الخثلان
الخثلان
من تجميد النطف إلى توريث المتسبب في قتل مورثه في حادث سيارة
8 شعبان 1439 عدد الزيارات 1612

النوازل الفقهية: من تجميد النطف إلى توريث المتسبب في قتل مورثه في حادث سيارة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه ، واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

قبل أن نبدأ أنبه الأخوات اللاتي يحضرن معنا هذا الدرس، أسأل الله تعالى أن يأجرهن ويثيبهن، أنبه إلى أنه إذا كان لديهم أسئلة يمكن أن يرسلن الأسئلة، وسنخصص جزء من الوقت للإجابة عن أسئلتهن.

نواصل الحديث عن النوازل، ولا زلنا في النوازل في فقه في الأسرة.

هناك ما يسمى بتجميد النطف، معناه: أن الحيوان المنوي يجمد تحت درجة برودة عالية تصل إلى مائة وثمانين درجة تحت الصفر، قد تصل إلى مائتين أو أكثر، وهذا التجميد يحفظ خصائص الحيوان المنوي، هذا يحتاج إلى تجميد النطف، بعض الذين يبتلون بأمراض مستعصية مثل: من يبتلى بالسرطان – عافانا الله وإياكم – وهو لا يزال شابا، ويرغب في تجميد نطفه لأنه إذا استخدم الكيماوي فإنه يصبح غير قادر على الإنجاب، الحيوانات المنوية لديه تموت، فيريد قبل أن يستخدم الكيماوي بعض العلاجات السرطان يريد أن تجمد نطفه، ثم تنقل بعد ذلك إلى زوجته، ويرزق بذرية من ماءه هو، هذا الموضوع إذا كان بين غير الزوجين فإنه لا يجوز محرم بالإجماع ولا إشكال في تحريمه، لكن أيضا إذا كان بين الزوجين من غير حاجة فإنه لا يجوز لما يترتب عليه محاذير شرعية، من خشية اختلاط الأنساب، ومن أيضا كشف العورات، وغير ذلك.. لكن إذا قامت الحاجة لهذا الأمر مثل: ما ذكرت إنسان ابتلي بمرض مستعصي، ويريد تجميد نطفه لأنه عند العلاج قد يؤثر هذا العلاج على الإنجاب لديه، فيقول: أنا أريد أن أجعل لي بنكا خاصا بي، وينقل لزوجتي وأرزق بذلك بالذرية، ولا أحرم من الذرية، الذي يظهر أن هذا الأمر إذا تم تحت رقابة صارمة، وكان خاصا بالزوج والزوجة، ولم يخشى اختلاط الأنساب، أو انتقال هذا المني والماء إلى غير الزوجة إنه لا حرج فيه – إن شاء الله – لأنه أخذ من ماءه ولقح به زوجته، كما قلنا في طفل الأنابيب، وقد عرضت وزارة الصحة على هيئة كبار العلماء أن تجعل هذا لدينا في المملكة، ولكن كثير من المشايخ في الهيئة تحفظوا على هذا الموضوع، وقالوا: نخشى أن يترتب عليه بعض الأمور، لذلك لم يقر، لكنه موجود بكثرة في الغرب، فمن حيث الحكم الشرعي الذي يظهر أنه إذا كان تحت رقابة صارمة، ولم يتطرق إليه الشك بنسبة ولا بنسبة واحد بالمائة، وأن هذه الحيوانات المنوية ستنقل لزوجته مباشرة أن هذا لا حرج فيه – إن شاء الله – لأن هذا الإنسان الآن ابتلي بهذا المرض فلماذا نجمع عليه مصيبتين؟ المرض والحرمان من الذرية، وبالإمكان أن تحقن زوجته من ماءه، ولكن مع التشديد في الصرامة في حفظ هذا الماء، يفترض أن يكون هذا تحت رعاية مؤسسات موثوقة، أو رعاية دول، أو نحو ذلك حتى لا يكون هناك مجال لاختلاط الأنساب ونحو هذا، هذه إذا نازلة من النوازل المتعلقة بهذا الباب.

