعادة اليد المقطوعة ليد صاحبها؛ لأن هذا يتنافى مع مقصود الشارع من القطع، وإذا قطعت يد السارق وبقيت مقطوعة، ورآها الناس فإنهم يرتدعون عن السرقة ويخافون، وهذا أمر مقصود شرعا، وقد صدر أيضا في هذا قرار من هيئة كبار العلماء بأنه لا يجوز إعادة اليد المقطوعة لصاحبها إذا قطعت في السرقة.

ننتقل لنازلة أخرى أيضا متعلقة كتاب الجنايات وهي القصاص في الكسور والجراح والشجاج.

عندما يقرأ طالب العلم كلام الفقهاء السابقين في القصاص في الكسور، والجراح، والشجاج يجد أنهم يشترطون للاستيفاء الأمن من الحيف، فإذا لم يوجد الأمن من الحيف سقط القصاص، وانتقل الأمر إلى الدية، ففي زاد المستقنع يقول صاحب الزاد: للقصاص في الطرف شروط:

الأول: الأمن من الحيف بأن يكون القطع من مفصل ولو حد ينتهي إليه، فعندهم لابد أن يكون القطع من المفصل، إذا اعتدى إنسان على آخر، فقطع اليد من المفصل فيقتص من الجاني، إذا قطع اليد ليس من المفصل وإنما قطعه مثلا كسر ذراعه، نصف الذراع فعندهم أنه لا يقتص من الجاني، لماذا؟ لأنه لا يمكن الاستيفاء من غير حيف، إذا قلنا للمجني عليه اكسر يد الجاني كيف يكسره؟ ما يستطيع إلا بزيادة، أو نقص، فلا يؤمن من الحيف، فلذلك يقولون: إنه لا يستوفى القصاص في هذه الحال، ويعدل عنه إلى الدية، فلذلك يشترطون في القصاص يقولون: بأن يكون القطع من مفصل له حد، مثل: مفصل الكف مثلا، لو كسر يده من الذراع، كسرها من العضد يقولون: لا يستوفى القصاص، وإذا أتينا إلى الشجاج أيضا والجراح فنفس الحكم عندهم أنه في الجراح يقتص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة، والموضحة هي الشجة التي تصل إلى العظم، ولا يقتص في غير ذلك من الشجاج، وعندهم عند العرب أنواع من الشجاج الحارصة، والبازلة، والباضعة، والمتلاحمة، والسمحاق، والموضحة، والهاشمة، والمنقلة، فعندهم أن هذه الشجاج هذه لا يستوفى منها إلا في الموضحة فقط؛ لأن الموضحة يمكن استيفاء القصاص من غير حيف، وهكذا أيضا بالنسبة للجروح، ومن يقرأ في كتب الفقه يجد هذا الشرط، وهو أنه يشترط لاستيفاء القصاص إن كان الاستيفاء من غير حيف، ويتفرع عن هذا الشرط أنه يجوز القصاص في أمور، ولا يجوز في أمور أخرى؛ لعدم إمكانية الاستيفاء من غير حيف، ومع تقدم الطب في الوقت الحاضر ينبغي أن يعاد النظر فيما ذكره الفقهاء السابقون، وهذه وظيفة الفقهاء المعاصرين، فلا يأتي إنسان أو قاضي ويقرأ الزاد، أو يقرأ كتب الحنابلة ويطبق الموجود فيها بالنسبة للقصاص، لماذا؟ لأن الفقهاء السابقين معذورون ذكروا هذه الأمور بحسب ما توصل إليه الطب في زمنهم، أنه لا يمكن الاستيفاء من غير حيف، في وقتنا الحاضر يمكن استيفاء القصاص من غير حيف في جميع ما ذكر، بدقة كبيرة، سواء في الأطراف، أو في الشجاج، أو الجروح، أو غيرها.. ولذلك ينبغي أن يعاد النظر في هذه الأحكام، فمثلا: إنسان اعتدى على آخر فكسر يده من الذراع، يمكن القصاص من الجاني بكسر يده من الذراع من غير حيف، عن طريق الطبيب، يجرى له عملية، فينظر بسنتمترات موضع الكسر، ويحدد موضع الكسر عند الجاني، ويفعل به مثل ما فعل بالمجني عليه تماما، وهذا ممكن في الوقت الحاضر بدقة كبيرة، ومثل ذلك: ما ذكر من الشجاج، وما ذكر من الجروح، فكثير من القضايا التي كان الفقهاء السابقون يمنعون من القصاص فيها لعدم إمكانية القصاص من غير حيف، يمكن في وقتنا الحاضر أن يستوفى القصاص فيها مع الأمن من الحيف، ولذلك ينبغي أن يعاد النظر فيها - وإن شاء الله تعالى – في شرح دليل الطالب سأذكر هذه المسائل – وإن شاء الله – قسم العبادات تقريبا انتهى في طور المراجعة، وسيخرج قريبا، وأيضا القسم الثاني غير العبادات سيخرج – إن شاء الله – في مدة لا تزيد عن السنة من الآن – بإذن الله تعالى – وأيضا ربما – إن شاء الله – بعدما الانتهاء من شرح الدليل في النية أن أصنف متنا فقهيا حيث أذكر فيه أبرز المسائل التي ذكرها الفقهاء السابقون، وأبرز النوازل والمسائل المعاصرة، بحيث تكون كلها في متن واحد، فمثلا: الغسيل الكلوي هل يفطر الصائم أم لا؟ في سطر واحد الغسيل الكلوي الدموي، الغسيل الكلوي البريتوني مثلا يفطر الصائم، بحيث من يقرأ المتن أو من يحفظه يستطيع أن يضبط أبرز المسائل التي ذكرها الفقهاء السابقون، وأبرز النوازل والمسائل المستجدة، ومن ضمنها أيضا هذه المسائل المتعلقة بالجنايات، فبعض المسائل التي ذكرها الفقهاء المتقدمون ينبغي للفقهاء المعاصرين أن يعيدوا النظر فيها بحسب المستجدات، من ذلك مثلا: في أبواب المعاملات لما ذكر الفقهاء أنه لا يجوز السلم في القدور؛ لأن القدور عندهم تصنع يدويا، في الوقت الحاضر أصبحت تصنع آليا، فأصبحت يمكن التماثل في صناعة القدور بدقة كبيرة، اسم  الشركة، والرقم، ويعطيك أي قدر تريد، فهنا ما ذكره الفقهاء السابقون من عدم جواز السلم في القدور في السابق في وقتنا الحاضر تغير الحكم نقول: يجوز السلم في القدور؛ لأن العلة التي ذكرها الفقهاء السابقون انتفت في وقتنا الحاضر، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإذاً تقدم الطب مثلا، تقدم الصناعة هذا له أثر في تقرير بعض الأحكام الشرعية، فهذه المسألة إذاً هي مسائل كثيرة ليست مسألة واحدة مسائل كثيرة في كتاب الجنايات كان الفقهاء السابقون يمنعون من القصاص فيها لعدم إمكان الحيف في وقتنا الحاضر نقول: بالقصاص فيها لأجل الأمن من الحيف.

أيضا من النوازل في كتاب الحدود سرقة الحقوق المعنوية، الحقوق المعنوية تكلمنا عنها في درس سابق، وقلنا: أن الحق المعنوي سلطة على شيء غير مادي، كحق المؤلف، ونحو ذلك.. لكن لو افترضنا أن أحدا سرق كتابا، أو بحثا من آخر، أتى لبحث لك أو كتاب لك، وغير الاسم بدل ما هو اسمك جعله باسمه، فهل هذا يعتبر سرقا، وهل هذا يوجب القطع؟