أيضا ننتقل لنازلة أخرى وهي البصمة الوراثية وتسمى بالحمض النووي، معنى هذه البصمة هي: البنية الجينية، والجينات هي المورثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه، ويرمز للمادة المورثة الموجودة في الخلايا بعضهم يسميه دي إن أي، بعضهم يسميها بالبصمة الوراثية، وبعضهم يسميها بالحمض النووي كلها أسماء لمسمى واحد فهي تعني المادة المورثة الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية، وهذه الجينات أو المورثات الحية هي الأحماض الأمينية ا لموجودة لدى كل إنسان، فإنه يوجد في داخل النواة التي تستقر في خلية الإنسان يوجد فيها ستة وأربعون من الصبغات التي تسمى بالكروموسات، وهذه الكروموسات تتكون من المادة الوراثية التي تسمى بالحمض النووي، وكل واحد من هذه الكروموسات يحتوي على عدد كبير من الجينات الوراثية، وقد تبلغ في الخلية الواحدة مائة ألف مورث جيني، أو أكثر، وهذه المورثات الجينية هي التي تتحكم في صفات الإنسان والطريقة التي يعمل بها، وأثبت الطب الحديث أن كل إنسان يمتلك جنوما خاصا به دونما سواه لا يمكن أن يتشابه مع غيره كبصمات الأصابع بحيث لا تتطابق الصفات الجينية بين شخص وآخر أبدا، ولهذا جرى إطلاق عبارة بصمة وراثية للدلالة على تثبيت هوية الشخص أخذا من عينة الحمض النووي الذي يحمله الإنسان عن أبيه وأمه، فإن كل شخص يحمل في خليته الجينية ستة وأربعين من صبغات الكروموسات، يرث نصفها ثلاثة وعشرين كروموسا من أبيه، وثلاثة وعشرين من أمه، مجموع ثلاث وعشرين وثلاث وعشرين ينتج كروموسات خاصة به لا تتطابق مع كروموسات أبيه ولا مع كروموسات أمه، قد أصبح يستفاد من هذه البصمة في الوقت الحاضر يستفاد منها في مجالات عديدة، ويستفاد منها في إثبات النسب، ونتيجة إثبات النسب هي قطعية أو شبه قطعية، فيمكن إذا أخذ الحمض النووي من شخص وأخذ من أبيه يعرف بشكل قاطع هل هو أبوه فعلا أم لا، ويستفاد منها في الجرائم الجنائية التي تحتاج لتحديد الهوية، فإذا وجد مثلا شخص في جريمة، وأراد معرفة هويته، يؤخذ الحمض النووي ويعرف هل هو فلان أم لا، وكذلك يستفاد منها أيضا عند اشتباه المواليد في المستشفيات وغيرها، وعند الاختلاف في دعوى النسب، فأصبحت هذه البصمة يستفاد منها في أمور كثيرة، نحن الآن أمام هذا الواقع فما أثر هذه البصمة في الأحكام الشرعية؟

أولا: في جهة إثبات النسب فيمكن أن يستفاد منها عند التنازع، لكن لا يعتمد عليها في نفي النسب، نفي النسب الطريق الوحيد لنفيه هو اللعان ما عداه لا يعتمد عليه، حتى الحمض النووي لماذا؟ لأن هذه كلها تبقى قرائن، ولأن الشبه الذي يكاد يصل لدرجة القطع في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعتبره فإن في قصة هلال بن أميه لما لاعن امرأته قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : «أبصورها فإن جاءت به كذا، وكذا، وكذا فهو للشريك بن سحمان الذي رمي بالزنا، فأتت به مطابقا للوصف الذي ذكره النبي – عليه الصلاة والسلام – تماما، لكن هل ألحقها النبي – عليه الصلاة والسلام – به، أبدا، هو لك يا هلال إلا أن تلاعن، فلاعن هلال فنفى النسب» لما ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – هذه الصفات تدلج الساقين إلى آخر ما ذكر هذه قريبة من القطع، انظروا فإن أتت به كذا، وكذا، وكذا فهو لهلال، أتت به على الوصف الذي ذكروه لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعتبر ذلك إنما جعل المعتبر في نفي النسب هو اللعان، فإذا شك رجل في نسب ولده من ابن أو بنت ثم أجرى الحمض النووي وقال: إن هذا ليس مني، فنقول: ينسب لك، إذا أردت أن ينفى عنك لاعن، لابد من اللعان؛ لأن اللعان فيه معنى آخر وهو أنه يلعن نفسه أربع مرات، هذه ليس بالأمر الهين، يشهد بالله أربع مرات إنه من الصادقين، والخامس أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين هذا ليس بالأمر الهين، لن يقدم عليه إلا وهو متحقق في الغالب من صدق نفسه، إذا الطريق الوحيد لنفي النسب هو اللعان، ليس هناك طريق آخر، فلا يعتمد على البصمة الوراثية في نفي النسب، أما في حالة الإثبات النسب فيمكن أن يعتمد عليه في ذلك ومن ذلك: حالات التنازع على مجهول النسب، فإذا تنازع اثنان في نسب مولود فيجرى الحمض النووي فمن أثبت الحمض النووي أنه ابنه يلحق به، في حالة الاشتباه للمواليد في المستشفيات أيضا يعتمد على الحمض النووي في ذات النسب هنا، وفي حال ضياع الأطفال واختلاطهم وتعذر معرفة أهلهم، فيمكن إذا أن يستفاد من الحمض النووي في إثبات النسب لا في نفيه، في إثبات النسب لا في نفيه، وينبغي أن يكون استعمال الحمض النووي في الحالات الضيقة إما في الجرائم الجنائية، أو في حالات إثبات النسب خاصة في حالات الاشتباه لكن لا يتوسع في ذلك، وأن يحاط بقدر كبير من السرية، ومن الصرامة، وعندنا في المملكة صدر تنظيم من مجلس الوزراء بأنه لا تقوم المستشفيات بإثبات الحمض النووي إلا بأمر قضائي، أو الجهات الأمنية عندما تحتاج إلى ذلك؛ لأن بعض الناس عندهم وسوسة يشك في أولاده، يقول: هل هؤلاء أولادي أم لا، فأنا أذهب وأجرب أعمل لهم حمض نووي، ثم يتسبب في مشاكل، ربما أن المرأة إذا ذهب مجرد أنه يذهب بهم لإجراء حمض نووي تطلب الطلاق منه، ويتسبب هذا في مشاكل، لا يمكن من ذلك إلا إذا وجد سبب يستدعي كأن تزني مثلا امرأته، ويريد أن يتثبت، هل هذا الحمل من الزنا أو ليس من الزنا؟ فإن كان من الزنا لاعن، وإن كان من غير الزنا لم يلاعن، يمكن أن يستفاد منه في هذا، فإن بعض الناس قد يبتلى بمثل هذا فيقول: إذا حملت من الزنا فأريد أن ألاعنها فإذا لم تحمل من الزنا فلن ألاعن، ويبقى له القرار هل يطلق أ لا يطلق، إن تابت فالأمر له يطلق أم لا، أما إذا لم تتب فيجب عليه الطلاق ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ إذا نخلص من هذا إلى أن البصمة الوراثية يمكن أن يستفاد منها في إثبات النسب، ولا يعتمد عليها في نفيه.

أيضا من النوازل المتعلقة بفقه الأسرة نفقة الزوجة العاملة، أو نفقة الزوجة الموظفة.