الناس يسمونه سرقة، لكن السرقة لابد أن تستوفي الشروط شروط القطع لك يحكم بالقطع، لايهمنا الحقيقة المصطلح هل يسمى سرقة، لكن المهم الآن هل الشروط الآن منطبقة عليها، الواقع أن الشروط غير منطبقة، غير مكتملة لماذا؟ لأن السرقة من غير حرز، ومن شروط القطع في السرقة أن تكون من حرز، الآن الكتاب عندك، والبحث عندك، لكن هذا استنسخه ووضع اسمه مكان اسمك، فأين الحرز الذي سرق منه هذا الكتاب أو هذا البحث؟ فالسرقة الآن من غير حرز، هذا أمر، الأمر الثاني: أن أصل المال المسروق لا زال باقيا عند صاحبه، فالكتاب لا زال عندك، فكيف يقال: إنها سرقة موجبة للقطع، على هذا نقول: إنها غير موجبة للقطع، لكن يجب فيها التعزير، والتعزير يكون بحسب ما يراه القاضي، لكن يعاقب هذا السارق بعقوبة تعزيرية تؤدبه.

من النوازل أيضا في كتاب الرضاع استخدام مدرات الحليب، فتستخدم بعض النساء عقاقير تدر الحليب، فيخرج من المرأة لبن، وهي غير ذات زوج، إما لكونها لم تتزوج، أو لكونها مطلقة، أو لكونها أرملة، فترضع طفلا في الحولين، فهل هذا الرضاع تثبت به هل هو رضاع محرم تثبت به المحرمية أم لا؟

هذه المسألة ترجع لمسألة ذكرها الفقهاء السابقون، أو ذكروا مسألة شبيهة بها، وهي إذا ثاب اللبن عن غير حمل فهل هذا اللبن محرم أو ليس محرم؟

وهذا فيه خلاف بين الفقهاء على قولين:

منهم من قال: إنه لبن غير محرم وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقالوا: إن اللبن المحرم هو اللبن الذي يثوب عن حمل، بأن تحمل المرأة وتلد يثوب اللبن.

والقول الثاني: أنه لبن محرم؛ وذلك لعموم الأدلة ومنها قول الله – عز وجل - : ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وهذه امرأة أرضعت طفلا لبنا، فما الذي يخرج هذا اللبن من عموم الأدلة؟ وهذا القول الثاني اختاره جمع من المحققين من أهل العلم، واختاره أبو العباس بن تيمية، وأيضا ابن عثيمين، وجمع من أهل العلم وهو القول الراجح، ما دام أنه لبن خرج من امرأة فهو لبن محرم، بغض النظر عن سبب وثوب هذا اللبن، هل هو عن حمل أو عن غير حمل، وعلى ذلك فاستخدام هذه الهرمونات إذا ثاب لبن بسببها فأرضعت هذه المرأة طفلا في الحولين، فإنه يكون ابنا لها من الرضاع، وهذا قد تحتاج إليه بعض النساء اللاتي يأخذن أطفالا من دور الرعاية الاجتماعية، وتريد أن يكون هذا الطفل ابنا لها من الرضاع، فتستخدم هذه العقاقير فترضعه، لكن حسب كلام المختصين أن فيها خطورة، قد يكون فيها أضرار طبية، لذلك لابد من استشارة الطبيب قبل استخدام هذه العقاقير، إذا قدر أنه ليس فيها ضرر، فيظهر أنه لا بأس بذلك، ويكون هذا الطفل ابنا لها إذا كان رضاعه خمس رضعات فأكثر في الحولين، ويمكن أن تعدل المرأة عن ذلك بأمر أيسر، تجعل مثلا أختها ترضع هذا الطفل وتكون هي خالته، وبالتالي تكون خالته من الرضاع، ويكون محرما لها، لكن أحيانا قد لا يتيسر لها أخت مثلا أو نحو ذلك، فالمهم هو تلجأ المرأة لهذا إلا بعد استشارة الطبيب المختص.

هذه هي أبرز النوازل التي أردنا الكلام عنها في هذه الدورة، ولعل بقية الوقت نخصصه للإجابة عن ما ورد من أسئلة كثيرة، ونجيب بحسب ما يتسع به الوقت.  

وإن شاء الله تعالى ما قيل في هذه الدورة، وأيضا في الدورة السابقة سيكون – إن شاء الله – في كتاب – بإذن الله تعالى – يخرج في فقه النوازل، وأيضا تجمع هذه الدورة مع الدورة السابقة وتكون في قرص أيضا – بإذن الله عز وجل .