من المعلوم أن الزوجة تجب لها النفقة على زوجها، لكن هل نفقة الزوجة الموظفة على زوجها مثل نفقة الزوجة غير الموظفة؟ هل الوظيفة أو العمل أثر في إسقاط أو تخفيف النفقة أم لا؟

هذه المسألة حقيقة تعتبر من النوازل، لماذا تعتبر من النوازل؟

لأن العمل بالنسبة للمرأة، العمل في وظائف لم يكن موجودا بهذه الصورة التي هي موجودة عليها الآن، الأصل في المرأة أنها تقر في بيتها، وهي مكفولة وهو مأمور بالإنفاق عليها من قبل زوجها إن كانت متزوجة، أو من قبل والدها، أو من قبل أخيها إن لم يكن زوجها ولا أب، فهي مكفولة النفقة، لكن كما ترون الآن أن واقع المرأة في الوقت الحاضر اختلف عن واقع المرأة من قبل، وأصبح كثير من النساء من الموظفات، ومن العاملات، وإذا تزوج الرحل امرأة موظفة كيف تكون نفقتها؟

أولا: نقول النفقة إنما وجبت شرعا بسبب عقد الزوجية، مقابل تمكين الزوجة للزوج من الاستمتاع بها، فهي مقابل الاستمتاع بها، والمرأة العاملة يتحقق الاستمتاع بها لكنه لا يتحقق التمكين التام، فجزء من وقتها خارج المنزل، تكون خارج المنزل مثلا، ست أو ثمان ساعة أو أكثر أو أقل، لا يتحقق التمكين من الاستمتاع بها إلا بعضه، ولا يتحقق التمكين التام، وإنما بعضه، وعلى ذلك هذا يؤثر على النفقة، تنقص نفقة المرأة العاملة في مقابل نقص التمكين التام للزوج، ثم إن أيضا المرأة العاملة تحتاج من الكسوة، وما يتبعها ما لا تحتاج المرأة غير العاملة؛ لأن المرأة العاملة قد تريد أن تلبس جديدا أمام زميلاتها، فهي تذهب كل يوم لمكان العمل، فهي قد تريد أن تلبس شيئا جديدا وهذا بخلاف المرأة غير العاملة المستقرة في بيتها، فحوائج المرأة العاملة أكثر من حوائج الغير العاملة، وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم أن المرأة العاملة يجب لها النفقة، لكن نفقتها أقل من نفقة المرأة غير العاملة، نفقتها أقل، لكن لو قدر أن هذه المرأة نفقتها إذا كانت غير عاملة كذا، إذا أراد أن ينفق على المرأة العاملة فإن تقدر بأقل من نفقة المرأة غير العاملة، المرأة غير العاملة هي ممكنة لزوجها التمكين التام طيلة الوقت، المرأة العاملة ليست ممكنة لزوجة التمكين التام، جزء من الوقت ست أو ثمان ساعة أو أكثر أو أقل تكون في مكان العمل، ولا تكون في المنزل، وهذا له أثر في إنقاص النفقة، وليس في إسقاطها، وإنما في إنقاص النفقة، فهذا إذاً نقول: إن عمل المرأة له أثر في إنقاص النفقة وليس في إسقاطها، هذا الذي يظهر والله أعلم في هذه المسألة.

ننتقل لنوازل أخرى من النوازل المتعلقة بالإرث، توريث المتسبب في حادث السيارة من مورثه.

من موانع الإرث: القتل.

                ويمنع الشخص من الميراث             واحدة من علل ثلاث

                رق، وقتل، واختلاف دينه             فا فهم، فليس الشك كاليقين

هذه من منظومة الرحبي – رحمه الله – والقتل عند الفقهاء سواء أكان قتل عمد، أو قتل شبه عمد، أو قتل خطأ، على خلاف بينهم في القتل الخطأ، هل القتل الخطأ من موانع الإرث أم لا؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن القتل الخطأ من موانع الإرث، فإذا قتل إنسان قريبه المورث فيمنع من الإرث، وهذا هو المذهب عند الشافعية، والحنابلة، ولهذا ذكره الشافعي وهو المذهب أيضا عند الحنابلة.

واستدلوا لهذا القول: بما روي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ليس لقاتل من الميراث شيء» وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وضعفه الترمذي.

وأيضا قالوا: إن القتل قد يكون ذريعة لاستعجال الوارث مال المورث، إذا كان المورث ذا ثروة، وغني، ربما أن هذا الوارث يقتله، ويدعي أنه قتله خطأ لأجل أن يتعجل تركته.

القول الثاني: أن القتل الخطأ ليس من موانع الإرث، ذهب إليه هذا القول الحنيفة، والمالكية، وقالوا: إن الله – عز وجل – قسم المواريث، وليس هناك دليل ظاهر يدل على منع الوارث من ماله مورثه إذا قتله خطأ، وأما حديث: «ليس لقاتل من الميراث شيء» فهو حديث ضعيف لا يصح، وإذا كان ضعيفا فإنه ليس هناك دليل يدل على منع الوارث من ميراث مورثه إذا قتله بطريق الخطأ، وأما القول بأن ذلك قد يكون ذريعة إلى التعجل الوارث من مال مورثة فإذا قامت القرينة الدالة لذلك فيمنع، أما إذا لم تقم فيبنى على الأصل، أن الأصل أن الوارث يرث من قريبه، وهذا القول الثاني وهو أن الوارث من مال مورثه إذا قتله بطريق الخطأ رجحه الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله تعالى – ورجحه جمع من المحققين من أهل العلم.

الذي يهمنا هنا في هذه المسألة حوادث السيارات إذا تسبب الوارث بقتل مورثه عن طريق حادث سيارة، ولم يكن ذلك بطريق العمد، ولا شبه العمد، وإنما بطريق الخطأ كأن يكون ركب معه في السيارة والده، ثم وقع له حادث على الطريق، وقرر المرور أن على هذا الابن نسبة من الخطأ عليه مثلا خمسين في المائة، فهنا قد تسبب هذا الابن في وفاة أبيه، فعلى مذهب الحنابلة والشافعية أن هذا الابن يحرم من الميراث، لكن هذه الابن قد يكون هو الابن البار بهذا الأب، قد يكون لهذا الرجل ابنان أحدهما عاق فيه، لا يمتثل لأوامر أبيه، ولا يطيعه، ولا يبر به، والآخر ابن بار، صالح، كلما طلب أبوه منه شيئا لبا طلبه، فأركبه في السيارة ذات مرة، ثم قدر أن وقع له حادث سيارة، فمات الأب، فعلى هذا القول يحرم هذا الابن البار من الميراث، ويرث هذا الابن العاق، هذا مما يبين رجحان القول بأن القاتل الخطأ يرث من مورثه، ما لم تقم بينة أو قرينة على أنه أراد تعجل الميراث، وعلى هذا ففي مثالنا السابق حوادث المرورية التي تسبب فيها بعض الناس في وفاة مورثيهم نقول: على القول الراجح أنهم لا يحرمون من الميراث وإنما يرثون منهم، فهذا الابن الذي أركب والده، صحيح أنه تسبب في حادث سيارة، إما بالسرعة، أو لكونه مثلا لم ينتبه، أو لضعف التركيز، أو لمكالمة جوال، أو لغير ذلك..فوقع هذا الحادث فتسبب في وفاة والده، لكنه لم يتعمد، فكيف يحرم من الميراث؟! ثم إن الحادث الذي أصاب والده يمكن يصيبه هو، وهذا مما يبين أنه لم يتعمد، فالسيارة أصيبت بحادث، يمكن أن يصاب السائق، ويمكن أن يصاب الراكب، وعلى هذا فالقول الراجح أن هذا الوارث لا يحرم من مورثه ما دام أن القتل بطريق الخطأ، إلا إذا قامت البينة أو القرينة على أنه قصد تعجل الميراث، وهذه المسألة عرضت على هيئة كبار العلماء، وقررت الهيئة بالأغلبية أن القاتل في حوادث السيارات لا يحرم من مال مورثه ما لم تقم قرينة تدل على أنه تعجل الميراث، لكنه بالأغلبية ليس بإجماع، هناك بعض المشايخ على مذهب الحنابلة وأن القتل الخطأ يمنع من الميراث مطلقا، والأظهر والله أعلم أنه لا يمنع ما لم تقم القرينة على أنه تعجل لهذه.

بقي ثمة نوازل لعلها – إن شاء الله – تؤجل للدرس القادم.